Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنانو الكاريكاتير في الجزائر يعانون أزمة حرية تعبير

تقلص عددهم مع توقف الجرائد الورقية والمواقع الإلكترونية نشر إبداعاتهم

من أعمال الفنان الشاب باقي (اندبندنت عربية)

شعر رسّام الكاريكاتير الجزائري المعروف باسم "باقي" بالفخر، عندما وجد رسوماته ضمن آلاف اللافتات التي رفعها الجزائريون في حراكهم الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير (شباط) 2019.

ويقول "شعرت باعتزاز كبير، وقلتُ في نفسي إن ما قدمته على مدار سنوات لم يذهب سدى وطريق الكاريكاتير المحفوف بالمخاطر يستحق ذلك الثمن".

تحدّى باقي بوخالفة (1977)، بيئته المحافظة التي عارضت فكرة أن يكون ابنها رساماً أو فناناً، متمسكاً بهوايته التي كانت مجرد "خربشات طفلٍ يعشق الرسم على حائط المنزل أو الباب"، من دون أن تعلم أسرته، أن ذلك الشاب الطموح الآتي من الشرق الجزائري نحو العاصمة، سيُصبح من أشهر فناني الكاريكاتير في البلاد، وينتقد سياسيات حكومية متطرقاً إلى مواضيع اجتماعية وثقافية تُلامس حياة شعب بأكمله، مقدماً على تعرية التابوهات في المجتمع.

وهج الحرية يشتعل ويتقلص

يقول باقي في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "لم أشعر طوال مسيرتي المهنية بحرية في التعبير كالتي أحسستها مع انطلاق شرارة الحراك الشعبي، إذ ارتفع منسوب الإبداع في تلك الفترة بشكل رهيب، فيما تطابقت الرسومات مع الشعارات التي رفعها المحتجون في الشوارع".

ويضيف "تضاعفت فرحتي لأن رسوماتي التي تطرقت للفساد وناهبي المال العام، رُفعت بكثرة في الحراك الشعبي". وعلى الرغم من هذا الواقع الجميل، يصفُ باقي وضع فن الكاريكاتير في الجزائر بالمزري في ظل تهميش الفن والثقافة، وتقلص فضاءات الحرية والتعبير، "الرسام مظلوم من طرف ثنائيتين منفصلتين، السلطة والمجتمع"، موضحاً، أن الأولى ترى فيه شخصاً خطيراً يترصد أخطاءها والثانية تُخوِّنهُ وتشتمه إذا تطرق إلى التابوهات.

تنكر للكاريكاتير

في المقابل، يتأسف الرسام الجزائري من الوضعية التي يوجد فيها فن الكاريكاتير في البلاد، "نحن لا نمتلك ثقافة استهلاك الصورة"، إذ "تنكرت للكاريكاتير غالبية الجرائد الورقية وتخلت عن هذا الفن الإبداعي"، مما أحال العديد منهم على هامش المجتمع وفي صفوف البطالة، بينما فرضت صحف أخرى على من صمدوا عدم التطرق إلى مواضيع تمس بمصالحها الاقتصادية أو روابطها مع الطبقة الحاكمة، وعلاقاتها مع السلطة، لضمان استمرارها في السوق، "نحن أمام المحافظة على لقمة العيش أو المغامرة، لكن دائماً أقول إن الرسام الذكي من يتمتع بالنفس العميق حتى لا يخسر إبداعه".

كثير من الجرائد تُطالب رساميها بالابتعاد عن المواضيع السياسية، وهذا غير ممكن، فحُرية الإبداع موجودة في كل مكان. ويقدم باقي مثالاً، "هل يمكن إدخال لاعب كرة القدم إلى الملعب ومطالبته بالفوز وهو لا يملك الكرة"؟

 

جدل... بوتفليقة والكبار

ومن الرسوم التي أثارت ضجة في تاريخ الرسام الشاب وظلت راسخة في الأذهان، كاريكاتير مشاركة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة في اجتماع الثمانية وهو أقصرهم قامة، وكتب الرسام وقتها "بوتفليقة يشارك في اجتماع الثمانية الكبار".

ويوضح "قيل لي يومها إن الجريدة تلقت شكاوى عدة واتصالات ومكالمات من فوق"، وهو تشبيه يطلق على أعلى هرم السلطة في الجزائر، "كما خصص محي الدين عميمور وزير الثقافة في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، مقالاً طويلاً للتهجم عليّ، نشره في جريدة الأحرار التابعة للحزب الحاكم آنذاك (جبهة التحرير الوطني)". ويتذكر باقي إحدى رسوماته التي لقيت صدى، "تزامن فتح معبر رفح مع عيد الأم، فرسمت طفلاً فلسطينياً مجروحاً، وهو يهم بدخول المعبر حاملاً معه وردة، ويقول إنه سيسلمها لأم الدنيا".

الريشة تتويج

يرى باقي أن الكاريكاتير لا حدود له، وهو ليس مجرد انتقاد كما يعتقد البعض. وفي هذا السياق، قاد مبادرة طيلة فترة الحجر المنزلي الذي فرضه فيروس كورونا، للتوعية بمخاطر الجائحة، وتوعية المواطنين بضرورة الحفاظ على صحتهم.

قراءة الصحيفة بالمعكوس  

قبل سنوات قليلة، كان عشاق الجرائد الورقية يبدأون قراءاتهم من الصفحة الأخيرة، حيث تنشر رسوم الكاريكاتير، بحسب الرسام عبد القادر أيوب.

ويقول في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "يكفي أن ترى كاريكاتيراً واحداً في ثلاث ثوان ليغنيك عن عشرات الأخبار المكتوبة في الجريدة، عند ركوبي في وسائل النقل العمومي أو الخاص، كنت ألحظ ابتسامة القراء وهم يتصفحون رسوم الكاريكاتير".

ويرى أيوب (1955) أن رسوماً كاريكاتيرية في عهد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، استطاعت اختزال واقعاً أليماً ومأساوياً كان المواطنون يعايشونه لكن لا أحد يمكنه التعبير عنه بالكتابة، لا سيما عام 2013، عندما أصيب بوتفليقة بوعكة صحية وقرر محيطه ترشيحه لعهدة رئاسية رابعة، وهو على كرسي متحرك.

في ذلك الوقت لم تجرأ أي صحيفة على التطرق لما يحدث وإن فعلت فبالغمز فقط، إلا أن رسامي الكاريكاتير فعلوا ذلك على الرغم من المضايقات التي تعرضوا لها.

3 آلاف رسم في عهد بوتفليقة

ويضيف الرسام الجزائري "سقف الحرية في وقت بوتفليقة كان عالياً جداً، رسمت 3 آلاف لوحة حول بوتفليقة، عندما كان في أوج قوته. انتقدت سياساته وكمسؤول على الشعب الجزائري وليس كشخص. هذا الهامش من الحرية جعل الكثير من الوزراء والمسؤولين لا يستطيعون الاحتجاج، حتى أن بعضهم أصبحوا يتوددون إليّ، ووصلني أن بوتفليقة كان لا يفوّت يوماً من دون أن يرى رسوماتي في جريدة "الخبر" يومها، في ذلك الوقت الكاريكاتير فرض نفسه كوسيلة نقد لاذع للسياسات".

استطاع أيوب في تلك الفترة توظيف شخصيات عدة في رسوماته الكاريكاتيرية، لتمرير رسائل سياسية منها صراع الكنة والعجوز (أم الزوج)، للدلالة على الصراعات القائمة في السلطة.

لكن المعادلة تغيرت منذ مرض الرئيس السابق، وتولي محيطه مقاليد الحكم بطريقة غير دستورية. يقول "شعرت أن التضييق على الفن انطلق، والرقيب الذاتي بدأ عمله، حتى أنه بات أكثر عرضة للتضيق، مقارنة بأنواع صحافية أخرى، لأنه يُعبّر عن لغة مرئية وأسهل طريقة لإيصال المعلومة". ويردف أيوب "رسمت كاريكاتير صوَّر كرسياً مقلوباً وفوقه خريطة الجزائر، بمعنى أن الجزائر أصابتها إعاقة، وهو ما أثار غضب صناع القرار".

ويوضح "سيتعجب أولادي مما قدمته وجرأة ريشتي عندما يتصفحون أرشيفي الذي يفوق 50 ألف لوحة، ولو رُفعت الرقابة مجدداً لن أتوانى عن العودة إلى رسوماتي الجريئة واللاذعة المنتقدة للسياسات، حتى وإن كنت في سن متقدمة، لأن ما أقوم به رسالة قبل كل شيء لخدمة وطني وتغييره نحو الأحسن".

سجن كاريكاتيري يفجر الجدل

في نهاية 2019، وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية، أصدرت محكمة وهران غرب الجزائر حكماً بسجن الرسام عبد الحميد أمين المعروف باسم "نيم"، لمدة سنة منها ثلاثة أشهر نافذة.

وأوقف ضباط شرطة بلباس مدني الفنان بمقر إقامته في وهران، عقب إنجازه أعمالاً فنية عدة لها علاقة بالوضع السياسي الذي تعيشه البلاد منذ انطلاق الحراك ووجهت له تهم إهانة هيئة نظامية والإساءة لرئيس الدولة ورسوم من شأنها المساس بالأمن القومي، ليطلق سراحه في 2 يناير (كانون الثاني) 2020.

وفي الآونة الأخيرة، عبّر صحافيون جزائريون عن استيائهم مما وصفوه "تقلص هامش الحريات"، وطالبوا في عريضة وقعها العشرات، الحكومة بإيقاف أعمال الرقابة على الصحف والتدخل في خياراتها التحريرية، معتبرين أن نشر وإعلام المواطنين حق يكفله الدستور الجزائري في نص مادته الـ 51، كما يُحدّد نص مادة قانونية للصحافيين طرق إعلام الرأي العام في حالة الكوارث والطوارئ.

وجاءت العريضة، احتجاجاً على بيان أصدرته وزارة الإعلام هدّدت فيه بمقاضاة جريدة "ليبرتي" الناطقة باللغة الفرنسية، بعد نشرها ملفاً صحافياً ينتقد تسيير السلطات لأزمة وباء كورونا.

وأعرب صحافيون عن تضامنهم غير المشروط مع زملائهم في الجريدة المعنية، وهيئة تحريرها، مؤكدين أنه لا يحق لوزير الإعلام أبداً التدخل في الخط الإعلامي لأي مؤسسة أو جريدة كانت.

المزيد من متابعات