Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العرقيات المستباحة على شاشة هوليوود

أفلام شهيرة وصمت الجنسيات المختلفة بالوحشية والهمجية فهل تكفر محاولات الإصلاح عن خطايا صناع السينما؟

فيلم "ذهب مع الريح" رغم شعبيته العريضة لم يسلم من اتهامات تبرير العنصرية والاضطهاد  (الصفحة الرسمية للفيلم على فيسبوك)

يواجه الأمير ويليام، دوق كامبريدج حالياً، موجة من الغضب عبر "تويتر" بعد تصريحات جديدة له وصفت بـ"الصادمة" في أثناء زيارته للمركز الثقافي الأوكراني في العاصمة الإنجليزية لندن، حيث قال صراحة، "إنه وكل الأوروبيين معتادون على رؤية مشاهد الحرب والصراع في أفريقيا وآسيا وليس في أوروبا"، في معرض إعلانه تضامنه مع الجانب الأوكراني بعد الهجوم الروسي الممتد منذ أيام، حيث اتهم النشطاء الأمير الشاب بالعنصرية وبعدم تأثره برؤية دماء الأفارقة والآسيويين تسفك، لكنه لم يصدق نفسه حينما حدث هذا في قارته السعيدة.

لم تختلف تلك التصريحات كثيراً عن تعليقات متداولة لمراسلي القنوات العالمية في تغطيتهم للحرب على أوكرانيا، ولكن دهشة متابعي الأمير الإنجليزي جاءت بسبب اعتيادهم منه على الدبلوماسية في ما يدلي به، ويبدو أن التعبير خانه هذه المرة.

ما يحدث ليس جديداً، ولطالما كانت السينما العالمية طرفاً أساساً في إظهار نظرة الشعوب الأوروبية والأميركية للأعراق المختلفة، فالشاشات تضج بإرث ثقيل من العنصرية، حيث تستباح سيرة مختلف الأجناس طالما أنهم خارج قارتي أوروبا وأميركا الشمالية.

السينما "البيضاء"!

العنصرية أمر معلن في "هوليوود"، فهي مظهر أساس لتلك الصناعة بشهادة النجوم أنفسهم، بدليل المراجعات التي تجريها الأكاديميات الفنية الكبرى خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى الحركات المناهضة للتحيزات العرقية التي ينخرط فيها كبار المشاهير. الأمر لا يكمن فقط في الصورة النمطية التي اعتادت "هوليوود" أن تُظهر بها أصحاب الأصول المختلفة من الهنود وذوي البشرة السمراء واللاتينين والعرب وغيرهم، ولكن أيضاً يتم تحجيم ظهورهم، خصوصاً في الأدوار الرئيسة كثيراً.

وبحسب دراسة صدرت عن جامعة كاليفورينا قبل عامين، "فإن نسبة الأدوار الأكبر في عام 2019 كانت تذهب للممثلين البيض، حيث تجاوزت 67 في المئة، ونسبة تمثيل السود كانت بالكاد تزيد على 15 في المئة بقليل، ونسبة ظهور الآسيويين لا تتعدى الخمسة في المئة، ثم تقل كثيراً في ما يتعلق بالشرق الأوسط وغيرهم". وبحسب الدراسة، "فإن الأمر خلف الكاميرا أكثر سوءاً، حيث السلطة والسيطرة شبه الكاملة ممنوحة لذوي العرق الأبيض، الذين يسيطرون على مقعد المخرج بنسبة تقترب من 85 في المئة، وبالطبع السيطرة الأكبر هنا للرجال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبرير للعبودية واحتفاء بالقتل

وعلى الرغم من أن هناك أفلاماً أميركية كثيرة نشاهد فيها سخرية واضحة من لهجات وثقافات بعض الولايات من ذوي الجنسية الأميركية أنفسهم، وأيضاً أفلاماً إنجليزية تسخر من الاسكتلنديين وسكان المرتقعات مثلاً، باعتبارهم مزارعين خشنين، ولكن كل هذا لا يقارن بما اقترفته السينما بخاصة في بدايتها، مروراً بالستينيات وما بعدها، حينما وصمت عرقيات بأكلمها بـ"الدونية"، ففي حين هناك أفلام تعد من الناحية الفنية من العلامات التاريخية مثل "مولد أمة ـ The Birth of a Nation"  1915 للمخرج ديفيد غريفيث، ولكنها كرست لمفهوم طويل استمر لعقود طويلة يتعلق باضطهاد السود على الشاشة والتعامل معهم على أنهم بشر من الدرجة الثانية يتميزون بالفظاظة والتوحش، فالفيلم الذي يصورهم على أنهم مغتصبون ومتحرشون ويبارك إعدامهم دون محاكمة، كان له تأثير عميق في تشويه صورة هذا العرق على الدوام، وأصبح ذوو الأصول الأفريقية سجناء في أدوار سلبية بشكل مستمر، وعلى الرغم من أنه كانت هناك محاولات كثيرة لحظر الفيلم ولكنها لم تفلح.

وضع فيلم "ذهب مع الريح ـ Gone with the Wind"1939 لم يختلف كثيراً، حيث تضمن الفيلم الكلاسيكي الشهير الحائز حزمة من جوائز الأسكار تبريراً للعبودية وتشجيعا لها، بالتالي سارعت منصة "إتش بي أو" صيف 2020 بحذفه من قائمة عروضها لهذا السبب، تزامناً مع الحملات المناهضة للحادث الذي راح ضحيته الأميركي جورج فلويد وخلف على إثره تظاهرات حاشدة تندد بالعنصرية ضد ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة الأميركية، ولا تزال أفلام كثيرة لشركة "ديزني" التي صنعت مجدها قبل عقود توصف بأنها تحمل تبجيلاً واضحاً لـ"الرق"، وتتضمن إهانات للجنسيات المختلفة مثل "Song of the South، وPeter Pan"، وغيرها حيث تحاول الشركة الشهيرة إصلاح ما فعلته بأن تضع تنبيهات قبيل عرضها بأنها تحمل معاملة غير لائقة لبعض الثقافات والعرقيات.

كل هؤلاء الضحايا

اللافت أنه بين حين وآخر وعلى الرغم من كل محاولات الإصلاح التي تجري على قدم وساق في "هوليوود"، تمرر تبريرات للعنصرية ضد أكثر من عرق، مثلما يحدث مثلاً مع ذوي الأصول الآسيوية الذين يظهرون حتى الآن كأشخاص يتسمون بالعنف الشديد وممارسة فنون القتال من دون سبب ضد الأبرياء، والاستمتاع بمشاهدة الدماء وهي تتدفق من أجساد ضحاياهم. وهو أمر حاول نجوم مثل جاكي شان وبروس ويلز تغييره بعد نجاح سلاسل أفلامهم، ولكن "هوليوود" لم تتخلص من تلك العقدة بشكل كامل، وفي حال أفضل يمكن أن يظهر الآسيويون كشخصيات هزلية غريبة المظهر، وهو أمر يبدو واضحاً في فيلم "Breakfast at Tiffany" 1961 بطولة أودري هيبورن. بالطبع تحاول منصات العرض الإلكتروني في السنوات الأخيرة أن تحافظ على التنوع، وأن تغير تلك الصور النمطية بشكل جذري، ولكن الأفكار المترسخة لا تزال تجد طريقها للظهور في أعمال تلفزيونية وسينمائية.

 

بنظرة سريعة على أفلام "هوليوود" في النصف الأول من القرن العشرين، سنجد أن هناك كلشيهات ثابتة، بينها تصوير الهنود الحمر في أفلام رعاة البقر على أنهم وحوش بشرية تستحق أن يسحقها الفارس الأبيض، كما أن الروسيين حتى الآن يظهرون على أنهم أناس يشربون الخمور بشراهة وفجاجة، ويميلون إلى الانخراط في عصابات مسلحة، وهي صورة تؤججها طوال الوقت المناوشات السياسية بين الولايات المتحدة الأميركية والدولة الروسية، التي وصلت في الأيام الماضية ذروتها بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، كما أن الأمر في بعض الأحيان يطال الألمان كذلك، وتتم الإشارة إلى إرثهم النازي كثيراً.

العرب ومحاولات الإصلاح

أما العرب في "هوليوود"، فقد مرت صورتهم بأكثر من مرحلة، حيث كان السائد في أفلام فترة العشرينيات أن يظهروا على أنهم متأخرون علمياً، ويجرون وراء أمور الدجل والشعوذة ويحاولون الاستحواذ على السلطة بأي شكل مثلما ظهر في أفلام "The Son of the Sheik"، وThe Thief of Bagdad، وThe Desert Bride، وThe Sheik"، وتدريجاً تحولت الصورة من سيئ إلى أسوأ كظهور العربي على أنه ذلك الرجل الثري الذي يبحث عن متعته في بلاد الغرب، بينما يعيش في موطنه في مكان صحراوي، ولا يعرف شيئاً هناك عن التكنولوجيا، ثم الشخص الذي يقتني كل ما تقع عليه عيناه وينفق أمواله بطريقة عبثية.

 أما الوصمة الأكبر فهي التي حدثت بعد هجمات11 سبتمبر (أيلول) 2001، حيث لم يكن يظهر العرب في تلك الأفلام إلا بصورة الإرهابيين الذين يرغبون في تدمير الحضارة الغربية، مع أسماء نمطية معتادة تتكرر في الأعمال الفنية العالمية من هذا النوع مثل "نادية، وعلي، وناصر، ومصطفى"، فلم يكن يحرك السينما سوى "الإسلاموفوبيا"، ولم يبذل الصناع أي عناء في التعمق أكثر أو البحث، بل قدموا تلك الشخصيات بسطحية شديدة.

 كذلك بدت صورة سكان دول أميركا اللاتينية على الدوام صورة كاريكاتيرية، فهم على الأغلب إما تجار مخدرات، أو سلاح، أو يسعون للعمل في عصابات القتل، وإن كانت تلك الصورة تتغير اخيراً بعض الشيء، ولكن لا يزال الطريق طويلاً.

من جهتها وصفت المخرجة الصينية كلوي تشاو، الحائزة جائزة أوسكار عن فيلمها "أرض الرحل" العام الماضي، "السينما بأنها صناعة عنصرية تماماً، في حين تقدر نسبة مشاركة المنتجين من ذوي البشرة السمراء في "هوليوود" بـ 8 في المئة فقط، فالتحيز العرقي والجنسي في "هوليوود" حاضر بقوة خلف وأمام الكاميرا". بالتالي لا تتوقف محاولات الإصلاح، فبخلاف إعادة الحسابات في ما يتعلق بترشيحات الجوائز، كانت هناك أيضاً أعمال اعتبرت وكأنها اعتذار عن الأفلام التي روجت للعنصرية واحتفت بها في مطلع القرن العشرين. ومن الأفلام التي حاولت رد الاعتبار للفئات المهمشة وألقت الضوء على الظلم الذي تعرضوا له والجرائم الوحشية التي لحقت بهم لها، واحتفت بنضالهم "The Help، وAmerican History X، وBang Bang Club، وYears A Slave12".

المزيد من ثقافة