Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دراسة تربط مساعدات "الائتمان الشامل" وارتفاع معدل الجريمة في بريطانيا

تبين أن الانتقال إلى نظام ضمان اجتماعي أكثر تقييداً له علاقة بزيادة معدلات الجريمة

تحدثت أبحاث سابقة عن وجود صلة بين مساعدات "الائتمان الشامل" وزيادة معدلات العنف المنزلي (رويترز)

خلصت دراسة جديدة أجريت في المملكة المتحدة، إلى أن النظام الرائد للمساعدات الحكومية المعروفة بـ"الائتمان الشامل" Universal Credit (معونة تمنح شهرياً لأصحاب الدخل المنخفض أو للعاطلين عن العمل، لمساعدتهم على تحمل تكاليف معيشتهم)، تسبب في ارتفاع معدلات الجريمة في مختلف أنحاء بريطانيا.

ولاحظ الباحثون من "كلية لندن الجامعية" University College London الذين يدرسون طريقة تطبيق النظام الجديد، أن هناك "دليلاً واضحاً ومعقولاً يربط ما بين مساعدات "الائتمان الشامل" والزيادة المسجلة في عدد الجرائم".

النتائج التي عمل على مراجعتها زملاء خبراء في هذا المجال، والتي نشرت في "المجلة البريطانية لعلم الجريمة" British Journal of Criminology، تعد أحدث دليل يمكن إضافته إلى مجموعة متزايدة من الأعمال التي تشير إلى أن أنظمة الضمان الاجتماعي الأقل سخاءً تزيد من حالات خرق القانون.

وأكد النموذج الأساسي للدراسة أن مساعدات "الائتمان الشامل"- التي تضع شروطاً أكثر تقييداً على المطالبين بالحصول عليها- "تسببت في حدوث زيادة بنسبة 6.5 في المئة في الجريمة، خلال فترة الأعوام التي ركزنا البحث عليها، وتمتد من عام 2013 إلى عام 2018".

ويشير منظمو الاستطلاعات التابعون لموقع "يوغوف" YouGov لأبحاث السوق، إلى أن الجرائم حظيت باهتمام واضح وتصدرت جدول الأعمال السياسي في الأعوام الأخيرة، بحيث طغت في عام 2019 على موضوع الصحة، لتصبح ثاني أهم قضية بالنسبة إلى الناخبين بعد مسألة "بريكست" (الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي). وفيما اختلف الوضع تحديداً أثناء فترة تفشي الوباء، فإن هذه القضية ظلت منذ ذلك الحين، ضمن أبرز الأولويات.

وقد تمكن الباحثون من تتبع الروابط بين مساعدات "الائتمان الشامل" والزيادة في عدد الجرائم المبلغ عنها، نظراً إلى أن الدراسة أجريت في مناطق مختلفة من البلاد، وفي أوقات متفاوتة، وعلى نحو عشوائي وفاعل.

الدراسة هذه تقصت أيضاً عن عوامل أخرى متصلة بزيادة معدلات الجريمة، كخفض عدد عناصر الشرطة، وتخفيف الخدمات المحلية، إضافة إلى تغير الوضع الاقتصادي بين جيد أو سيئ، وخلصت إلى أنه: "في حين أنه يستحيل إثبات العلاقة السببية بشكل شامل، من خلال دراسة رصدية واحدة، فإن نتائجنا تقدم دليلاً واضحاً ومنطقياً يشير إلى وجود رابط بين مساعدات "الائتمان الشامل" والزيادة المسجلة في عدد الجرائم".

في المقابل، لفتت الدراسة إلى أن "معدل الجريمة لا يتلازم مع الزيادة في عدد المطالبين بالمساعدات فحسب، لا بل إن اعتماد إعانات "الائتمان الشامل" في كل منطقة، كان يتزامن أيضاً مع تحول في الاتجاه طويل الأمد للجريمة".

الدكتور ماتيو تيراتيلي المؤلف الرئيس لدراسة "كلية لندن الجامعية" قال لـ"اندبندنت"، إن "الأمر واضح، فعندما تعتمد أماكن معينة منح مساعدات ’الائتمان الشامل’، يتبين بعد فترة حدوث بعض التغييرات، بحيث إنه طيلة المدة الزمنية التي تم خلالها تطبيق نظام ’الائتمان الشامل’، كانت تلك المناطق تشهد معدلات جريمة أعلى من غيرها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الأكاديمي أن هناك "أدلة متزايدة تشير إلى أن أنظمة الضمان الاجتماعي المقيدة بشكل عام تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة".

ويرى الدكتور تيراتيلي، أن العلاقة بين مساعدات "الائتمان الشامل" والجريمة واضحة للغاية، بحيث كانت هناك تداعيات سياسية "واضحة" لطريقة التعامل مع معدلات الجريمة.

