Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إقليم كردستان محاصر بالجفاف والقادم أسوأ

انخفاض قياسي لمستوى مناسيب المياه ينذر بكوارث مستقبلية

انحسار المياه عند سد دوكان في إقليم كردستان بسبب مزيج من العوامل بما في ذلك انخفاض هطول الأمطار والجفاف الشديد (أ ف ب)

تحت أعباء جفاف غير مسبوق ودع إقليم كردستان العراق صيفه هذا العام وهو يحاول الصمود أمام الانخفاض المتسارع لمناسيب مياهه الجوفية والسطحية لتهدد أكثر مناطق البلاد خصوبة بالتصحر، فيما حذر متخصصون من مخاطر استمرار الاعتماد على الآبار الارتوازية من دون انتهاج استراتيجية بعيدة المدى للحفاظ على الخزين المائي.

يعد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لآثار التغيرات المناخية، بحسب تقارير أممية، وأصبح مهدداً بخسارة 20 في المئة من مياهه العذبة بحلول عام 2050، وفق تحذير صادر عن البنك الدولي، وتزامنت المحاذير مع تعرض البلاد هذا العام إلى موجات متكررة من العواصف الترابية.

هدر مخيف

منظمة "ستوب" للصرد والتنمية الكردية بالتعاون مع شبكة "مولك نيوز" الإعلامية كشفتا في بحث مشترك عن "هدر للمياه في الإقليم يصل إلى 850 ألف متر مكعب من مجموع الإنتاج اليومي البالغ ثلاثة ملايين و126 ألف متر مكعب، بكلفة تصل إلى 340 مليون دينار (الدولار يعادل نحو 1480 ديناراً عراقياً)"، ونبه التقرير إلى أن "الإقليم سيواجه أزمة مياه غير مسبوقة إذا ما استمر في التعامل بالصيغة الحالية في إدارة ملف المياه".

وتحدث عضو منظمة "ستوب" فرمان رشاد عن مخاطر تزايد ظاهرة حفر الآبار، وقال إن "عدد الآبار في أربيل وحدها يبلغ 1240 بئراً، فضلاً عن حفر 1200 بئر للمشاريع السكنية والاستثمارية".

أضاف أن "عمق الآبار عموماً في عام 2000 لم يكن يتجاوز 250 متراً، أما اليوم فإن الوصول إلى المياه يتطلب الحفر بعمق 650 متراً، أي أن معدل انخفاض المنسوب كان يسجل 50 إلى 60 سنتمتراً قبل عشر سنوات، لكن اليوم يبلغ خمسة إلى ستة أمتار، وهذا مؤشر مخيف".

يعتمد 40 في المئة من سكان أربيل على مياه الآبار، وأصبح مألوفاً أن يخرج سكان بعض أحيائها، وكذا الحال في مختلف المدن الكردية، للاحتجاج على انقطاع مياه الصرف الصحي، إذ تضطر العائلات إلى شراء المياه من أصحاب الصهاريج بأسعار مرتفعة، خصوصاً بعد أن تعرض أحد الأنابيب الرئيسة في مشروع يغذي المدينة بالمياه بنسبة 40 في المئة خلال الصيف الحالي إلى كسر لثلاث مرات، قبل أن تعلن السلطات الشروع في استبداله.

 

ويشكل تدني تساقط الأمطار أحد الأسباب الرئيسة لانخفاض مستوى المياه، لكن رشاد يشير إلى أسباب أخرى لها الأثر المباشر بالقول "لقد كان للمشاريع السكنية والعمرانية خلال العقد الماضي الأثر البالغ في تناقص المياه الجوفية بنحو 100 في المئة و50 في المئة من المياه المنتجة"، وأضاف "في أربيل وحدها سيتم إنجاز نحو 50 مشروعاً سكنياً لغاية العام 2025، ويصل مجموع وحداتها السكنية إلى 50 ألف وحدة، وإذا  اقتصر اعتمادها على المياه الجوفية فإننا سنكون أمام خطر حقيقي".

النائب علي محمد صالح حذر في منشور على صفحته عبر "فيسبوك" من أن "أربيل مقبلة على كارثة، خلال 26 عاماً بلغ عمق الآبار 700 متر بعد أن كان 120 متراً، في العام الماضي كان يبلغ 500 متر، وهذا معناه أنه في العامين المقبلين سيزداد العمق إلى 1000 متر، وبعدها سيحرم نصف المدينة من المياه".

أضاف أن "جزءاً كبيراً من سكان أربيل يعتمد على المياه الجوفية، بينما يجري حفر عدد كبير من الآبار الجديدة، بخاصة من قبل إدارة المشاريع السكنية الحديثة، فضلاً عن أصحاب المزارع في أطراف المدينة".

تحرك حكومي

للحد من العواقب سارعت السلطات باتخاذ خطوات عاجلة لتوفير المياه، معلنة إقامة مشاريع عدة في أربيل والسليمانية وحلبجة، وخصصت نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي الأموال اللازمة لحفر أكثر من 138 بئراً ارتوازياً لتلبي الطلب المتزايد على المياه والتعويض عن الآبار التي جفت"، مبينة أن "30 في المئة من هذه الآبار هي جديدة، فيما النسبة المتبقية تمثل آبار بديلة"، كما أعلنت تخصيص 356 مليار دينار لإقامة مشاريع لتوفير المياه"، إلى جانب إطلاقها حملة لترشيد الاستهلاك.

كما خصصت الحكومة مبالغ مالية لمواصلة أعمال بناء ستة سدود كانت توقفت جراء الأزمة المالية التي تضرب الإقليم منذ عام 2014، وكذلك بناء 23 سداً صغيراً في عموم مناطق الإقليم.

ضمن الحلول المقترحة أيضاً تعتزم هيئة البيئة في حكومة الإقليم طرح مشروع للاعتماد على "الأمطار الاصطناعية"، وجاء في بيان للهيئة أن "هذه الطريقة مجربة عالمياً منذ عام 1945 وفي العراق أيضاً عام 1986، كما تسعى بعض دول المنطقة إلى الاعتماد على هذه الطريقة مثل السعودية والإمارات".  

معدل استلاك مرتفع

حول معدل استهلاك المياه السنوي في الإقليم تشير البيانات الصادرة عن مديرية الموارد المائية إلى أنها "تصل إلى نحو مليار متر مكعب، بينما يتم هدر نحو 400 مليون متر مكعب"، وتؤكد أن منسوب المياه الجوفية "انخفض خلال العقدين الأخيرين إلى 500 متر، إذ إن معدل عمق البئر الارتوازي في عام 2003 لم يكن يتجاوز 200 متر، بينما يتطلب اليوم الحفر بعمق 700 متر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لتقديرات رسمية فإن حصة المواطن من المياه يومياً تبلغ 300 لتر، ويرى مسؤولون معنيون أن هذه النسبة تعد مرتفعة بالمقارنة مع معايير دول المنطقة التي لا تتجاوز فيها نسبة حاجة الفرد إلى 250 لتراً.

من جهته أكد وزير البلديات والسياحة ساسان عوني خلال اجتماع لمجلس الوزراء "توفير أكثر من ثلاثة ملايين و125 ألف متر مكعب من المياه يومياً بمعدل 500 لتر لكل مشترك من مجموع مليون مشترك"، لافتاً إلى أن "كلفة تأمين المياه العذبة تصل إلى 500 مليار دينار سنوياً"، وتعكس البيانات المعلنة من قبل الوزارة عن وجود تفاوت واسع بين تكلفة الإنتاج والإيرادات التي لا تتجاوز 201 مليار".  

هجرة داخلية

وكان وزير الزراعة العراقي محمد الخفاجي حذر من أن انخفاض مصادر المياه العذبة "بات يهدد الأمن الغذائي للبلاد"، جراء تراجع نسب هطول الأمطار التي تشكل 30 في المئة من الإيرادات المائية، وانخفاض حاد في مناسيب مياه الأنهر التي تؤمن 70 في المئة من دول التشارك المائي إيران وتركيا اللتين تتهمها حكومة بغداد بقطع حصصها المائية جراء بنائهما العشرات من السدود على الأنهر المشتركة.  

منطقة "كرميان" التابعة لمحافظة السليمانية تمثل واحدة من أكثر مناطق الإقليم تضرراً من آثار الجفاف، وكانت أولى الإدارات التي أعلنت مبكراً دخولها سنة جفاف، مطلقة خطة طارئة لتقنين استهلاك المياه مع إلغائها الخطة الزراعية، وقد سجلت أخيراً حالات نزوح سكاني من النواحي والقرى المحيطة نحو المدن، كما شكا بعض المزارعين من تعرض بساتينهم إلى الجفاف، فيما يعاني الرعاة صعوبة تأمين المياه والغذاء لماشيتهم ما دفع بعضهم إلى بيعها بالجملة. ويقول مسؤولون محليون إن عشرات من قرى المنطقة تعاني شح المياه منذ عامين.

في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الحالي عاودت إيران قطع مياه الزاب الصغير الذي يعد المصدر الرئيس لتأمين مياه الشرب لنحو 100 ألف نسمة من سكان ناحية "قلعة دزه" مركز قضاء "رابرين" شمال محافظة السليمانية، وفقاً لمديرية مياه القضاء.

