ملخص
يعتمد أسلوب أتكينسون في الأداء الجسدي على المبالغة في التعبيرات وحركات الجسم الدقيقة، مما يخلق تفاعلاً بصرياً مباشراً مع الجمهور ويجعل المواقف المأسوية مضحكة. لكن في هذا العمل، قيد هذا الأسلوب بحبكة مليئة بالعاطفة الزائدة والقيود الدرامية، مما قلل من تأثيره الكوميدي.
يعود الكوميدي الإنجليزي روان أتكينسون الذي ارتبط اسمه على الدوام بالعبث الفوضوي لمستر بين، إلى منصة "نتفليكس" في Man vs Baby. على الورق تبدو الفكرة واعدة، الحارس المتعثر تريفور بينغلي نسخة أكبر سناً وأكثر واقعية قليلاً من عبث مستر بين، يجد نفسه فجأة مسؤولاً عن طفل مهجور خلال موسم عيد الميلاد.
مع النكات البصرية المميزة لأتكينسون والخلفية العاطفية لشقة فخمة داخل لندن قد يتوقع المشاهد كوميديا عطلة ساحرة ومضحكة بصوت عالٍ، لكن النتيجة للأسف لا تحقق لا حدة مسلسله السابق Man vs Bee، ولا المرح الفوضوي الذي اشتهر به مستر بين.
بينغلي ليس غريباً عن الفوضى، في Man vs Bee خاض حرباً سخيفة ضد حشرة عنيدة، مع مستويات عالية من الكوميديا الجسدية المبتكرة والمؤلمة أحياناً، وابتكارات مرحة في كل موقف.
الأسلوب
أسلوب أتكينسون هنا يعتمد على الأداء الجسدي الذي يحول حركات بسيطة إلى لحظات مضحكة، وإلى تفاعل مع الجمهور دون كلمات. هذه التقنية، التي جعلت منه أيقونة الكوميديا، تضفي على مشاهده طابعاً عالمياً، إذ يفهم المشاهد الفكاهة حتى دون لغة مشتركة.
في Man vs Baby "الخصم" هو طفل، وشخصية أتكينسون على رغم نياته الحسنة وكفاءته كرمز أبوي تعمل في مساحة منخفضة الأخطار، شبه مثالية ومبالغ في لطفها.
الكوميديا هنا خافتة وغالباً ما تعتمد على الحركات الغريبة أو الإزعاجات الطفيفة مثل المفاتيح الرقمية، بدلاً من أية فوضى حقيقية. وبينما أمتعMan vs Bee الجمهور بتصاعد الدمار والابتكار العبثي، اختار Man vs Babyالدفء الاحتفالي المبالغ فيه الذي يقترب أحياناً من الملل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من منظور فني، يعاني المسلسل تمدد حبكته بصورة واضحة. عبر أربع حلقات مدة كل منها 30 دقيقة، تمتد القصة بما يمكن أن يناسب فيلماً مدته ساعتان بسهولة. أصل الطفل وتركه المفاجئ وارتباطه المفاجئ بالقصة لم يعالج بصورة مقنعة، مما يجعل المشاهد يشعر بأن المسلسل بلا اتجاه ومطول بلا داع.
الحبكات الفرعية، مثل أسرة في القبو تعيش على الشوكولاتة المهدورة، تضيف لمسة لطيفة لكنها قليلة الفكاهة. حتى الدعاية للمنتجات (Cadbury’s Heroes) تُذكر المشاهدين بصورة مزعجة أن العمل يركز على المظهر والعلامات التجارية أكثر من الضحك الحقيقي.
أكثر ما يوضح ضعف التجربة هو اعتراف أتكينسون نفسه. في جلسة أسئلة وأجوبة، قال بصراحة إنه لم "يستمتع" بأي جزء من تصوير العمل، وعندما سُئل عن مشهده المفضل، أجاب "لا يوجد. لا أستطيع التفكير في أي شيء استمتعت بتصويره".
هذه الصراحة اللافتة، من فنان عرف بإتقان الكوميديا الجسدية والعبث المحسوب، تكشف عن أن العمل على رغم مشاركته كمؤلف مشارك وكاتب لم يمنحه أية متعة إبداعية. المفارقة تكمن في أن المسلسل يروج بصورة كبيرة لأسلوب "أتكينسون الكلاسيكي" والنكات البصرية والمواقف الفوضوية المتصاعدة والذعر الصامت، لكنه يفشل في استعادة الفوضى المرحة التي برع فيها تاريخياً.
ضمن سياق متصل، وجود الطفل يحول الفوضى المحتملة إلى توتر خافت، مشاهد الطفل الزاحف أو الحفاظ المفقود تصبح مرهقة أكثر من كونها مضحكة، مما يجعل مواهب أتكينسون غير مستغلة بصورة كاملة. ما كان يمكن أن يكون كوميديا عطلة ذكية ومثيرة تتحول بدلاً من ذلك إلى مسلسل بطيء الحركة ومبالغ في العاطفة، مناسب فقط للمشاهدة كخلفية.
يعتمد أسلوب أتكينسون في الأداء الجسدي على المبالغة في التعبيرات وحركات الجسم الدقيقة، مما يخلق تفاعلاً بصرياً مباشراً مع الجمهور ويجعل المواقف المأسوية مضحكة. لكن في هذا العمل، قيد هذا الأسلوب بحبكة مليئة بالعاطفة الزائدة والقيود الدرامية، مما قلل من تأثيره الكوميدي. ومقارنة مع مشاهد مستر بين التي لاقت رواجاً كبيراً، يفتقد المسلسل عنصر المفاجأة والابتكار العبثي الذي كان يميز أتكينسون ويجعله أيقونة الكوميديا الجسدية.
في المقابل، يوضح المسلسل أخطار تحويل صيغة كوميدية محبوبة لمنصات البث الحديثة. أتكينسون المبدع الذي تكمن عبقريته في الجسد المعبر والعبث المحسوب، يبدو مقيداً بمطالب العاطفة الاحتفالية وحشو الحبكة.
النتيجة عرض متقن تقنياً ولطيف أحياناً لكنه بلا إلهام حقيقي، لدرجة أن نجم العمل نفسه يعترف بعدم استمتاعه بتصويره. بالنسبة إلى عشاق أعمال روان أتكينسون السابقة، قد يكون ذلك مخيباً للآمال، ويثبت أن كل الكوميديا الجسدية لا تنتقل بسلاسة لعالم البث الرقمي الحديث.
ويبقى القول إن من يبحث عن مستر بين وفوضاه، لن يجدهما في أحدث أعمال "نتفليكس".