Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سر هوس هوليوود بصنع نسخ جديدة من أفلام قديمة؟

مع انطلاق عروض "ويست سايد ستوري" لستيفن سبيلبرغ ونسخة غويليرمو ديل تورو من "نايتمير آلي" يفكر جيفري ماكناب بظاهرة العودة إلى قوائم الأفلام القديمة وإعادة إنتاج بعضها، لكنه يرى أن تجديد الأعمال القديمة نادراً ما ينجح

برادلي كوبر في نسخة غويليرمو ديل تورو الجديدة من "نايتمير آلي" (سبوت لايت)

عندما قررت شركة "أم جي أم" إعادة صنع وتجديد الدراما التقليدية البريطانية "غاسلايت" Gaslight، سنة 1944، أي بعد أربع سنوات من ظهور ذلك العمل، حاولت استديوهات هوليوود إتلاف الـ"نيغاتيف" وكل النسخ الموجودة من الفيلم الأصلي، ساعيةً إلى محو كل أثر منه.

تعتبر تلك الخطوة من منظار اليوم تخريباً ثقافياً شديداً، إذ لا أحد بوسعه الآن أن يقترح، مثلاً، رمي الصيغة السينمائية القديمة الحائزة جائزة أوسكار سنة 1961 من استعراض "برودواي" الموسيقي الشهير "ويست سايد ستوري" West Side Story، وذلك إفساحاً في المجال لتأويل ستيفن سبيلبرغ الجديد له، الذي ستبدأ عروضه في صالات السينما هذا الأسبوع.

وما من أحد أيضاً قد يتطلع لإخفاء فيلم التشويق من سنة 1947 "نايتمير آلي" Nightmare Alley، فقط لأن غويليرمو ديل تورو صنع اليوم نسخة جديدة منه ستسلك طريقها إلى الصالات الشهر المقبل.

لكن على الرغم من ذلك، فإن قصة "غاسلايت" تكشف الكثير من مواقف هوليوود الخلافية، المتسمة غالباً بالعجرفة، والمتعلقة بحقوق الملكية الفكرية تجاه الأعمال التي يعاد إنتاجها بصيغ جديدة. و"غاسلايت" هذا، المستند إلى نص مسرحي لباتريك هاميلتون من سنة 1938، يتناول قصة إعداد لجريمة قتل وأجواء الجنون في لندن الفكتورية. وقد أنتجته هوليوود سنة 1944 ويصور زوجاً مهووساً يحاول دفع زوجته إلى الجنون كي يسرقها ويخفي جريمته – من هنا يأتي عنوان الفيلم مشتقاً من عبارة "غاسلايتنغ" Gaslighting (التي تعني نوعاً من التلاعب النفسي بالأشخاص).

وكان المخططون لطمس الأصل البريطاني لـ"غاسلايت" يتصرفون بطريقة محض عقلانية، إذ كانوا يحمون استثمارهم ذاك، ويتركون الأصل الأجنبي للفيلم خارج نطاق سوقهم المحلية. وكانوا أيضاً يحاولون إقناع جمهور السينما الأميركي بأصالة العمل الذي أنتجوه، وبأن نسختهم هي النهائية، وليست مجرد نسخة مقتبسة من عمل سابق. والفيلم الذي أنتجته شركة "أم جي أم" صدر بصيغة أضخم بكثير من النسخة البريطانية الأصلية، متمتعاً بميزانية أكبر وبكل الزخارف ومظاهر البهرجة التي يمكن أن يتيحها الاستديو الهوليوودي. كما تولى جورج كاكور الإخراج، ولعبت إنغريد بيرغمان دور البطولة، حيث فازت بجائزة أوسكار بفضل أدائها دور الزوجة الرقيقة والمرتابة والمصدومة.

