تعتزم وزارة الداخلية البريطانية تطبيق خطط جديدة تقضي بفرض ارتداء سوار تتبع إلكتروني على اللاجئين الذين يعبرون القنال الإنجليزي إلى المملكة المتحدة، ومحاكمة الذين لا يمتثلون لهذه الإجراءات.
دفع هذا التدبير بناشطين وخبراء إلى اتهام الحكومة بتبني نهج "عقابي شديد القساوة"، من شأنه أن يعامل المهاجرين الذين يفرون من الصراعات والمخاطر معاملة "المجرمين"، وأيضاً بمواصلة الدفع قدماً في هذه الخطة على الرغم من "عدم وجود أدلة ملموسة" على زيادة مستويات الامتثال لها.
الإجراء التجريبي الذي يمتد على 12 شهراً، سيخضع بعض الوافدين إلى بريطانيا عبر ما تصفها الحكومة بـ"طرق خطرة وغير ضرورية"، لارتداء سوار إلكتروني تتبعي. ومن المحتمل أن يشمل، بحسب التوجيهات الجديدة الصادرة عن وزارة الداخلية، الأشخاص الذين تم تحديدهم على أنهم ضحايا التعذيب والاتجار بالبشر.
وتنص الإرشادات على أنه في حال انتهاك طالبي اللجوء الشروط المحددة، فقد يكونون عرضة للاحتجاز وحتى الإبعاد، أو سيصار إلى توقيفهم إدارياً أو محاكمتهم.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الحكومة البريطانية لانتقادات في شأن خطتها المثيرة للجدل لترحيل مهاجرين إلى رواندا، بعد أن علقت في اللحظة الأخيرة أول رحلة جوية لإبعاد طالبي اللجوء إلى وسط أفريقيا، على أثر تدخل قضاة أوروبيين لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان.
وعلم أن بعض طالبي اللجوء المئة والثلاثين الذين تم احتجازهم لإبعادهم على متن الرحلة، سيكونون من بين أول الذين سيطلب منهم ارتداء السوار الإلكتروني، إذا ومتى تقرر إطلاق سراحهم من الاحتجاز.
إنفر سولومون الرئيس التنفيذي لمؤسسة "مجلس اللاجئين" Refugee Council [جمعية خيرية تساعد اللاجئين وطالبي اللجوء في بريطانيا] قال، "إنه لأمر مروع أن تقوم هذه الحكومة بمعاملة الرجال والنساء والأطفال الذين فروا من الحروب وسفك الدماء والاضطهاد، كمجرمين. إن هذا النهج العقابي وشديد القساوة الذي لا يظهر أي تعاطف مع الأشخاص الضعفاء للغاية، لن يتمكن من ردع الأفراد الذين يسعون إلى اللجوء إلى المملكة المتحدة بحثاً عن الأمان".
وفي تعليق من وزارة الداخلية على سلسلة الإجراءات الجديدة، قال متحدث باسمها "سنبقي على أكبر عدد ممكن من الأشخاص قيد الاحتجاز وفق ما يسمح به القانون، لكن عندما تأمر المحكمة بإطلاق سراح شخص من المقرر أن يكون على متن رحلة يوم الثلاثاء، فسنقوم بفرض الإجراء التتبعي متى اقتضى الأمر".
وتشير التوجيهات الحكومية إلى أنه سيطلب من الأشخاص الذين سيتم تعقبهم إلكترونيا، التعاون والتزام أي إجراءات تضعها وزارة الداخلية لجهة "تحديد وجودهم وتسجيل تحركاتهم بالوسائل الإلكترونية اللازمة"، وذلك في الأمكنة والأوقات المعينة من جانبها، وخلال فترات زمنية محددة".
وتوضح أن السوار الإلكتروني التتبعي قد يكون مرفقاً بشرط إضافي أو أكثر، بما في ذلك حظر التجوال على الفرد، أو "تحديد نطاق منطقة تطبيق الإجراء والإعفاء منه" (شرط بقاء طالب اللجوء ضمن منطقة محددة أو عدم الدخول إليها)".
وسيطلب من العاملين على هذا البرنامج التجريبي النظر في عدد من العوامل عند تقرير ما إذا كان من المناسب فرض ارتداء السوار التتبعي على فرد ما، بما في ذلك الأخذ في الاعتبار أي أدلة طبية تشير إلى أنها قد تتسبب في إلحاق ضرر جسيم بصحتهم، وذلك في حال قبول وزارة الداخلية أو المحكمة دعوى تعرضهم للتعذيب، أو إذا تم الاعتراف بالفرد على أنه من ضحايا العبودية الحديثة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن إرشادات الوزارة تشير إلى أن هذه العوامل "لا تمنع في حد ذاتها فرض مثل هذا الشرط"، مضيفة أنه "في كثير من الحالات، حتى مع وجود بعض الأدلة لمصلحة إزالة التتبع الإلكتروني، فقد يجوز تطبيقها بسبب عوامل أخرى ذات صلة".
الدكتور مونيش باتيا المحاضر في علم الإجرام في "جامعة بيركبيك لندن"Birkbeck University of London الذي أجرى بحثاً في مسألة فرض سوار التتبع الإلكتروني على طالبي اللجوء، وصف خطة وزارة الداخلية بأنها "إجراء متطرف".
ورأى أن "فرض ارتداء السوار يعد إجراء تطفلياً للغاية، إذ إن الأدلة البحثية تشير بقوة إلى أن المهاجرين الذين يخضعون لهذا النوع من المراقبة التكنولوجية، إنما يشعرون بأنهم عرضة لشكل من أشكال العقاب".
وأضاف قائلاً، "إن السوار الإلكتروني التتبعي يوازي في معاملته غير الإنسانية والمهينة والمقيدة لحريات الأفراد، قساوة الإجراءات التي تطبق في مراكز الاعتقال. وتبين من البحث الذي أجريته، أن المهاجرين الذين يخضعون للتبع الرقابي، تظهر عليهم أعراض القلق والاكتئاب وعلامات التفكير في الانتحار، ويطرأ تدهور عام على صحتهم العقلية".
وأشار الدكتور باتيا إلى أن "وزارة الداخلية لم تقدم أي دليل ملموس يدعم سرديتها عن مخاطر الفرار، أو يبرر ضرورة أو مدى فاعلية سياسة التعقب الإلكتروني، أو أي شيء يثبت أن السوارات الإلكترونية تجعل الأفراد يمتثلون لقواعد الهجرة بشكل أفضل من أي بدائل أخرى غير تدخلية وغير إنسانية للاحتجاز، معلقاً بأن "هذه الخطوة تعد هدراً محضاً لأموال دافعي الضرائب، التي يمكن استخدامها في مجالات أخرى تكون أكثر إنتاجية".
ماريا توماس من مكتب "دانكن لويس للمحاماة" Duncan Lewis Solicitors، التي تمثل عدداً من الأشخاص الذين احتجزوا قبل رحلة رواندا الفاشلة، تقول إن برنامج اختبار السوار التعقبي "مقلق للغاية"، ويبدو كأنه صمم "لزيادة تجريم طالبي اللجوء المستضعفين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة".
وأضافت، أن "هذه السياسة تتسم بالغموض ولا تتضمن أي توجيهات في شأن الطرق والمعايير التي يتوجب اعتمادها في تقييم الحالات، وتثير مخاوف جدية في شأن المعاملة الشاملة للأفراد المعرضين للخطر، بمن فيهم ضحايا التعذيب والاتجار بالبشر".
وزارة الداخلية لم تحدد من جهتها أياً من طالبي اللجوء سيُشملون في البرنامج التجريبي، لكن "اندبندنت" علمت أنه لن يتم إخضاع الوافدين على متن القوارب للتتبع الإلكتروني فور وصولهم إلى بريطانيا.
وتنص قائمة الإرشادات الحكومية أنه لن يتم العمل ببرنامج التعقب، إلا إذا كان تطبيقه لا ينتهك حقوق الفرد بموجب "قانون حقوق الإنسان لعام 1998"Human Rights Act 1998 و"الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" European Convention on Human Rights.
أشارت أخيراً إلى أنه في أعقاب رحلة الثلاثاء الماضي (ترحيل لاجئين إلى رواندا) التي تم إيقافها، تصر وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل على المضي قدماً في خطة إبعاد طالبي اللجوء إلى وسط أفريقيا قائلةـ "إن كثيرين من الذين استثنتهم هذه الرحلة سيوضعون على متن الرحلة المقبلة".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 18 يونيو 2022
© The Independent