Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأت معركة الخلافة الفلسطينية؟

ستستمر السلطة في مراقبة "حماس" و"الجهاد" لكنها لن تتدخل إجمالاً في مشهد قطاع غزة

تدرك السلطة الفلسطينية أن أولوياتها الراهنة هي التصدي لمواجهة أية تطورات قادمة من قطاع غزة (أ ف ب)

في وقت انشغلت فيه قيادات حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بتأكيد أنه لا توجد أزمة في العلاقات بين الجانبين نتيجة لعدم مشاركة "حماس" في المواجهة الأخيرة التي استغرقت ثلاثة أيام بين إسرائيل و"حركة الجهاد الإسلامي" حيث ظلت السلطة الفلسطينية على الحياد، والتزمت الصمت إزاء ما يحدث في إشارة لا تغيب عن طبيعة ما يجري في الداخل الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.

وما حدث يؤكد أننا أمام تطورات حقيقية ومفصلية تتعلق بالخطوات التالية في إطار العلاقات بين "حركة حماس" والفصائل الفلسطينية من جانب وإسرائيل من جانب، في ظل بقاء السلطة بمنأى عما يجري، مما سيضع علامات استفهام ممتدة عما يجري من تطورات حقيقية تشمل المعادلة الفلسطينية بأكملها، بخاصة أن الرأي العام الفلسطيني يشهد أخيراً مواجهة باتت معلنة على وراثة الرئيس الفلسطيني قبل غيابه عن الساحة السياسية، وأن قيادات فلسطينية كبيرة وأسماء ذات ثقل محلي وإقليمي قد تجد نفسها في وضع توفيق الطيراوي وناصر القدوة ومحمد دحلان نفسه.

موقف منضبط

وتابعت السلطة الفلسطينية مسارات ما جرى في قطاع غزة وإسرائيل بصورة عابرة، وكان تركيز السلطة التخوف من انفتاح المشهد واحتمالات امتداده بالفعل إلى نابلس وجنين ورام الله، على الرغم من أن الأوضاع أصلاً في القطاع غير مستقرة حتى الآن وتوشي باحتمالات التفجر في أي وقت، وما تتخوف من تبعاته السلطة الفلسطينية في ظل وضعها الصعب والأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تواجه السلطة، وعلى الرغم من الوعود الأميركية المتتالية والتسهيلات التي منحت إسرائيلياً، فإن الأمر لا يزال صعباً ويحتاج إلى مقاربة شاملة في التعامل.

وحرصت السلطة الفلسطينية على عدم الدخول على خط الفصائل خلال الأيام الثلاثة للمواجهة الإسرائيلية مع "حركة الجهاد"، والواقع أن السلطة تربطها بقيادات "الجهاد الإسلامي" أواصر أفضل من "حماس"، ربما لعدم وجود مساحات من التباين بين الجانبين، وقد تحدث صدامات حقيقية بخاصة أن "حركة الجهاد" لم تعترف أصلاً باستحقاقات "أوسلو" التي دخلتها السلطة، وبالتالي ظلت "الجهاد الإسلامي" رسمياً حركة غير معترفة بأية مواقف أو اتجاهات شملت السلطة الفلسطينية في حكم الضفة وغزة، ثم لاحقاً بعد انقلاب "حركة حماس" احتفظت بعلاقات معتدلة ومتوازنة مع "حماس" وسائر الفصائل الفلسطينية، خصوصاً بعد أن انضوت معها في لجان مشتركة وتنسيق المواقف خلال المواجهات السابقة، بما في ذلك المواجهة الأخيرة التي أعلنت رسمياً أن غرفة المقاومة لا تزال قائمة ومشتركة، مما يعد دليلاً على البقاء معاً في صف المقاومة على الرغم من أن "حركة حماس" لم تلتحق بها.

إشكالات حقيقية

تواجه السلطة إشكالات عدة ربما تعوق أي تحرك فاعل خلال الفترة الراهنة والمحتملة، وليس فقط في إطار الفصائل الفلسطينية، ومنها انشغال القيادة الفلسطينية بما هو قادم والخاص بموقف السلطة من إسرائيل والذي سيقوم الرئيس محمود عباس بصياغته في كلمته خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل، والعمل على استكمال مسار الاتصالات الفلسطينية مع قيادات أمنية وسياسية من الجانب الإسرائيلي، مما يعد دليلاً على عدم رفضه استئناف الاتصالات مع الحكومة الإسرائيلية أياً كان شكلها أو ائتلافها مع الحرص على الحصول على دعم أميركي - أوروبي، واستمرار سياسة المساعدات والمنح التي جاء معظمها من المؤسسات الأوروبية، وفي انتظار الضخ الأميركي المباشر لإعادة تعويم دور السلطة داخلياً والمساعدة في تطوير وتنمية دورها السياسي والاقتصادي بل والاستراتيجي في مواجهة ما يجري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتخوف السلطة الفلسطينية و"حركة فتح" من داخلها من منافسة مفتوحة مع "حركة فتح" وليس "حماس" التي تطرح نفسها بديلاً للسلطة الفلسطينية، وتقدم نفسها طرفاً فاعلاً إقليمياً تربطه علاقات قوية بمصر وقطر والإقليم، بدليل التحرك نحو المشرق العربي بل والأوروبي، وتستهدف لفت نظر الولايات المتحدة بنبذ العنف وتبني خيارات المقاومة الرشيدة والممنهجة، ومن ثم فهي لا تزال تعمل على إقرار خطوة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والانتقال إلى تفعيل دور النظام السياسي الفلسطيني المتهالك وعينها على تطويره، بل ودخول إطار منظمة التحرير الفلسطينية وإن كان من خلال نظام المحاصصة، وهو ما كان ولا يزال محل جدال كبير داخل منظمة التحرير، وسبق أن رفض من قبل "حركة فتح" ومن الفصائل الأخرى، ومع ذلك تعمل "حماس" على طرحه بصورة دورية حتى الوقت الراهن، وهو ما تدركه "فتح".

أولويات مطروحة

تنشغل السلطة الفلسطينية في الوقت الراهن ليس في خلافات حركتي "حماس" أو "الجهاد الإسلامي"، فليس من مصلحة السلطة تماسك الحركتين أو إعادة ترتيب مواقف كل حركة تجاه السلطة وإسرائيل، فهناك الأهم وهناك الأولويات الأخرى، ومنها تصدر مشهد السلطة في رام الله وانتظار ما يجري إسرائيلياً وهو الأمر الأهم والمطروح، بخاصة أن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة لن تكون سهلة وقد تغير تماماً المشهد الراهن.

وعلى الرغم من الرهانات الفلسطينية بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو عائد بقوة بالفعل ويعمل في اتجاهات عدة، فإن أي ائتلاف جديد قد يكون فرصة حقيقية لاستئناف التفاوض الجاد، لكن تواجه السلطة إشكالات حقيقية مكررة من وجود يمين إسرائيلي متطرف لا يريد أصلاً التفاوض، ولديه عدد من التحفظات على شخص الرئيس محمود عباس، وعلى الرغم من أنهم ينصتون جيداً لتقييمات قيادات أجهزة المعلومات بأن بقاء الرئيس محمود عباس مكسب كبير لإسرائيل وأن اختفاءه سيمثل تحدياً يشبه يوم جهنم، ومن ثم فإن التفكير في ما يخلفه سيبقى هاجساً كبيراً ومستمراً لإسرائيل.

وتدرك السلطة الفلسطينية أن أولوياتها الراهنة الاستمرار والتصدي لمواجهة أية تطورات قادمة من قطاع غزة، حيث لا توجد أية بارقة أمل في تحقيق المصالحة، أو إجراء أي توافق سياسي ممكن في ظل بقاء حكم "حماس" وسيطرة الحركة على مقاليد الأوضاع، بل وإعادة تمركز الحسابات السياسية والاستراتيجية بما يعوق أي تغيير في المشهد الراهن والمحتمل، بل وعدم التجاوب بإجراء انتخابات جديدة قد تؤدي إلى مزيد من الصدامات، بل قد تؤدي إلى خسائر فادحة، وربما ليس فقط الاستمرار في خسارة القطاع بل والضفة الغربية، لهذا تراجع الرئيس محمود عباس عن إجراء الانتخابات وبقيت الأمور على ما هي عليه، ومن ثم لا يوجد ما يدفع بالسلطة الفلسطينية في الوقت الراهن إلى إجراء أية خطوة قد تؤدي إلى خسارة حضور السلطة في مركزية صنع القرار الفلسطيني بأكمله.

خلافة متوقعة

ولاعتبارات عدة ستظل السلطة الفلسطينية تناور بعدم الاقتراب من الوضع في القطاع ولن تتدخل فيما يجري، بخاصة أنها بعيدة عن مساحات التفاوض مع إسرائيل في ملفات مثل الأسرى والتهدئة وتثبيت حال الهدنة وتنفيذ الاستحقاقات التي تشكل القطاع وإسرائيل، والمعنى أنه لا توجد مصالح مباشرة للسلطة للتحرك ولعب دور الوسيط المباشر بدلاً من الذهاب إلى مصر أو الأردن، وبما قد يثقل موازين القوى الحقيقية الموجودة في يد السلطة في الوقت الراهن بدلاً من استمرار السلطة في مواجهة إشكالات متعلقة بخلافة الرئيس محمود عباس وتطوير مؤسسات النظام الفلسطيني وتجديد شرعية القطاعات الحكومية وغيرها، وهي أمور مهمة وقد تقنع الرأي العام الذي يراقب ما يجري داخلياً، وينظر إلى السلطة على أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وليس أي فصيل آخر، وهو ما تدركه كل الأطراف المتابعة التي ترى أن المقبل من تطورات سواء في الضفة أو القطاع سيكون خطراً وجديداً، بل وقد يؤدي إلى تغيير في مقاربات التحرك.

هناك انطباع حقيقي يرى أن كل من يعارض سلطة بعض الأسماء الكبيرة مثل حسين الشيخ في "فتح" أو السلطة الفلسطينية تتم إزاحته من الساحة السياسية، بخاصة مع الضغوط المتعلقة بعقد مؤتمر "فتح" الدوري وما يشاع حول تخطيط الرئيس محمود عباس في تصفية الحسابات مع بعض العناصر المناوئة له، وتمهيد الطريق لبعض الشخصيات لإحكام قبضتها على القيادة الفلسطينية وتحديد اسم من سيخلفه في إعادة ترتيب الأوضاع داخل اللجنة المركزية لـ "فتح" التي توصف بأنها السلطة التنفيذية للحركة.

بينما ينظر إلى المجلس الثوري على أنه الهيئة التشريعية لها، وكان من المقرر عقد المؤتمر العام الثامن لحركة فتح خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إلا أن الفريق جبريل الرجوب أعلن تأجيل الاجتماع حتى مارس (آذار) 2022 بناء على طلب الرئيس عباس، ومن ثم تم تأجيله مرة أخرى حتى مايو (أيار) الماضي.

ويرتبط ذلك بموضوع الصراع على حسم ملف الأسرى وتحديداً وضع مروان البرغوثي الذي سبق وأعلن العام 2021 عن نيته الترشح لقائمة مستقلة من "فتح" خلال الانتخابات البرلمانية التي ألغاها الرئيس محمود عباس لاحقاً.

والرسالة الإجمالية هي التخلص من مروان البرغوثي وتوفيق الطيراوي وناصر القدوة لمصلحة عضو اللجنة المركزية لـ "فتح" حسين الشيخ الذي يعتبره بعضهم مرشحاً لخلافة الرئيس محمود عباس إضافة إلى مسؤول الاستخبارات ماجد فرج، ويعتبر فرج والشيخ أقوى شخصيتين في قيادة السلطة بعد الرئيس محمود عباس إضافة إلى نائب رئيس "فتح" محمود العالول.

الخلاصة الأخيرة

ليس من مصلحة السلطة الفلسطينية التدخل في مشهد قطاع غزة أو الدخول في مساحات من المناورة أو العمل أو التحرك لتقريب وجهات النظر بين حركتي "حماس" و"الجهاد" من جانب، ومع القوى الفلسطينية الأخرى من جانب آخر، فالسلطة تضع جل أولوياتها في إعادة التمركز الداخلي والخروج من التأزم الاقتصادي الراهن والتخطيط لمراقبة الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والعمل على استئناف الاتصالات رسمياً مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة مع إبعاد حركة "حماس" عن المشهد الفلسطيني ومراقبة سلوكها في القطاع والضفة وتحديداً في نابلس والقدس، مع الحذر من ترديد نغمة ترابط الجبهات من غزة إلى القدس، كما سيستمر تأكيد الأولويات الوطنية الفلسطينية التي سيؤكدها الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة خلال سبتمبر (أيلول) المقبل.

وفي المجمل فإن السلطة الفلسطينية ستستمر تراقب "حماس" و"الجهاد" لكنها لن تتدخل إجمالاً في مشهد قطاع غزة، انتظاراً وتأكيداً على خياراتها الكبرى كسلطة حاكمة وليست فصيلاً كبيراً ممثلاً في حركة "فتح" التي ستبقى كبرى منظمات التحرير، على الرغم من كل ما تعانيه من مشكلات حقيقية وصراع مكبوت على خلافة الرئيس محمود عباس.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل