بالتزامن مع الذكرى الستين لانتهاء حرب استقلال الجزائر عن فرنسا (1954- 1962)، يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر، الخميس 25 أغسطس (آب)، بدعوة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون.
ولهذا دلالات عديدة، إضافة إلى أنه يضع الزيارة التاريخية في مواجهة تحديات راهنة، فإذا كانت الذاكرة من العناوين البارزة، والإشكالية، فإن الحرب في أوكرانيا والغاز الجزائري والتأشيرات والأمن في الساحل من القضايا التي تفرض نفسها على جدول أعمال العلاقات بين البلدين.
الذاكرة
هذه الزيارة الثانية لماكرون إلى الجزائر بعد توليه الرئاسة، وتعود زيارته الأولى إلى ديسمبر (كانون الأول) 2017 في بداية ولايته الأولى.
وقد بدت حينها العلاقات بين البلدين واعدة مع رئيس فرنسي شاب ولد بعد عام 1962، لكن الآمال سرعان ما تلاشت مع صعوبة توفيق ذاكرة البلدين بعد 132 عاماً من الاستعمار والحرب الدموية ورحيل مليون فرنسي من الجزائر عام 1962.
وضاعف ماكرون المبادرات في ملف الذاكرة، فوصف الاستعمار بأنه "جريمة ضد الإنسانية"، واعترف بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال "معركة الجزائر" عام 1957.
واستنكر "الجرائم التي لا مبرر لها" خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961.
لكن العلاقات توترت بين البلدين عندما شكك الرئيس الفرنسي في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار، واعتبر أن السلطات الجزائرية أنشأت "ريعاً لذاكرة" حرب الاستقلال للحفاظ على شرعيتها.
وتلقي هذه المسألة بثقلها على السياسات الداخلية على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، إذ هناك سبعة ملايين فرنسي مرتبطون بالجزائر بطريقة أو بأخرى.
وأشار المؤرخ جيل مانسيرون إلى أثير إذاعة "فرانس إنفو" إلى أن "بين مستشاريه (ماركون)، والقوى السياسية التي يعتمد عليها أو التي يأمل الحصول على دعم ضمني منها إلى حد ما، هناك وجهات نظر مختلفة". ولفت إلى وجود "حنين استعماري قوي" في صفوف اليمين.
حرب أوكرانيا والغاز
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا باتت الجزائر، وهي من بين أكبر 10 منتجين للغاز في العالم، مُحاوراً مرغوباً بالنسبة إلى الأوروبيين الساعين إلى تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي، علماً أن الرئاسة الفرنسية تؤكد أن الغاز الجزائري "ليس موضوع الزيارة".
ويتوقع المتخصص في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، أن "يطلب الرئيس الفرنسي من الجزائر بذل جهد لمحاولة زيادة إنتاجها من الغاز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكنه يرى أنه "إذا أراد الفرنسيون مزيداً، فعليهم الاستثمار" في صناعة الغاز والطاقات المتجددة في الجزائر.
وباتت الجزائر المورد الغاز الرئيس لإيطاليا في الأشهر الماضية عبر خط أنابيب "ترانسميد" الذي يمر عبر تونس.
وتواجه فرنسا صعوبات اقتصادية في الجزائر بحصة من السوق تناهز 10 في المئة، وقد تجاوزتها الصين (16 في المئة) التي صارت المورد الأول للبلد الأكبر جغرافياً في إفريقيا.
وخسرت مجموعة "سويز" الفرنسية إدارة شبكة المياه في الجزائر العاصمة، فيما خسرت شركة "راتيبي باريس" إدارة المترو و"شركة مطارات باريس" إدارة مطار هواري بومدين في العاصمة.
أما مصنع مجموعة السيارات "رينو" فهو مكبل بحصص من القطع المستوردة تفرضها السلطات الجزائرية.
ويشير عبدالرحمن مبتول إلى أن "هناك احتمالات كثيرة، ولكن يجب على فرنسا تغيير طريقة تعاملها، فقد خسرت كثيراً في أفريقيا".
التأشيرات
وخفضت باريس بنسبة 50 في المئة عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين (وكذلك الأمر بالنسبة إلى المغاربة) للضغط على حكومتي البلدين اللتين تعتبرهما غير متعاونتين في إعادة مواطنيهما المطرودين من فرنسا.
ويعتقد السفير الفرنسي الأسبق لدى الجزائر، كزافييه درينكور، أن "لتقليص عدد التأشيرات تداعيات كبيرة في الجزائر، ويسلط ذلك ضغطاً على السلطة الجزائرية".
وتريد باريس والجزائر "المضي قدماً" في هذا الملف، وفق الرئاسة الفرنسية التي تؤكد أنه منذ مارس (آذار) 2022 أصدرت السلطات الجزائرية "300 تصريح (للعودة)، مقابل 17 خلال الفترة نفسها في 2021 و91 في 2020".
ملفا الساحل وليبيا
ويشير مدير "مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط" في جنيف حسني عبيدي إلى أن "الرئيس ماكرون يعرف أنه من دون تعاون الجزائر، من الصعب جداً تحقيق أدنى اختراق في ملفي الساحل وليبيا".
ويضيف عبيدي، أن الجزائر تؤدي دوراً مهماً في مالي التي انسحب منها الجيش الفرنسي أخيراً، وتحافظ على "علاقات ممتازة" مع المجلس العسكري الحاكم في باماكو، مشيراً إلى "العلاقات المهمة" بين الجزائر ونيامي وغيرها من العواصم الأفريقية.
الحقوق والحريات
وتستنكر المنظمات غير الحكومية تشديد الخناق على الحراك الاحتجاجي الشعبي في الجزائر الذي قاد إلى سقوط الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عام 2019.
وحضت عشرات من منظمات الجالية الجزائرية في فرنسا ماكرون على "عدم التستر" على موضوع الحقوق والحريات خلال زيارته.
وعلى الرغم من الإفراج عن معتقلين في الأشهر الماضية، فلا يزال حوالى 250 شخصاً محتجزين في السجون الجزائرية لارتكابهم جرائم رأي، وفق اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين.
وتتضمن زيارة ماكرون لقاء مع رواد أعمال جزائريين شباب قبل أن يتوجه إلى وهران الواقعة في الغرب، وثاني مدن البلاد المشهورة بروح الحرية التي جسدتها موسيقى الراي في الثمانينيات.