Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تدهور منظومة التعليم العمومي في تونس يشغل بال الرأي العام

صعق وزير التربية المجتمع التونسي بالإعلان عن مستويات تعلمية تقارب الأمية

رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن ووزير التربية في جولة بمناسبة العودة إلى المدارس (موقع وزارة التربية)

أثار وزير التربية التونسي فتحي السلاوتي صدمة لدى الرأي العام بكشفه عن أن "75 في المئة من طلبة السادسة ابتدائي و83 في المئة من طلبة التاسعة أساسي المشاركين في المناظرة الوطنية في حالة شبه أمية".
وأفاد السلاوتي في الإطار ذاته أن 25 في المئة من الطلبة المجتازين مناظرة السنة السادسة ابتدائي من بينهم 71 في المئة لم يحصلوا على المعدل في مادة الرياضيات و45 في المئة منهم لم يحصلوا على المعدل في مادة اللغة العربية و43 في المئة في مادة اللغة الفرنسية.
وعبر وزير التربية عن طموحه في إنقاذ المدرسة العمومية، داعياً في السياق ذاته إلى تغليب المصلحة العامة في ظل الوضع الراهن في البلاد وصعوبات المالية العمومية، مبيناً خلال حديثه عن تنفيذ نقابة التعليم وقفة احتجاجية لمدة ساعة خلال العودة المدرسية، أن "مطالب المدرسين المادية مشروعة لكن يجب تغليب مصلحة البلاد على المصالح الأنانية الذاتية."
وفي ما يخص مجالس التأديب التي خضع لها بعض المدرسين أقر الوزير أنه "في كل إدارات وزارة التربية تسرب أشخاص لا يستحقون كلمة مدرس أو أستاذ"، موضحاً أن "كل المدرسين الذين تم عزلهم متورطون في قضايا تحرش وسرقة وغيرها"، مضيفاً أن "القرارات تتخذ في شأنهم بعد الأبحاث والتثبت".

التحصيل العلمي

ورأى بعض المهتمين بالشأن العام في تونس أن تصريح السلاوتي الصادم حول حقيقة تدني مستوى التحصيل العلمي جاء في إطار الصراع بين وزارة التربية ونقابة التعليم التي تهدد قبل بداية السنة الدراسية بتنفيذ إضرابات عن العمل من أجل تحصيل مطالبهم المادية.
في هذا الصدد أشارت عضو نقابة التعليم الثانوي جودة دحمان إلى وجود إشكاليات عدة خلال العودة المدرسية الحالية، منتقدة مجالس التأديب التي خضع لها مدرسون كثر واعتبرتها "من دون حجج قانونية".
كما انتقدت دحمان "النقص الفادح في الإطار التربوي بالمدارس العمومية مما أثر في جودة التعليم".
ولمعرفة أهم أسباب تدهور منظومة التعليم في تونس، قال الخبير الدولي في مجال التربية مراد البهلول إن "معضلة تدني مستوى طلبة المدارس ليست جديدة بل عمرها سنوات والمدرسة العمومية تشكو من نقائص مختلفة".
وقال البهلول إن "هنالك عناصر أساسية مسؤولة عن تدهور منظومة التعليم في تونس، والتي تؤكدها التقييمات التونسية والدولية، أهمها قدم المناهج المدرسية التي لم تتغير منذ أكثر من 20 سنة، ثم أسباب أخرى تتعلق بتكوين المدرسين وقدرتهم على العمل في وضعيات تعليمية تقود إلى مكتسبات جيدة. إضافة إلى البنية التحتية والفضاءات المدرسية التي لم تعد ملائمة من أجل مدرسة حديثة، ثم الزمن المدرسي غير المدروس والذي لم يعد ملائماً لطلبة اليوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستخلص البهلول أنه "لا بد من بلورة مشروع وطني لإنقاذ منظومة التعليم بتونس وبخاصة العمومية منها ارتكازاً على هذه الأسباب".

الخيارات المجتمعية

في المقابل، هناك من يرى أن تصريح وزير التربية مبالغ فيه، إذ قال مدرس التعليم الثانوي عبد الرزاق حاج مسعود، "منذ سنوات طويلة، ومع كل امتحانات وطنية، تنصب المحاكمات حول انهيار مستوى التعليم في تونس، والحقيقة أن الأمر يحتاج إلى تدقيق لأن عوام فيسبوك الذين ينصبون هذه المحاكمات ليسوا أهلاً لتقييم واقع التعليم في تونس". وأضاف حاج مسعود "من واقع تجربتي الصغيرة أستطيع أن أؤكد أن المستوى العام للتلميذ ليس أسوأ من مستوى تلميذ السبعينيات والثمانينيات التي يتم اعتمادها للقياس، بل إنني متأكد أن نسبة التلاميذ المتميزين (في المواد العلمية والأدبية) حالياً تفوق نسبتهم في الماضي".
واعتبر المدرس التونسي أن "المشكل اليوم في الخيارات المجتمعية الكبرى"، موضحاً أن "التلميذ يتعلم في محيط لا يؤمن بالعلم ولا يراهن عليه، عكس مجتمع السبعينيات والثمانينيات تماماً، الذي كان لا يراهن إلا على مصعد المدرسة العمومية. مجتمعنا اليوم يحترم الثري ولو كان تاجر مخدرات لا صاحب العلم". ولفت إلى "مشكلة العدد والبنية الأساسية المتمثلة في عدد الطلبة الذي تضاعف عشرات المرات، ولم يواكب هذه الزيادة تطور في البنية التحتية".
هذا الانفجار العددي ترتبت عليه تداعيات أخرى، بحسب حاج مسعود، أهمها "عجز المدرس عن تدريب كل التلاميذ بالجودة ذاتها، فبرزت كارثة الدروس الخاصة وتعقدت إلى أن أصبحت تعليماً رسمياً موازياً لا غنى عنه من جهة التلميذ ولا الأستاذ الذي لم يعد مرتبه يغطي احتياجاته الأساسية".
واستخلص حاج مسعود أن "أزمة التعليم العمومي هي أزمة مجتمع تائه لم يحسم أياً من خياراته، وأزمة دولة يخترقها الفساد بشكل هيكلي وليست أزمة برامج"، مضيفاً أن "تحديث البرامج بما يواكب طبيعة المادة التعليمية في مدارس العالم أمر في غاية اليسر".
يشار إلى أن السنة الدراسية الحالية شهدت عقبات عدة قبل انطلاقها، أهمها فضيحة الأخطاء اللغوية في الكتب الرسمية التي تم طباعتها في تركيا وهي سابقة تاريخية في تونس. وكشف رئيس الغرفة النقابية الوطنية لمصنعي الكتاب المدرسي سمير قرابة عن أن "الدولة تكبدت خسارة قدرت بالعملة الصعبة بين أربعة وسبعة ملايين دولار أخرى على شكل أداء على القيمة المضافة". وأضاف أن "أصحاب المطابع في تونس يعتبرون أن التوجه نحو أصحاب المطابع في تركيا لطباعة الكتاب المدرسي الموجه للتلامذة التونسيين أمر يضر بالسيادة الوطنية".

المزيد من العالم العربي