Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تخاطر تونس بمواجهة "صندوق النقد" بعد اتفاق رفع الأجور؟

محللون: الزيادة "لا تسمن من جوع" لكنها ستنقذ الحكومة من مأزق اجتماعي صعب

تمسك الاتحاد العام للشغل بوجوب تعديل أجور الموظفين في ظل تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين (أ ف ب)

تُوجت المفاوضات العسيرة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة التونسية باتفاق بين الطرفين يقضي برفع أجور موظفي القطاع العام (الوزارات الشركات والمنشآت الحكومية) بنسبة تتراوح بين 1.9 في المئة وسبعة في المئة في الأجر الخام وليس الصافي مقابل معدل عام بستة   في المئة في المفاوضات السابقة لسنة 2019.

ووفق مصدر نقابي مطلع على سير المفاوضات فإن هذه الزيادة تتوزع على ارتفاع بخمسة في المئة لمختلف إطارات وأعوان الشركات الحكومية وسبعة في المئة بعنوان الأجر الأدنى المضمون، و1.9 في المئة لأستاذ تعليم عال، و1.5 في المئة لطبيب استشفائي، و5.5 في المئة للعامل البسيط.

ومن المنتظر أن يتم التوقيع رسمياً على محضر اتفاق الزيادة في الأجور اليوم الخميس بعد الظهر في قصر الحكومة.

وأكدت المصادر النقابية أن الزيادة في الأجور ستغطي سنوات 2023 و2024 و2025، على أن يبدأ صرفها بداية من سنة 2023.

وستشمل الزيادة التي ستكون في الأجر الخام أكثر من 680 ألف موظف تونسي يعملون في القطاع العمومي في ظرف اقتصادي ومالي صعب جداً تمر به البلاد، بخاصة اهتراء المقدرة الشرائية للموظفين مع صعود لافت لنسبة التضخم التي بلغت مستويات قياسية بـ 8.6 في المئة لم تسجلها منذ 34 عاماً مع تسجيل انفلات كبير في أسعار عديد من المنتجات الاستهلاكية الأساسية.

وتمسك الاتحاد العام التونسي بوجوب تعديل أجور الموظفين في ظل ما يسجل من تراجع لافت للمقدرة الشرائية للتونسيين مقابل تمسك الحكومة بموقفها بعدم الترفيع في الأجور التزاماً باتفاقها السابق مع صندوق النقد الدولي بعدم الزيادة في كتلة الأجور من الناتج الداخلي الخام التي تقارب 15 في المئة في 2022، الأمر الذي يرفضه صندوق النقد الدولي.

ويشار إلى أن نسبة الزيادة في الأجور تحدد عادة بحسب نسبة التضخم وقدرة الحكومة على توفير اعتمادات الزيادة في الميزانية العامة التي تنشر رسمياً ضمن كتلة الأجور المبرمجة لكل سنة.

ظرف مالي صعب

ويأتي توصل حكومة نجلاء بودن مع الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية القوية في تونس) لقرار الزيادة في أجور موظفي القطاع العام، في ظرف اقتصادي ومالي خانق تمر به تونس في السنوات القليلة الأخيرة بتسجيل نسب نمو ضعيفة جداً تقارب اثنين في المئة سنوياً، وبلوغ نسبة البطالة مستويات عالية في حدود 15 في المئة وأكثر من 626 ألف عاطل من العمل جلهم من خريجي الجامعات.

وعلى الرغم من تعديل أجور الموظفين وانتظار التوقيع الرسمي على محضر الاتفاق، تعاني تونس بالتوازي مع عديد من الإشكالات المالية الهيكلية من خلال تراجع الميزان التجاري.

ترميم المقدرة الشرائية للموظفين

من ضمن النقاط التي ارتكز عليها اتحاد الشغل في مفاوضاته مع الحكومة بخصوص وجوب تعديل الأجور بخاصة أجور الموظفين، هي اهتراء المقدرة الشرائية لعموم التونسيين، الأمر الذي استوجب وفق تصريحات النقابيين ترميم المقدرة الشرائية للموظفين في ظرف تشهد فيه البلاد موجة غلاء أسعار غير مسبوقة.

والمتابع للشأن العام في تونس في الأشهر الأخيرة يلاحظ الشطط غير المبرر لأسعار جل المنتوجات الاستهلاكية الأساسية التي قفزت أثمانها إلى مستويات لا يمكن للمواطن البسيط والموظف تحملها.

