Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خليل الرز يروي الحب والخيانة في روسيا يلتسين

  أحداث وشخصيات من الرقة السورية إلى ساحات موسكو في "منديل بالفراولة"

ساحة بوشكين في موسكو حيث يلتقي العاشقان في الرواية (صفحة بوشكين - فيسبوك)

لعل الراوي هو الرابط الوحيد بين الشخصيات والأحداث في "منديل بالفراولة"، الرواية العاشرة للروائي السوري خليل الرز، الصادرة عن "منشورات ضفاف" و"منشورات الاختلاف". وهو رابط يتمظهر في شهادته على الأحداث والمشاركة فيها، وفي تمحور الشخصيات الأخرى حوله من دون أن يكون ثمة تعالقات في ما بينها. ولولا هذا الرابط لما أمكن الكلام على حكاية في الرواية، فالراوي هو واسطة العقد وملتقى الأسلاك الروائية الثلاثة في "منديل بالفراولة"، ويكفي أن يُحذف من الرواية حتى ينفرط عقدها، وتتفرّق أسلاكها وهي التي لم تجتمع، في الأصل، إلا به.

وعلى اللُّبس الذي يمكن أن يثيره عنوان  يقرن بين كلمة "منديل" المنتمية إلى الحقل المعجمي للإنسان وكلمة "فراولة" المنتمية إلى الحقل المعجمي للطبيعة، فإن تكرار هذه الكلمة  في غير صفحة في المتن، وبدلالات تتفاوت بين صفحة وأخرى، قد يفسّر اختيار الروائي لها عنواناً لروايته. فالفراولة في المتن هي الفاكهة المعروفة (ص 6)، والثمرة المطرّزة على غطاء الطاولة (ص 107)، والمنحوتة في جدار المحطّة العالي (ص 139)، ومصدر اللذّة (ص 133)، ومادّة النبيذ الأولية بعد دهسها بقدمي الحبيبة (ص 194)، وموضوع درس التاريخ (ص 196). وهي رمز العفّة، من جهة، والغواية، من جهة ثانية. على أن دلالة الكلمة تتّخذ معنى سحرياًّ حين تقترن بكلمة المنديل، في مسرحية شكسبيرية، فتقوم ساحرة مصرية بإعطاء المنديل إلى أم عطيل، ما يضمن عدم خيانة زوجها لها وانصرافه عنها إلى أخرى. وهكذا، يغدو منديل الفراولة رمزاً للوفاء الزوجي (ص 200). وهو ما تتطرّق له الرواية، بشكل أو بآخر، في غير واقعة من وقائعها المروية.

الروائي والراوي

يمنح الروائي بطله شرف سرد الأحداث في روايته، لكنّ المفارق أنّه يحجب عنه التسمية، على بطولته، في حين يمنحها إلى الشخصيات الأخرى، على رغم  ثانويتها. وهو يتقاطع معه في ولادتهما في الرقّة السورية، ودرسهما في حلب، وسفرهما إلى موسكو، وعملهما في مجال الإعلام، وربما في نقاط أخرى. على أن التقاطع غير التماهي، فالرواية ليست سيرة ذاتية لصاحبها، وإن كان من الطبيعي أن تتسرّب جوانب من السيرة إلى الرواية، وهو أمر شائع في هذا الفن السردي.

بمعزل عن العلاقة بين الروائي وصنيعته الراوي، ثمة ثلاثة أسلاك سردية، متفاوتة الطول تنتظم أحداث الرواية، يجمع بينها أن الطرف الثابت المشترَك بينها هو الراوي، والطرف المتغير المختلف هو الحبيبة المستجدة رايا في السلك الأول، والصديق سالم في الثاني، والرفيقة العابرة نونا في الثالث. وبذلك، تطرح الرواية في أسلاكها الثلاثة أسئلة الحب والصداقة والعلاقة العابرة.

الحب المعتل

السلك الأول في الرواية هو الأطول، تدور أحداثه في موسكو، في عهد بوريس يلتسين، وطرفاه الصحافي السوري العازب والزوجة الآذرية رايا، ويتّسم ببدايته الواضحة وتحوّلاته الدرامية ونهايته الغامضة. فإقامة الصحافي والزوجة في شقة مشتركة مع آخرين، في الطابق الرابع عشر من مبنى في شارع غالوشكين، تؤدّي إلى انخراطهما في علاقة غرامية، تثير حفيظة صديق الزوج أبدول المقيم في الشقة نفسها، فيشي بهما إلى صديقه المقيم في باكو، ويتولّى مع آخرين أمر تسفير الزوجة إليه رغماً عنها، مما يجعل الصحافي الراوي يرزح تحت وطأة إحساس بالذنب والعجز عن حماية حبيبته. حتى إذا ما عادت الحبيبة/ الزوجة مع زوجها إلى الشقة، تكون جلسة مصارحة بين الثلاثة يعبّر فيها الحبيب عن تمسّكه بحبيبته بحضور الزوج، وتنتهي بإصابة الزوجة بنوبة صرع، وبمغادرة الصحافي الشقة.

غير أن الأحداث تتّخذ مجرى آخر حين يلتقي الحبيبان في شقة الصديق السوري سالم، ويعلم منها أن زوجها طلب إليها التريث في إجراءات الطلاق، وأنها لم تعده بشيء، فيستشعر بداية تحوّل ما في العلاقة. ولذلك، حين تدعوه، في نهاية الزيارة، إلى تناول محشي العنب الذي ستعدّه وصديقتها أنوش في شقة الأخيرة، على الطريقة السورية، مساء الأربعاء، تكون تلبية الدعوة بالخيال وليس بالواقع، مما يفتح  العلاقة بينهما على نهاية غامضة.

بالتعالق مع هذا السلك الذي يطرح سؤال الحب غير المكتمل، ثمة سلك ثانٍ يطرح سؤال الصداقة، وطرفاه الصحافي الراوي وزميله ومواطنه سالم. ويتمظهر السؤال في اهتمام الأخير بصديقه، وملاحظة التغيرات التي تطرأ عليه، وانشغاله بمعالجتها، من جهة، وفي الحوارات المتنوعة بينهما حول المرأة والجمال والخط والمسرح، من جهة أخرى، وثمة سلك ثالث يطرح سؤال العلاقة العابرة، وطرفاه الصحافي الراوي ونونا الفتاة التي التقى بها في ساحة بوشكين، فتدعوه إلى حفلة ميلادها في بيت جدّتها. وبعدما لبّى الدعوة، وأوشك على المغادرة تغريه بطيباتها، وتدعوه إلى نزهة في حديقة النباتات، مساء الأربعاء، في التوقيت نفسه لدعوة حبيبته رايا، فيلبيها بالطريقة نفسها، مما يجعل العلاقة بينهما عابرة بالفعل.

واقعية الشخصية  

هذه الوقائع تطرح واقعية الشخصية المحورية على بساط البحث، فالصحافي الراوي الذي يلبي الدعوتين إلى مكانين مختلفين، في التوقيت نفسه، وبالطريقة نفسها، هو موضع تشكيك في صحّته النفسية. وهو ما يفعله، خلال وجود حبيبته في باكو، العاصمة الأذرية، فينظّم رحلات متخيّلة إليها من أماكن مختلفة في الوقت نفسه، ويصل تباعاً إليها. وهو ما يفعله حين يتخيل سيناريوات مختلفة للأشخاص الذين يلتقي بهم، ولكل حكاية يرويها بالتفصيل الممل، وهكذا، نكون إزاء شخصية غير متوازنة نفسياً، تعيش في داخلها أكثر مما تعيش في الخارج، ولعلها تهرب إلى الداخل من فوضى الخارج، وفي الحالتين، ثمة ما ينتقص من واقعية الشخصية.

يشكل "منديل بالفراولة" الذي يعصم من الخيانة، بالمعنى السحري الأسطوري، حاجة فعلية لرايا التي لا تتورّع عن خيانة زوجها باسم الحب، وتمتلك الجرأة على فعل ما تريد، وتحدد هدفها وتسعى إلى تحقيقه. ثم تقبل بمنح الزوج وقتاً إضافياً، مما يضع مصداقية حبها على المحك. ويشكّل حاجة فعلية لنونا التي تمني الصحافي الراوي بطيباتها، على حداثة تعارفهما، ورغم ارتباطها بعلاقة حب مع آخر. وهكذا، يغدو "منديل الفراولة"، بما هو رمز عاصم من الخيانة الزوجية، حاجة ملحّة لكلتا الشخصيتين، ويصبح العنوان اسماً على مسمّى المتن الروائي.

نقاط تقاطع

وعلى تعالق الأسلاك الثلاثة في الرواية، فإن نقاط تقاطعها تبدو قليلة، مما يجعل العلاقة بينها عابرة، إلى حد كبير، فالسلكان الأول والثاني يتقاطعان في القلق الذي يبديه سالم على صديقه الصحافي بعد رحيل حبيبته المفترضة، وفي العشاء الأخير الذي يقيمه في منزله على شرفهما. والسلكان الأول والثالث يتقاطعان في اللقاء الأول بين طرفي السلك في ساحة بوشكين، وفي تزامن الدعوتين الموجهتين إلى الراوي من صاحبتي العلاقة وتشابه طريقة تلبيتهما. أما السلكان الثاني والثالث فلا يتقاطعان أبداً، مما يشي ببنية روائية مفكّكة، إلى حدٍّ كبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن الواقعية المنتقصة لا تقتصر على الشخصية المحورية في "منديل بالفراولة"، بل تتعداها إلى زمن الأحداث في السلكين الأول والثالث. فالعلاقة بين الراوي ورايا في الأول تنمو خلال أقل من أسبوعين، من الحب إلى الرحيل، فالعودة، فالاتفاق على الارتباط، فالافتراق، مما يجعلنا إزاء حرق مراحل في نمو الأحداث، وينتقص من واقعية زمنها. ومن غير الواقعي أيضاً أن تقوم نونا في السلك الثالث بدعوة الراوي إلى حفلة عيد ميلادها منذ اللقاء الأول بينهما، وأن تُمنّيه بطيّباتها وتدعوه إلى نزهة مسائية في اللقاء الثاني.        

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة