Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غياب الدعم والتمويل ينذر بأزمة دوائية حادة في الأراضي الفلسطينية

63 في المئة يرون أن انتشار الفساد في مؤسسات السلطة ما زال كبيراً

جزء كبير من ميزانية المستشفيين يأتي من خطة التأمين الصحي للسلطة الفلسطينية التي تحول المرضى إلى المستشفيات وتقوم بتسديد التكاليف (اندبندنت عربية)

بعد مرور عامين ونصف العام من دون الحصول على مساعدات من الاتحاد الأوروبي، أكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن القطاع الصحي يعاني نقصاً حاداً في الأدوية جرّاء تقليص الدعم والمساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية بشكل كبير، وفي حضور دبلوماسيين أوروبيين وممثلين عن مؤسسات دولية مانحة، وهيئات الأمم المتحدة المعنية بالقطاع الصحي، أوضحت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة أن هذا النقص "يؤثر بشكل كبيرٍ وحاد في تقديم الخدمات العلاجية للمواطنين في المستشفيات والمراكز الطبية، وأدى إلى نقص حاد في الأدوية لا سيما تلك المخصصة لمرضى السرطان، إضافة إلى انخفاض الدعم لمستشفيات القدس."

تصريحات الكيلة لم تكن مفاجئة للشارع الفلسطيني، فالحكومة الفلسطينية تعاني منذ سنوات من أزمة مالية خانقة، وحذر مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون من أن السلطة الفلسطينية قد تواجه انهياراً مالياً، يرجع جزء منه إلى نقص المساعدات، إذ بلغ إجمالي المنح والمساعدات الخارجية التي تلقتها السلطة عام 2021، نحو 31.7 مليون دولار فقط، بأدنى مستوى منذ عام 2003، علماً أن متوسطها كان يبلغ مليار دولار سنوياً.

أزمة متفاقمة

وتأخرت السلطة الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى عن سداد مدفوعات الكهرباء والمياه لإسرائيل، بل تجد صعوبة في دفع التكاليف الطبية للفلسطينيين الذين يسعون للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية والتي تصل قيمتها الى 43.7 مليون شيكل (13 مليون دولار)، كما أن مستشفيات القدس الشرقية، المقاصد، وأوغوستا فيكتوريا (المركز الرئيسي لعلاج السرطان في الضفة الغربية وقطاع غزة) أعلنا  أكثر من مرة عن توقفهما عن استقبال المرضى لأن المستحقات المالية المتراكمة على السلطة تجاوزت 92 مليون دولار، وبأنهما لم يعودا قادرين على شراء مستلزمات طبية، وسيكونان مضطرين لإلغاء عمليات جراحية، وتسببت الديون في تعطيل المستشفيات عن تدبير الأدوية باهظة الثمن التي تحتاجها للعلاج الكيماوي وغيره من أنواع علاج السرطان.

وقال فادي الأطرش، نائب الرئيس التنفيذي لمستشفى أوغوستا فيكتوريا "المطلع"، "نواجه موقفاً محرجاً ومؤلماً قد يضطرنا إلى إغلاق بعض الأقسام المهمة، كما قد نتوقف عن علاج مرضى موجودين بالفعل داخل المستشفى، وبسبب الديون المتراكمة على السلطة أجبرنا للمرة الأولى في تاريخنا بعدم قبول مرضى جُدد".

جزء كبير من ميزانية المستشفيين، يأتي من خطة التأمين الصحي للسلطة الفلسطينية، التي تحول المرضى إلى المستشفيات وتقوم بتسديد التكاليف. وقال المستشفيان بعد سلسلة طويلة من الاحتجاجات بدأت مطلع العام الحالي، إنهما على استعداد لقبول تسديد السلطة الفلسطينية للديون المستحقة على أقساط، ويقدم المستشفيان العلاج لعشرات آلاف المرضى سنوياً، وكذلك تدريب الأطباء وطلاب المهن الطبية الأخرى، بالإضافة إلى أنهما يضمان مرافق بحث طبية، ويبلغ عدد المستشفيات العاملة في فلسطين بحسب مركز المعلومات الوطني، 87 مستشفى، يعمل 53 منها في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وتشكل ما نسبته 61 في المئة من مجمل المستشفيات العاملة في فلسطين.

