Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية ومصر علاقة ممتدة لم تخل من محطات مد وجزر

هزها أبناء محمد علي باشا والناصرية و"الإخوان" وتوثقت بحربي رمضان والخليج

الملك فاروق بالزي السعودي في ضيافة الملك عبدالعزيز في مدينة ينبع غرب السعودية عام 1945 في لقاء عرب بـ"قمة رضوى" (دارة الملك عبدالعزيز)

تؤكد صفحات التاريخ أن السعودية ومصر هما قُطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي، والوصول إلى الأهداف الخيِّرة المنشودة التي تتطلع إليها الشعوب العربية من "المحيط الأطلسي" إلى "الخليج العربي".

فمن خلال تاريخ الشرق الأوسط الحديث، كانت الرياض والقاهرة أكبر حليفين، وفي المقابل كانتا أكبر خصمين، إلا أن الدولتين سعتا بشكل سريع لإنهاء ضبابية توتر العلاقات السياسية الثنائية، لتكوين مستقبل مشرق وواضح يحقق العمل على ما يجمع الأمة من دون النظر إلى بعض الاختلافات في وجهات النظر، "فلكل دولة الحق والرأي في ما تعتقد أنه يحقق مصالحها".

الأزمات اختبرت متانة العلاقات

مثّلت الأزمات الكبرى بين البلدين اختباراً قوياً لمتانة العلاقات المشتركة، ويميل الجانبان إلى زيادة وتيرة التعاون والتنسيق، الأمر الذي ثبتت فاعليته في مناسبات متعددة أبرزها حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي لعب فيها سلاح النفط السعودي دوراً سياسياً مهماً لصالح مصر في معركتها ضد إسرائيل.

ففي الوقت الذي يقوم فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بجولة إقليمية يبدؤها بزيارة إلى مصر، وذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع من زيارة الرئيس الأميركي جو بادين إلى السعودية، وذلك لعقد عديد من الاتفاقيات، خصوصاً أن كل دولة لها أدوات تجعل تأثيرها كبيراً على المنطقة، فالرياض يمكنها التأثير على أسعار النفط العالمية مع الزيادة الكبيرة فيها، والقاهرة معها مفاتيح قناة السويس إذا احتدمت الأمور، وخرجت عن نطاق السيطرة، وكل منهما في حلقة مرارات سياسية مع واشنطن.

وفي اتجاه العلاقات المصرية - السعودية لتكون أكثر دفئاً من دون منغصات نستعرض أهم محطات الاتفاق والاختلاف بين البلدين.

"لا غنى للعرب عن مصر - ولا غنى لمصر عن العرب"

منذ عام 1902 أدرك الملك عبد العزيز آل سعود الأهمية الاستراتيجية للعلاقات المصرية - السعودية، على الرغم من الخلافات السابقة، حيث قام والي مصر (محمد علي باشا) ممثل الدولة العثمانية بتدمير الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى بقيادة ابنه إبراهيم باشا وطوسون لتدمير الحجاز، بعد الحملات المصرية الأولى والثانية على السعودية.

 

أُزيحت مصر من المسرح السياسي العثماني بعد أن استطاعت الدولة السعودية الثانية بعث نفسها من جديد في المنطقة، وبعد كرٍّ وفرٍّ أخرجت جميع ممثلين الدولة العثمانية من المنطقة، وقال الملك عبد العزيز منذ العام الأول لسيطرته على الرياض، "لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب"، فمنذ أن بدأ الملك عبد العزيز بناء الدولة السعودية الحديثة حرص على إيجاد علاقة قوية مع مصر.

تعمير الرياض وبرتوكول الإسكندرية

في عام 1926 عُقدت معاهدة صداقة بين البلدين، ثم وقعت اتفاقية التعمير بالرياض عام 1939، وقامت مصر بموجبها بإنجاز بعض المشروعات العمرانية في السعودية، وكان لمصر والسعودية دور كبير في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية، وأعطت زيارة الملك عبد العزيز إلى مصر دفعة قوية للعلاقات بين البلدين.

وفي عام 1945، وافق الملك عبد العزيز على "برتوكول الإسكندرية"، وهو اتفاق قادة ست دول على إنشاء منظمة تربط العرب بعضهم ببعض، وتم إعلان السعودية لانضمامها لجامعة الدول العربية.

اتفاقية جلاء البريطانيين

وفي عام 1955، وقّعت مصر والسعودية اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وقد ترأس وفد السعودية في توقيعها الملك فيصل بن عبد العزيز، وأيّدت السعودية في العام نفسه مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية، ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية.

حرب رمضان

عام 1956، أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وقفت السعودية بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد قدمت الرياض للقاهرة 100 مليون دولار، كما أعلنت السعودية إعادة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر، وقامت باستضافة الطائرات المصرية في شمال غربي السعودية، وتمكينها من النجاة من الغارات الجوية المكثفة التي تعرضت لها الطائرات المصرية.

 

وقامت السعودية بوضع مقاتلات نفاثة من طراز "فامبير" تابعة للقوات الجوية الملكية السعودية تحت تصرف القيادة المصرية، وقد شارك هذا السرب في الحرب ونفذ ما طلبته القيادة المصرية، ودمرت بالقصف 20 طائرة سعودية من نوع "فامبير"، وشارك في الحرب الملك فهد، والملك سلمان، مع عدد من أشقائهما.

التجربة الناصرية أزمة سياسية أولى 

إلا أنه لم يستمر صفاء الأجواء بين الدولتين، إذ بدأت أولى الأزمات السياسية عام 1962، بعد أن أصبحت مصر جمهورية، وجاء أول خلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك سعود بن عبد العزيز، بسبب حرب اليمن التى شاركت فيها مصر في الوقت الذي كانت فيه السعودية تساند الإمام البدر، واستمرت الأزمة فترة كبيرة. ولم تنتهِ الأزمة بين مصر والسعودية إلا في أواخر حياة عبد الناصر في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عودة العلاقات

وفي عام 1967، عقب العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن توجه الملك فيصل بن عبد العزيز بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المُعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود. 

واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، حيث ساهمت السعودية في كثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وأعلن الملك فيصل بن عبد العزيز وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحة وهولندا لمساندتهما إسرائيل في الحرب ضد مصر.

كما شاركت السعودية في حرب يوم الغفران في رمضان بالعام نفسه، وذلك بالقيام بهجوم مفاجئ من قبل الجيشين المصري والسوري على القوات الإسرائيلية، ضمن الجبهة السورية في الجولان وفي تل مرعي، وخاض الجيش السعودي معارك طاحنة مع الوحدات الإسرائيلية.

تقارب السبعينيات تُنهيه قطيعة

بعد فترة من التقارب فى السبعينيات ووقوف السعودية مع مصر أثناء حرب أكتوبر، ومنعها تصدير البترول لدول أوروبا، لم تلبث الأمور الجيدة أن ساءت بعد أن فجّر الرئيس الراحل أنور السادات قنبلة زيارته إلى القدس ومعاهدة السلام وزيارته إلى إسرائيل، ففي عام 1979 أعاد حقبة القطيعة بين السعودية ومصر، وأدت الأزمة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر وسحب السفراء العرب منها، ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، وصدرت قرارات بمقاطعة مصر اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.

 

استمرت القطيعة إلى عام 1986 على الرغم من حادث الاغتيال الذي تعرض له الرئيس السادات عام 1981، وتولي الرئيس الراحل حسني مبارك مسؤولية الحكم في مصر، إلا أن العلاقات السياسية استمرت على ما هي عليه، إلا أن اتصالات سرية حدثت بين قيادتي البلدين، تلتها زيارات لحل القضية حصلت بين السعودية ومصر، خصوصاً بعد لقاء في فرنسا خلال افتتاح معرض "المملكة بين الأمس واليوم"، ليعرض مبارك إقامة المعرض في القاهرة، لتكون عودة العلاقات عام 1987.

عام 1991 في حرب الخليج اتحدت القوتان الإقليميتان، مصر والسعودية، وكانا من أهم العوامل التي ساهمت في تكوين التحالف الدولي، الذي ساهم في إخراج القوات العراقية من الكويت وعودة السيادة الكويتية على كامل أراضيها.

السعودية تدعم مصر ضد "الإخوان"

وعلى الرغم من التحفظ السعودي من تولي "الإخوان" السلطة، فإن شرارة الخلاف بين الحكومتين اشتعلت عام 2012، وذلك بعد أن استدعت السعودية سفيرها لدى مصر لأسباب أمنية، بعد احتجاجات أمام السفارة السعودية في القاهرة على خلفية إلقاء القبض على محامٍ مصري، مما أظهر تصدعاً جديداً في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

 

واستمر تأزم العلاقات بين الرياض والقاهرة طوال فترة حكم "الإخوان" في مصر لمدة عام، لتمنح السعودية الضوء الأخضر في مساندة الجيش المصري لتولي السلطة وعزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو (تموز) 2013، لتعود العلاقات بين الدولتين على أشدها بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكانت السعودية من أوائل المهنئين، وفي برقية للملك عبد الله بن عبد العزيز أشار إلى أنه "يوم تاريخي، ومرحلة جديدة من مسيرة مصر الإسلام والعروبة، لمواجهة مرحلة استثنائية من تاريخ مصر الحديث". وأوضح الملك عبد الله أن "المساس بأمن مصر هو مساس بالسعودية". كما دعا إلى عقد مؤتمر لـ"أشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية". وشارك الملك سلمان حينما كان ولي العهد في حفل تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لجمهورية مصر العربية.

اتفاقيات وإعادة ترسيم حدود

وفي عام 2015 أعلنت مصر دعمها السياسي للعمليات العسكرية التي تُجريها مع دول الخليج العربي بقيادة السعودية في اليمن ضد جماعة الحوثيين المُوالية لإيران.

وفي عام 2016 توترت الأوضاع بين البلدين قليلاً بعد تعيين الحدود البحرية بين البلدين، والتي طبقاً لبنودها بأن تكون جزيرتا "تيران وصنافير" داخل الحدود البحرية السعودية، إلا أن محكمة القضاء الإداري في مصر قضت ببطلان الاتفاقية، لكن المحكمة الدستورية العليا في القاهرة قضت بعدم الاعتداد بجميع الأحكام القضائية التي سبق وأن صدرت من المحكمة الإدارية أو القضاء المستعجل حول الاتفاقية المذكورة، ما يعني استمرار تطبيق الاتفاقية وعدم تغير موقفها القانوني، وقام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتصديق عليها.

 

وفي العام نفسه زار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مصر، ووقع عدة اتفاقيات تجارية وحدودية مهمة مع الحكومة المصرية، إضافة إلى التوقيع على إنشاء التجمعات السكنية ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء وإنشاء جسر يربط بين البلدين عبر سيناء.

وفي عام 2020 تأسست جامعة الملك سلمان الدولية، وتعد ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء، وتضم هذه الجامعة 16 كلية، و56 برنامجاً في 3 فروع بمدن الطور ورأس سدر وشرم الشيخ، وتوصف بأنها واحدة من جامعات الجيل الرابع الذكية، وتهدف إلى تقديم تجربة جامعية فريدة من نوعها يمتزج فيها التعلم باستخدام أحدث التقنيات والخبرة التطبيقية والمعارف النظرية وخدمة المجتمع وتنمية البيئة.

وفي العامين الأخيرين ارتقت العلاقات الثنائية بين السعودية ومصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودي - المصري، وإبرام حكومتي البلدين نحو 70 اتفاقية وبروتوكولاً ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية.

وتبقى العلاقات السعودية - المصرية ثابتة وصامدة، لأنها واجهت عقبات التاريخ الطويل الذي جمع بين البلدين، وحصّنت نفسها من أي خلافات قد تشوبها أو تعترضها مستقبلاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير