Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة المالية تعطل مئات المشاريع الحيوية في السليمانية

آثار حكم الإدارتين والخلافات السياسية تفرضان واقعاً اقتصادياً مربكاً على إقليم كردستان

يعاني الإقليم من آثار الانقسام الإداري الناجم عن حرب أهلية خاضها الحزبان الحاكمان "الاتحاد الوطني" و"الديمقراطي الكردستاني" (أ ف ب)

حذر مسؤولون ونواب أكراد من تبعات استمرار الأزمة المالية في محافظة السليمانية ثاني كبرى محافظات إقليم كردستان، في ظل تعطل مئات المشاريع الحيوية وإفلاس شركات تجارية، فيما كشف رئيس الحكومة مسرور بارزاني عن أنه يعمل لتأسيس بنية اقتصادية متينة، ستظهر نتائجها في المستقبل القريب على رغم شدة الأزمات.

ويعاني الإقليم آثار الانقسام الإداري الناجم عن حرب أهلية خاضها الحزبان التقليديان الحاكمان "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني الذي يحظى بالنفوذ الأكبر في نطاق السليمانية وتوابعها، ونظيره "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني الذي يرتكز نفوذه في محافظتي أربيل ودهوك، إثر صراع على النفوذ والإيرادات، في حين ما زالت جهود حكومتها الائتلافية تواجه صعوبات في توحيد بعض المؤسسات بخاصة في الملفين العسكري والأمني، وكذلك على مستوى ملف كبح الفساد.

ضحايا التعطيل

"طريق الموت" تسمية ترمز إلى الطريق الاستراتيجي الذي يربط منطقتي كلار – دربنديخان في مدينة السليمانية بطول يبلغ نحو 180 كيلومتراً، لما يشهده من حوادث مرورية مميتة، وعلى رغم أن المشروع أطلق منذ عام 2012 لكنه بات يمثل نموذجاً للمشاريع المعطلة في نطاق إدارة حزب "الاتحاد" جراء شح في السيولة النقدية الناجمة عن الأزمة المالية التي تعصف بالإقليم منذ عام 2014، على وقع هبوط حاد في أسعار النفط وخوض حرب مع تنظيم "داعش".

وللتعبير عن الاحتجاج نظم نشطاء الثلاثاء الماضي مسيرة راجلة على طول الطريق وصولاً إلى مبنى مجلس السليمانية، حاملين صور ضحايا الحوادث المرورية طالبوا خلالها بالإسراع في إنجازه، لكن المجلس أكد أن إكمال المشروع سيتطلب سنتين إضافيتين من العمل في حال توفير الأموال.

عجز في الإيراد المحلي

رئيس مجلس السليمانية أزاد حمد أمين حذر خلال مؤتمر صحافي عقب لقائه وفداً من أهالي قضاء دربنديخان من "تفاقم أزمة تعطل المشاريع في السليمانية في حال استمرار الاعتماد على الإيرادات المحلية، وعلى الحكومة إلغاء ربط نفقة مشاريع السليمانية بالإيرادات المحلية للمحافظة، بخاصة أنها تشكو عجزاً يصل إلى 100 مليار دينار لتأمين مرتبات شهر أغسطس (آب) الماضي نتيجة شح الإيرادات، وهذا يؤدي إلى تعطيل المشاريع". وأردف أن "الحكومة لم تصرف بعد أي مبالغ للمشاريع، لكن اتخذت خطوات حثيثة لإطلاقها، وكأحد الحلول قد تحال المشاريع التي تعجز الحكومة عن إنجازها إلى شركات أهلية".

من جانبه دعا عضو كتلة حزب طالباني في البرلمان الاتحادي كاروان يارويس الحكومة إلى "الكف عن تقديم الوعود والأعذار، وعليها اتخاذ خطوات جدية لاستكمال المشروع". وقال في بيان إن "الطريق بدأتم به قبل عشر سنوات ولم تنجزوا نصفه بعد، وما زالت الحوادث المرورية فيه تحصد الأرواح يومياً".

وتحدث وزير الإعمار دانا عبدالكريم خلال تفقده مشروع طريق كرميان - السليمانية عن وجود "عجز في التمويل"، وحمل حكومة بغداد جزءاً من أزمة الإقليم المالية، "لتنصلها عن دفع مستحقات الإقليم المالية بانتظام والبالغة 200 مليار دينار".

ووفقاً لمسؤولين محليين فإن إدارة كرميان تعاني تعثر أعمال نحو 100 مشروع خدماتي كالطرق والكهرباء والماء والسدود وغيرها، بسبب نقص التمويل وعدم تسديد مستحقات المقاولين.

