Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة السودانية تصطدم بعقبة التحالفات السياسية

التكتلات الجديدة تزيد من حدة الخلافات والاستقطابات داخل المكون المدني

 أعلن في الخرطوم أخيرا تكوين تحالف باسم "قوى التغيير الجذري الشامل" يضم 10 مكونات سياسية (اندبندنت عربية- حسن حامد)

في وقت يترقب الشارع السوداني إنهاء أزمته السياسية، التي تفجّرت مع الانقلاب الذي قاده قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، خصوصاً بعد إعلان المكون العسكري انسحابه من الحوار الذي ترعاه الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيغاد)، لإفساح المجال للمدنيين بالتوافق على تشكيل حكومة مدنية، اتجهت بعض القوى المدنية في البلاد إلى إقامة تكتلات وتحالفات جديدة، ما يزيد من حدة الخلافات والاستقطابات داخل المكون المدني.

وأعلن في الخرطوم الأحد 24 يوليو (تموز) تكوين تحالف باسم "قوى التغيير الجذري الشامل"، يضم 10 مكونات سياسية متشددة في مواقفها ضد العسكر، إذ تعتمد على خيار المقاومة الشعبية لإسقاط النظام القائم، ويعد تحالفاً موازياً لقوى الحرية والتغيير بشقيها المجلس المركزي والميثاق الوطني، فكيف ينظر المراقبون لهذه التحالفات من ناحية مدى إعاقتها أو مأسستها في إيجاد حلول للأزمة الراهنة؟

ضربة في مقتل

الكاتب السوداني عثمان ميرغني يرى أن "وضع التحالف الجديد الذي دشن أخيراً باسم قوى التغيير الجذري الشامل مختلف تماماً عن التحالفات السياسية الأخرى، لأنه يقوم على الأيديولوجية الماركسية، ويتبنى مفهوم التغيير بالقوة الجماهيرية بصورة شاملة، مما سيواجه تحديات كثيرة في الشارع السوداني، لذلك من الصعوبة بمكان نجاح أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها، بل سيضرب المكون المدني في مقتل، إذ كان من المؤمل أن تتحد وتتوافق القوى المدنية على رؤية واحدة تتيح لها تسلم السلطة من المكون العسكري، بعد إعلان انسحابه من الحوار الذي ترعاه الآلية الثلاثية لإتاحة الفرصة للقوى السياسية تشكيل حكومة مدنية تقود ما تبقى من فترة انتقالية وصولاً للانتخابات العامة".

وقال ميرغني، "في ما يتعلق بتحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، فهو ميت إكلينيكياً بعد انسحاب بعض القوى السياسية، على رأسها الحزب الشيوعي، ما أدى إلى إضعافه، وتناقص قاعدته الجماهيرية، فضلاً عن تبعثر وتشتت أجندته وعدم وضوع أهدافه، في ظل وجود خريطة طريق من قبل المكون العسكري تسمح بتشكيل حكومة مدنية". متوقعاً أن "لا يصمد هذا التحالف كثيراً، وسيتلاشى عن المشهد السياسي قريباً بانسحاب حزب الأمة القومي، الذي يواجه كثيراً من العقبات العملية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "أمّا بالنسبة لتحالف قوى الحرية والتغيير (الميثاق الوطني)، فهو وجه آخر للسلطة العسكرية، وليس تحالفاً أصيلاً، بل إنه حاضنة سياسية للحكومة العسكرية الحالية، بالتالي وجوده مرتبط بالأزمة الراهنة".

وأشار إلى أن الأزمة الحالية تتجه نحو الحل، "إذ إن خريطة الطريق التي قدمها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الرابع من يوليو (تموز) منحت القوى السياسية فرصة تكوين حكومة مدنية مع انسحاب المؤسسة العسكرية بكامل مكوناتها من مؤسسات الحكم". مؤكداً أنها "خطوة ليست من بنات أفكار البرهان، بل مدعومة من المجتمع الدولي والإقليمي بقيادة واشنطن والرياض".

"خطة ب"

وقال الكاتب السوداني إنه "بناءً على ذلك كان من المفترض أن تشكل الحكومة المدنية بالتوافق السياسي، لكن تعذر الأمر لعدم قدرة بعض المكونات قراءة الواقع بشكل جيد، بالتالي ستكون هناك (خطة ب) لإنقاذ العملية السياسية من خلال تشكيل حكومة مدنية وفق تحالف يضم حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الأصل، إضافة إلى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وبعض الشخصيات من أحزاب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي المعارض وغيرهم، وستكون لهذه الحكومة مهمة واحدة وأساسية هي إجراء انتخابات عامة بنهاية الفترة الانتقالية".

وتوقع ميرغني أن تحظى هذه الحكومة الجديدة بالقبول من قبل غالبية الشارع السوداني، لأن المجتمع الدولي يقف خلفها، إذ سيقوم بفك الحظر عن كل المساعدات التي جرى تجميدها بسبب انقلاب 25 أكتوبر، كما سيكون هناك دعم مرصود لها لاستدراك الأوضاع الاقتصادية، التي ألقت بظلالها السالبة على الحياة المعيشية في البلاد.

انتخابات مبكرة

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم، الزمزمي بشير، أن "التحالفات السياسية في السودان خلال هذه المرحلة تؤكد حالة التشظي والتشرذم داخل القوى المدنية، وما تشهده من ضعف وانسداد أفق وانعدام ثقة، بالتالي إن هذا الوضع لن يؤدي إلى حلول للأزمة الراهنة، خصوصاً أن هذه القوى المدنية تعاني عزلة شعبية، سواء من قبل المواطن العادي أو القوى الثورية التي تقود حراك الشارع".

وقال بشير، "كما يعلم الجميع فإن الفئة الشبابية هي الغالبة في المجتمع السوداني بما يفوق 70 في المئة من عدد السكان البالغ 40 مليون نسمة، فلم تعد هذه الفئة مقتنعة بأي حزب في الساحة، سواء أكانت تقليدية أم حديثة، فهي ترى أن هذه الأحزاب عاجزة تماماً عن تقديم نموذج للمؤسسية والديمقراطية داخلها، إذ يتراوح سن رؤسائها من 70 إلى 90 سنة، حتى القوى الحديثة ظهرت بشكل باهت وعبارة عن أحزاب نخبوية، تمثل غالبية عضويتها من الجامعات، فضلاً عن الصورة الاستعلائية، وعدم تفهمها لواقع السودان وتاريخه الأصيل".

وأضاف أستاذ العلوم السياسية، "في اعتقادي أن الحالة المدنية ميؤوس منها، فهي حالة متأخرة لا رجاء منها، وما يحدث الآن من تحالفات واستقطابات حادة يجعل فرص التوافق بين المدنيين قليلة جداً، ويدل على أن المكونات المدنية وصلت إلى طريق مسدود في ما بينها لإيجاد حل للأزمة السياسية، ما يمهّد الطريق إلى انتخابات مبكرة، باعتبارها المخرج الحقيقي للخروج من هذا النفق".

الهبوط الناعم

ودشنت 10 كتل سياسية ومدنية تضم الحزب الشيوعي السوداني، وتجمع المهنيين السودانيين، وميثاق الشهداء والثوار، وضباط وضباط صف وجنود شرطة مفصولين، والتحالف الاقتصادي، وتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، والاتحاد النسائي السوداني، ولجنة القضايا المطلبية، واللجنة القومية للمفصولين، وهيئة محامي دارفور، وتحالف جند الوطن، تحالفاً سياسياً جديداً باسم تحالف قوى التغيير الجذري لإسقاط الانقلاب العسكري وتسلم السلطة في المركز والولايات، وسيكون التحالف مفتوحاً لتوقيع الآخرين.

 

وقال السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني، محمد مختار الخطيب، في مؤتمر صحافي بمناسبة التدشين، إن التحالف سيضم كل القوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة المؤمنة بالتغيير الجذري والرافضة التسوية مع الانقلاب.

وبيّن أن الخط المعارض قبل سقوط نظام الرئيس المعزول انقسم إلى اثنين، الأول تبنى فكرة التغيير داخل النظام، وهو ما أطلق عليه قوى الهبوط الناعم، والثاني اختار طريق الثورة لإسقاط النظام، وقد نجح التيار الأخير، لكن الثورة وبعد السقوط انحرفت بفعل الشراكة بين العسكر وقوى الهبوط الناعم عن مسارها، وتوج ذلك بانقلاب 25 أكتوبر.

العدالة الاجتماعية

ولفت الخطيب إلى أن الأوضاع تدهورت إثر ذلك على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستدعي توحد القوى الثورية الحية لإسقاط الانقلاب، وتسلم السلطة وتنفيذ مشروع تغيير جذري شامل.

وبين أن البلاد عاشت خلال الشراكة بين العسكريين والمدنيين وحتى الآن مرحلة متقدمة من الفقر والمجاعة والتبعية للخارج والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي.

ونوه بأن برنامج التغيير الجذري يقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية قطاعياً ومناطقياً وإنهاء الحرب واستدامة السلام، وعدم التفريط في سيادة البلاد ومواردها. مشيراً إلى أن قوى الحرية والتغيير لن تكون جزءاً من التحالف، لأنها تمثل مصالح طبقات اجتماعية متعايشة مع النهج السياسي الاجتماعي الذي أورد البلاد موارد الهلاك طوال أكثر من 60 عاماً منذ الاستقلال في 1956.

وأكد سكرتير الحزب الشيوعي، أن "الانقلاب الحالي في أضعف حالاته، ويعاني انقسامات داخلية، بيد أن السودان كله في وضع ثوري خارج إرادة القوى الداخلية والخارجية التي تريد التحكم في مجريات الأمور في البلاد". مشدداً على أن "قوى التغيير الجذري ستنشئ مركزاً موحداً لقيادة الحراك الثوري والتجهيز للعصيان السياسي والإضراب المدني، كما ستنشئ مراكز موحدة في كل البلاد تقود الحراك الثوري، وأنها ستستلم السلطة في الولايات والمحليات بعد سقوط السلطة المركزية".

احتجاجات متواصلة

ومنذ 25 أكتوبر 2021، يشهد السودان احتجاجات شعبية متواصلة تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي، وترفض إجراءات رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الاستثنائية التي أطاحت بالشراكة مع المكون المدني، وحلت مؤسسات الفترة الانتقالية التي كانت قائمة، بيد أنها اعتبرت تلك الإجراءات انقلاباً عسكرياً، وقوبلت التظاهرات المتواصلة في مدن العاصمة الثلاثة (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان) بعنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية راح ضحيته 116 متظاهراً منذ الانقلاب، فضلاً عن مئات الجرحى.

وينفي البرهان صحة اتهامه بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إن إجراءاته تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

وكانت الآلية الثلاثية قد رعت أولى جلسات الحوار السوداني المباشر الذي انطلق في 8 يونيو (حزيران) الماضي، غير أنها علقت في المهد، بسبب مقاطعة تحالف قوى الحرية والتغيير المعارض وقوى ثورية أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير