Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين يقف فن الكاريكاتير من الحرب الروسية؟

دائماً ما استخدمت رسوم الكاريكاتير ضمن وسائل أخرى في الأحداث الكبرى للتأثير وتوجيه الرأي العام خصوصاً مع سهولة انتشارها

كاريكاتير يصور بوتين وزيلينسكي وهما يلعبان على رقعة شطرنج بأسلحة غير متكافئة وممثل الناتو يهمس في أذن الرئيس الأوكراني (موقع "الإيكونوميست")

على الرغم من طابعه الساخر، فإن فن الكاريكاتير كان دائماً مشتبكاً مع الأحداث السياسية الكبرى، ومتفاعلاً مع أجواء الحروب والكوارث والأحداث الفاصلة في العالم بريشة فنانيه، الذين يقدمون رؤية مكثفة لطبيعة الحال بشكل قد يفوق تأثيره المقالات والتحليلات السياسية، لأنه يصل للناس من دون حاجة للغة أو مترجم. وحالياً أصبح ينتشر بكثافة شديدة في ظل سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وما تتيحه من نشر ومشاركة سريعة للصور.

ولسنوات طوال، واكبت أحداث الحروب تفاعلاً من رسامي الكاريكاتير كواحد من الفنون المعبرة عن الواقع المحيط. فدائماً ما كان للحرب شق إعلامي باختلاف الوسائل على مر الزمن إلى جانب شقها العسكري، ومن هنا فإن رسوم الكاريكاتير أصبحت تستخدم ضمن وسائل أخرى للتأثير على الناس، وربما توجيه الرأي العام حينما يتبنى الرسامون وجهة نظر معينة، أو يتحيزون لفريق دون آخر طبقاً لمعتقداتهم أو توجهاتهم السياسية، أو التوجه العام لبلادهم أو مؤسساتهم الإعلامية.

وفي حالة الحرب الروسية - الأوكرانية الأخيرة، فإن لفن الكاريكاتير حضوراً طاغياً على الأزمة، إذ قدم الفنانون في كل أنحاء العالم رسوماً تعكس الوضع المتأزم الذي يعاني العالم كله انعكاساته السياسية والاقتصادية، كل من وجهة نظره ومنظوره الشخصي. إلا أن المشاهد لعموم رسوم الكاريكاتير المقدمة منذ بدء اندلاع الحرب، يلاحظ أن هناك توجهاً لتصوير بوتين كمُعتدٍ على الأراضي الأوكرانية بشكل رئيس، مع تركيز أقل على عناصر أخرى لها دور في الصراع مثل رؤساء الدول الكبرى وحلف الناتو.

واحدة من أدوات التعبير

وعن دور الكاريكاتير في التعبير عن الأزمات والمواقف الصعبة، يقول فنان الكاريكاتير المصري إبراهيم حنيطر، لـ"اندبندنت عربية": "دائماً ما كان الكاريكاتير ناقلاً للحالة السائدة في العالم سلماً وحرباً، وكان من أدوات التعبير عن الأزمات وأحداث الحروب منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، إلى جانب أفلام الكوميكس والكارتون، فالحرب لا تكون عسكرية فقط، وإنما إعلامية أيضاً، ويشمل ذلك الكاريكاتير الذي له تأثير كبير لأنه يشاهد حتى من قبل ذوي التعليم المحدود، الذين لا يمكنهم قراءة أو استيعاب المقالات المطولة والتحليلات السياسية".

يضيف، "على مدار الزمن، كثيراً ما كانت رسوم الكاريكاتير تأخذ جانب المنتصر، ويكون لها دور في توجيه الرأي العام نحو وجهة نظر بعينها، وليس فقط توجيه، وإنما في بعض الأحيان تضليل للرأي العام، والأمثلة هنا كثيرة، وزاد التوجيه أخيراً خصوصاً مع الانتشار الكبير للسوشيال ميديا وجمهورها، الذي أصبح يكون رأي عام شعبياً مبنياً على معلومات منتشرة ومتداولة وفي كثير من الأحيان يمكن أن تكون مغلوطة".

بوتين بطل الكاريكاتير

وبمشاهدة رسوم الكاريكاتير المنشورة في عديد من الصحف العالمية إلى جانب السوشيال ميديا، فإن بوتين هو المحور الرئيس الذي اعتمده فنانو الكاريكاتير، وصوّروه بأشكال مختلفة مع تركيز أقل على رؤساء الدول الكبرى وموقف حلف الناتو. ويقول حنيطر، "بالنسبة للحرب الأخيرة، إلى جانب الرسوم الكاريكاتيرية الكثيرة لبوتين، فإن الإعلام الأميركي، وخصوصاً الوسائل الموالية للحزب الجمهوري، قدمت أيضاً الكثير من الرسوم الكارتيرية لبايدن بشكل فيه كثير من النقد، وأظهرته بأنه لا يستطيع إدارة المشهد لا سيما مع اعتقاد البعض أن أميركا هي من دبّر هذه الحرب كشكل من أشكال الإرهاب لأوروبا، التي يتردد أنها تسعى إلى الانفصال عن الهيمنة الأميركية فجعلت بوتين أداة لتخويف الأوروبيين على وقع الحرب الأخيرة".

يقول، "الكاريكاتير فن ساخر من المواقف والأشخاص أو حتى الأنظمة والعلاقات الدولية، ويمكن أن يطلق عليه الفكاهة السوداء. فهو أحياناً يتبنى فكرة المثل الشعبي الشهير (شر البلية (البلاء) ما يضحك)، فهو يقدم المشكلات والمآسي بشكل يجعل المتلقي ينظر إليها نظرة أخرى، قد تجعله يبتسم من الموقف ذاته الذي يعبر عن حالات شديدة الصعوبة تواجه العالم".

فنانو الكاريكاتير العالميون

رسوم عدة للكاريكاتير بريشة فنانين من ثقافات وتوجهات مختلفة نشرت في العالم كله باختلاف وجهات النظر، يمكنها مع الوقت أن تتحول لشكل من أشكال التاريخ الفني للمرحلة بوجهات النظر السائدة التي عكستها الرسوم، ومن أبرز أعمال الكاريكاتير المنشورة في هذا السياق ذاك الذي نشرته "الغارديان" في منتصف فبراير (شباط) مواكبة مع بدء العمليات العسكرية التي جاءت بالتزامن مع الاحتفال بالفالنتاين، فصورت بوتين على شكل كيوبيد يلقي بسهمه على أوكرانيا، ولكنه سهم على شكل الصاروخ. والكاريكاتير الذي نشرته "التايمز" ويصور بوتين ضمن قائمة من الحكام الروس، الذين كان لهم دور في إشعال حروب على مر التاريخ. والكاريكاتير الذي نشرته "الإيكونوميست" ويصور بوتين وزيلينسكي وهما يلعبان على رقعة شطرنج بأسلحة غير متكافئة، وممثل الناتو يهمس في أذن الرئيس الأوكراني.

مواقف رؤساء الدول الكبرى وحلف الناتو كان لها نصيب من الكاريكاتير، ولكن بصورة عكست الجانب السلبي الذي يتبنونه أمام هذه الحرب، فرسم الفنان الكندي ثيو موداكيس كاريكاتيراً نشره على صفحته الشخصية على "تويتر"، يمثل رؤساء الدول الكبرى وهم يتلون الصلوات من دون فعل حقيقي لاحتواء الأزمة، في إشارة إلى تصريح لبايدن بأنه يصلي من أجل الحرب، والكاريكاتير الذي نشرته دويتش فيله ويصور الدب في إشارة إلى بوتين وهو يحاول كسر الشعار النجمي الأزرق للناتو.