وتأكيداً على هذا المنحى سجلت نسبة التضخم في تونس أعلى مستوى لها منذ 34 عاماً ببلوغ مستوى 8.6 في المئة مع عجز لعديد من التونسيين مجاراة النسق الجنوني لحركة الأسعار الآخذة في الزيادة يومياً تقريباً.

الحكومة تتحدى صندوق النقد

ببلوغ اتفاق مع المنظمة الشغيلية ستجد حكومة نجلاء بودن نفسها في مواجهة مباشرة مع صندوق النقد الدولي الرافض قطعياً للزيادة في أجور الموظفين من أجل تطويق كتلة الأجور التي تمثل لوحدها حوالى 40 في المئة من موازنة البلاد وزهاء 15 في المئة من الناتج الداخلي الخام.

ويشترط الصندوق على تونس في مفاوضاته بخصوص الموافقة على منح تونس قرضاً بقيمة أربعة مليارات دولار، الضغط على كتلة الأجور والنزول بها إلى مستويات مقبولة فضلاً عن حزمة من الإجراءات الأخرى على غرار رفع الدعم عن المواد البترولية والكهرباء وإصلاح الشركات الحكومية.

ولكن بإعلان اتفاق بين الحكومة واتحاد الشغل حول الزيادة في أجور الموظفين تكون نجلاء بودن قد تحدت صندوق النقد الدولي، وعقدت الوضعية بصعوبة الحصول على القرض بخاصة منح الضوء الأخضر لبقية المؤسسات المالية الدولية لتمويل تونس بقروض.

انتصار للحكومة

ويرى أنيس الوهابي المحاسب المتخصص في مسائل الموازنة أن نسبة الزيادة في أجور الموظفين تعد مهمة من حيث الإسهام في تحقيق الاستقرار الاجتماعي في البلاد والتقليص قدر الإمكان من تنفيذ الإضرابات العامة بما يؤثر سلباً في نسق الإنتاج.

ومن جانب آخر قال لـ "اندبندنت عربية" إن الزيادة المتفق عليها لا تغني ولا تسمن من جوع من منطلق نسبة التضخم المرتفعة (8.6 في المئة) التي لا تتوافق تماماً مع الزيادة 3.5 في المئة، معتبراً أنها لن تسهم في ترميم المقدرة الشرائية للموظفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد المتحدث أن الوصول إلى اتفاق مع اتحاد الشغل يعد وفق رأيه انتصاراً كبيراً للحكومة التي على الرغم من الضغوطات والتحديات المفروضة وجدت المعادلة المالية للزيادة في أجور موظفي القطاع العام.

وعن تأثير هذا الاتفاق في سير المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، أبرز المتحدث أن الصندوق لا تهمه هذه المسألة بقدر ما يركز على الكلفة الإجمالية للأجور التي لا يجب أن تتخطى مستوى معيناً، لافتاً إلى أن كلفة الأجور بعنوان عام 2022 تبلغ حوالى 21 مليار دينار (سبعة مليارات دولار) من جملة موازنة عامة بقيمة 57 مليار دينار (19 مليار دولار).

تنازل من اتحاد الشغل

ومن جهته يقول رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، إن هذا الاتفاق يظهر أن اتحاد الشغل يرغب في ألا يكون حجر عثرة في إمكانية بلوغ تونس اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي، ملاحظاً أن الزيادة طفيفة جداً بما أن نسبتها 3.5 في المئة تعد أقل من معدل التضخم المالي المسجل حالياً.

ولكنه أبرز بالقول "في الحقيقة التضخم يهم أيضاً المواد الأساسية التي ارتفعت برقيمين في الأشهر الأخيرة" مرجحاً أن المقدرة الشرائية للمواطن التونسي ستواصل انحدارها.

ولفت إلى أن حضور محافظ البنك المركزي التونسي في الجلسة الأخيرة من المفاوضات بين اتحاد الشغل والحكومة، يظهر جلياً الصعوبات التي تمر بها البلاد وأن المنظمة الشغيلة أخذت في الاعتبار هذه الصعوبات التي تعيشها موازنة الدولة وقامت بنوع من التنازلات.

رضا الشكندالي خلص إلى أن الزيادة ستؤثر في استقرار المناخ الاجتماعي والتقليص من حال الاحتقان والمطلبية المتواصلة، وأن اتفاق الحكومة واتحاد الشغل يعد حلاً للحكومة سيمكنها من الخروج من مأزق اجتماعي صعب ودقيق.

ويعتقد أن الاتفاق بخصوص الزيادة في الأجور من دون المساس بكتلتها سيقنع صندوق النقد الدولي الذي يمكن أن يمنح تونس القرض الذي سيقلص من الضغوطات المالية على البلاد.

اقرأ المزيد