Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قانون الانتخابات التونسي "قبلة النهاية" للأحزاب أم طوق النجاة؟

مؤيدون: "الاقتراع على الأفراد ليس خطراً على الكيانات" ومعارضون: "يكرس التسلط ويلغى الديمقراطية"

اعتمد تعديل قانون الانتخابات نظام الاقتراع على الأفراد لأول مرة في تاريخ تونس التي تعودت الاقتراع على القوائم (أ ف ب)

ثمة شبه إجماع لا يمكن إنكاره في تونس على تهاوي شعبية الأحزاب السياسية وتراجع الإقبال على الانخراط فيها من محطة انتخابية إلى أخرى بعد 2011، وهو ما عمق أزمة الثقة بين النخب السياسية وعموم التونسيين وأنتج لحظة 25 يوليو (تموز) 2021 التي اعتبرت لحظة "نهاية عهد الأحزاب" وبداية أشكال جديدة من التنظم الذاتي والديمقراطية المباشرة، وهي سردية طالما دعا إليها رئيس الجمهورية قيس سعيد في سياق نقده لأداء الأحزاب السياسية التي وصفها بالمنتهية والفاشلة في إدارة الشأن العام.

وترجم التنقيح الأخير لقانون الانتخابات هذه المقاربة من خلال اعتماد الاقتراع على الأفراد لأول مرة في تاريخ تونس التي تعودت على الاقتراع على القوائم التي تكون إما حزبية أو ائتلافية أو مستقلة.

واعتبرت هذه الخطوة تقليصاً لدور الأحزاب التي عادة ما تتقدم إلى الانتخابات بقوائم متناصفة، بينما يعزز القانون الجديد الرهان على الأفراد. فهل فعلاً يضعف الاقتراع على الأفراد الأحزاب ويحد من نفوذها؟ وما مستقبل هذه الكيانات في المشهد السياسي الجديد؟

تتباين المواقف إزاء الاقتراع على الأفراد بين من يرى أن التصويت على القوائم هو في نهاية الأمر تصويت على أفراد، وبخاصة رئيس القائمة، بينما يرى شق آخر أن الاقتراع على الأفراد سيعزز سطوة المال السياسي من خلال نفوذ من يملكون المال والمكانة الاعتبارية الأمر الذي يغذي "العروشية".

لا قانون مثالياً

يؤكد الأمين العام لحزب "التيار الشعبي" زهير حمدي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "كل قانون انتخابي له إيجابياته وسلبياته، ولا يوجد قانون انتخابي مثالي، فكل قانون يراعي السياق السياسي الذي نشأ فيه"، معتبراً أن "الأولوية هي تنقية المناخ السياسي وتوحيد العائلات السياسية في تكتلات شعبية قوية من أجل القضاء على التشتت الحزبي الذي أنتج أيضاً تشتتاً داخل البرلمان".

ولفت حمدي إلى أننا "جربنا نظام الاقتراع على القوائم وكانت النتيجة معلومة لكل التونسيين، والتخوف من أن يكرس نظام الاقتراع على الأفراد العروشية لا معنى له، فالاقتراع على القوائم هو في الأصل تصويت لرئيس القائمة الحزبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعتقد حمدي أن "القضاء على الحزبية يتوقف على تنقية المناخ الانتخابي من خلال سن قوانين وإجراءات حمائية للعملية الانتخابية"، معتبراً أن "القوى السياسية في تونس هي في أغلبها أحزاب فاسدة"، داعياً إياها إلى "فرض ذواتها من خلال برامج ومشاريع قادرة على الاستجابة لتطلعات التونسيين".

ويشدد زهير حمدي على ضرورة "توحيد الأحزاب في كتل شعبية وازنة لتكون أقطاباً سياسية حقيقية تدخل الانتخابات ببرامج قوية، وإن لم تقم بذلك فعليها أن تندثر من الساحة"، واصفاً بعض الأحزاب بـ"الدكاكين السياسية، وهي أحزاب ضعيفة لا برامج لها".

وأكد أن "المشهد السياسي في تونس يحتمل قطبين سياسيين: ديمقراطي تقدمي وطني، وقطب ليبرالي"، معتبراً أن "الأحزاب ستظل الأداة السياسية الوحيدة القادرة على إدارة الشأن العام، بشرط التخلي عن الممارسات المشبوهة كالمحاصصة الحزبية والتوافقات المغشوشة والزبونية السياسية".

أحزاب هشة

تؤكد أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي في تصريح صحافي أن "نظام الاقتراع على الأفراد لا يمثل خطراً على الأحزاب السياسية، ولا يمكن اعتباره نظاماً انتخابياً معادياً للأحزاب، وهو معتمد في فرنسا وبريطانيا على سبيل المثال، ويقضي بأن تتنافس الأحزاب من خلال مرشحيها في الدوائر الانتخابية وليس قوائمها".

وتستدرك القليبي بالقول "لكن المقارنة لا تجوز مع هذه الديمقراطيات العريقة، لأن الوضع في تونس مختلف تماماً، فالديمقراطية لم تتجذر بعد، والأحزاب السياسية التونسية تعاني الهشاشة"، مضيفة أن "الانتقال إلى نظام الاقتراع على الأفراد لا يمثل الخيار الأحسن في تونس في ظل الأزمة التي تعيشها".

في المقابل شدد الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي على أن "المرسوم الانتخابي الجديد يقلل من دور الأحزاب السياسية"، معتبراً أن "الوصول إلى البرلمان سيكون بمجموعة ممثلي التنسيقيات المحلية والمعتمديات، حتى يكون دوره مجرد صدى لقرارات وتوجهات السلطة التنفيذية".

واعتبر الشابي أن المرسوم الرئاسي المتعلق بتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء "يكرس النظام القاعدي ويعود بتونس إلى نظام فردي تسلطي ويلغى الديمقراطية التمثيلية ويضرب دور الأحزاب السياسية".

وأضاف أن رئيس الجمهورية "سمح لنفسه بتغيير قواعد المنافسة الانتخابية واللعبة الديمقراطية من دون مشاركة أي من القوى الحية أو الخبراء أو المجتمع المدني أو الجمعيات المعنية بالانتخابات، وهو النهج نفسه الذي توخاه في تغيير الدستور".

واعتبر أن "تعديل قانون الانتخابات يتعارض مع المعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة شكلاً ومضموناً، إذ إن إسقاط هذا القانون على المجتمع من دون حوار وتشاركية هو عودة لنظام فردي تسلطي يلغى الديمقراطية التمثيلية، ويضرب دور الأحزاب السياسية في الحياة الوطنية عبر البرامج والتنافس الانتخابي".

وتضم تونس اليوم أكثر من مئتي حزب، لكن الواقع السياسي لا يحتمل سوى أربع أو خمس عائلات سياسية كبرى، وهو ما يعكس حال الوهن والهشاشة الذي تعانيه هذه الكيانات التي أوغلت في الصراع على الزعامات الحزبية والمصالح الضيقة من دون ابتكار آليات ديمقراطية داخلها لإدارة خلافاتها السياسية.

وقد أثرت تلك الصراعات في أداء الأحزاب داخل البرلمان الذي كرس بدوره صورة سيئة عن النخب السياسية في تونس، وهي مدعوة اليوم إلى إعادة النظر في آليات إدارة خلافاتها الداخلية، وتغيير أدوات التعبئة، ووضع مشاريع واستراتيجيات عملية من أجل ديمومة وجودها في الساحة السياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي