Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوسكار هوليوودي متأخر لروبنسون "تحية" لكل الأبطال المضادين في السينما الشعبية

عن أولئك الذين فتنوا الجمهور ونسيهم الباحثون من المليجي إلى "القيصر الصغير"

إدوارد روبنسون في مشهد من فيلم "قيصر الصغير"  (غيتي)

من ذكريات كاتب هذه السطور، التي تبقى له من سنوات عمله مساعد مخرج في العديد من الأفلام "على الطريقة الجماهيرية المصرية"، التي كانت تنتج بلبنان في سنوات الستينيات، أي في مرحلة نزح فيها جزء كبير من السينما المصرية الجماهيرية بنجومها وكتابها ومخرجيها هرباً من "القوانين الاشتراكية"، التي فرضتها السلطات القاهرية آنذاك، ذكرى تتعلق بالفنان الكبير محمود المليجي.

يومها كان المطلوب مني أن ألقن المليجي حواراً يشغل نحو صفحة من السيناريو ينبغي أن يصور مشهده بعد قليل. تكلمت مع الفنان الكبير يومها وناولته صفحة الحوار، فنظر إليها في أقل من دقيقة قبل أن يضعها في جيبه باطمئنان. أدهشني تصرفه وأخبرته أن عليَّ أن "أحفظه" الحوار فالتصوير بعد قليل. حدق فيَّ مبتسماً، وقال لي بهدوء "أنا قلت الكلام ده في عشرين فيلم قبل كده، فلا تقلق!".

إذا كانت هذه الحكاية البسيطة تشير إلى شيء في السياق الذي نتحدث عنه هنا، فإنما تشير إلى أمر يتعلق بنوع معين من ممثلين يعرفون بأدوار يقومون بها على الشاشة فينجحون في أدائها، إلى درجة أنها تتلبسهم ولا يعود في إمكانهم أن يحيدوا عنها طالما أنها نالت رضا الجمهور العريض، وبات هذا يتابعهم فيها من فيلم إلى آخر.

من أسس "نظام النجوم"

يعتبر هذا الواقع عادة واحداً من أسس "نظام النجوم" الذي مثل دائماً في خلفية نجاح السينما الهوليوودية، بالتالي السينمات الأخرى التي قامت على صناعة مكثفة متواصلة في الهند أو في مصر وفي المكسيك كما في فرنسا وإيطاليا وغيرها. فالمعروف أن نظام النجوم هذا كان خلال العصر الذهبي لنجاحات السينما الشعبية في العالم كله قطباً جاذباً لمئات الملايين من المتفرجين الذين كانوا يقصـدون الصالات للتفرج على أبطالهم، والتماهي معهم بالتالي، أكثر مما يقصدونها لمتابعة أحداث الفــيلم وحبكته.

ومع هذا سيكون من عدم الإنصاف اعتبار النجوم وسينما النجوم كل شيء حتى وإن كانوا عنصر الجذب الرئيس. فالسينما، أميركية أو غير أميركية، كانت وتظل أوسع من هذا بكثير. لا سيما إذا قصرنا حديثنا هنا على لعبة التمثيل، ونحينا ولو لمرة مسألة "البطولة المطلقة". فالممثل، وخصوصاً كمفهوم، كان يعرف في مساره وتنوع أعماله، تنويعات كثيرة، فهناك النجم (وهو القطب الغالب بالطبع) الذي يؤتى به دائماً للعب على ما له من مكانة وسمعة خارج عمله الفني نفسه، إذ يحول أولاً إلى أسطورة، ثم تحول الأسطورة إلى سلعة.

وهناك الممثل بالمعنى الحصري للكلمة، أي ذلك الفنان الذي من دون أن يكون نجماً مشعاً يلعب أدواراً خالدة تبقى، هي أكثر مما يبقى هو، في ذاكرة المتفرجين، وربما ينبض الدور نفسه بالفيلم ويدخله تاريخ السينما من بابه الواسع (جاك نيكلسون في فيلم "واحد طار فوق عش الوقواق" مثلاً)، وهناك أخيراً "الدور" أي "الكاراكتر"، ويعني الشخصية التي يؤديها فنان معين، وتظل ملتصقة به من فيلم إلى آخر فيعرف بها ونادراً ما يبرحها.

 

 

محمد أبو سويلم

تاريخ هوليوود حفل بالأنواع الثلاثة، كما حال تاريخ السينمات التي سارت على خطاها، وهنا بالنسبة إلينا السينما المصرية التي شكل محمود المليجي عموداً من أعمدتها، وهو الذي من دون أن يكون نجماً بالمعنى الذي تعنيه عبارة "فتى الشاشة الأول"، كان ينتمي وحتى في الفيلم الذي أعطاه أكبر وأجمل أدوار حياته، فيلم "الأرض" ليوسف شاهين، حيث وصل إلى الذروة بتأديته شخصية محمد أبو سويلم، إلى النوع الثالث مع اتسامه بملامح كثيرة من النوع الثاني. فهو كان ممثلاً كبيراً كما كان "دوراً". وفي هذا الإطار الأخير تنضوي بالطبع الحكاية التي افتتحنا بها هذا الكلام كي نشير إلى الأمر الرئيس الذي كان مطلوباً منه دائماً أن يلعب الدور نفسه الذي ينال رضا جمهوره وبالأطر والملامح ذاتها، سواء أكان الدور يحمل شراً أو خيراً، حيث يردد طوال الفيلم، وإلى حد ما، عبارات حوارية تكون هي هي دائماً، أو متشعبة عما اشتهر به من حوارات ومواقف وما إلى ذلك.

والحقيقة أن براعة محمود المليجي وملامحه القريبة من القلب جعلته محبوباً من الجمهور حتى في بداياته، حيث لعب دور "الشرير" في معظم أفلام تلك البدايات، متنافساً في ذلك مع فريد شوقي، وربما أيضاً مع توفيق الدقن لاحقاً، إن لم يكن مع إستيفان روستي.

لقد أثبت المليجي منذ البداية قدرته الكبيرة ممثلاً، لكنه سيصل إلى الذروة حين يضيف إلى ذلك إتقانه لما سيسمى "الدور"، علماً بأن الدور هذا كان دائماً الأكثر تميزاً لدى المليجي، كما لدى عدد كبير من فنانين ماثلوه في براعته داخل مصر وخارجها، وفي هوليوود أيضاً حتى وإن كان في مقدورنا أن نقول إن هذا البعد كان غالباً أقل إثارة لاهتمام الباحثين. وهنا لا بد أن نذكر أن هذا الاستنكاف، ينطبق على السينما المصرية إلى حد كبير، كما ينطبق على السينما الهوليوودية وغيرهما.

حين يبتلعهم الدور

فلعل من السمات الأساسية التي تميز أصحاب الدور "الكاراكتر" هو أنهم يكونون منسيين، يبتلعهم "الدور" الدائم الذي يلعبونه طوال حياتهم، ثم حين يتوقفون أو يرحلون، يصار إلى استذكارهم واستعادة ملامح عبقريتهم الفنية، ثم ملامحهم نفسها وقد تخلصت من ثقل الأقنعة القديمة. ولعل خير مثال يتشابه بالنسبة إلينا مع مثال محمود المليجي، يتعلق بالفنان الأميركي إدوارد ج. روبنسون، الذي رحل عن عالمنا عند بدايات عام 1973. وتذكرته هوليوود فقط بعد رحيله لتكرمه متأخرة عبر جائزة أوسكار لا تنسى احتفلت بمجمل إبداعه السينمائي، واعتبرت يومها نوعاً من تكريم صاخب تغنى بمجد أولئك الذين سموا دائماً "أبطالاً مضادين".

روبنسون كان، على أي حال، "بطلاً مضاداً" ساعدته على أن يكونه ملامحه القاسية وحدة نظراته وشكله الجسماني المرعب. من هنا كان لأفلامه معجبون من نوع خاص، وكان هؤلاء المعجبون يتراكضون لمشاهدة فيلم لإدوارد ج. روبنسون حتى قبل أن يقرأوا عنوان الفيلم، تماماً كما كانت الحال مع محمود المليجي في فترة متأخرة من مساره الفني الكبير. ولقد كان من قوة حضور روبنسون، ومن ظلم الباحثين له، أن حقق فيلم عن حياته، كان في الأصل مسرحية، بعنوان "ماني" كشف جزءاً من أولويات العمل في هوليوود بشكل شديد المرارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من بوخارست إلى هوليوود

ولد إدوارد ج. روبنسون في بوخارست (رومانيا) في عام 1893 لعائلة هاجرت بعد ذلك إلى نيويورك وكان هو يومها في العاشرة من عمره. وإدوارد كان في الخامسة عشرة حين قرر أن يصبح ممثلاً، فترك الدراسة والتحق بالمسارح عاملاً، حتى تمكن من أن يصبح ممثلاً مسرحياً في برودواي، التي عمل فيها حتى عام 1930. أما أول احتكاك له بالسينما فكان عام 1923 في فيلم صامت. غير أن بدايته السينمائية الحقيقية كانت مع السينما الناطقة، حيث لعب بطولة فيلم "قيصر الصغير"، وعلى الفور برز الفيلم وبرز دوره فيه، بل إن ذلك الدور أسس بسرعة لنموذج رجل العصابات القاسي ذي النظرات الحادة واللهجة اللئيمة.

لقد ظل إدوارد ج. روبنسون يلعب ذلك الدور طوال حياته حتى وإن كان قد أتيح له أن يبارحه بين الحين والآخر للعب أدوار أكثر تنوعاً، ولكن المشكلة أن الجمهور راح يرفض تلك الأدوار، مصراً على أن يشاهد هذا الممثل في الدور المعهود عنه. وهذا أمر قد يمكننا أن نقول إن فناننا المصري محمود المليجي قد أفلت منه، إذ إن الجمهور أحبه في مختلف حالاته وأدواره من دون تمييز، ولا سيما خلال العقود الأخيرة من حياته ومساره.

حتى أيامه الأخيرة

أما بالنسبة إلى إدوارد جي. روبنسون فإنه واصل مساره السينمائي حتى العام الأخير من حياته، حيث مثل في العديد من الأفلام، وكان مشهوراً عنه أنه يسيطر تماماً على المشهد الذي يمثل فيه بحيث يصعب على المتفرج أن يرى غيره من الشخصيات إن وقفت في مواجهته.

ومن بين أشهر الأفلام، التي مثل فيها ذلك الهوليوودي المخضرم "رسالة الدكتور أرليك السحرية" (1940) و"تعويض مضاعف" (1944) و"الوصايا العشر" (1956) و"فتى سنسناتي" (1956). كما أنه عاد في عام 1956 مرة وحيدة إلى برودواي، حيث لعب بطولة مسرحية حققت نجاحاً بعنوان "في منتصف الليل".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة