Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعتقد ديفيد كاميرون بأننا مواليد البارحة؟

يكتب كريس بلاكهرست قائلاً إن ديفيد كاميرون يحاول تجنب مزاعم تتعلق بممارسته الضغط، لكن هناك طريقة واحدة فقط لشرح ما جرى

من دون تدخل كاميرون ما كانت الصفقة لتُبرم وليس بهذه السرعة (رويترز)

لا بد من أنهم يفترضون أننا مواليد البارحة، فكيف يمكن تقديم تفسير آخر لعجرفة ديفيد كاميرون للازدراء الذي يعاملنا به إذ يحاول تجنب أحدث ما انكشف من أنشطته في مجال الضغط؟ 

إن كاميرون مستشار يتلقى راتباً لدى "إيليومينا"، وهي شركة أميركية للتكنولوجيا البيولوجية توفر خدمات في ما يخص تسلسل الجينات، المستخدم لرصد الحمض النووي بحثاً عن أمراض جينية. وفي أبريل (نيسان) 2019 كتب إلى مات هانكوك وزير الصحة وقتئذ حول مؤتمر في فندق فور سيزونز بهامبشاير. "أعرف أن جاي [فلاتلي، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي آنذاك لإيليومينا] أرسل هذه (الدعوة) مباشرة إلى مكتبك، لكنني وددت أن 1) أتأكد من أنك رأيتها شخصياً، و2) أتبنى بقوة دعوتهم إلى هذا المؤتمر المهم".

هذا كلام كاميرون، الرئيس السابق لهانكوك، يطلب الدعم من هانكوك. وقول "لا" رداً على الرسالة، المرسلة من المكتب الممول من دافعي الضرائب والذي يحصل عليه كاميرون بوصفه رئيس وزراء سابق، يشبه القول: "لا يهمني ما تقوله، أنا لن أحضر"، وهذا صعب على شخص أن يقوله لشخص كان رئيسه ورقاه، فذلك قد يتسبب بإهانة، وهذا ليس ذكياً أيضاً في ضوء هشاشة الوظيفة العليا في العمل السياسي البريطاني. من يعرف، قد يطلب هانكوك خدمة من كاميرون يوماً ما؟

وقد يتطلب هانكوك عذراً جيداً كي لا يحضر، مثل تضارب في المواعيد. وحتى في هذه الحال سيكون عليه أن يرد، رافضاً الدعوة لكن عارضاً لقاء مع فلاتلي، وهذا هو ما كان كاميرون يسعى إليه، اللقاء. فهدف أي شخص يعمل في مجال الضغط هو أن يحصل على لقاء ثنائي بين عميل أو صاحب عمل، إذا كانا يعملان داخل الشركة، وسياسي رفيع المستوى يرغبان في الوصول إليه ويأملان بإقناعه.

نحن نقلل من أهمية اللقاء. كان هانكوك أحد أكثر أعضاء الحكومة انشغالاً، وذا اختصاص كبير ومستهلك للوقت، وكان تخصيص مجال في جدول أعماله المزدحم لرئيس مجلس إدارة شركة بغرض مقابلته وجهاً لوجه ذا قيمة كبيرة في مجال الضغط، فمئات الشركات سترغب في الحصول على "وقت الجلوس" القيّم هذا مع هانكوك للتأثير فيه في شأن قيمتها وجدارة منتجاتها، ومحاولة ضمان جزء من موازنته المؤلفة من مليارات الجنيهات الاسترلينية والمخصصة للمشتريات.

إنه شيء لا يفهمه أولئك الذين يضعون القواعد وأولئك الذين يسعون إلى اتهام أشباه كاميرون بخرقها، في وقت يستطيع فيه أن يستدير ويقول إنه لم يخرق القواعد بل التزم بها، ولم يكن دور كاميرون يتمثل في الحديث عن تسلسل الجينات، فهو ليس خبيراً في العلوم البيولوجية، ولم يتمثل أيضاً في مناقشة التفاصيل والأسعار.

 كانت مهمته تتمثل في التسهيل، في الحصول على الوصول، بعدما كان دور فلاتلي وفريق "إيليومينا" التودد إلى هانكوك ومن ثم المسؤولين الحكوميين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وينفي رئيس الوزراء السابق أنه مارس الضغط لمصلحة العقد، وقال متحدث باسم كاميرون، "لم يضغط قط على الحكومة لمصلحة الشركة أو يشارك في مناقشات تتعلق بالعقد أو مناقشات تجارية". إن الكلمات مختارة بعناية، فما من إشارة إلى ترتيب موعد بين وزير في الحكومة ورئيس "إيليومينا". ولهذا تحديداً تُدفع إلى كاميرون مبالغ طائلة، وكل شيء آخر يتعلق بالترويج لتسلسل الجينات وتوفير الاستشارة حول العمل السياسي أو الشؤون العالمية هراء.

والمبالغ طائلة ليس من المعروف كم تدفع "إيليومينا" إلى كاميرون، لكن شركة التكنولوجيا البيولوجية ليست الجهة الوحيدة التي تشغله، فمن الجهات الأخرى التي تشغله "غرينسيل كابيتال"، الشركة المالية التي انهارت العام الماضي، وهناك نعرف أن كاميرون كسب 3.3 مليون جنيه (4.6 مليون دولار تقريباً) من خلال منحه أسهماً في الشركة. ويُزعم أنه حصل على 720 ألف جنيه سنوياً من "غرينسيل" باعتباره مستشاراً بدوام جزئي، وعام 2019 نال علاوة بقيمة 540 ألف جنيه.

وفي شكل مؤكد بما فيه الكفاية، وافق هانكوك على الذهاب إلى المؤتمر بعدما تلقى رسالة كاميرون، بعدما لم يجب على رسالة سابقة أرسلها رئيس "إيليومينا"، وبعد أسبوع على الاجتماع المسمى "القمة العالمية حول علوم الجينوم السكانية" في سبتمبر (أيلول) 2019، نالت "إيليومينا" عقداً بقيمة 123 مليون جنيه في مجال تسلسل الجينات من وزارة هانكوك. ولم تجر منافسة على الطلب المبرم بين "إيليومينا" و"إنجلترا لعلوم الجينوم"، وهي شركة مملوكة بالكامل من وزارة الصحة.

وتفيد الحكومة بأن الحاجة لم تدعُ على ما يبدو إلى عرض تنافسي، إذ إن "إيليومينا" كانت "الشركة الوحيدة التي امتلكت ما يكفي من القدرة والجودة والدعم والبنية التحتية لدعم التسلسل" الخاص بالمشروع.

وفي "غرينسيل" رتّب كاميرون أيضاً لرئيسها ليكس غرينسيل لقاء خاصاً مع هانكوك لمناقشة برنامج جديد للمدفوعات لموظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية. هل يبدو الأمر مألوفاً؟ بدل "غرينسيل" قولوا "إيليومينا"؛ وبدل ليكس غرينسيل قولوا جاي فلاتلي. "يا مات قابل ليكس"؛ "يا مات قابل جاي".

عملياً كاميرون على حق، فهذا ليس عملاً من أعمال الضغط، كل ما كان يفعله هو ترتيب لقاءات لمناقشة منافع التسلسل الجيني، وهو مجال تتخصص فيه "إيليومينا"، ونظام جديد للرواتب في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وهو مضمار تستطيع "غرينسيل" المساعدة فيه، لكن انظروا في حال "إيليومينا" لو لم يكتب رئيس الوزراء السابق إلى هانكوك شخصياً، هل كان وزير الصحة ليحضر المؤتمر؟ وهل كان هانكوك ليلتقي برئيس "إيليومينا"؟ وهل كانت "إيليومينا" لتتلقى بعد فترة وجيزة طلباً بقيمة 123 مليون جنيه؟

وهل يستطيع كاميرون الإجابة بصدق بـ "لا" على كل من هذه الأسئلة؟ لا يستطيع، فمن دون تدخل كاميرون ما كان الصفقة لتبرم، ليس بهذه السرعة.

بالنسبة إلى كاميرون القواعد موجودة من أجل اتباعها، بالطبع هو رئيس وزراء سابق على الرغم من كل شيء، لكن من منظوره يعني اتباع القواعد حرفيتها وليس روحيتها، ويعني التوسع في تفسيرها إلى الحد الأقصى، فيرى المدى الذي يستطيع الوصول إليه ويفلت مع ذلك من العقاب.

بعيداً من وقاحة كاميرون واستفادته المالية من كونه رئيس وزراء، المنصب الأعظم في الدولة، والشرف والامتياز اللذان لا تنالهما سوى قلة، إن ما يعاني من خلل هنا هو التنظيمات. 

هي في حاجة إلى أن تُوسع وتُجعل أشمل لتعكس الواقع، ولتعالج السبب الذي يجعل الشركات مستعدة لدفع كميات كبيرة من المال إلى رئيس وزراء سابق، فمن خلال الحصول على اللقاء كانت "إيليومينا" في منتصف الطريق للحصول على 123 مليون جنيه. هذا ما حققه كاميرون، وهذا ما يجب حظره.

© The Independent

المزيد من تحلیل