وكان الاتحاد الأوروبي قدم في يناير (كانون الثاني) الماضي، منحة لمستشفيات القدس بقيمة 3.6 مليون دولار، وهي منحة مالية تسجل خارج دعم الموازنة العامة الفلسطينية المخصصة لصرف الأجور.

أمين سر نقابة العاملين في مستشفى المقاصد سمير القدومي قال، "جميع المرضي الوافدين الى المستشفى بتحويلات طبية من وزارة الصحة تقدم لهم الخدمة الطبية اللازمة على أكمل وجه، ومع ذلك، تصرّ السلطة على صرف الديون ببطء شديد، وهذا يخلق أزمة متجددة منذ سنوات، كما أننا نواجه أزمة كبيرة على صعيد الأدوية والمستهلكات والأجهزة الطبية اللازمة لتقديم خدمة علاجية مناسبة للمرضى، وهو ما يفقد المرضى بعض الاحتياجات الأساسية في المستشفى، وصلت إلى حد عدم وجود معدات لإجراء العمليات، حتى أصبحت المستشفيات كذلك مديونة لشركات توريد أدوية ومعدات وأجهزة طبية بعشرات ملايين الشواقل، وهي غير قادرة على سدادها نتيجة أزمتها المالية التي تسببت بها السلطة".

سيولة شحيحة

بدوره، حذر اتحاد موردي الأدوية والأجهزة الطبية في الضفة الغربية، من أن هناك نفاداً لبعض أصناف الدواء ونقصاً في أدوية أخرى، بات يعيشها القطاع الصحي الفلسطيني، بعد أن فقدت السيولة المالية اللازمة للاستيراد، نتيجة تراكم الديون المستحقة لها على الحكومة، والتي بلغت 700 مليون شيكل (212 مليون دولار) وناشد الاتحاد الحكومة الفلسطينية ضرورة تسديد ديونها حتى يتمكن من الاستمرار في شراء الأدوية والحفاظ على ديمومة شركات التوريد، والموظفين العاملين فيها من الانهيار.

رئيس اتحاد موردي الأدوية مهند حبش قال، "الحكومة لم تلتزم بالاتفاق الموقع مع الاتحاد عام 2017 لتسديد الديون بآليه جديدة حتى لا تتراكم، وهذا أعاد الأزمة المالية من جديد في العام 2019 وها هي تتكرر في 2022، الأزمة الكبيرة التي تواجه الشركات نتيجة نكث الحكومة الفلسطينية لوعودها، ووضع شركات الأدوية الفلسطينية في أسفل سلّم أولوياتها بالتسديد، وهذه الأزمة المالية التي تعيشها الشركات دفعت البنوك لرفض منحنا مزيداً من القروض، ولم يعد أمامنا سوى إيرادات مبيعاتنا للقطاع الخاص من صيدليات ومستشفيات خاصة، وهي المصدر الوحيد المتبقي لتسيير أمورنا، ومع ذلك، تلزمنا وزارة الصحة بتوريد أصناف نوردها للقطاع الخاص".

أضاف حبش، "مديونتنا على الحكومة وصلت لحد غير مسبوق، وتجاوزت كل سقوف التسهيلات التي كانت ممنوحة لنا من قبل البنوك، وفعلياً باتت أضعاف رأس المال العام في شركات التوريد التي أصبحت مهددة بالانهيار بأية لحظة، إذ لم تعد لدينا أموال للتوريد، ولا سندات حكومية تصرف في البنوك، ولا حتى الحد الأدنى من السيولة لتأمين المشتريات، ولم تعد هناك إمكانية للتوريد للعطاءات التي رست على الشركات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتغطي الصناعات الدوائية الفلسطينية نحو 50 في المئة من سوق الدواء المحلية، التي تقدر بنحو 130 مليون دولار، ويتوزع الباقي على الأدوية المستوردة من الأسواق العالمية بنسبة 35 في المئة، ومن إسرائيل بنسبة 15 في المئة، ويتم تسويق 91 في المئة من المنتجات الدوائية الفلسطينية في سوق الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وتعتبر رافداً أساسياً لقائمة الأدوية التي تتعامل معها وزارة الصحة الفلسطينية، في حين تصدر الشركات الفلسطينية إلى الخارج ما نسبته تسعة في المئة فقط، ولا تسمح إسرائيل بدخول العقاقير الفلسطينية إلى أسواقها.

زيارة حاسمة

وتأمل السلطة الفلسطينية، من جانبها، في الخروج من مأزق الديون المتراكمة وخطر الانهيار الاقتصادي والرواتب الجزئية أو المتأخرة التي تمنحها لموظفيها منذ أشهر عدة، باستئناف تمويل بمئات ملايين اليورو من الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أكبر مانحٍ للسلطة الفلسطينية، ومن المقرر أن تعقد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خلال زيارتها تل أبيب، سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين، على أن تتوجه إلى رام الله للقاء رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية.

وقال مصدر دبلوماسي رفيع لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إنهم لا يستطيعون تأكيد ما إذا كانت فون دير لاين تعتزم تجديد التمويل للسلطة بعد اجتماع الثلاثاء، لكن "هناك الكثير من الأمل"، وأضاف، "كانت هناك مداخلات من قادة ودبلوماسيين أوروبيين لحل القضية. هذا لصالح الجميع بما في ذلك إسرائيل".

وذكرت صحيفة "هآرتس" عبر موقعها الإلكتروني، أن وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس أطلق حملة "بهدف حشد المجتمع الدولي للانضمام إلى جهود إسرائيل لتعزيز السلطة الفلسطينية خوفاً من انهيارها، وفي محاولة لمنع تدهور أمني قد ينتج من ذلك لاحقاً".

فجوة كبيرة

وبحسب مسودة قدمها المانحون للوفد الفلسطيني المشارك في اجتماع لجنة الاتصال الدولية في العاصمة البلجيكية بروكسل، فإن المنح الأوروبية لا يعوّل عليها لحل الفجوة التمويلية لموازنة فلسطين 2022، إذ يبلغ العجز في موازنة الحكومة الفلسطينية لعام 2022 أكثر من 1.56 مليار دولار. وتشير البيانات الرسمية لوزارة المالية الفلسطينية إلى أن أي استئناف للمنح الأوروبية للجانب الفلسطيني، ستكون عن عام 2021، بقيمة لا تتجاوز 57 مليون يورو (60 مليون دولار) لتمويل الموازنة العامة، لن يعادل 21 في المئة من إجمالي فاتورة الرواتب الفلسطينية لمدة شهرٍ واحد، والتي تبلغ نحو مليار شيكل شهرياً (303 ملايين دولار).

والتدهور الاقتصادي للسلطة دفع الحكومة الفلسطينية نهاية العام الماضي، لاتخاذ جملة من الإجراءات المالية والتقشفية لمعالجة الأزمة، والتخفيف من تداعياتها. وقال مستشار رئيس الوزراء لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات إسطفان سلامة، "نعتبر الدعم الدولي غير مستقر وسيتوقف يوماً ما، ونحن بالفعل نتبنى استراتيجية تمكننا مستقبلاً من الاستغناء عن الدعم الخارجي للنفقات الجارية (الموازنة) وتوجيهه بالكامل نحو المشاريع التنموية، لكن توقفه في ظل الظروف الراهنة كان له طابع خاص وعمّق الأزمة".

تخفيض متواصل

ويرى مراقبون ومتخصصون أن نقص التمويل الدولي المتصاعد قد يزيد المخاوف من أن السلطة الفلسطينية ستشهد أزمة مالية حادة، وأشارت التقارير الإسرائيلية إلى أن المساعدات الدولية للسلطة تقلّصت من 1.3 مليار دولار في عام 2011 إلى 400 مليون دولار في عام 2020، في حين بلغت مديونية السلطة للبنوك حالياً حوالى ملياري دولار.

ووفقاً للمعطيات التي أوردتها صحيفة "ذي ماركر" الإسرائيلية، فإن الدول الأوروبية جمّدت، خلال السنوات الماضية، معظم المساعدات التي قدمتها للسلطة الفلسطينية واكتفت بتقديم بضعة عشرات من ملايين من الدولارات كمساعدات إنسانية في ظل تفشي جائحة كورونا، وعلى الرغم من قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تجديد المساعدات المالية للسلطة، أشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن معظم هذه المساعدات (نحو 235 مليون دولار) مخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، كما جمّدت الدول العربية المساعدات المالية للسلطة في عام 2020 من دون تقديم تفسيرات، وفي عام 2021، حولت الدول العربية 32 مليون دولار فقط للسلطة، مقارنة بنحو 265 مليون دولار في 2019. الأمر الذي أجبر السلطة الفلسطينية على دفع رواتب جزئية أو متأخرة لأشهر، وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تور وينسلاند في وقت سابق إن "دعم المانحين، بما في ذلك الدعم المباشر للموازنة، يواصل انخفاضه".

معالجة الفساد

وأثارت أطراف مانحة أجنبية أخرى مخاوف بشأن الفساد المزعوم في الضفة الغربية، وتقول إنه يحد من قدرتها على مساعدة التنمية الاقتصادية الفلسطينية، وقالت وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي لقناة الإذاعة العامة السويدية، "إذا كنا نريد أن نكون قادرين على دعم التنمية الاقتصادية بشكل كامل، فلا يمكن بالطبع أن يكون لدينا فساد على هذا المستوى كما هي الحال في فلسطين"،  وأضافت في بيان إن الحد من الفساد كان أحد أهداف خطة التنمية الخمسية السويدية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأفاد المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية السويدية بأن "محاربة الفساد جزء مهم من التعاون الإنمائي للسويد مع مختلف الدول الشريكة، وليس فقط مع فلسطين".

أزمة متنامية

ووفقاً للتقرير السنوي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، تواجه السلطة الفلسطينية أزمة متنامية في شرعيتها، وأظهر استطلاع حديث للرأي أن غالبية الفلسطينيين بما نسبته 63 في المئة يرون أن مستوى انتشار الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية ما زال كبيراً، وأنه قد ازداد عام 2021، وبحسب الاستطلاع، فإن النتائج أظهرت أن 59 في المئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة متشائمون بشأن توقعاتهم لواقع وجهود مكافحة الفساد للعام المقبل.

ويرى معظم المبعوثين في الضفة الغربية أن الفساد يتركز لدى فئة الموظفين العليا في القطاع العام، وبخاصة الذين يشغلون مناصب مقررة في مؤسسات القطاع العام التنفيذية (الوزارات، والرئاسة، وأجهزة الأمن)، كما أشار الاستطلاع الـذي أجراه الائتلاف فـي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، إلى أن الرأي العام الفلسطيني يعتقد أن أهم التحديات التي من الضروري التصدي لها مكافحة الفساد، إذ اعتبر 28 في المئة من المسـتطلعة آراؤهـم أن الأولوية الأهم يجب أن تكون لمعالجـة مشـكلة الفسـاد، تليهـا كلّ مــن مشكلات السياسات الإسرائيلية وتصاعد الأزمات الاقتصادية بنسبة 23 في المئة لكلّ منهما، ومن ثم اسـتمرار الانقسام بنسـبة 13 في المئة.

أموال الضرائب

ويأتي معظم تمويل السلطة الفلسطينية من الضرائب الجمركية، التي تجمعها إسرائيل نيابة عنها، ووفقاً لرئيس الوزراء الفلسطيني، فإن إسرائيل ما زالت تحتجز ملياراً و300 مليون شيكل (393 مليون دولار) من أموال المقاصة منذ عام 2019، كما كشفت بيانات رسمية فلسطينية أن إسرائيل اقتطعت مبالغ من أموال المقاصة (الضرائب الجمركية) خلال الربع الأول من العام الحالي، بزيادة 20 في المئة مقارنة مع الفترة المقابلة من العام الماضي.

وفي محاولة للتخفيف من الأزمة المالية المتزايدة، حولت تلّ أبيب أكثر من 600 مليون شيكل (176 مليون دولار) لرام الله، العام الماضي، لكن خلال الفترة نفسها، حسمت مبلغاً مشابهاً لمعاقبة السلطة على دفع مخصصات للأسرى الأمنيين الفلسطينيين أو لعائلات فلسطينيين قُتلوا خلال تنفيذهم هجمات ضد إسرائيليين، تقول إسرائيل إنها سياسة "تحفز على العنف".

المزيد من تحقيقات ومطولات