Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا لا يمكنها تكرار خيانة حلفائها في ملف الأسلحة الكيماوية

سجل الرئيس بوتين عام 2013 أهم انتصاراته ضد الدول الديمقراطية الغربية خلال القرن الحادي والعشرين

اُستخدم السلاح الكيماوي في سوريا عام 2013 لكن بريطانيا تخلت عن مجموعة الدول الغربية التي سعت إلى معاقبته  (ويكيكومونز.أورغ)

كانت الليلة الأشد حرارة في نهاية أغسطس (آب) 2013 خلال صيف مدينة باريس القائظ، حينما انتظر الرئيس الفرنسي الاشتراكي المنتخب حديثاً فرانسوا هولاند بمكتبه في قصر الإليزيه كي يصدر الأوامر التي كان من شأنها أن تغير التاريخ.

فقبل 10 أيام، قُتِل أكثر من 1400 شخص بريء بواسطة هجوم كيماوي بغاز السارين وقع في منطقة على مشارف مدينة دمشق. إن استخدام السلاح الكيماوي من قِبل الرئيس بشار الأسد في سوريا التي تقع على مسافة ساعة من السفر جواً من أراضي الاتحاد الأوروبي، اعتُبِر جريمة إبادة جماعية ارتكبها الأسد بحق شعبه، ما شكل انعطافة جديدة في تاريخ القرن 21.

قبل عقد من ذلك الزمن، دخل الرئيس الفرنسي السابق المحافظ جاك شيراك في تلاعبات لا نهاية لها بشأن مدى استعداده للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم الدول الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي (باستثناء ألمانيا) في محاولتها منع الرئيس العراقي صدام حسين من تحدي قرارات الأمم المتحدة. بالمقارنة، كان الرئيس الاشتراكي هولاند واضحاً في مواقفه بأنه لا بد من مواجهة الديكتاتور السوري، الذي دخل أخيراً في حلف وثيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فبعد إعداد مشترك للخطط مع واشنطن، أصدر الرئيس هولاند أوامره لطائرات "رافال" Rafale الحربية الفرنسية المجهزة بصواريخ من طراز "سكالب" Scalp كي تكون بكامل جهوزيتها لمهاجمة أهداف في سوريا بالتزامن مع ضربات ممائلة توجهها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الذي ترأس حكومتها آنذاك ديفيد كاميرون، وقد شجع في وقت سابق على تغيير النظام في سوريا. بعد وقت قصير من ذلك، تجهزت طائرات حمل الوقود الفرنسية للإقلاع ليكون بإمكانها إعادة تعبئة الطائرات الحربية من الجو، فيما كانت طائرات التجسس الفرنسية محلقة في أجواء قبرص لتوجيه هجمات صواريخ "كروز" بعيدة المدى الفرنسية بدقة متناهية.

لكن، فيما أعد الرئيسان أوباما وهولاند العدة لمواجهة الأسد وبوتين، جرى طعنهما في الظهر من قبل المملكة المتحدة. فعشية ذلك الهجوم المبرمج، أعلن زعيم حزب العمال البريطاني في حينه إيد ميليباند، أمام النواب في البرلمان أن حزب العمال لن يقدم دعمه للضربة العسكرية ضد الأسد وبوتين رداً على استخدام أسلحة كيماوية في سوريا.

آنذاك أيضاً، لم تكن لدى حكومة كاميرون المشكَّلة من حزب المحافظين، غالبية برلمانية. واعتمدت في حكمها على ائتلاف مع "حزب الليبراليين الديمقراطيين" في ضمان حصولها على غالبية تضمن المصادقة على تشريعات لتنفيذ خطط التقشف المالي الحكومية وتنظيم استفتاء بريكست. كذلك لم تتوفر لدى حزب العمال حينئذ الشجاعة على مواجهة بوتين، أو حتى التصرف على غرار ما فعله رئيس الحكومة السابق توني بلير في كوسوفو أو سيراليون عبر استخدام القوة العسكرية لمنع ارتكاب المجازر بحق الأبرياء. وخلال تصويت البرلمان، انضم ثلاثون نائباً من حزب المحافظين وتسعة نواب من "حزب الليبراليين الديمقراطيين" إلى نواب حزب العمال الذين عارضوا العمل العسكري في سوريا.

بالتالي، شكل القرار البريطاني الذي هدف لاحتواء الأسد وبوتين سبباً في تحطيم تحالف دول ديمقراطية ضد استخدام الأسلحة الكيماوية. وشعر الرئيس باراك أوباما بأن لندن خانته. وأفاد أنه سيطلب من الكونغرس الأميركي اتخاذ القرار المناسب بخصوص تنفيذ ضربات جوية عقابية ضد نظام الأسد. ويعني ذلك أن الأسد وبوتين قد انتصرا لأن نواب المعارضة الأميركيين كانوا دوماً ميالين، بالأمس واليوم، إلى تسجيل النقاط ضد الرئيس الحاكم بدلاً من وضع المصلحة الوطنية العليا وحماية القانون العالمي أولاً.

واستطراداً، اتصل أوباما بالرئيس هولاند لإطلاعه على القرار الذي اتخذه. وقد صُدِمَ الرئيس الفرنسي بذلك القرار. إذ لم يتوقع الكثير من بريطانيا العظمى الغادرة [ألبيون برفايد  l’Albion perfide، مع الإشارة إلى أن ألبيون اسم قديم لإنجلترا] التي لا يمكن الوثوق بتعهداتها، ولا من رئيس وزراء بريطاني كان مسؤولاً عن منح الضوء الأخضر لإجراء استفتاء على إخراج المملكة المتحدة من أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتذكيراً، ففي 2003، أطلق اليمين المتطرف الأميركي سخرية تشير إلى أن الفرنسيين كانوا مجرد "آكلي جبنة من القردة الاستسلاميين" حينما صوت الرئيس الفرنسي جاك شيراك بشأن مشروع قرار في الأمم المتحدة يبيح العمل العسكري ضد صدام حسين. في المقابل، بات الفرنسيون الطرف المستعد للقيام برد عسكري في 2013، فيما صار البريطانيون الطرف المعارض للوقوف في وجه الأسد. وطُلِبَ من الطيارين الفرنسيين إطفاء محركات طائراتهم الحربية والعودة إلى مهاجعهم للخلود إلى النوم.

في صباح يوم الأول من سبتمبر (أيلول) 2013، سجل الرئيس بوتين ودميته السورية [بشار الأسد] أكبر انتصار لهما ضد الدول الغربية الديمقراطية في القرن 21.

متسلحاً بالرفض البريطاني لأي عمل عسكري عقابي [ضد سوريا]، وقد التزمه أوباما أيضاً، تجرأ الرئيس بوتين على بدء إعداد خططه لاجتياح أوكرانيا في السنة التالية [2014]، حينما اتخذ قراره ضم شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا، وهي دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. هذه المرة، تمكن بوتين من الاعتماد على نهج عدم فعل أي شيء الذي اعتمدته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، و"حزب الديمقراطيين الاشتراكيين الألماني" وقطاع الأعمال الألماني، الذين يشار إليهم ألمانياً بأنهم "المتفهمون لمواقف بوتين" Putin Versteher.

لكن في تلك المرة، كان مجلس العموم البريطاني [بمعارضة الضربة العسكرية ضد بوتين والأسد]، من أحفاد النواب الذين احتفوا بإنجازات رئيس الحكومة نيفيل تشامبرلين لدى عودته من ميونخ في سبتمبر (أيلول) 1938، بعد زعمه بأنه نجح في إقناع هتلر بالانحياز للسلام، هُمْ من طمأن الرئيس بوتين بأن الهجمات الكيماوية لن تواجه بأي نوع من المحاسبة  في 2013.   

اليوم، يرسل بوريس جونسون وزعيم حزب العمال البريطاني السير كير ستارمر رسائل قاسية إلى فلاديمير بوتين مفادها أنهم سيواصلون دعمهم المقدم إلى الشعب الأوكراني الشجاع، في ظل بقاء كل منهما غير قادر على التخلي عن هوسه المتعلق ببريكست بشكل يسمح لهما بالعمل بشكل متكامل مع أوروبا في هذا الملف.

إذا ظهرت أي أدلة على أن الرئيس بوتين قد استخدم السلاح الكيماوي في أوكرانيا، فهل سيظهر أن مجلس العموم البريطاني مُكون هذه الأيام ممن هم أكثر صلابة وأمضى عزماً ممن سبقوهم في مقاعد ذلك المجلس؟

 

*دنيس ماكشاين هو وزير أوروبا السابق في الحكومة البريطانية واليوم كاتب في الشؤون والسياسات  الأوروبية. كتابه الأخير هو "هل على حزب العمال الخسارة دائما؟" الذي نشرته دار "كلاريت بريس" Claret Press.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 18 مايو 2022  

© The Independent

المزيد من آراء