ملخص
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هش ومليء بالثغرات، يعكس أجندات متعارضة بين "حماس" وإسرائيل، ويترك القطاع محاصراً ومهدداً بمزيد من النزوح والمعاناة، وسط احتمالات استمرار العنف
جاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة مليئاً بالثغرات التي يبدو أنها صممت عمداً لإفشاله. فهو لن يوفر سوى استراحة قصيرة من أعمال العنف، بما يتماشى والاستراتيجيات طويلة الأجل لكل من طرفي الاتفاق، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعدائه في حركة "حماس".
وكانت قيادة الحركة المسلحة في غزة بدأت حملتها من الفظائع خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مدركة أن أية حكومة إسرائيلية - ولا سيما تلك التي يقودها بنيامين نتنياهو، والمتأثرة بشدة بسياسات اليمين المتطرف - سترد بقوة مدمرة.
ووفق تقارير صحافية، كان يحيى السنوار الزعيم السابق للفصيل المسلح الحاكم داخل قطاع غزة، عَدَّ أن خسارة عشرات الآلاف من أرواح الفلسطينيين "تضحيات لا بد منها". والآن، بعدما أصبح هو في عداد قتلى هذا الصراع، فإنه بلا شك لن يشعر بأي شيء تجاه 46700 آخرين قضوا نحبهم، كما تقول وزارة الصحة الفلسطينية، بسبب القصف الجوي والبري والبحري الإسرائيلي.
وعملت حركة "حماس" ضمن أجندتها على دفع القضية الفلسطينية - والمحنة - إلى قمة الأولويات العالمية، بعد أعوام من ركودها في الأخبار، في حين استخدم نتنياهو تلك الفترة من الهدوء لتحريك الجهود الرامية إلى تطبيع علاقات بلاده مع الدول العربية والإسلامية، التي كانت تاريخياً تناصب دولة إسرائيل العداء.
وفي هذا الإطار، تخلت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب عن الدعم طويل الأمد الذي قدمته للفلسطينيين في نضالهم للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، وذلك لمصلحة اتفاقات ثنائية عقدتها مع إسرائيل، بعدما توسطت فيها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال فترة ولايته الأولى.
وفي الوقت نفسه، بدا التوصل إلى اتفاق مع السعودية وشيكاً إلى أن نفذت "حماس" هجماتها، تاركة سكان غزة يتحملون وطأة ردة الفعل الإسرائيلية الغاضبة.
وهذا الأسبوع، أشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أن "توقيت هجوم ’حماس‘ لم يكن من قبيل المصادفة". ورأى أن التكامل الإقليمي المتزايد لإسرائيل واحتمال تطبيع علاقاتها مع السعودية شكلا تحدياً مباشراً للحركة، وتهديداً وجودياً لسلطتها وتطلعاتها إلى الهيمنة على السياسة الفلسطينية، كما لهدفها الأساس المتمثل في رفض حل الدولتين، والدعوة إلى تدمير دولة إسرائيل.
والآن، وبعد 15 شهراً من الحرب في غزة، تواجه إسرائيل اتهامات بارتكاب أعمال "إبادة جماعية"، خصوصاً إثر إصدار "المحكمة الجنائية الدولية" أوامر اعتقال، دفعت بقادتها العسكريين إلى توخي الحذر قبل السفر إلى خارج البلاد، تحسباً لاحتمال توقيفهم.
وفي المقابل، تصاعدت وتيرة الهجمات - والمشاعر - المعادية للسامية في مختلف أنحاء العالم، في حين عاد التعاطف مع القضية الفلسطينية إلى الظهور على الساحة الدولية.
وفي الوقت نفسه، أصبح حق إسرائيل في الوجود محل تشكيك من جانب أصحاب الأفكار المتطرفة. وهذه المناقشة السطحية تردد صدى السياسة طويلة الأمد التي تنتهجها "حماس" لإبادة الدولة اليهودية بالكامل، وهذا التطور يمثل انتصاراً للحركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ربما تعرضت "حماس" لضربة تسببت بسحقها على المستويين التكتيكي والعسكري، لكنها على المستوى الاستراتيجي أصبحت أكثر قوة مما كانت عليه عندما بدأت عملياتها خلال السابع من أكتوبر 2023. ووفقاً لأنتوني بلينكن تمكنت الجماعة من إعادة تجنيد "عدد من الأشخاص يكاد يعادل عدد الذين فقدتهم" خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، سعت حكومة بنيامين نتنياهو علناً إلى تنفيذ رغبتها في ضم الضفة الغربية المحتلة إليها، بهدف الاستيلاء على الأراضي من جهة، وشطر الشعب الفلسطيني ومنعه من الاندماج في الإطار السياسي لإسرائيل من جهة أخرى.
ويؤيد عدد كبير من المستوطنين الإسرائيليين الموقف الذي يعبر عنه الوزير في الحكومة بتسلئيل سموتريتش والذي يطالب حكومته بإعادة احتلال غزة، مرجحاً أن يسعى ما يقارب نصف السكان الفلسطينيين في قطاع غزة إلى "الهجرة الطوعية". إلا أن وزير شؤون الشرق الأوسط في حكومة المملكة المتحدة هاميش فالكونر استهجن مثل هذا الطرح، واصفاً إياه بأنه غير قانوني ويشكل ضربة شديدة لأية آمال في إرساء سلام إقليمي.
وميدانياً، تزايدت احتمالات حدوث نزوح جماعي من قطاع غزة، بعدما باتت مناطقه غير صالحة للسكن إلى حد كبير، ومع التهديد القائم باشتعال الحرب مرة أخرى في أية لحظة. كما أن المرافق الطبية في حال خراب، ومنعت إسرائيل "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) - وهي الوكالة الدولية التي تولت مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الصراعات السابقة - من العمل في الأراضي المحتلة.
وبمجرد أن يصبح الخروج ممكناً لسكان غزة، فلن يتبقى سوى عدد قليل من مدارسها أو فرص العمل التي يمكن أن تبقي الفلسطينيين داخل القطاع.
ولا شك في أن حكومة بنيامين نتنياهو سترحب بالرحيل "الطوعي" على نطاق واسع للفلسطينيين سواء من غزة أو من الضفة الغربية، حتى لو أن مسؤوليها ينكرون تنفيذ مثل هذه السياسة بصورة مباشرة.
لكن رئيس الوزراء الفلسطيني يصر على أنه لن يكون مقبولاً أن يحكم غزة في المستقبل أي طرف غير السلطة الفلسطينية.
وينص اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه أخيراً في شأن غزة على أن تفرج حركة "حماس" عن 33 رهينة إسرائيلية على مراحل خلال الأسابيع المقبلة، وفي المقابل يتعين على إسرائيل أن تفرج عن مئات من السجناء الفلسطينيين، وتبدأ انسحاباً تدريجاً لقواتها مع الحفاظ على سيطرتها على المعابر الحدودية المؤدية إلى مصر.
وبعد مرور 42 يوماً من المقرر أن تبدأ الجولة التالية من المفاوضات بين الجانبين، لكن غزة ستظل محاصرة بالكامل من جانب القوات العسكرية الإسرائيلية.
ومن المقرر أن تركز هذه المرحلة على تحديد الجهة التي ستحكم غزة. وتعد السلطة الفلسطينية - التي ترتبط باتفاق أمني مع إسرائيل وتدير شؤون الضفة الغربية - الخيار الدولي المفضل لتولي السيطرة فيها. ودعت الولايات المتحدة إلى "تفعيل" هذه السلطة في القطاع.
يُذكر أن آخر انتخابات تشريعية للسلطة الفلسطينية جرت عام 2006 (انتهت بفوز حركة "حماس"). ومنذ ذلك الحين، حكمت الحركة قطاع غزة بعدما أطاحت القوة حركة "فتح"، الحزب المهيمن على السلطة في الضفة الغربية. لكن إسرائيل وحلفاءها يرفضون قبول أن تحكم "حماس" غزة.
ويبدو أن إمكانات نجاح حركة "حماس" في إفشال أية فرصة للسلام هائلة، مع احتمالات شبه معدومة لامتناعها عن القيام بذلك. فبالنسبة إليها الفوضى تعادل النصر في هذا الصراع.
يشار إلى أن نقطة الالتقاء الوحيدة بين حركة "حماس" وحكومة بنيامين نتنياهو، تتمثل في الاعتقاد أن حل الدولتين - مع وجود دولة للإسرائيليين وأخرى للفلسطينيين - هو غير قابل للتحقيق في المستقبل المنظور.
وفيما تطالب "حماس" بالسيادة على مجمل الأراضي الإسرائيلية، يدعو حزب "الليكود" اليميني الذي يتزعمه نتنياهو إلى بسط سيادة إسرائيلية تمتد من وادي الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط (أي ضمناً مجمل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة).
وفي حين أن غالب الإسرائيليين والفلسطينيين قد يقبلون على الأرجح "حل الدولتين" إذا بدا ممكناً، فإن حركة "حماس" واليمين السياسي داخل إسرائيل غير راغبين في السماح بذلك.
لذلك، فإن وقف إطلاق نار غير مستقر يوفر فرصاً لمزيد من القتال من غير المرجح أن يستمر، لأن المتطرفين من كلا الجانبين يعتقدون أنهم يكسبون.
© The Independent