Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يمنع الجزائر من استقطاب أموال أبنائها المهاجرين؟

أرقام تشير إلى تحويل 1.9 مليار دولار عام 2023 وأسعار الصرف في السوق الموازية تغري الجاليات وفرنسا تفكر في فرض الضرائب

تحويلات الجزائريين في الخارج ضئيلة بالنسبة إلى بقية الدول (مواقع التواصل)

ملخص

سبق أن قدم الاتحاد العام للجزائريين بالمهجر جملة من التوصيات لرفع قيمة تحويلات المهاجرين، مؤكداً أنه في حال الأخذ بها ستصل قيمتها إلى 35 مليار دولار كمرحلة أولى مع إمكانية بلوغها 50 مليار دولار نهاية عام 2025، وطالب ضمن بيان بمضاعفة عملية فتح فروع بنكية في دول المهجر وبخاصة فرنسا وبعض عواصم الدول الأوروبية، "لأن ثلاثة فروع بنكية في كل من السنغال وموريتانيا وفرنسا غير كافٍ".

تبدو التساؤلات حول أسباب فشل حكومات الجزائر المتعاقبة في استقطاب أموال مواطنيها في الخارج بلا إجابات واضحة أو حاسمة، فعلى رغم بعض التحسن الذي تعرفه العملية مقارنة بالسابق فإنها تبقى الأضعف عربياً، وبخاصة أن أعداد الجزائريين المقيمين في الخارج يزداد من عام إلى آخر.

وجاء تقرير مركز البحث "أوبسارفاتوار إميغراسيون" الفرنسي المتخصص في شؤون الهجرة، ليكشف حجم الخسائر التي تتكبدها الجزائر جراء ضعف قيمة التحويلات المالية التي يبعث بها المهاجرون المستقرون في فرنسا إلى بلادهم الأصلية، وقال إن عدد التحويلات المالية من المهاجرين الجزائريين إلى بلدهم الأم شبه منعدمة مقارنة بباقي دول القارة الأفريقية، أو بدول جارة على غرار تونس والمغرب.

وتابع المركز أنه لا توجد إحصاءات رسمية بخصوص هذه الظاهرة، غير أن أرقاماً تشير إلى تحويلات بقيمة 1.9 مليار دولار نحو الجزائر خلال عام 2023 تشمل تحويلات شخصية إضافة إلى رواتب الموظفين، جزء منها مُحول من فرنسا.

وإذا كانت المغرب تتصدر القائمة بنحو 3.5 مليار دولار عام 2023، أي بنسبة 22.4 في المئة، فإن التحويلات المالية من فرنسا نحو الجزائر لا تتعدى 0.75 في المئة من الناتج المحلي، مما يكشف عن أن تحويلات مهمة تجرى خارج القنوات الرسمية.

بين فرنسا وأفريقيا

تسيطر منطقة شمال أفريقيا على النسبة الأكبر من قيمة التحويلات المالية الإجمالية للقارة السمراء بـ41.2 في المئة من أصل 51 في المئة، وتشكل أفريقيا الوجهة الأولى لتحويلات المهاجرين المقيمين في فرنسا، بينما يحل باقي مهاجري دول الاتحاد الأوروبي في المركز الثاني بنسبة تحويلات تصل إلى 25 في المئة، ثم آسيا في المركز الثالث بـ19 في المئة وأميركا رابعاً بخمسة في المئة.

وأفاد المركز بأن المبالغ المحولة من المهاجرين إلى عائلاتهم الأصلية، عالمياً، تجاوزت 800 مليار دولار أميركي خلال عام 2023.

 

ولم يقدم تقرير مركز "أوبسارفاتوار إميغراسيون" أرقاماً جديدة بخصوص تحويلات المهاجرين الجزائريين، إذ كشف تقرير مؤسسة "كنوماد" التابعة للبنك الدولي الصادر خلال صيف 2024، أن الجزائر احتلت المرتبة السابعة عربياً من حيث حجم تحويلات جاليتها المقيمة في الخارج بنحو 1.68 مليار دولار عام 2023، وبلغت قبل ذلك خلال عام 2022 نحو 1.705 مليار دولار، وهو ما يمثل 0.80 في المئة من الناتج الإجمالي الخام للجزائر.

اختلالات على رغم الجهود

وتعليقاً على ضعف التحويلات المالية للمهاجرين الجزائريين، يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي عبدالكريم بوفروة ضمن تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن تحويلات المقيمين في الخارج تعد أحد الموارد المالية المهمة التي تعزز الاقتصاد وتدعم احتياط البلاد من النقد الأجنبي، إلى جانب دورها الاجتماعي في مساعدة آلاف الأسر داخل البلاد، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الجزائر إذ هناك اختلال في آليات تحويل هذه الكتل المالية الضخمة، وأن الفارق كبير بين عدد المغتربين وحجم التحويلات السنوية المسجلة رسمياً مما يطرح استفهامات، موضحاً أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى تحويلات بين 1.7 و2.5 مليار دولار سنوياً للجزائريين المهاجرين، وهو رقم متواضع.

ويواصل بوفروة أن "الحكومة تقوم ببعض الجهود لاستقطاب هذه الأموال لكن تبقى غير كافية، إذ اعتمدت أخيراً إجراءات جديدة تستهدف رفع التحويلات إلى أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً، منها طرح سندات الادخار بالعملة الأجنبية وتشجيع الجالية على الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل البلاد، وتخصيص سكنات وشقق من مختلف الصيغ كباقي المواطنين المقيمين إلى جانب فتح فروع بكنية في عدة مدن فرنسية"، مشدداً على أن ضعف التحويلات يرجع إلى الفارق الكبير في الصرف بين البنوك والسوق السوداء مما يجعل الأمور لا تمر عبر القنوات الرسمية، وختم بأن الملف يستدعي إعادة النظر بصورة جدية وعلى أسس متينة تخضع لاعتبارات تشجيعية عدة.

توصيات

إلى ذلك، سبق أن قدم الاتحاد العام للجزائريين في المهجر جملة من التوصيات لرفع قيمة تحويلات المهاجرين، مؤكداً أنه في حال الأخذ بها ستصل قيمتها إلى 35 مليار دولار كمرحلة أولى مع إمكانية بلوغها 50 مليار دولار نهاية العام الحالي، وطالب ضمن بيان بمضاعفة عملية فتح فروع بنكية في دول المهجر وبخاصة فرنسا وبعض عواصم الدول الأوروبية، "لأن ثلاثة فروع بنكية في كل من السنغال وموريتانيا وفرنسا غير كافٍ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد الاتحاد العام للجزائريين في المهجر على ضرورة مراجعة وتحديث النظام المصرفي في شقه المتعلق بالتحويلات البنكية الدولية مع المنع الفوري للتعاملات الموازية غير القانونية، والعمل على استقطاب واسترجاع رأس المال الأجنبي المتداول في السوق الموازية إلى البنوك الرسمية والمقدر بأكثر من 90 مليار دولار.

فتح بنوك ورفع القيود

وفي إطار مواصلة سياسة تشجيع المهاجرين على رفع تحويلاتهم المالية، أعلن منذ أيام بنك الجزائر الخارجي توسيع نشاطه ليشمل أوروبا وبالتحديد فرنسا، في خطوة وصفها بـ"التاريخية" كونها تعد أول تجربة لمؤسسة مصرفية جزائرية في أوروبا، إضافة إلى أنها الخطوة التي ينتظرها المهاجرون الجزائريون منذ أعوام عديدة، ليس من أجل تقديم الخدمات المصرفية فحسب إنما السعي إلى رفع التحويلات المالية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

إلى ذلك، يرى المتخصص في الشأن الاقتصادي النقدي والبنكي سليمان ناصر أن استقطاب البنك لأعداد الجالية لن يكون كبيراً في ظل قوة السوق الموازية للعملة في الجزائر، مضيفاً ضمن منشور على "فيسبوك" أن "افتتاح ثلاثة فروع لبنك الجزائر الخارجي في فرنسا خطوة جيدة من حيث النية، إذ تبقى الأهداف مساعدة المهاجرين في فرنسا على تحويل مدخراتهم من العملة الصعبة إلى بلادهم، لكن هذا لن يحدث وهؤلاء لن يحولوا مدخراتهم بالطرق الرسمية عبر البنك ما دام هناك شيء اسمه السوق الموازية، والتي تعطيهم سعراً أحسن بكثير".

 

ولا يرتبط الفشل في استقطاب التحويلات المالية للجالية بالسوق الموازية فحسب، بل تتعداها إلى بعض "قيود" النظام المصرفي الجزائري على رغم التحسينات التي يعرفها من حين إلى آخر، لا سيما ما يتعلق بالإجراءات الإدارية التي قد تعوق بنك الجزائر الخارجي على النجاح في هذه المغامرة الاستثمارية، مما يجعل استقطاب خبرات بنكية عالمية في هذا المجال وإدارة الأخطار وإقامة شراكات مع بنوك أوروبية لتعزيز التموقع، واعتماد حوكمة بنكية قوية وتطوير خدمات للشركات تتعلق بالتمويل التجاري والاعتمادات المستندية خطوات حتمية.

باريس تفرض ضرائب

وأمام هذا الوضع، ماذا لو فرضت دول الإقامة لا سيما فرنسا الضرائب على التحويلات المالية للمهاجرين؟ تساؤل أثارته دراسة أجراها مرصد الهجرة والديموغرافيا الفرنسي بالقول إنه "خلال 15 عاماً، أفلتت فرنسا من قبضتها نحو 170 مليار دولار أرسلها المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية، وهي خسارة فادحة لاقتصادنا"، مضيفة أن تحويلات المهاجرين تسببت في عجز سنوي ارتفع من 9 مليارات دولار عام 2008 إلى أكثر من 19 مليار دولار عام 2023، وشددت أن فرنسا تعد الدولة الأكثر تضرراً في أوروبا إذ تمثل 44 في المئة من هذا العجز، موضحة أنه في الجزائر تقدر التحويلات القانونية المسجلة 1.8 مليار دولار بأقل من قيمتها الحقيقية بأربع مرات في الأقل، بسبب الاستخدام الواسع النطاق لنظام "الحوالة" غير الرسمي الذي يتجاوز جميع السجلات البنكية ويتهرب من الضرائب.

وتؤكد الدراسة أن هذه التدفقات تمنع عن فرنسا عوائد مكافئة، وتؤثر بصورة مباشرة على ناتجها المحلي الإجمالي واستهلاكها وإيراداتها الضريبية، وقالت "تُفقر هذه التدفقات الاقتصاد الوطني تلقائياً بينما تُثري بلدان المنشأ"، مشيرة إلى أنه "لهذا السبب تحديداً فرضت دول عدة بما فيها الولايات المتحدة ضرائب محددة على هذه التحويلات"، وتابعت أن استمرار الوضع دون رقابة أو ضرائب يثير تساؤلات حول ثبات دولة ترهق دافعي الضرائب للحصول على بضعة أمتار مربعة من الرفاهية، بينما تسمح بضياع ما يعادل موازنة عام كامل للتعليم الوطني كل 15 عاماً من دون أي رد فعل.

وقدمت الدراسة بعض المقترحات لمواجهة الظاهرة، مثل الحد من تدفقات الهجرة من البلدان الأكثر استفادة، وفرض ضريبة أوروبية على التحويلات المالية، كما فعلت الولايات المتحدة، ومكافحة شبكات الحوالة غير القانونية من خلال تعزيز الضوابط المالية، واستخدام هذه التدفقات كوسيلة ضغط دبلوماسية لإجبار بلدان المنشأ على استعادة مواطنيها الذين هم في وضع غير نظامي.

اقرأ المزيد