فلننظر نظرة أشمل، إن توقع "سيتي بنك" بأن يسجل مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين تضخماً يصل إلى 18.6 في المئة في يناير (كانون الثاني) صادم حقاً، هو يفوق كثيراً آخر توقع صادر عن بنك إنجلترا والبالغ ما يزيد قليلاً على 13 في المئة والمرجح تسجيله في الفصل الأخير من هذا العام.
وإذا ثبتت صحة ذلك، هو سيعني أن التضخم في المملكة المتحدة سيفوق كثيراً نظيره في الولايات المتحدة، حيث يبدو أن الأسواق تعتقد أن معدل 9.1 في المئة المسجل في يونيو (حزيران) ربما كان الذروة– أحدث رقم متوقع هناك هو 8.5 في المئة.
أما بالنسبة إلى أوروبا، فترجح أحدث التوقعات الرسمية ذروة تساوي 8.4 في المئة في الفصل الثالث من هذا العام في منطقة اليورو، وإن كان المعدل في الاتحاد الأوروبي ككل سيسجل مستوى أعلى. وفي الأحوال كلها، كان ذلك قبل الارتفاع الحالي في أسعار الغاز، ولا يزال هناك مزيد من التضخم سيطرأ على الاقتصاد.
وثمة أمر صادم آخر تمثل في ارتفاع مؤشر الأسعار الخاصة بالمنتجين الألمان في يوليو (تموز) بنسبة 37.2 في المئة مقارنة به قبل سنة. وتمثل المحرك الرئيس لهذا الارتفاع في الطاقة، التي قفزت تكاليفها بمقدار يفوق الضعف مقارنة بها قبل سنة. ولا بد في نهاية المطاف من تمرير بعض من هذه التكاليف الإضافية إلى المستهلكين، ولو أننا لا نعرف حجم هذا البعض.
ما نعرفه هو أن هذا الوضع لا يمكن احتماله سياسياً واجتماعياً. والمشكلة عالمية، لكن كل حكومة وطنية مسؤولة أمام ناخبيها، ومن المحتمل أن تجد المملكة المتحدة نفسها في موقف أكثر سوءاً من أغلب الاقتصادات المتقدمة الأخرى، ما الذي تستطيع الحكومة الجديدة، بقيادة ليز تراس ربما، أن تفعله إذاً؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حسناً، ستنفق مالاً. فأزمة التضخم تحركها في الأساس تكاليف الطاقة، وهناك طريقتان واسعتا النطاق تستطيع الحكومة البريطانية من خلالهما تقديم مساعدة سريعة. تستطيع دعم الطاقة، أو تستطيع دعم الناس. يتميز دعم الطاقة، الذي تستطيع الحكومة القيام به بأكثر من طريقة، بما في ذلك خفض ضريبة القيمة المضافة ودفع المال إلى الجهات الموردة للطاقة لإبقاء الأسعار منخفضة، بأنه يقلص معدل التضخم الرئيس، وتتبع حكومات أوروبية كثيرة هذا النهج.
أما الطريقة الأخرى، فتتلخص في ترك الأسعار كما هي، لكن مع مساعدة الأشخاص الضعفاء مالياً على دفعها، ويمكن القيام بذلك من خلال نظام المزايا، ولو أن الخطوة لا تساعد مجتمع الأعمال، الذي يتعين عليه أن يمرر التكاليف الأعلى من خلال أسعار أعلى. والميزة هنا هي القدرة، نظرياً، على توجيه المساعدة في شكل أفضل، وهي الطريقة الرئيسة التي تسعى المملكة المتحدة من خلالها إلى معالجة المسألة، لكن الجانب غير المواتي يتمثل في أن ارتفاع الأرقام الرئيسة في مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين قد يجعل التضخم أكثر تجذراً مع كفاح الجميع لاستعادة خسائرهم.
أتوقع أن تعمل حكومة تراس لتعزيز الإنفاق بالطريقتين، سنشهد مجموعة ضخمة من التدابير، وهذه من شأنها أن تزيد من حجم العجز المالي، كان العجز المالي في تراجع، فهو سجل نحو 100 مليار جنيه استرليني (118 مليار دولار) في السنة المالية التي انتهت في أبريل (نيسان). والآن يبدو وكأنه توقف عن الانحسار، وسيبدأ في الارتفاع. بأي مقدار؟ حسناً، يتوقف كثير من الأمور على ما إذا كانت البلاد تمر بركود.
لكن "بانثيون للاقتصادات الكلية"، المؤسسة المحترمة المتخصصة في التوقعات، تعتقد أن العجز قد يرتفع إلى 170 مليار جنيه، لأن الأوضاع المالية العامة ستتعرض لضغوط من ثلاثة تطورات: التباطؤ، وارتفاع تكاليف الفائدة على الديون الوطنية، والتدابير التي تقرر حكومة تروس اتخاذها بغض النظر عن طبيعتها.
وهذا يدفع إلى طرح سؤال ضخم، هل تؤدي التدابير التي يتخذها رئيس الوزراء الجديد الشهر المقبل إلى تقويض سمعة المملكة المتحدة التي تهتز بالفعل في ما يتصل بالتعقل على صعيد المالية العامة؟ بوسع أي حكومة، من خلال إنفاق المال، أن تساعد في التخفيف من العلل الاجتماعية والاقتصادية، وهذا هو ما ستفعله هذه الحكومة، وسيكون في بعض الأحيان من قبيل الصواب، لكن فاتورة ستترتب وسيكون مطلوباً دفعها في نهاية المطاف بطريقة أو بأخرى.
المشكلة بالنسبة إلى حكومة المملكة المتحدة هي أنها إذا فقدت ثقة عالم المال، سترتفع تكاليف اقتراضها وستهبط قيمة الجنيه. والجنيه ضعيف بالفعل في مقابل الدولار، ولو أنه ليس بالضعف نفسه إزاء اليورو. ويرفع الجنيه الأضعف تكاليف الواردات، ما يؤدي بدوره إلى زيادة معدل التضخم.
لذلك، نعم، تستطيع حكومة المملكة المتحدة الجديدة أن تساعد الناس إلى حد ما في التغلب على التضخم، وهذا هو ما يتعين عليها أن تقوم به، لكن يتعين عليها أن تسلك مساراً حذراً، فتنفق المال مع الحفاظ على الثقة الدولية. وسيكون هذا الخريف شاقاً، ليس فقط بسبب أعلى مستويات للتضخم منذ نصف قرن.
© The Independent