Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكفي 100 مليار جنيه استرليني لحل أزمة الطاقة في بريطانيا؟

خطة إنقاذ رئيسة الوزراء الجديدة هي حل مؤقت وغير كاف لمشكلات أكثر تعقيداً

ليس لدى ليز تراس خطة طويلة الأجل بعد لخفض فواتير الطاقة في بريطانيا (غيتي/أ ف ب)

تسلمت ليز تراس رئاسة وزراء المملكة المتحدة خلفاً لبوريس جونسون في وقت قطع فيه فلاديمير بوتين إمدادات الغاز عن أوروبا.

في المملكة المتحدة حيث يتم تدفئة 85 في المئة من المنازل بالغاز، الذي يتم استخدامه أيضاً لتوليد 40 إلى 50 في المئة من كهرباء البلاد، ومع ارتفاع الطلب الأوروبي على الوقود الأحفوري وما أعقبه من تضخم هائل في فواتير الطاقة، فإن المهمة الأولى للسيدة تراس كرئيسة للوزراء تتمثل في التدخل في سوق الطاقة المختل بشكل متزايد، حيث المصاعب تنتظر الملايين هذا الشتاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصاعب لن تشمل الأسر وحسب، فالعديد من أصحاب الحانات والمطاعم وغيرها من المؤسسات حذروا من أن فواتير الطاقة التي تتجه للارتفاع بنحو سبعة أضعاف في بعض الحالات، قد تضطرهم إلى الإغلاق.

عندما تتعطل الأسواق وتفشل بهذه السرعة مع ما تجلبه من آثار سلبية عميقة، فإن أيديولوجية المحافظين الرأسمالية في مبدأ عدم التدخل ستنكشف بشكل خاص أمام معطيات الواقع القاسية.

كالمشلول من المفاجأة، لم يكن هناك عملياً أية استراتيجية للتعامل مع تسونامي الفواتير من قبل "حكومة الزومبي" بزعامة بوريس جونسون [يشار إلى هذا المصطلح عندما لا تعمل الحكومة بكامل طاقتها في انتظار رئيس وزراء جديد مثلاً بعد انتخابات]، وبالمثل خلال سباق قيادة حزب المحافظين لخلافته، لم تروج السيدة تراس ولا ريشي سوناك لأية حزمة مساعدات كبيرة لدرء الفوضى الاقتصادية، فكلتا الحملتين عرضتا خططاً من شأنها أن تأخذ بضع مئات من الجنيهات الاسترلينية من تلك الآلاف التي سيتحملها البريطانيون الآن، لكن وفي اليوم الذي أصبحت فيه السيدة تراس رئيسة للوزراء، وبعد ساعات من وعدها بأنها "ستنفذ وتنفذ وتنفذ"، بدا أن هناك خطة جديدة، حيث من المتوقع أن تقوم السيدة تراس بتجميد فواتير الطاقة المنزلية لمدة 18 شهراً عند سقف سعر يبلغ 2500 جنيه استرليني سنوياً للأسر المتوسطة (2900 دولار أميركي)، والذي قد يكلف الخزانة ما بين 90 و 130 مليار جنيه إسترليني، وهذا الرقم 2500 سيكون تعديلاً عن السقف الحالي للسعر البالغ 1971 جنيهاً استرلينياً، مع وفاء الحكومة بالتزامها الحالي بدفع ما يزيد قليلاً على 400 جنيه استرليني بموجب شروط المنحة الشاملة التي أعلن عنها سابقاً السيد سوناك عندما كان لا يزال مستشاراً.

وبالعودة لما كانت عليه أسعار الطاقة في الماضي، وبالتحديد فبراير (شباط) 2020، فلقد بلغ الحد الأقصى لمتوسط فاتورة الطاقة حينها بحسب مكتب أسواق الغاز والكهرباء (Ofgem) حوالى 1040 جنيهاً استرلينياً سنوياً، وقد ارتفع الآن إلى 1971 جنيهاً استرلينياً مع ارتفاع قادم الشهر المقبل إلى 3549 جنيهاً استرلينياً سنوياً للأسرة المتوسطة.

هذا ورأى محللون أنه بحلول يناير (كانون الثاني) 2023 سيتجاوز الإنفاق على الطاقة مبلغ 5 آلاف جنيه استرليني سنوياً، وسيكون في طريقه للوصول إلى أكثر من 6600 جنيه استرليني العام المقبل، وقد وصف بول جونسون، مدير معهد الدراسات المالية، خطة السيدة تراس الجديدة بـ "التدخل الضخم"، قائلاً إن تدخلاً بحجم يزيد على 100 مليار جنيه استرليني هو من "مستوى تدخل على غرار الذي تم خلال جائحة كوفيد".

وأضاف، "إنها سياسة مروعة لأنها مكلفة جداً"، لكنه أقر بأنها قد تكون الطريقة الوحيدة لتقديم الدعم لأولئك الذين يحتاجون إليه في مثل هذا الإطار الزمني الضيق.

جونسون أشار أيضاً إلى أن ملايين الدعم قد تذهب أيضاً إلى أولئك الذين لا يحتاجون إليه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تحديد سقف للأسعار قد لا يساعد في التوفير والاقتصاد في الطاقة التي قد تكون حتمية لتجنب أي تقنين محتمل.

في المقابل، هناك مخاوف جدية أيضاً من أن يضطر الناس بعد ذلك إلى دفع تلك المبالغ لاحقاً من مدخراتهم، وعن هذا قال أحد الرؤساء التنفيذيين في صناعة الطاقة بأن القروض الضخمة المقدمة إلى الموردين لتمويل تجميد الأسعار قد يتم سدادها من خلال فرض ضريبة على فواتير الأسر البريطانية بمجرد انتهاء الأزمة، إلا أن زعيم حزب "الليبراليين الديمقراطيين" السير إد ديفي دعا إلى "تجميد حقيقي" يدفع من خلال ضريبة مفاجئة على شركات النفط والغاز، معرباً عن قلقه من استخدام السيدة تراس لـ "نظام القروض" بهدف تمويل هذا التجميد.

بالطبع كان من الممكن تجنب الثمن الباهظ للطاقة والحاجة المفاجئة إلى التدخل الحكومي الطارئ إن لم تتجاهل الحكومات المتعاقبة العبء الحقيقي للمنازل المتهالكة [غير المعزولة حرارياً] على الاقتصاد، وكذلك اعتمادها المفرط وغير الضروري على الوقود الأحفوري الذي تقوم بدعمه الآن، لكن الأوان قد فات الآن، لذا فالإنفاق الهائل هو الإجراء الفوري الوحيد.

وحتى بعد هذا الضخ الضخم من الأموال لمساعدة اللأسر في تجنب فواتير طاقة كارثية، فإن فشلاً في التخطيط للخروج من هذا المأزق يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى، لذلك ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هنا هو أن السيدة تراس لم تحدد بعد كيف يمكن للمملكة المتحدة أن تقلل طلبها على الوقود الأحفوري غير الموثوق به والباهظ الثمن في المستقبل، على الرغم من تكرار الخبراء لآرائهم في هذا الصدد من خلال العزل الحراري للمنازل والمضخات الحرارية وكذلك الاعتماد على الطاقة المتجددة.

وعلى الرغم من دعوة العلماء والاقتصاديين والخبراء في هذا المجال ومنذ فترة طويلة إلى دعم حكومي أكبر للمضخات الحرارية وإلى الاستثمار في العزل لجعل منازل المملكة المتحدة أكثر دفئاً في الشتاء وأكثر برودة في الصيف وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة بشكل عام، إلا أن السيدة تراس لم تجعل هذا كله في صلب اهتمامها، كما أنها لم تظهر كثيراً من الدعم لقطاع الطاقة المتجددة، وهي الصناعة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها وبسرعة لتوفير طاقة رخيصة منتجة محلياً، وعلى العكس قامت بانتقاد استخدام الطاقة الشمسية، أرخص طريقة لإنتاج الكهرباء على وجه الأرض، معلنة بأنها ستسمح بالتكسير الهيدروليكي للصخور، وأنها "ستتأكد من استغلال كل الغاز في بحر الشمال"، وهي مشاريع باهظة الثمن ستستغرق عقوداً من الزمن لتوفير كميات قليلة نسبياً من الغاز ستبيعها الشركات التي تستخرجها لاحقاً بالأسعار العالمية.

وقالت جس رالستون، كبيرة المحللين في وحدة معلومات الطاقة والمناخ، "في حين أن تجميد أسعار الطاقة الطارئ سيشكل شريان الحياة بالنسبة إلى كثيرين هذا الشتاء، إلا أنه قد يترك الأسر بمتوسط ديون يبلغ 4600 جنيه استرليني لتسديدها خلال السنوات المقبلة".

وأضافت رالستون، "إن الضريبة التي ستعقب أزمة الغاز الحالية تجعلنا نركز بشكل أكبر على خفض الفواتير بشكل دائم، فالإجراءات التي لا تحتاج إلى تفكير لتقليل طلبنا على الغاز تتمثل في اعتماد العزل الحراري واستخدام مصادر الطاقة المتجددة كسبيل وحيد فعلاً للقيام بذلك، لذا فإن السؤال الرئيس الآن هو هل ستقر رئيسة الوزراء الجديدة بالحسابات وتستثمر الآن لخفض الفواتير"؟

فمع خطط استخراج الوقود الأحفوري بشكل أكبر والتي لن يكون لها أي أثر في خفض الفواتير على مدى السنوات القليلة المقبلة، ما على السيدة تراس القيام به إلا النظر في ما يمكنها تحقيقه بالفعل الآن، ولهذا سيتعين عليها حتماً الاستثمار في الطاقة المتجددة والتحول بعيداً من الوقود الأحفوري.

 قد لا يعجبها ذلك، لكن عليها تقبل الأمر إذا ما أرادت تجنب مزيد من التدخلات الهائلة في السوق، والتي لا تتناسب بطبيعة الحال مع مبادئ المحافظين، ولكن على ما يبدو فهي تحدث دائماً والفضل طبعاً للتخطيط السيئ بشكل مذهل.

© The Independent

المزيد من البترول والغاز