ويتبادل نواب ومسؤولون في الحزبين الاتهامات حول مسؤولية تفاقم الأزمة المالية في السليمانية، إذ يلقي مسؤولون في حزب طالباني باللائمة على حزب بارزاني الذي يتولى رئاسة الحكومة، ويتهمونه بفرض "الحصار" على المحافظة كورقة ضغط في إطار خلافاتها الدائرة، سواء في العلاقة مع بغداد أو في إدارة الإقليم، بينما يرجع مسؤولون في حزب بارزاني الأزمة إلى "استيلاء بعض المتنفذين في حزب الاتحاد على إيرادات المحافظة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعود على ورق

ويقول النائب البارز علي حمه صالح إن الحكومة "تعلن يومياً إقامة مشاريع في السليمانية ومناطق إدارة كرميان، وهم في الوقت نفسه يعلمون عدم قدرتهم على تنفيذها، وبالفعل لم ينجز هذا العام أي مشروع لذا عليهم أن يتوقفوا عن قطع العهود لسكان هذه المناطق، ويصارحوهم بأن تكاليف أي مشروع ستكون على نفقة إيرادات السليمانية الشحيحة أصلاً". وأضاف أن "المحافظة تعاني أيضاً توقف أعمال الشركات لعدم تلقيها مستحقاتها المالية، بينما أصبحت بعض الدوائر الحكومية مدينة لعدم توفر المخصصات لتأمين الوقود والمستلزمات".

ويؤكد صالح وجود تناقص ملحوظ في إيرادات السليمانية، قائلاً "مجموع ما يدخل من هذه الإيرادات إلى الخزانة العامة لا يتجاوز 70 مليار دينار (47 مليون دولار)، مما يحتم التحقيق في الأمر، لأن تمويل مرتبات موظفي القطاع العام يبلغ 90 ملياراً (60 مليون دولار)، بينما تصل النفقات إلى 40 ملياراً (27 مليون دولار)، أي أن ما يتوفر من الإيراد لا يتعدى 70 ملياراً في حين يبلغ مجموع النفقات 130 ملياراً (89 مليون دولار)". وتساءل "لقد خصصوا مبلغ 60 مليار دينار (40 مليون دولار) لإكمال طريق كلار- دربنديخان، هل تم صرف أي مبلغ؟ وكذا الحال بالنسبة إلى مشروع ماء دربنديخان الذي خصصت له أموال لثلاث مرات من دون تنفيذ، والحال ينطبق على مشروع ماء جمجمال الذي خصصت له في آخر مرة 70 مليون دولار، وهناك 900 مشروع معطل بسبب عدم صرف المبالغ المخصصة لعديد من المشاريع، إذاً لماذا يتم إصدار قرار ولا يتم مصارحة المواطن؟".

وسبق أن أكد صالح في أكثر من مناسبة أن "الإقليم تحكمه إدارتان حزبيتان من الناحية الفعلية، كل إدارة تعتمد على إيراداتها المحلية، ما يعني عدم وجود خزانة موحدة".

اعتكاف وإفلاس

وكانت الشركة المكلفة بتجهيز الطعام لدوائر الرعاية الاجتماعية وإصلاح النساء والقاصرات في السلمانية أعلنت تعليق خدماتها لعدم تلقيها المستحقات المالية، وينطبق الحال منذ أشهر على شركات جمع النفايات والأدوية وصيانة الأجهزة الطبية.

وتبلغ قيمة مرتبات موظفي القطاع العام شهرياً نحو 600 مليون دولار، يؤمن منها 500 مليون من الإيرادات النفطية، بينما تلزم الحكومة المحافظات في تأمين المبلغ المتبقي من إيراداتها المحلية، لكن إدارة السليمانية تقول إنها تعاني عجزاً في استيفاء المبلغ المطلوب.

وتشير بيانات غرفة تجارة السليمانية أيضاً إلى "إفلاس 500 شركة وأكثر من 650 مكتباً للعقارات و146 معملاً ومشروعاً، ونحو 80 معرضاً لبيع السيارات، وذلك منذ العام الماضي نتيجة زيادة الضرائب والرسوم بنسبة 10 في المئة، وفرضها بصورة عشوائية، ناهيك عن ارتفاع أجور الكهرباء على أصحاب المشاريع التجارية".

وفي محاولة لمعالجة أزمات السليمانية، أطلق بافل طالباني حملة للحد من ظواهر الفساد في قطاعات مختلفة، بدأها باعتقال ومحاسبة متورطين بالاستيلاء على الأراضي المملوكة للدولة، بينهم مسؤولون ومتنفذون في الحزب. كما طاولت الاعتقالات متاجرين بالعملة ومسؤولاً مع موظفين في أحد المصارف، بتهمة التعامل في بيع وشراء الشيكات المصرفية الممنوحة للمقاولين في سوق بيع العملة.

وسائل إعلام محلية أوردت أن المتاجرة بالشيكات تسببت في تعطيل نحو 1000 مشروع وألحقت خسائر بأكثر من 800 شركة، حيث يضطر بعض المقاولين إلى بيع الصك في السوق السوداء بسعر أقل من قيمته، لعدم صرفه من قبل البنوك جراء نقص في السيولة.

المشاريع المعطلة

وأفادت السلطات الأمنية بأنها "اعتقلت سبعة أشخاص بتهمة احتكار السوق والتعامل في شيكات المقاولين بين 2015 لغاية عام 2017"، في وقت اقترح بعض المقاولين على الحكومة صرف خمسة مليارات دينار للمقاولين شهرياً بغية استئناف الأشغال في المشاريع المعطلة.

تزامناً أعلن شقيق بافل وهو نائب رئيس الحكومة قباد طالباني عقب اجتماع مع مجلس السليمانية، "الموافقة على تنفيذ أكثر من 50 مشروعاً في السليمانية خلال فترة زمنية قصيرة من قبل القطاع الخاص"، على أن تكون تحت إشرافه مباشرة، موضحاً أن "هذه المشاريع ستساهم للغاية في إنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل".

كذلك أعلن رئيس الحكومة مسرور بارزاني، اليوم الخميس الـ15 من سبتمبر (أيلول)، خلال مراسم وضع حجر أساس لطريق حيوي في منطقة سوران شمال شرقي أربيل، أن حكومته "أولت اهتماماً بالغاً في تطوير البنى التحتية في جميع مناطق الإقليم، وسننفذ مزيداً من المشاريع". كما أكد في كلمة بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد أن حكومته "عملت خلال السنتين الماضيتين على تأسيس بنية اقتصادية قوية للإقليم. هذا الإجراء قد لا يكون مرئياً في الوقت الحاضر، لكنكم سترون النتائج في المستقبل القريب". وأردف "ربما لا نستطيع حل جميع المشكلات في ليلة وضحاها، وأعلم جيداً ما يواجهه الشعب من مشكلات، لكن بعض الأزمات التي واجهناها، سواء كانت اقتصادية أو خوض حروب عسكرية خلقتها بعض الأطراف لإلحاق الضرر بنا والقضاء على كيان إقليم كردستان"، في إشارة إلى خلافات الإقليم المزمنة مع حكومة بغداد، حول ملفات عدة على رأسها ملف النفط.

وتطرح الأزمة في السليمانية تساؤلاً حول المسببات في ما إذا كانت نتيجة للخلاف بين الحزبين، أم جراء سوء إدارتهما المحلية؟ ويرجع الباحث في الشأن الكردي سامان نوح الأسباب إلى أن "الإقليم يدار فعلياً بصغية إدارتين حزبيتين تتحكمان بالعوائد المالية. صحيح أن الحزبين يتشاركان في الحكومة، لكنهما يخوضان في الوقت نفسه صراعات سياسية لتعزيز النفوذ سواء في الإقليم أو بغداد، ما ينعكس مباشرة على التفاهمات القائمة بينهما بشأن جمع عائدات النفط والمعابر الحدودية وصرفها على المشاريع والرواتب". وتطرق إلى "احتدام الصراع بين الحزبين على منصب رئاسة الجمهورية، واللجوء إلى سياسة فرض الإرادة في ملفات اقتصادية وأمنية وسياسية، كالخلاف على قانون ومفوضية الانتخابات، ليصل إلى إنهاء تفاهمات سابقة تتعلق بحجم تمويل كل طرف للموازنة الشهرية لوزارة المالية من عائدات المعابر الحدودية التي لا تحول مباشرة إلى الخزانة العامة".

ويضيف نوح "التفاهامات السابقة بين الحزبين حول موازنة الإقليم كانت تعول على عائدات مبيعات النفط والمعابر الحدودية كل حزب يدفع حصة محددة من إيرادات معابره"، لكن السليمانية تقول إن عائدات المعابر الخاصة بمناطقها تراجعت، وإنها لا تستطيع تأمين النسبة المتفق عليها سابقاً، فيما ترفض أربيل سد النقص وتمويل العجز الحاصل، والنتيجة هي أن بعض الموظفين يتأخر حصولهم على رواتبهم، فيما تعطلت غالبية مشاريع محافظتي السليمانية وحلبجة بسبب توقف تمويلها بشكل شبه كامل". ويلفت إلى أن "النفقات المالية الشهرية للمناطق الخاضعة لإدارة حزب طالباني تقدر بنحو 130 مليار دينار (89 مليون دولار)". ويزعم مسؤولون في الحزب أن عائدات المعابر هبطت إلى 70 ملياراً (47 مليون دولار)، أي أن هناك عجزاً في تمويل الرواتب ومخصصات الدوائر بنحو 60 مليار دينار (40 مليون دولار)، عدا تخصيصات المشاريع التي يفترض أن تمول من هذه العائدات، مما أدى إلى تعطيلها بشكل شبه كلي".

المزيد من تقارير