ويتابع قائلاً، إن "من بين الأمور المثيرة للاهتمام، أنه إذا نظرنا إلى حجم التأثيرات المترتبة ليس فقط عن مساعدات "الائتمان الشامل"، بل أيضاً عن التغييرات الأخرى في مختلف أنحاء العالم في مجال الضمان الاجتماعي، نجد أن انعكاساتها على معدل الجريمة، تتخطى بكثير الآثار التي تخلفها مبادرات الشرطة لضبط الأمن، والتي نركن إليها عندما نريد الحد من الجريمة".

ويضيف، "من هنا إذا نظرنا إلى التأثير وراء طرح طرق جديدة لممارسات الشرطة، أو زيادة عمليات توقيف الأفراد وتفتيشهم، أو مضاعفة التمويل للشرطة، وغيرها من عمليات أخرى، لوجدنا أن الانعكاسات المترتبة عن التغييرات المعتمدة في الأنظمة الاجتماعية بشكل عام، تكون أقله بحجم تلك المتأتية من مبادرات الشرطة التي تستهدف الحد من الجريمة. أعتقد أن تداعيات هذه السياسة جلية تماماً".

ويوضح الدكتور تيراتيلي، أنه في حين أن أنواع الجرائم التي تكون غالباً دوافعها مرتبطة بالسرقة والسطو والتخريب- ما يشير إلى أن الناس ربما يحاولون زيادة دخلهم- فإن هذه ليست هي الحال دائماً.

ويرى أن "الانعكاسات تمتد إلى أبعد من ذلك، إذ إن المسألة لا تتوقف عند حدود ارتكاب جريمة للبقاء على قيد الحياة، فعندما يكون الأفراد على حافة الانهيار النفسي نتيجة الفقر، يلجأون إلى جرائم السرقة والسطو لتحسين دخلهم. لا يبدو أن ذلك وحده وراء ما يحدث. في الواقع، هناك مجموعة من الضغوط والعوامل المحبطة بشكل عام، كالقيود الكبيرة على نظام الضمان الاجتماعي ومساهماته المحدودة، التي تعرض الناس للتوتر في مختلف مجالات حياتهم".

وأشار تيراتيلي إلى أن الزيادة الكبيرة (في الجرائم) "كانت مرتبطة بما هو أكثر من الإجهاد والتوتر، كالخلل في العلاقات والبنى الأسرية، الناجم عن تراجع مستوى الدعم في نظام الضمان الاجتماعي لدينا". وكانت أبحاث سابقة قد تحدثت عن وجود صلة بين مساعدات "الائتمان الشامل" وزيادة معدلات العنف المنزلي.

وتتفق النتائج التي توصلت إليها الدراسة مع أدلة أخرى جمعت من مختلف أنحاء العالم، بما فيه الولايات المتحدة وأوروبا، على أن أنظمة الضمان الاجتماعي الأقل دعماً للمواطنين تدفع نحو زيادة معدلات الجريمة. وتوصلت ورقة بحثية أخرى نشرها باحثون في "جامعة ساسيكس" في يوليو (تموز) من عام 2020، إلى وجود علاقة مشابهة.

الاقتصادي روكو ديستي أشار من جانبه إلى أن "مساعدات "الائتمان الشامل" تسببت في وقوع نحو 45 ألف عملية سطو". وقال إن الأدلة تشير إلى أن "العوامل المسببة للسلوك الإجرامي، كان من المتوقع أن تتزايد بشكل كبير لدى توسيع نطاق مساعدات "الائتمان الشامل" بشكل كامل، لتشمل 6.5 مليون شخص آخر.

ولفت تحليل تلك الورقة البحثية إلى أن "تدهور الظروف المالية لمتلقي الإعانات"، كان "الدافع الرئيس" وراء هذه التطورات.

ويوضح الدكتور تيراتيلي الذي عمل على الورقة مع الباحثين بن برادفورد وجوليا يسبرغ، أنه "لا يوجد دليل واحد يمكن أن يحسم الجدل تماماً، لكن من خلال الاستناد إلى مجموعة البيانات التي تم رصدها، وعدد من وجهات النظر والتحليلات الأخرى لباحثين مختلفين، توصلنا جميعاً إلى الاستنتاج نفسه وهو أن هناك تأثيراً لمساعدات ’الائتمان الشامل’ على الجريمة".

وأضاف، أن النتائج "تتوافق والاستنتاجات الدولية بشكل عام". ففي الولايات المتحدة، تبين من خلال دراسة أعدها "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية" National Bureau of Economic Research، ونشرت في وقت سابق من هذا الشهر، أن وقف المساعدات الحكومية قد دفع بشكل كبير المتضررين إلى نظام العدالة الجنائية.

"مكتب مسؤولية الموازنة" في بريطانيا Office for Budget Responsibility (هيئة عامة تمولها وزارة الخزانة، مهمتها تقديم توقعات اقتصادية مستقلة وتحليلات للمالية العامة) أقر في عام 2016 بأن مساعدات "الائتمان الشامل" باتت الآن "أقل دعماً في الإجمال ​​من الإعفاءات الضريبية وأنظمة الإعانات الاجتماعية التي حلت مكانها، وذلك "بسبب التخفيضات في البرنامج الذي بدأ تنفيذه في عام 2015 جورج أوزبورن (وزير الخزانة البريطاني الأسبق)، لا سيما في بدل العمل.

لكن أجزاء أخرى من هذا النظام قد تكون أكثر صرامة عن سابق تصميم، بما في ذلك تحديد فترة انتظار إلزامية مدتها 5 أسابيع للحصول على المساعدات، ما يجبر المطالبين بها على التأخر في دفع بدلات إيجارهم، والوقوع في ديون، والتعرض لاقتطاعات قاسية من المدفوعات، ومواجهة مجموعة من المتطلبات والعقوبات الصارمة.

وكانت "لجنة الشؤون الاقتصادية التابعة لمجلس اللوردات" House of Lords Economic Affairs Committee قد أفادت في تقرير أصدرته في يوليو (تموز) من عام 2020، بأن مساعدات "الائتمان الشامل" الحكومية، "لديها جوانب تضر بأفراد كثيرين، لا سيما الفئات الأكثر ضعفاً".

واعتبر أعضاؤها أن فترة الانتظار التي تبلغ 5 أسابيع من أجل الحصول على أول دفعة من المساعدات "تزيد من حدة الفقر المدقع بالنسبة إلى البعض، وتضر بالفئات الضعيفة على نحو غير متناسب، في حين أن الاقتطاعات من منح ’الائتمان الشامل’ جعلت بعض المطالبين تحت رحمة دخل أقل بكثير من احتياجاتهم الأساسية".

وفي ما يتعلق بالمتطلبات والعقوبات المحددة، قال التقرير: "لقد اتسع نطاق الشروط بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة، حتى إنها كانت في كثير من الأحيان على حساب المطالبين بالمساعدات". وأشار إلى أن "المملكة المتحدة توصف بأن لديها بعض أشد العقوبات صرامة في العالم، في حين أنه ليست هناك أدلة كثيرة على أن لها تأثيرات إيجابية".

ورأى تقرير اللجنة "أن إلغاء مصدر الدعم الرئيس للأفراد لفترات طويلة، قد يدفع بهم إلى فقر مدقع ويوقعهم في ديون، ويجعلهم يعتمدون على بنوك الغذاء. وإضافة إلى ذلك، يوجد مقدار كبير من الأدلة على أن فرض العقوبات والتلويح بها يضران بالصحة العقلية للمطالبين بالإعانات".

وأشارت إلى لجنة مجلس اللوردات التي ينتمي أعضاؤها إلى أحزاب بريطانية عدة، إلى أن "النساء، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأفراد الذين ينتمون إلى مجتمعات ’السود والآسيويين والأقليات العرقية الأخرى’ Black، Asian and Minority Ethnic (BAME)، قد يكونون هم أيضاً عرضة لمقدار كبير من الحرمان جراء نظام مساعدات ’الائتمان الشامل’".

ويختم تقرير اللجنة بأن "تلك المساعدات مرتبطة أيضاً بالارتفاع الملحوظ في مستويات الطلب على بنوك الطعام، وكذلك في حالات التأخر عن سداد بدلات الإيجار، وفق ما أفاد به مقدمو خدمات الإسكان، فيما يشير عدد من المطالبين بالمساعدات إلى أنهم غير قادرين على فهم تركيبة هذا النظام الذي يعتبرونه معقداً. وفي الخلاصة، يبدو أن سمعة إعانات "الائتمان الشامل" قد تراجعت".

وفي تعليق على الدراسة الجديدة في شأن وجود علاقة بين إعانات "الائتمان الشامل" ومعدلات الجريمة، أنكرت وزارة العمل والمعاشات التقاعدية البريطانية وجود أدلة.

وأكد على ذلك أيضاً متحدث باسم الحكومة قائلاً، "لا يوجد دليل على أن مساعدات ’الائتمان الشامل’ تسبب الجريمة، بدليل أن مؤلفي التقرير أنفسهم قالوا، إن من المستحيل إثبات سبب السلوك الإجرامي من خلال دراسة رصدية واحدة. إن مساعدات ’الائتمان الشامل’ الحكومية تمثل شبكة قوية من الأمان المالي، فهي أكثر سخاء في الإجمال من النظام القديم، وتسهل على الأفراد إجراءات المطالبة بالمساعدات التي يستحقونها".

© The Independent

المزيد من متابعات