انخفاض مناسيب السدود

يمتلك الإقليم ثلاثة سدود رئيسة وأخرى صغيرة بعضها ما زال قيد الإنشاء، وأكبرها هو سد دوكان بمحافظة السليمانية الذي شيد عام 1959، يليه سد دربنديخان، والثالث في محافظة دهوك، إذ تعاني جل السدود من انخفاض حاد في مناسيبها، ففي شهر يوليو (تموز) الماضي انخفض منسوب سد دوكان إلى أقل من النصف، أي أقل من ثلاثة مليارات متر مكعب فيما تبلغ طاقته التخزينية سبعة مليارات، لتتراجع إطلاقاته المائية من 250 إلى 90 متراً مكعباً، ويرجع معنيون أحد أسباب الانخفاض إلى قطع إيران لمياه الزاب الصغير الذي يعتمد عليه السد، بعد أن شيدت أخيراً على النهر داخل أراضيها ثلاثة سدود جديدة.  

 

منسوب مياه سد محافظة دهوك الذي تقدر طاقته التخزينية بنحو 50 مليون متر مكعب سجل أيضاً انخفاضاً حاداً بلغ 16 متراً، لتظهر آثار قرية قديمة للمرة الأولى منذ بنائه عام 1988، بعد أن تراجع مخزونه خلال الصيف من 25 مليون متر مكعب إلى 19 مليوناً، بحسب إدارة السد.

كما تواجه المحافظة مخاطر جفاف المئات من آبارها، وتؤشر بيانات صدرت عن مديرية المياه الجوفية فيها إلى جفاف 15 بئراً خلال العام الحالي فقط مع انخفاض منسوب 25 بئراً، فيما أصبحت 800 بئر مهددة بالجفاف الكلي من مجموع أربعة آلاف بئر، 60 في المئة منها تستخدم للزراعة والنسبة المتبقية تؤمن المياه للسكان، قد تصل نسبة انخفاض مياه الآبار في بعض المناطق إلى 70 في المئة.

قصور في الرؤى

يؤكد متخصصون أن الاعتماد على المياه الجوفية سيكون له مخاطر جمة على المدى البعيد، وإزاء طبيعة تلك المخاطر يقول خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية رمضان محمد إن "مناسيب المياه السطحية المتمثلة في الأنهر على جانب الإقليم تكون أكثر مما هي في وسط وجنوب البلاد، ويبدو أن هذه المياه لم تدر وتستغل بالشكل المطلوب، والسبب قد يكون نتيجة بعد مصدر الأنهر عن مراكز المدن الرئيسة لنحو 30 إلى 40 كليومتراً".

وطالب محمد بوضع استراتيجية لبناء سدود، "وإذا لم تكن للتخزين على الأقل يمكن أن يكون من أجل رفع المناسيب، ومن ثم تركيب أنابيب لتوزيعها على اتجاهي الضفتين، وهذه الفكرة قائمة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي".

وأضاف "يلاحظ أن أغلب مشاريع تأمين المياه تتبناها المنظمات غير الحكومية، وهذه غالباً تكون تخصيصاتها وإمكاناتها محدودة لا يمكن التعويل عليها لبناء بنية تحتية مكتملة لمدد بعيدة المدى".  

وحول تبعات التوسع العمراني الحاصل في الإقليم يرى محمد الذي شغل إدارة المياه الجوفية في دهوك لمدة 10 سنوات أن "هذا التوسع في حال الاعتماد على المياه الجوفية، سيؤثر حتماً في الطبقة الأولى الحاملة للمياه، ويؤدي إلى انخفاض منسوب المياه الدينماميكي، ومدى الخطورة تعتمد على نوع الحوض وطبيعة الكثافة السكانية ونوع الاستخدام، واستمرار هذه الظاهرة لا يبشر بخير، ومن الخطأ جداً أن تعتمد إلى هذا الحد على مياه الآبار التي يفترض الاحتفاظ بها كاحتياط ثابت، طالما هناك إمكانات للاعتماد على المياه السطحية وإن كانت مكلفة".

وأوضح أن "المياه المتجددة المتمثلة بالأمطار تعد أحد المعطيات الأساسية لتغذية الحوض الجوفي بحسب الطبيعة الطوبوغرافية للمنطقة، وتكمن الخطورة في مسألة الاتساع العمراني بأنه لا يسمح بالتغلغل عبر المسامات نحو الطبقات الجيولوجية الحاملة للمياه الجوفية، هذا إضافة إلى زيادة حفر الآبار، ما يتسبب في هبوط المنسوب إلى مستويات خطيرة، كما سيحدث مستقبلاً تخلخل للأرض، بالتالي هبوط تفاضلي في بعض أجزاء المدينة، وفي المستقبل سيزيد من الحركة الاهتزازية في حال الزلازل، هنا لا بد من الإقرار بوجود قصور في الرؤى وبعد النظر".

المزيد من تقارير