الكاريكاتير يسخر من الدب الروسي

وعن توجه فناني الكاريكاتير في الرسوم المتعلقة بالحرب الروسية - الأوكرانية يقول فنان الكاريكاتير العراقي علي مندلاوي: "ما قام به الروس وبوتين تحديداً من هجوم على أوكرانيا بتبريرات واهية، وما أدى إليه من كوارث إنسانية مفزعة للشعب الأوكراني وللإنسانية جمعاء، دفع رسامي الكاريكاتير كفنانين واعين وفصيل ثقافي فني وإبداعي متقدم في المجتمعات، إلى إدراك حجم الكارثة والمسبب الرئيس لها، وعملوا على الوقوف ضد هذا الهجوم ونقده بسخرية لاذعة. ومن هنا ظهر بوتين والدب الروسي كأيقونة رئيسة للوحشية والتهور والاستحواذ"، مضيفاً، "الكاريكاتير هو رأس الحربة في أي وسيلة إعلامية، لاعتماده على كثافة ووضوح وسرعة لإيصال الرسالة التي يبثها بصرياً، إضافة إلى إقبال الرأي العام عليه لتناوله الموضوعات ونقدها بذكاء عالٍ وبأسلوب تحليلي ساخر وهزلي ومباشر، يسلط الأضواء عليها من دون الحاجة للكلام في أحيان كثيرة، ولهذا فهو دون غيره من الأدوات الإعلامية المختلفة، يكتسب صفة اللغة العالمية التي يفهمها كل البشر بلمح البصر، ليخلق أعلى نسبة تأثير وتوعية للرأي العام".

ويشرح، "مهما كانت الأسباب والمبررات المباشرة وغير المباشرة، فإن العالم يقف إلى جانب الضعيف والمستهدف، وهو هنا الشعب الأوكراني الذي قصف وتشرد وعانى ولا يزال الويلات من هذه الحرب. وينتقد القوي المتعجرف المسبب للخراب والتدمير، وهو هنا الرئيس الروسي الذي بدأ يتحول منذ فترة إلى ديكتاتور متسلط، يشحذ مخالبه ولا يخفي شهيته المفتوحة على التوسع، وضم دويلات وأصقاع من جيرانه بحجج غير مبررة أو مقبولة، كما فعل مع جزيرة القرم الأوكرانية قبل سنوات، وبالطبع يمثل هذا مادة غنية لرسام الكاريكاتير".

الكيل بمكيالين

بوادر أزمة كادت تنشب بين فرنسا وروسيا بعد قيام سفارة الأخيرة في فرنسا بنشر رسم كاريكاتير يصور أوروبا كمريضة منهكة راقدة على طاولة عمليات جراحية، وفوقها طبيبان يرتديان قبعتين تحملان علمي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهما يقومان بحقن المريضة حقناً كتب عليها كلمات مثل كراهية روسيا، الناتو، ثقافة الإلفاء، العقوبات... ما دفع الرئيس الفرنسي إلى التعليق على الأمر أثناء مؤتمر صحافي عقد عقب قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، منتقداً له، ومشيراً إلى أن الخارجية الفرنسية أبلغت السفير الروسي باستياء باريس من هذا الرسم الكاريكاتيري.

لتقوم بعدها المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالتعليق على هذا الكلام على قناتها على "تليغرام" قائلة، "أليس رؤساء ووزراء خارجية فرنسا هم الذين كانوا يعلموننا بأن أي رسوم كاريكاتيرية هي أمر طبيعي حتى تلك الفظيعة التي نشرتها (شارلي إبدو)، قررنا إتباع نصيحتهم واستخدام السخرية التي يعتبرونها دليلاً على حرية التعبير، والآن لا يعجبهم الأمر".

ويبدو هذا تناقضاً كبيراً بين موقف فرنسا الرافضة الآن لمفهوم حرية التعبير، الذي كانت تنادي به عندما ثارت ثائرة العالم الإسلامي على رسوم كاريكاتيرية تصور النبي محمداً في أوضاع لا تليق، داعية الجميع إلى تقبل فكرة حرية الرأي والتعبير، التي لا تتقبلها الآن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي سياق مرتبط بازدواجية المعايير، قامت بعض وسائل الإعلام العالمية وخصوصاً للدول المناهضة للحرب، بإظهار الأوكرانيين المدافعين عن بلادهم كأبطال بينما في سياقات مشابهة في أماكن أخرى، يتم تصوير المدافعين عن أرضهم كقائمين بأعمال عنف وإرهابيين. وقد عبر عن هذه الحالة رسام الكاريكاتير البرازيلي كارلوس لاتوف برسم قنبلتين على شاشة تلفاز، واحدة تحمل العلم الأوكراني ويشار إليها بالأبطال والأخرى تحمل العلم الفلسطيني، كما يشار إليها بالإرهابيين. والكاريكاتير الذي نشرته "واشنطن بوست" لفنان الكاريكاتير مايكل دي أدير، مصوراً بايدن يتساءل عن أي نوع من الوحوش هؤلاء الذين يهاجمون الأبرياء في أوكرانيا؟ ليرد عليه بوتين قائلاً: هذا النوع من الوحوش يقف خلف ألكسندر دفورنيكوف القائد الجديد للقوات الروسية في أوكرانيا، والذي سبق له قيادة القوات العسكرية الروسية إبان العملية العسكرية التي نفذتها منذ سنوات في سوريا، وشهدت أعمالاً شديدة العنف ضد المدنيين، ليعرف بعدها بجزار سوريا، في إشارة لغض الولايات المتحدة الطرف عن عمليات عسكرية مشابهة استهدفت المدنيين، وربما كانت أكثر دموية وفظاعة.

حرية التعبير

وعن هذا الأمر يشير المندلاوي إلى أن "هناك سياسة واضحة للكيل بمكيالين نحو فكرة حرية الرأي، فيما يتعلق بفرنسا المنادية لحرية التعبير في قضايا سابقة، والمتضررة حالياً من رسم كاريكاتير نشرته السفارة الروسية. وهذا يثبت شيئين، الأول هو مدى قوة تأثير الكاريكاتير ليس فقط على الرأي العام، وإنما في النخبة وأصحاب القرار السياسي حتى في البلدان التي تعتبر موطناً للديمقراطية ورافعاً للوائها مثل فرنسا".

ويضيف، "الشيء الثاني أن فكرة حرية الرأي وتطبيقها مخادعة واهية وسياسة الكيل بمكيالين واضحة جداً هنا، والكاريكاتير المشار إليه، وما سبق أن نشرته صحيفة (شارل إيبدو) الفرنسية مثال صارخ عليها، والأمثلة كثيرة، وأتمنى أن لا ينجر إلى لعبتها وينخدع بوجودها رسامو الكاريكاتير، ويتصرفوا بذكاء أكبر باحترام حرية المعتقد والرأي الآخر، كما يطلب هو من الآخر أن يحترم معتقداته ورأيه المستقل".

وفي السياق ذاته، يشير فنان الكاريكاتير المصري فوزي مرسي قائلاً، "سياسية الكيل بمكالين موجودة في العالم كله، وموقف فرنسا الأخير من الرسم الكاريكاتيري هو أكبر دليل على ذلك. فموقفها الحالي من الرسم الذي نشرته سفارة روسيا للسخرية من العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، هو ذاته الذي أخذته الدول الإسلامية عندما نشرت الرسوم المسيئة للرسول، حينها وقفت فرنسا مدافعة بقوة عن حرية التعبير التي تعترض عليها الآن، حينما أصبح الأمر يتعلق بها".

ويؤكد، "الكاريكاتير فن ينتشر وينشط في أوقات الأزمات، فمن الطبيعي أن يلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في تشكيل الرأي العام العالمي وتحديد مسار واتجاهات هذا الرأي. حدث هذا سابقاً في الحرب العالمية عندما استعان تشرشل بالكاريكاتير ليؤثر في نفسية جنود النازي، وبالفعل لعب دوراً في رفع الروح المعنوية، أيضاً استخدم الأميركيون الكاريكاتير لتوجيه الرأي العام إبان حربهم على العراق. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في نشر الكاريكاتير وإبراز دوره بشكل واسع في جميع أنحاء العالم".

المزيد من منوعات