Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استمرار هبوط الإسترليني وسط مخاوف إفلاس الشركات البريطانية

خطط رئيسة الوزراء الجديدة قد ترفع الدين العام إلى أكثر من حجم الإنتاج المحلي

هبط سعر صرف الجنيه الاسترليني مجدداً الخميس ليصل إلى 1.14 دولار للجنيه (أ ف ب)

واصلت العملة البريطانية الجنيه الاسترليني الهبوط في آخر التعاملات ليصل سعر صرف الجنيه في مقابل الدولار الأميركي إلى مستوى لم يسبق له مثيل في 37 عاماً، كذلك ارتفع العائد على سندات الخزانة البريطانية نتيجة عمليات بيع كبيرة أدت إلى تراجع قيمتها مع زيادة مخاوف البنوك والمستثمرين من احتمال تخلف بريطانيا عن سداد ديونها "إفلاس".

وهبط سعر صرف الجنيه الاسترليني مجدداً الخميس ليصل إلى 1.14 دولار للجنيه، لتبلغ العملة البريطانية أدنى مستوى في قيمتها منذ عام 1985. ويتوقع المحللون في سوق العملات أن يهبط سعر صرف الاسترليني أكثر ربما ليقارب جنيهاً في مقابل الدولار، أي عند نحو 1.05 دولار للجنيه الاسترليني.

ووصل العائد على سندات الخزانة البريطانية إلى أكثر من نسبة ثلاثة في المئة، مرتفعة بأكثر من معدل الارتفاع في مطلع عام 2020 مع أزمة وباء كورونا. وزاد من مخاوف المستثمرين تأثير خطة رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس التي أعلنتها الخميس لمواجهة مشكلة ارتفاع تكاليف المعيشة التي ستعني اقتراض الحكومة البريطانية أكثر من 173 مليار دولار (150 مليار جنيه استرليني) لتمويلها.

هذه الزيادة في حجم الدين العام للحكومة البريطانية ستجعل بريطانيا تنضم إلى نادي "الدول المديونة" بشدة التي يتجاوز دينها السيادي حجم اقتصادها "الناتج المحلي الإجمالي" مثل قبرص والبرتغال وإسبانيا واليونان وإيطاليا.

أزمة الدين البريطاني

لكن بريطانيا تختلف عن تلك الدول بارتفاع معدلات التضخم فيها أكثر، وأيضاً زيادة سعر الفائدة وهبوط قيمة العملة الوطنية، فذلك يضاعف من كلفة خدمة الدين من فوائد وأقساط، كما أنه يضطر الحكومة إلى الاقتراض بكلفة أعلى، إذ ستضطر حكومة ليز تراس إلى إصدار سندات خزانة بفوائد أعلى كي تتمكن من إقناع المستثمرين بشرائها لتمويل خططها.

وبدأ ذلك القلق في الأسواق من ارتفاع الدين البريطاني مع وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى فوق 95 في المئة، أما الآن ومع زيادة تلك النسبة إلى أكثر من 100 في المئة فسيعني أن الخزانة البريطانية تصبح مديونة بأكثر من حجم اقتصادها الذي يزيد قليلاً على 2.5 تريليون دولار (2.2 تريليون جنيه استرليني). والأهم أن قدرة الحكومة على السداد تضعف في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم التي قد تصل إلى ما بين 18 و20 في المئة مع خفض الضرائب المتوقع وحزمة تخفيف كلفة فاتورة الطاقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذا نجد هناك ارتفاعاً في نسبة العائد على شهادات تبادل الدين في حال الإفلاس "CDS" لمدة خمس سنوات من 0.25 في المئة إلى 0.27 في المئة، بحسب بيانات "غلوبال ماركت انتلجينس" التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني. ومن المرجح أن ترتفع النسبة أكبر بعد إعلان حزمة تخفيف كلفة فاتورة الطاقة للأسر والشركات التي كشفت عنها رئيسة الوزراء ليز تراس ووزير خزانتها كوازي كوارتنغ.

ستمول الحكومة تلك الخطة مباشرة بالاقتراض، بالتالي ستحتاج إلى تمويل من القطاع الخاص "غالباً البنوك وصناديق معاشات التقاعد والتأمين وغيرها المشتري الأكبر لسندات الخزانة" يفوق حجم الاقتراض السابق بكثير. وبحسب تحليل للأرقام نشرته صحيفة "الفاينانشيال تايمز" فإن تجميد سقف أسعار الطاقة للاستهلاك المنزلي لمدة عامين يضر الحكومة لاقتراض ما يزيد على 104 مليارات دولار (أكثر من 90 مليار جنيه استرليني) وتجميد ذلك السقف للشركات والأعمال سيعني اقتراض نحو 70 مليار دولار أخرى (60 مليار جنيه استرليني).

الانضباط المالي

رغم أن رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس خطفت مقترح حزب العمال المعارض لحل أزمة غلاء تكاليف المعيشة بتبنيها البند الرئيس في تلك الخطة وهو تجميد سقف أسعار الفواتير، إلا أنها رفضت بوضوح فرض ضرائب على أرباح شركات الطاقة لتمويل الخطة كما جاء في اقتراح حزب العمل الأصلي.

بالتالي لكي تتمكن حكومة تراس من الاقتراض بكثافة لتمويل الخطة ستلجأ إلى تغيير قواعد الانضباط المالي بحيث يمكن لوزير الخزانة إصدار سندات دين من دون سقف محدد للاقتراض. وبحسب ما جاء في تحليل لشبكة "سكاي نيوز" استناداً إلى مقربين من فريق تراس الاقتصادي فإن حكومتها ليست معنية بالتبعات الطويلة الأمد للاقتراض وزيادة الدين والحفاظ على الانضباط المالي، إنما هدفها هو تحقيق "كسب سريع" بإجراءات قوية تعيد ثقة الناخبين في حزب المحافظين استعداداً للانتخابات المقبلة مطلع عام 2024.

وذلك ما يقلق الأسواق والمستثمرين من مشكلة الدين العام البريطاني وزيادة احتمال الإفلاس، ومعروف أن بريطانيا على عكس كثير من الدول المماثلة تتفادى الوصول إلى حال الإفلاس "التخلف عن سداد فوائد وأقساط ديونها" باستخدم كل السبل والآليات لجعل الدين العام أقل من حجم الاقتصاد، لكن الحفاظ على تلك القاعدة لن يكون ممكناً في ظل حجم الاقتراض المتوقع لتمويل خطط هذه الحكومة الحالية.

ومن بيان محافظ بنك إنجلترا "المركزي البريطاني" أندرو بايلي أمام البرلمان أمس استنتجت الأسواق أن البنك ربما يقوم برفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة في اجتماعه المقبل، ويتوقع الآن أن يرفع بنك إنجلترا نسبة الفائدة بنصف نقطة مئوية، أو حتى بثلاثة أرباع النقط المئوية لتصل نسبة الفائدة في بريطانيا إلى 2.5 في المئة.

وسيزيد رفع سعر الفائدة من مشكلة العجز في الموازنة نتيجة ارتفاع كلفة خدمة الدين العام، كما أن هبوط سعر صرف الجنيه الاسترليني يعني زيادة كلفة الاستيراد للسلع الخدمات، ويضيف إلى ذلك مشكلات عجز الموازنة الذي سيتفاقم أكثر.

وتراهن حكومة تراس ووزير الخزانة كوازي كوارتنغ على أن خفض الضرائب سيشجع على نمو الاقتصاد بالشكل الذي يخفف من عبء الدين العام ويجعل عجز الموازنة "تحت السيطرة"، لكن أغلب الاقتصاديين يتشككون في ذلك كما يقول بول داليس من "أوكسفورد إيكونوميكس" الذي يرى أنه في غضون أربع إلى خمس سنوات سيكون على بريطانيا التعايش مع دين عام يزيد على حجم الاقتصاد. ونقلت صحيفة "الغارديان" عن داليس قوله بخصوص شعار ليز تراس بشأن زيادة النمو عبر خفض ضرائب الدخل وضرائب الشركات "لم أر أبداً أي دليل على أن خفض الضرائب يمكن تمويله من نمو الاقتصاد".

سيكون الأسبوع المقبل حاسماً في موقف الأسواق من خطط حكومة ليز تراس الاقتصادية، بخاصة في ما يتعلق بزيادة الدين العام ودفع معدلات التضخم للزيادة بشكل كبير بتخفيضات الضرائب وغيرها من الإجراءات. وسيكون سعر صرف الجنيه الاسترليني ونسبة العائد على سندات الخزانة المؤشر الأهم على موقف السوق من احتمال إفلاس بريطانيا أم لا.