Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القدرة الشرائية للتونسيين تئن تحت وطأة التضخم والضرائب

تراجع مستويات الاستهلاك يدفع للعمل على وضع استراتيجية لمواجهة مخاطر غلاء الأسعار

يؤدي عجز المؤسسات والعائلات التونسية عن الادخار إلى تآكل مدخراتهم ويمس نسق الاستهلاك وقدرتهم على الاقتراض (أ ف ب)

شهدت القدرة الشرائية للتونسيين تراجعاً انعكس على حجم مدخراتهم وقروض الاستهلاك ونسب إقبالهم على السلع والخدمات عموماً.

وبدا نسق هذا التراجع مرتبطاً بالفترة الأخيرة، وبالتحديد السنوات العشر المنقضية، التي عاشت فيها البلاد اضطرابات اجتماعية في انعكاس للتحولات السياسية، التي تلت انتفاضة 2011.

وتعمق التراجع بعد الإجراءات الاستثنائية، التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في يوليو (تموز) 2021، التي أتت في أعقاب الأزمة الصحية والمالية التي عصفت بالبلاد.

وألقت هذه العوامل بظلالها على أداء الاقتصاد التونسي، الذي عجز عن تحقيق نسبة نمو سنوية تبلغ الواحد في المئة طوال العقد الماضي، ما أدى إلى هوة عميقة بين مداخيل الدولة وميزان المدفوعات، وبالتالي عجز اقتصادي مستفحل وتفاقم المديونية، التي بلغت 85.5 في المئة من الناتج القومي الخام، وفقاً لميزانية 2022، ما يساوي 107 مليارات دينار (34.5 مليا دولار) لقائم الدين.

وأسهمت هذه العوامل في تصاعد نسبة التضخم، التي أثرت على مداخيل الأسر التونسية وادخارها، وتحولت في الأشهر الأخيرة إلى عنصر مهدد بانفجار اجتماعي بسبب ارتفاع نسبة الفقر.

وفي رسالة تطمين للرأي العام، أشار المسؤولون إلى أنهم يعملون على وضع استراتيجية لمواجهة المخاطر الاجتماعية لغلاء الأسعار وانهيار المقدرة الشرائية التي زادتها الحرب الأوكرانية تأزماً بسبب ندرة بعض المواد وغلاء أسعارها.

يأتي هذا فيما تشير منظمات تونسية إلى الدور الغائب للدولة في معالجة جذور الارتفاع الجنوني للأسعار والمتعلق أساساً بتدخل مباشر لتحديد سقف للأسعار الحرة.

تدني مستوى الاستهلاك

ضعفت المقدرة الشرائية للتونسيين بنسق مطرد خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2022 بسبب تباطؤ نمو الدخل القومي الخام وتراجعت إلى 5.8 في المئة مقابل 7.2 في المئة خلال العشرية التي سبقتها، التي امتدت بين سنتي 2001-2010، بينما زادت  أسعار الاستهلاك بشكل ملحوظ من 3.4 في المئة إلى 5.3 في المئة خلال العقد الأخير.

وأخذ التضخم نسقاً تصاعدياً منذ سنة 2011 ليبلغ متوسط ​​5.3 في المئة خلال هذه الفترة، مسجلاً مستوى قياسياً سنة 2018 ببلوغه 7.5 في المئة، وتمادت الضغوط التضخمية في النصف الأول من السنة الراهنة لتبلغ 8.1 في المئة خلال يوليو (تموز)، ويرجح أن تستمر في الارتفاع بالنظر إلى الزيادات المسجلة بأسعار المواد الخام والنفط بسبب الحرب الأوكرانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبلغ متوسط قيمة الاستهلاك الخاص للفرد ​​6142.5 دينار (1981.4 دولار) سنوياً خلال الفترة الفاصلة بين 2011 – 2022، مسجلاً زيادة بمعدل سنوي متوسط ​​قدره 7.2 في المئة، مقارنة بالعشرية التي سبقتها، بينما راوحت قيمة الاستهلاك الخاص للفرد  8388 ديناراً (2705.8 دولار) سنة 2022.

وتراجع الاستهلاك خلال الأزمة الصحية والقيود التي اعتمدت لمكافحة انتشار جائحة كورونا، وإن تطور مستوى الاستهلاك  سنوياً، فإن حصة السوق الداخلية من استهلاك الفرد بدت متواضعة، حيث بلغت 53 في المئة بالمتوسط ​​خلال الفترة 2000-2022.

وبلغت 58.4 في المئة سنة 2000، وانحدرت إلى 51 في المئة سنة 2022، ما يحتم  تحسين القدرة التنافسية للمنتجات التونسية لمواجهة المنافسة الأجنبية والاستخدام الفعال لعوامل الإنتاج للاستجابة للزيادة في استهلاك الاقتصاد التونسي.

الضغط الجبائي والمدخرات

وشهد الضغط الجبائي ارتفاعاً بنسق تصاعدي طوال العقد الماضي، وتجاوز متوسط ​​العبء الضريبي خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2020 خط 22 في المئة، وارتفع إلى 25 في المئة سنة 2022، بينما لم يتجاوز مستوى 20.1 في المئة في 2010. وهو مستوى يعد من بين أعلى المعدلات في أفريقيا، مقارنة بالعديد من الدول المنافسة وفق معهد القدرة التنافسية والدراسات الكمية (حكومي)، إلى أن أضحى الضغط الجبائي من أهم العوامل الدافعة إلى التهرب الضريبي.

من جهة أخرى، تراجع مستوى الادخار الوطني، فقد بلغ في الفترة 2011-2022 معدل 12.8 في المئة مقابل 21.4 في المئة خلال الفترة 2001-2011، حيث أخذ الادخار الوطني منحى تنازلياً متأثراً بأداء الاقتصاد التونسي والوضعية الصعبة للمالية العمومية، وارتفاع نسق المديونية.

وتدحرجت معدلات الادخار للأشخاص والمؤسسات على حد السواء، وقد تراجع الادخار العائلي بسبب الضغوط التي تتعرض لها القدرة الشرائية للأسر فتوجه الجزء الأكبر من مداخيلهم إلى الاستهلاك الخاص، بينما تسبب الانكماش الاقتصادي في عجز المؤسسات عن تعزيز مدخراتها وتمويل استثماراتها. ولم يشذ الادخار العمومي عن ذلك وسجل انخفاضاً بالنظر إلى تدهور المالية العمومية.

ونزل معدل الادخار الوطني من 20.8 في المئة من إجمالي الدخل الوطني المتاح سنة 2010 إلى 4 في المئة سنة 2020 في مستوى متدن لم يسجل منذ عقود تأثراً بالجائحة الصحية التي أنهكت مدخرات الأفراد والمؤسسات.

وتلقي الأزمة الاقتصادية بظلالها على واقع الادخار ما يجعل استرجاع معدلات الادخار في السنوات الماضية عسيراً. ويتوقع بناء على ذلك تسجيل نسبة ادخار من الدخل الوطني المتاح في حدود 10.1 في المئة في السنة الراهنة بالأسعار الجارية مقابل 9 في المئة سنة 2021 و6.2 في المئة سنة 2020 بحسب موازنة 2022.

الأجور ودعم العائلات المحدودة الدخل

يؤدي عجز المؤسسات والعائلات التونسية عن الادخار إلى تآكل مدخراتهم ويمس نسق الاستهلاك لديهم بما في ذلك قدرتهم على الاقتراض بالحصول على قروض استهلاكية تخفف من ضغوط التضخم لديهم، الأمر الذي ينعكس عموماً على المقدرة الشرائية والمناخ الاجتماعي.

وكشف وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي أنه سيتم خلال الفترة المقبلة رفع الأجر الأدنى الصناعي الفلاحي بنسبة 6.25 في المئة بهدف مساعدة أصحاب الأجور الدنيا ومتقاعدي القطاع الخاص على مواجهة تداعيات التضخم.

وتعمل الحكومة التونسية على وضع برنامج لدعم العائلات محدودة الدخل، وفق تصريح سمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط لـ"اندبندنت عربية".

وقال سعيد، إن الحكومة تضع في أعلى سلم اهتماماتها العائلات ذات الدخل المحدود وتسعى إلى مراعاة المقدرة الشرائية المنحدرة  لهذا الطيف المتأثر بمستويات التضخم بسبب الأزمات التي مر بها العالم بأسره انطلاقاً من الجائحة وصولاً إلى الحرب الأوكرانية.

وأضاف، أنه سيتم تكثيف البرامج الاجتماعية الموجهة للأسر المصنفة منخفضة المداخيل للدفاع على الطاقة الشرائية لديها عن طريق توجيه الدعم لهذه الفئة مسبقاً قبل رفع الأسعار، في إشارة إلى سياسة ترشيد الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه في نطاق تطبيق الإصلاحات المقررة.

وأشار إلى أن رفع الأسعار سيتم تدريجياً بعد توجيه الدعم لهذه الفئة بطريقة يسبق فيها الدعم عن طريق منح مالية رفع الأسعار.

وعن تاريخ تطبيق رفع الدعم وترشيده، قال سعيد إن البرنامج والتخطيط قيد الدرس والتحضير، وهو يراعي التوازنات المالية للبلاد وظروف المواطنين والوضعية الاجتماعية للفئة المحدودة الدخل، لافتاً إلى أن هذا البرنامج سيستغرق سنوات لتنفيذه، وأنه يصب في مصلحة هذا الطيف من العائلات.

وأوضح سعيد، أن الاقتصاد التونسي يمر بفترة حرجة جداً،  وأنه ليس بمقدور الحكومة زيادة الأجور بسبب انعدام الإمكانات المالية خلال الوقت الراهن في إشارة إلى طلب الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) بزيادة الأجور.

وكان البنك الدولي توقع في أبريل (نيسان) 2022 أن يتصاعد معدل الفقر بـ3.4 في المئة خلال 2022، و3.1 في المئة خلال 2023 باستخدام خط الفقر (3.2 دولار في اليوم) الذي يعادل القوة الشرائية لسنة 2011. ومن المتوقع أن تنخفض نسبة الفقراء والضعفاء عند خط (5.5 دولار في اليوم) من 18.9 في المئة عام 2022 إلى 17.7 في المئة خلال 2023. مع استبعاد العودة لمستويات ما قبل الأزمة حتى حدود 2024.

ورأى لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك أن الأسر التونسية تمر بفترة عسيرة بسبب بلوغ معدلات التضخم مستويات عالية وأخذها نسقاً تصاعدياً من دون تسجيل تراجع، ما أدى عجز العائلات على تلبية مطالبها الأساسية.

وانتقد الرياحي عدم تدخل السلطات المعنية المجسدة في وزارة التجارة لتحديد الأسعار، في إشارة إلى الأسعار الحرة التي تسجل ارتفاعاً مطرداً من دون رقيب.

أما البرنامج المخصص لتوجيه الدعم إلى العائلات الفقيرة، وهو قيد الدرس والإنجاز حالياً، فمردوديته في الضغط على تنامي الفقر تعود إلى المقاييس المعتمدة لتحديد قائمة الأسر المعنية به، وفق الرياحي.