وعلى الرغم من الجهود القصوى التي بذلتها شركة "أم جي أم" لمحو أثر الأصل، فإن النسخة البريطانية من "غاسلايت" التي أخرجها ثورولد ديكنسون، بقيت تومض، فقد جرى صنع وحفظ نسخ سرية منها. وهي، في لحظة محددة، استعادت وهجها وعادت إلى الانتشار. عن هذا الأمر كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" عندما استعيدت تلك النسخة الأصلية سنة 2019: "فيلم ديكنسون أعلى منزلة من نسخة هوليوود في كل شيء تقريباً: فهو أقل تكلفة، وأكثر وحشية... ويتفوق حتى من ناحية القذارة".

والملاحظة ذاتها هذه يمكن أن تنطبق إزاء الأغلبية الساحقة من النسخ الجديدة من الأفلام التي أعادت هوليوود إنتاجها، إذ من النادر جداً أن حظي عمل منها بالبريق ذاته الذي كان لنسخته الأصلية. ويمكن القول هنا إن النسخة الجديدة التي صنعها ألفريد هيتشكوك في الولايات المتحدة من "ذا مان هو نيو تو ماتش" (الرجل الذي عرف كثيراً) The Man Who Knew Too Much، ونسخة مايكل مان من "هيت" Heat الذي كان في الأساس فيلماً تلفزيونياً بعنوان "أل أي تايكداون" LA Takedown، جاءتا أفضل من سابقتيهما الأساسيتين – لكن ذاك مثل استثناءً نادراً.

وفي الإطار ذاته ثمة وجهات نظر مختلفة تأتي في سياق تسويغ هوس هوليوود المرضي في صناعة نسخ جديدة من أفلام قديمة، إذ كانت تلك الاستديوهات الأميركية تزعم أحياناً أنها تقوم بتنقيح الأفلام القديمة لتتماشى مع ذائقة الجمهور المعاصر، أو أنها تستفيد من التكنولوجيا الجديدة التي لم تكن متوفرة حين صدرت النسخ الأساسية، فتدخلها عليها ضمن النسخ الجديدة.

من جهتهم، فإن صناع الأفلام، الذين يعيدون صياغة الأفلام القديمة، غالباً ما يقولون إن عملهم يأتي أكثر وفاءً لرؤية كاتب العمل الأساسية. مثلاً، دينيس فيلنوف، مخرج الصيغة الجديدة من فيلم "دون" (كثبان) Dune ذكر أن الاقتباس السابق الذي قام به ديفيد لينش لرواية فرانك هيربيرت "افترق أكثر من اللزوم عن القصة الأساسية للرواية". كذلك كانت الاستديوهات التي تنتج الصيغ الجديد تسعى أحياناً إلى أن يبدو الأمر كأنه خدمة كبيرة تقوم بها للجمهور الأميركي تتجسد بتكييف الأعمال المشغولة في لغات أجنبية كي تناسب السوق في الولايات المتحدة. وهنا ثمة أمثلة كثيرة على أفلام دولية قامت هوليوود بصيغاتها وفق طريقتها: الكوميديا العائلية اللطيفة "ثري مين أند أي بايبي" (ثلاثة رجال وطفل) Three Men and a Baby (1987)، الذي أخذ عن الفيلم الفرنسي "تروا أوم أي إن كوفين" Trois Hommes et un couffin (1985)، والمغامرات المرعبة "ذا فانيشينغ" (الاختفاء) The Vanishing (1993)، الذي قام المخرج جورج سلاوزير بنفسه بإعداد صيغة هوليوودية من فيلمه الهولندي هذا، و"فانيلا سكاي" (سماء من فانيلا) Vanilla Sky (2001) الذي اقتبس من الفيلم الإسباني الشهير "أوبن يور آيز" (افتح عينيك) Open Your Eyes (1997)، أو الدراما البوليسية "ذا كريمينال" (المجرم) The Criminal (2004) المستند إلى الفيلم الأرجنتيني "ناين كوينز" (تسع ملكات) Nine Queens (2000).

 

وفي كل حالة تقريباً من هذه الحالات كانت نتائج الصيغ الجديدة مخيبة للأمل، إذ إن نجاح الأفلام الأصلية كان يرتكز أساساً إلى ظرفها وهويتها المحلية. وحين يتم تجريدها من هاتين السمتين، ويتولى ممثلون مشاهير من هوليوود أداء الأدوار الرئيسة فيها، تصبح تلك الأفلام، وعلى نحو مفاجئ، بلا طعم أو نكهة.

وأحياناً تشير مزاعم هوليوود في سياق تسويغ النسخ الجديدة إلى أن الأمر برمته يتعلق بالملكية الفكرية والسعي لتجديد (وإحياء) أكبر عدد ممكن من أفلام "القوائم" (الأساسية) التي ما زالت تحظى بـ"الاعتراف". فهي أفلام سبق أن طورت وأنتجت وأطلقت، فلا تحتاج إلى حملة تسويق من الصفر، هذا المنطق يشمل بالتأكيد جميع الأفلام المقتبسة عن قصص لآغاثا كريستي التي أدى أدوارها نجوم، مثل "جويل أون ذا نايل" (جوهرة على النيل) Jewel on the Nile (1985) أو "ميردير إن أورينت إكسبرس" (جريمة في قطار المشرق) Murder on the Orient Express (2017).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على أن صناعة صيغ جديدة من الأفلام ليست بالأمر الجديد. خذوا مثلاً كل تلك الصيغ المختلفة من أفلام كـ"إي ستار إز بورن" (ولادة نجم) A Star is Born، و"بن هور" Ben-Hur، و"ذا فرونت بايج" The Front Page، و"فرانكينستين" Frankenstein. غير أن مقاربة المسألة اختلفت تماماً منذ أن ظهر فيلم سبيلبرغ، "جاوز" Jaws (1975)، ليفتتح حقبة جديدة من أفلام الصيف الرائجة، ووسع انتشارها.

لكن في كل الأحوال فإن أفلام الأبطال الخارقين الكثيرة والمختلفة التي ظهرت في السنوات الماضية ليست تماماً نسخاً من أفلام أعيدت صياغتها – بل هي أعمال "أعيد تشغيلها" Reboots، وهذا ببساطة أمر مختلف، إذ قد يكون لها نفس الشخصيات والحبكات القصصية مثل النسخ التي سبقتها، بيد أن الزعم هنا يقول إن المؤلفين والمخرجين يسردون قصصهم للمرة الأولى.

 

في هذا الإطار يأتي فيلم مات ريفز "ذا باتمان" The Batman، الذي ستنطلق عروضه في بريطانيا بشهر مارس (آذار) المقبل، وهو من بطولة روبيرت باتنسون في دور باتمان، وزوي كرافيتز في دور "كات ومان" (المرأة القطة)، هذا الفيلم يسوق للجمهور على إنه عمل جديد بالكامل. فهو ليس استعادة لـ"باتمان" (الرجل الوطواط)، ولا تنويعاً جديداً على موضوعات "غوثام سيتي" القديمة التي سبق واستكشفها مخرجون آخرون أمثال كريستوفر نولان وتيم بيرتون، إذ إن استديوهات "وارنر بروس" تعرف سلفاً أن الجماهير مستعدة لتمديد تشكيكها وذكرياتها، لذا ليس ضرورياً أن يسحب من التداول ما سبق من أفلام "باتمان" لكريستيان بايل، ومايكل كيتون، وبن آفليك، وحتى آدم ويست.

وتقترح ملاحظات باتينسون في السياق، قبل إطلاق الفيلم، أن صيغته من "باتمان" قريبة من طريقة الأفلام الثقافية والمستقلة، وتمثل فيلماً سوداوياً يستند إلى دراما شخصيات متأثرة بـ"غضب" بروس واين العميق. الجمهور من جهته يتلقى هذا الكلام باعتباره مقاربة جديدة كلياً لهكذا نوع من الأفلام، وينسى أن بايل كان وصف بطله "بروس" بنفس الطريقة والكلمات.

لكن صيغتا سبيلبرغ وديل تورو من "ويست سايد ستوري" و"نايتمير آلي" تأتيان اليوم بوقع مختلف. فهما ليستا من الأفلام التجارية، بل هما صيغتان جديدتان تصنعان بحب على يد اثنين من أهم مخرجي هوليوود. فسبيلبرغ يتعامل مع فيلم يعد منذ زمن من كلاسيكيات السينما في كل العصور، إذ وصف "ويست سايد ستوري" بأنه أعظم الأفلام الموسيقية في تاريخ هوليوود وأكثرها أصالة، على الرغم من أنه مستلهم في الأصل من مسرحية شكسبير، "روميو وجولييت". أما فيلم ديل تورو الروائي الجديد، فيستند إلى فيلم بوليسي بطله تيرون باور من سنة 1947، كان قد بات خارج التداول تماماً، لكنه احتفظ بسمعته كفيلم من طائفة أفلام مميزة.

سبيلبرغ الذي يهدي فيلمه إلى "والده" يوجه تحية إلى عمل كلاسيكي مكرس كان وعائلته مولعين به منذ أيام عرضه في الصالات، هذا المخرج الكبير تعامل تقريباً مع مختلف أنماط الأفلام المعروفة. والآن يقوم بإنجاز فيلم موسيقي على الرغم من أنه ليس مغنياً ولا راقصاً. عن ذلك قال في حديث مع "بي بي سي" أخيراً: "إنها طريقة هائلة ألقي نفسي بها في نمط سينمائي لن أكون جزءاً منه جسدياً". وفي إحالاته العديدة إلى وحشية الشرطة، والعنصرية، وعنف العصابات، قد يبدو فيلم سبيلبرغ موضوعياً الآن، بيد أنه قبل كل شيء يبقى تمريناً في الحنين.

في المقابل، تحدث ديل تورو عن الخوض في خبايا الحلم الأميركي الأكثر ظلمة، إذ يروي "نايتمير آلي" قصة "ستانتون" (برادلي كوبر)، وهو فنان محتال يعمل ضمن كرنفال جوال. إنه شخصية كاريزماتية، لكنه فاسد أخلاقياً وتنقلب حيله عليه [انقلب السحر على الساحر].

إلى هذا حظي فيلم سبيلبرغ سلفاً بمقالات محتفية، لكن من دون الإجابة عن أسئلة ملحة عن السبب الذي استدعى اليوم صنع صيغة جديدة من العمل. كذلك استقبل فيلم ديل تورو بمراجعات إيجابية، لكن، تماماً كما حصل سنة 1947، فقد ساءل بعض النقاد المنحى السوداوي والساخر الذي يتسم به الفيلم.

والجدير ذكره هنا أن الصيغ الجديدة من الأفلام القديمة قد تفوز أحياناً بجوائز أوسكار. فصيغة ويليام وايلر من "بن هور" (1959) حازت أوسكار أفضل فيلم، تماماً مثل فيلم سكورسيزي "ذا ديبارتد" (الراحلون) The Departed (2006)، الذي استند إلى فيلم مغامرات وحركة من هونغ كونغ. ويبدو سبيلبرغ اليوم متجهاً أيضاً نحو المجد، لكن إذا استثنينا صيغ "التمثيل الحي" الجديدة [البشرية] من أعمال ديزني المستندة إلى أفلام الرسوم المتحركة الكلاسيكية، وأفلام الأبطال الخارقين، وإبداعات سبيلبرغ، تبقى الحقيقة المزعجة متمثلة بندرة نجاح الصيغ الجديدة من الأعمال القديمة. سموا الأمر إن شئتم "متلازمة غاسلايت". فالأصل ما زال يغلب، بيد أن مديرون الاستديوهات المهووسة بإنتاج صيغ جديدة من الأفلام لم يأخذوا بعد بهذه القاعدة، ومن غير المرجح أن يبدأوا بتبنيها الآن.

"ويست سايد ستوري" West Side Story بدأت عروضه في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2021.

بدأت عروض "نايتمير آلي" Nightmare Alley في 21 يناير (كانون الثاني).   

نشرت اندبندنت هذا المقال في ديسمبر (كانون اأول) 2021

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما