تشتهر بعض المناطق الصحراوية في الجزائر بإحدى أهم الطرق العلاجية من بعض الأمراض التي تتم عبر "الردم في الرمال"، وهو ما يجعل الهجرة نحو الجنوب تنتعش في هذه الفترة من السنة، حيث تعرف درجات الحرارة ارتفاعاً كبيراً.
توافد شعبي لافت
يتوافد آلاف الجزائريين إلى المناطق الصحراوية في جنوب البلاد، بهدف التداوي من أمراض "عجز" الطب الحديث عن إيجاد علاج ينهي معاناة المرضى، ولعل أهمها "الروماتيزم" والأمراض المرتبطة به من آلام المفاصل، وتنشيط الدورة الدموية وعلاج الدهون على الكبد ورفع معدل المناعة، وهي الأمراض التي تمكنت طريقة "الردم في الرمال" من مكافحتها ومنح المرضى الأمل في الشفاء.
وأخذت الظاهرة اهتماماً واسعاً نظراً للنتائج التي سجلتها مع مرور السنوات، وبات الإقبال كبيراً على هذا النوع من التداوي الذي يصنف في خانة "الطب البديل"، بعد أن أصبحت الدائرة تتوسع من حيث عدد المحافظات التي تعنى بهذه الطريقة الفريدة من نوعها، لا سيما أنها متاحة للجميع بسبب سعر الرحلات المقبول الذي لا يتجاوز 150 دولاراً للفرد، يشمل النقل من العاصمة إلى محافظة بشار والإقامة لمدة ثلاثة أيام، إضافة إلى العلاج والرعاية.
هكذا تتم طريقة العلاج
تقوم طريقة العلاج بالرمل على طمر المريض في الرمال الساخنة حتى رأسه، الذي يتم تغطيته لتجنب ضربات الشمس الحارقة مقابل تزويده بكميات كبيرة من الماء حتى لا يصاب بالغثيان. ويستمر الوضع لمدة ساعتين بينهما استراحة قصيرة بين 10 إلى 15 دقيقة قبل العودة إلى الرمل، وذلك لفترة يومين إلى 15 يوماً، حسب الوضع الصحي للمريض وسنه.
ويمنع على المريض شرب الماء البارد أو تناول أية مأكولات بعد إزالة الردم، يدخل للاستراحة داخل خيمة وهو ملفوف ببطانية أو غطاء ثقيل، ما عدا تقديم الحلبة الساخنة. كما يحظر عليه التعرض لأية تيارات هوائية أو الاستحمام إلا بعد مرور 20 يوماً، وعليه الانتظار فترة قبل العودة إلى ممارسة حياته الطبيعية مع التزامه عدم تخفيف ملابسه حتى تتحسن حالته.
تنشيط السياحة العلاجية
ترى السلطات في الظاهرة فرصة لتنشيط السياحة العلاجية الداخلية بشكل خاص، إذ أكدت وزارة السياحة أن مناطق الجنوب تعرف هذه الأيام انطلاق موسم السياحة العلاجية الذي يبدأ خلال الأسابيع الأخيرة من شهر أغسطس (آب)، حتى آخر الخريف وبداية فصل الشتاء. وشددت على أن التداوي بالرمل هي ثقافة قديمة جداً، ويطلق عليها اسم السياحة النظيفة، فقد اعتاد السكان المحليون الإقبال عليها وتنظيم لقاءات خاصة في أحضان الكثبان الرملية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق، توقعت الجمعية السياحية للترفيه والتبادل والتطور والبيئة، توافد 30 ألف سائح خلال موسم هذه السنة، مقارنة مع المواسم الماضية حين تجاوز عدد الزوار 40 ألفاً، قبل أن تفعل جائحة "كورونا" فعلتها وتتسبب في توقف الحركة بشكل شبه كلي.
إيجابيات لكن مخاطر كبيرة؟
إلى ذلك، يقول الباحث في التراث عبد الكريم أبو بكر، إن الدفن في الرمال الساخنة ينشط الدورة الدموية ويسبب عدداً من التفاعلات المفيدة داخل جسم الإنسان تساعد في علاج أمراض عدة. وأضاف أن المشي على الرمال حافي القدمين ضروري للتخلص من الشحنات السلبية والموجات الكهرومغناطيسية التي يتعرض لها الإنسان نتيجة تعامله مع وسائل الإعلام الحديثة، كما أن الرمل والطين يستخدمان حالياً في عمليات التجميل وشد البشرة والتخلص من الترهلات، إضافة إلى أن رمال الصحراء تفيد في هدوء النفس وصفاء الروح.
ويتابع أبو بكر، أنه على الرغم من كل هذه الفوائد التي ارتبطت بالطمر في الرمال، إلا أنه لا يصلح لعلاج كل الحالات، فهو غير مناسب لأمراض محددة مثل الفشل الكلوي والأمراض القلبية والضغط الدموي وضيق التنفس وغيرها، مشدداً على ضرورة أن تخضع هذه الحمامات الرملية إلى المراقبة الطبية، كما يجب أن تشرف عليها مديرية الصحة ومصالح الحماية المدنية وكذلك مصالح البلدية. وأبرز وجوب إجراء فحص طبي شامل يثبت من خلاله أن المريض على استعداد للخضوع للردم في الرمال.
مورد اقتصادي
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد، كمال بوفتيس، أن هذه الحمامات الرملية والإقبال المتزايد عليها من طرف المرضى والعائلات، من شأنها الإسهام في دفع عجلة التنمية في المناطق الصحراوية، على اعتبار أنها تحرك الدورة التنموية بشكل كامل، مشيراً إلى أن الظاهرة تمنح حيوية لشبكة الطرقات وإمكانات الإيواء والإطعام والنقل، وكذا الأنشطة السياحية المتكاملة، إضافة إلى أنها تروج للمواقع الطبيعية التي تزخر بها المنطقة. وقال إنه يمكن اتخاذ الحمامات الرملية كمورد اقتصادي يضفي ديناميكية على شتى المناطق المجاورة، وهو ما يستدعي التفاتة من الجهات الوصية لاحتضانها ودعمها من أجل الصالح العام.