في هذه الآونة، تلفت السوق الهابطة الأنظار كلها، لكن الأهم هو تدني قيمة العملات المشفرة. ويهاجم الهبوط الأسواق المالية كلها، ما وضع الأسهم الأميركية في أسوأ مستوى، بالمقارنة مع بداية السنة، منذ عام 2008. وربما نشهد مزيداً من الانحدار في أوقات لاحقة.
تفيد "بلومبيرغ" بأن خبراء استراتيجيين من بينهم مايك ويلسون في "مورغان ستانلي" وروبرت باكلاند في "سيتي غروب إنك"، يتوقعون انخفاضاً أكبر للأسهم. وسنعرف معلومات أكثر هذا الأسبوع، لكن لا شك في شدة التراجعات حتى الآن، مع ملاحظة أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة يتمثّل في إصابة الأصول المالية الأكثر جدّة ورواجاً، بالمقدار الأكبر من التراجع.
مثلاً، خذوا العملات المشفرة. سيطر على العناوين الرئيسة الأسبوع الماضي انهيار عملة "تيرا لونا"، بحسب ما أوردنا هنا [اندبندنت]. في المقابل، جرى تداول أشد العملات المشفرة تكريساً نفسها، أي "بيتكوين"، خلال عطلة نهاية الأسبوع بأقل من 30 ألف دولار (24 ألفاً و500 جنيه استرليني)، بتراجع 37 في المئة حتى الآن بالمقارنة مع حالها قبل عام.
وتذكيراً، أشار زميلي شون أوغرادي إلى أن العملات المشفرة تمثل إحدى حالات الهوس المالي التي تسيطر على العالم دورياً، وأنا أوافق على ذلك. ويشكّل ذلك مصدر تعاسة بكل ما للكلمة من معنى بالنسبة إلى الأشخاص الذين غرقوا في ذلك الاستثمار على يد مروّج كاريزماتي يملك موقعاً إلكترونياً جذاباً، لكن ذلك لم يؤدِّ لسوى أنهم وجدوا أنفسهم وقد خسروا مالهم كله. لكن في عملية الفرز الكبيرة التي تحدث الآن بهدف التعرف إلى القيم الحقيقية من تلك غير المهمة، أعتقد بأن المهم هو التركيز على الأساسيات.
مثلاً، خلال الأسبوع الماضي، حلّت محل "أبل" في موقع المؤسسة الأكثر قيمة على مستوى العالم شركة "أرامكو السعودية" النفطية. وفي وقت سابق، سجّلت "أبل" أنها أول شركة تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثة تريليونات دولار في يناير (كانون الثاني) 2022. والآن لا تتجاوز قيمتها 2.38 تريليون دولار (1.94 تريليون جنيه استرليني)، في حين تبلغ قيمة "أرامكو" 2.42 تريليون دولار (1.97 تريليون جنيه).
يبدو أن الرسالة الوحشية تتلخص في أن النفط يشكل استثماراً أفضل من التكنولوجيا. لكن هذا مجرد لمحة عن انطباع السوق في الوقت الحالي. وأظن أن "أبل" في غضون خمسة أعوام، مثلاً، ستكون أكثر قيمة من "أرامكو"، لأن آفاق نموها أفضل. وقد يكون هذا خطأ، لكن المغزى من هذه المقارنة يتلخص في جعلنا نفكر في طبيعة القيمة، والإقرار بأن وجهات نظرنا تتغير.
لقد تحولت وجهات النظر في شأن التوقعات المتعلقة بشركات التكنولوجيا الفائقة العملاقة في أميركا جذرياً خلال هذا العام، إذ انخفض سعر سهم "أبل" بـ19 في المئة منذ سنة إلى الآن، لكنه يكاد يكون انخفاضاً متواضعاً بالمقارنة مع تراجع سعر سهم شركة "نتفليكس"، الذي خسر 69 في المئة تقريباً، أو حتى سهم شركة "تيسلا" [متخصصة في المركبات الكهربائية ويملكها إيلون ماسك]، الذي هبط بحوالى 36 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نعم، لا يزال إيلون ماسك أغنى شخص في العالم لكنه أقل ثراء بكثير مما كانه في يناير. وربما لهذا السبب يبدو أنه أصبح يشعر بالقلق في شأن محاولته شراء "تويتر". وبالمناسبة، انخفضت أسهم "تويتر" بـ10 في المئة تقريباً الجمعة الماضي.
هذا الوضع فوضوي. إن حدوث تقلبات بهذا الحجم أمر غير عادي على الإطلاق، لا سيما لأن هذه التقلبات نجمت عن تحولات في المزاج، وليس معلومات جديدة محددة. لكننا لم نتجاوز هذه المرحلة بعد، لأنني أعتقد بأن هذه الفترة المتقلبة أمامها شوط لا بأس به كي تقطعه، قبل أن يتبلور وجود نوع من الأساس الذي تستند إليه هذه الظاهرة.
قبل ظهور ذلك، يجب أن يحدث أمران. يتمثّل الأول في أن نكوّن فكرة ما عن مدى الارتفاع الذي ستسجله معدلات التضخم والفائدة، لا سيما في أميركا. ويتجسّد الثاني في مدى استمرار الركود في الولايات المتحدة. وإلى أن تصبح تلك الأمور كلها أكثر وضوحاً، من الصعب أن نرسي أساساً للتسعير.
وحينما سيحدث ذلك، ربما يدرك المستثمرون من هي شركات التكنولوجيا الفائقة العملاقة التي تستحق حقاً سعراً سهمياً سميناً، وأيها يستند إلى مجرد الأمل. لقد صدر أحد التحولات المثيرة للاهتمام حقاً في الاستراتيجية عن "أوبر" الأسبوع الماضي، إذ ذكر المدير التنفيذي دارا خسروشاهي أنه يجب على الشركة تذكُّر أن المستثمرين يمتلكون الشركة، ويتوجّب على المديرين أن يتصرفوا وفق مصالح المستثمرين. وأضاف، "يتعين علينا أن نريهم المال".
ويتوازى هذا التحوّل في الاتجاه المالي مع تبدّل آخر يتمثل في المسؤولية البيئية. في لندن، حققت "أوبر" سلامها مع السلطات، وحصلت على ترخيص للسنتين ونصف السنة المقبلة، وهي توسع نقاط الشحن للسيارات الكهربائية. وحتى الآن، لم ينعكس أي من تلك الأمور في سعر السهم الذي انخفض 44 في المئة هذا العام. في المقابل، تعطي تلك الأمور إشارة إلى أن الشركات تدرك أن المستثمرين يريدون الأرباح والسلوك الأخلاقي وليس النمو الحازم.
واستناداً إلى ذلك، من المستطاع القول إننا لم نصل بعد إلى نقطة تحول في الأسواق، لكن بوسعنا أن نبدأ باستشعار نقطة تحول في التصرف المقبل لشركات التكنولوجيا الفائقة، أو على الأقل في محاولتها التصرف. ليست لدي أدنى فكرة عما سيحدث لعالم العملات المشفرة، سواء اشترى إيلون ماسك "تويتر" بالفعل، أو توجّب عليه أن يفعل ذلك. لكنني على يقين تام من أن شركات التكنولوجيا الفائقة الرائدة لديها مستقبل متين، ولو أن بعض الوقت قد يمر قبل أن تبلغ قيمة "أبل" ثلاثة تريليونات دولار (2.45 تريليون جنيه استرليني) مرة أخرى.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 15 مايو 2022
© The Independent