Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"موسم الهجرة إلى الشمال" يغوي التونسيين للوصول إلى أوروبا

مدن وقرى فرغت من شبابها بعد انتشار خط جديد للهجرة غير النظامية 

طريق جديدة للهجرة غير الشرعية تمر عبر دول البلقان وتحديداً صربيا (أ ب)

قرى ومدن في تونس هجرها شبابها ولم يبق سوى عجائزها وأطفالها وبناتها، مناطق في الداخل أصبحت منفرة للشباب الذين اختاروا المجازفة بأرواحهم وبأرزاق عائلاتهم والهروب أو كما يقال في تونس "الحرقة" براً وبحراً وجواً إلى القارة الأوروبية بحثاً عن "الجنة الموعودة". 

وفي دراسة للباحث في علم الاجتماع محمد نجيب بوطالب حول "موجة الهجرة الشبابية الحالية لشباب تطاوين نحو الفضاء الأوروبي" قال إن أكثر من 12 ألف شاب من تطاوين في أقصى جنوب تونس هاجروا في المدة الأخيرة بكلفة 20 ألف دينار للشخص الواحد، أي ما يعادل سبعة آلاف دولار تقريباً، مما أثر بشكل واضح في المهن الحرة في المنطقة.

الطبقة المتوسطة 

وأضاف بوطالب لـ"اندبندنت عربية"، وهو من محافظة تطاوين، أنه لاحظ خلال مكوثه هناك تفاقم ظاهرة الهجرة عبر مسلك جديد من بلدان البلقان، وذلك جواً من تونس إلى تركيا وبعدها إلى صربيا ثم فرنسا، مضيفاً، "على الرغم من أنها مكلفة مادياً فإن أهالي المنطقة يبيعون أرضهم لمساعدة أولادهم على الهجرة باعتبارها آمنة مقارنة بالهجرة عبر البحر إلى إيطاليا".

ويلاحظ الباحث في علم الاجتماع أن "أسباب الهجرة مختلفة عن الأسباب التقليدية التي تعودنا على سماعها مثل الفقر"، مفسراً أن "أغلب السكان في تطاوين والجنوب الشرقي عموماً من العائلات المتوسطة التي تملك العقارات والأراضي، والمنطقة لها تقاليد في الهجرة منذ عشرات السنوات ففي كل عائلة تجد فيها مهاجراً أو أكثر"، كما اعتبر بوطالب أن عاملي القرابة والتضامن الاجتماعي مهمان جداً، بخاصة في فرنسا حيث يستقبل الأهالي أقاربهم من الشباب المهاجر بطرق غير نظامية ويؤمنون لهم المسكن وحتى العمل. 

إذاً، هي ليست هجرة فقراء بل هجرة الطبقة المتوسطة أو بحثاً عن المغامرة، حسب تقدير بوطالب. وقال إن عدم الاستقرار السياسي وغموض المستقبل في تونس أسهم بشكل واضح في انتشار ظاهرة الهجرة بكل أنواعها وسط أغلب الطبقات الاجتماعية. 

يذكر أن محافظة تطاوين شهدت احتجاجات واسعة بعد الثورة مطالبة بالتنمية، وصلت إلى حد إغلاق أنابيب النفط، وتسبب ذلك في خسائر فادحة للدولة. 

"التطبيع" مع الهجرة 

ويواصل بوطالب أن "العينة التي أسس عليها دراسته أغلبها من الشباب المنقطعين عن التعليم ولاحظ أخيراً هجرة بعض الإناث حتى وإن كانت النسبة قليلة". ويقول إن الظاهرة أصبحت مسيطرة على المجتمع في منطقة تطاوين بشكل خاص، ووصف الحال بـ"التطبيع" معها، إذ أصبحت "الحرقة" الشغل الشاغل لكل العائلات. 

وبخصوص الآثار الاجتماعية والاقتصادية، يقول بوطالب إنها ستزداد حدة بعودة المواطنين في الخارج إلى دول إقامتهم وأيضاً مع العودة المدرسية، مفسراً، "أصبح الفراغ يخيم على المدينة وقراها ومناطقها العامة، كما أثر نقص الشبان في قطاعات مهنية على غرار قطاع الخدمات وبخاصة البناء، حيث أصبح السكان هناك يعولون على خدمات العمالة الأفريقية بطرق قانونية وغير قانونية".

من الجانب الاجتماعي، يقول إن الظاهرة أثرت في استقرار بعض العائلات التي هاجر فيها الوالد تاركاً خلفه زوجته وأطفاله، وأيضاً أسهمت حسب تقديره في ارتفاع نسبة تأخر سن الزواج عند الإناث، وذلك يرجع إلى النقص الذي تعيشه المنطقة من فئة الشبان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صمت السلطة

وانتقد بوطالب صمت السلطة التونسية أمام تفاقم الظاهرة، داعياً إياها إلى إيجاد حلول واقعية للتصدي لها. 

ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مفصلياً في تسهيل الهجرة لهؤلاء الشباب فازدحم "فيسبوك" بصور وفيديوهات الواصلين إلى الضفة الأخرى من أوروبا مشجعين غيرهم على اللحاق بهم. كما انتشرت عروض "بيع خدمات" للهجرة غير النظامية عن طريق صفحات أشهرها صفحة باسم "ياسين المغربي الكزاوي"، وهو مغربي الجنسية، وبحسب المعلومات فهو يعمل ضمن شبكة تضم مجموعة من الأشخاص من تونس والمغرب. 

اتصلت "اندبندنت عربية" بهذا الشخص عبر رقمه المنتشر على "ذمة الباحثين عن الهجرة"، فأجاب بشكل مقتضب عن سؤال كلفة الرحلة والطريق التي يسلكها المهاجرون قائلاً، "لو أردت العبور من صربيا إلى النمسا عليك دفع 3500 يورو (3479 دولاراً)، أو مباشرة من صربيا إلى فرنسا 6000 يورو (5964 دولاراً"، مواصلاً "وبكلفة 1500 يورو (1491 دولاراً) نقوم بالمساعدة على مرور النهر وفي الضفة الأخرى تذهب بمفردك عبر المواصلات إلى النمسا".

الخط الجديد

كما اتصلت "اندبندنت عربية" بأحد الشبان من محافظة تطاوين وهو في أوائل العقد الثالث من العمر وصل إلى باريس قبل ثلاثة أشهر، عبر الخط الجديد للهجرة غير النظامية. 

ويتحدث منير (اسم مستعار) عن رحلته الطويلة للوصول إلى باريس قائلاً، "انطلقت من تونس باتجاه تركيا ثم توجهت إلى صربيا وذلك بكلفة 4500 يورو (4468 دولاراً) ثم إلى بلغراد ومن هناك تمت الصفقة مع أحد الأطراف العاملين في شبكة تهجير الشباب، حيث خيرني بين أن يؤمن لي اجتياز الحدود فقط ثم مواصلة طريقي لوحدي بكلفة 1500 يورو (1491 دولاراً) أو أن يؤمن لي سيارة خاصة باتجاه النمسا بكلفة 4000 يورو (3973 دولاراً)". 

وواصل الشاب قائلاً، "بقيت أياماً قليلة في بلغراد أنتظر إرسال المال من قبل عائلتي، ثم انتقلت بالحافلة إلى سوبيتيكا الصربية رفقة شبان من منطقتي، وجدنا كثيراً من التونسيين هناك بينهم النساء والأطفال وعائلات بأكملها ينتظرون في ظروف سيئة فاضطررت إلى الإقامة في نزل لعدة أيام إلى أن تمت الصفقة وتم إيصالنا إلى النمسا بسيارة خاصة". 

ويعيش منير الآن في باريس مع أقاربه الذين يملكون شركة مقاولات ويعمل معهم عامل بناء. 

موسم الهجرة إلى الشمال

وتحدث الصحافي سمير جراي أيضاً عن منطقة حسي عمر التابعة لبلدية مدنين في جنوب شرقي تونس قائلاً، "ما زاد من حماسة الشباب للهجرة في حسي عمر والقرى المجاورة لها وتحولها إلى هاجس حياة بالنسبة إلى الأغلبية هو تحسن الأوضاع الاقتصادية والمالية للمهاجرين وتمكن غالبيتهم (أكثر من 90 في المئة منهم) من تسوية أوضاعهم القانونية في أرض المهجر، وتزايدت أفواج الهجرة يوماً بعد يوم، حتى إن المدينة تكاد تفرغ من شبابها، أصبحت لا أجد إلا القليل من أصدقائي القدامى أيام الدراسة، فالكل قد رحل في موسم الهجرة إلى الشمال".

ويواصل جراي في حديث خاص، "منذ نحو 15 عاماً انتقل شبابها للعمل في أوروبا وبخاصة فرنسا وإيطاليا، كانت في تلك الأيام الهجرة عن طريق التأشيرة التي يتم الحصول عليها عبر دفع مبالغ كبيرة من المال، ومع مرور السنوات أصبحت الهجرة غير النظامية عبر البحر هي السبيل إلى بلوغ الغاية، بسبب صعوبة الحصول على التأشيرات، وتطورت أساليب وأماكن الحرقة".

ويضيف، "مع التهميش الذي تعانيه المنطقة شأنها شأن أغلب مناطق تونس الداخلية ومع غياب التنمية وارتفاع معدلات البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا والمنقطعين عن الدراسة على حد سواء أصبحت الهجرة والأمل في مستقبل أفضل في الضفة الشمالية من المتوسط هي الحل الوحيد المتبقي أمام شباب المنطقة، الذين تملكهم اليأس من أي حلول قد تقدمها الدولة لبعث استثمارات أو مشاريع تخرج الشباب من طاحونة البطالة والفقر".

ويؤكد، "مع تزايد تأزم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تونس في السنوات الأخيرة وانعدام أي وجود للدولة لانتشال هذا الشباب من آفة البطالة وغياب الحلول الاقتصادية وفشل خيارات الحكومات المتعاقبة في التنمية والتشغيل تزايدت أفواج الهجرة غير النظامية بشكل أصبح ملاحظاً جداً، حيث يهاجر الشباب عبر القوارب بالعشرات في الأسبوع الواحد".

من جانبه، قال المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن المهاجرين غير النظاميين اهتدوا في الأشهر الماضية إلى وجود طريق جديدة للهجرة غير الشرعية تمر عبر دول البلقان وتحديداً صربيا. 

ويضيف أن "هذه الطريق عرفت تدفقاً كبيراً منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد وصول 775 مهاجراً غير نظامي إلى صربيا خلال شهر وأكثر من 3000 خلال عام، من دون اعتبار المهاجرين غير المرئيين الذين وصلوا صربيا من دون اعتراضهم من السلطات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير