Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصاعد حملة البطريرك الماروني على "الدويلة" يحرج عون

"حزب الله" انتقل إلى لغة مزدوجة بعدما ارتدت حملته التخوينية ضد منتقدي سلاحه عليه في الطوائف الأخرى

البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي (رويترز)

هل أخذت الحملات الانتخابية لمعارضي "حزب الله" منحى تجعله يخشى من تجييش الجمهور اللبناني، ولا سيما المسيحي في شكل يحوّل هدفه في الحصول على الأكثرية في الانتخابات النيابية المقبلة في 15 مايو (أيار) إلى أمر مشكوك فيه؟

وهل باتت حملات ما يسمى "القوى السيادية"، الرافضة لما تعتبره "خطف" الحزب للدولة والهيمنة عليها بفائض قوة السلاح خارج إطار الشرعية، تتسبب بحرج للقوة المسيحية المتحالفة مع الحزب ومع حلفائه الآخرين من المؤيدين لمحور الممانعة بقيادة إيران، ولا سيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، و"التيار الوطني الحر" برئاسة صهره النائب جبران باسيل؟

مع أن هذه الحملات تعم المرشحين المناهضين لسياسة الحزب في الدوائر الانتخابية كافة، من الطوائف الإسلامية والمسيحية، فإنها صارت تأخذ منحى تصاعدياً في الوسط المسيحي بسبب المواقف المتدرجة في وضوحها لدى البطريركية المارونية كمرجعية مسيحية على الرغم من أن القيادات الدينية العليا تعتمد أسلوب المواربة في معظم الأحيان. وهي تشكل غطاءً معنوياً وسياسياً لمواقف أحزاب وقيادات مسيحية ازدادت قوتها في الشارع المسيحي مثل حزب "القوات اللبنانية"، وحزب "الكتائب"، وحزب "الوطنيين الأحرار" على الرغم من تفاوت هذه القوة، إضافة إلى حلفاء لها من العائلات والمستقلين.

البطريرك والأكثرية النيابية المطلوبة 

آخر مظاهر هذا التصاعد في الموقف من دور "حزب الله" وتأثيره في التركيبة السياسية اللبنانية رسالة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عيد الفصح، ثم في عظته في اليوم التالي في القداس الذي ترأسه للمناسبة في حضور الرئيس عون. 

مما قاله الراعي في رسالة الفصح في 16 أبريل (نيسان): "لبنان يحتاج كل يوم إلى أكثرية نيابية وطنية، سيادية، استقلالية، مناضلة، مؤمنة بخصوصية هذا الوطن والدولة الشرعية والمؤسسات الدستورية وبالجيش اللبناني مرجعية وحيدة للسلاح والأمن، وبوحدة القرار السياسي والعسكري".

وتناول استحقاق الانتخابات النيابية منبهاً من أن "الخطورة الكبرى هي تضليل الشعب فينتخب أكثرية نيابية لا تشبهه ولا تلتقي مع طموحاته، ولا تقدر أن تحل أزماته فتزيد من عزلته ومن انهياره". واعتبر أنه "ستكون حالة غريبة أن تأتي الغالبية النيابية خلاف الغالبية الشعبية بسبب سوء اختيار الشعب؛ فيضطر لاحقاً إلى معارضة نواب انتخبهم في غفلة من الوعي الوطني. يجدر بالشعب، وهو يختار نوابه، أن يدرك أنه يختار أيضاً رئيس الجمهورية المقبل، بل الجمهورية المقبلة. ومما لا شك فيه أن مصير لبنان يتعلق على نوعية الأكثرية النيابية في المجلس الجديد".

وضوح حيال "حزب الله" في وجه عون

وفي اليوم التالي، وفي حضور رئيس الجمهورية، قال الراعي: " لبنان تُنتزع هويته، تتفكك دولته، ينهار اقتصاده، يُفقر شعبه، يُعزل عن بيئته الطبيعية والعالم، ويُلحق قسراً بمحور إقليمي، بسبب هيمنة سلاح الدويلة على قرار الدولة... لا يريد اللبنانيون الحقيقيون عن الدولة بديلاً، ولا يريدون لها شريكاً. إنهم يتوقون إلى اللحظة التي ترفع الأيادي عن لبنان وتنحسر الهيمنة، ويسقط التسلط، ويتوقف تسييس القضاء والإدارة وتعطيلهما من النافذين، وتنتهي الازدواجية". 

كما كان أكثر وضوحاً بإعلانه أنه "لكي تأخذ الإصلاحات (المطلوبة لتصحيح الاقتصاد المنهار) كامل مداها تحتاج إلى أن يرافقها بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وتوحيد السلاح والقرار، عملاً بقرارات مجلس الأمن، واعتماد الخيارات الاستراتيجية التي تعزز علاقات لبنان مع محيطه العربي والعالم الديمقراطي. وفيما تعود الدول الخليجية تدريجياً إلى لبنان لتساهم في حركة استنهاضه، من الواجب احترام سيادة الدول وحسن العلاقات معها، وتوقف الحملات على هذه الدول الشقيقة، وبخاصة أنها حملات لا علاقة لها بمصلحة لبنان، بل بمصالح دول أجنبية".

المقربون من الراعي وبعض من يساهمون في صوغ الأفكار التي يعبر عنها منذ أكثر من سنتين أوضحوا أن كلامه في الفصح ناجم عن رغبته في توجيهه إلى رئيس الجمهورية كحليف لـ"حزب الله"، عن سابق تصور وتصميم. فعون كان قال قبل أقل من شهر، إبان زيارته إلى الفاتيكان في حديث صحافي، إن سلاح "حزب الله" لا يؤثر في الداخل اللبناني، وإنه لـ"مقاومة" إسرائيل، بالتالي "ليس إرهابياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مواقف الراعي تحرج عون وباسيل

قبل أن يستمع عون إلى عظة الراعي في كنيسة الصرح البطريركي، كان التقاه في خلوة دامت نصف ساعة، يقول المطلعون على مواقف البطريرك إنها تناولت المواضيع التي عاد وتناولها في عظته، لكن بأسلوب أكثر صراحة، وفقاً لما يفترضه لقاء بين أربعة جدران، حول رأيه بالضرر الذي يلحقه استمرار سيطرة الحزب في البلد، على إمكانية تعافيه، وهو ما دفع عون بعد اللقاء، وقبل توجهه إلى قاعة الكنيسة، إلى أن يتحدث إلى الصحافيين مستبقاً عظة الراعي، ليوجه رداً على الأسئلة، انتقادات إلى "الثنائي الشيعي"، أي تحالف "حزب الله" وحركة "أمل"، الذي يخوض "التيار الحر" الانتخابات النيابية في الدوائر الانتخابية كافة إما بلوائح موحدة معه أو بلوائح جهد "حزب الله" لتأليفها مع حلفاء له في مناطق أخرى مسيحية. فحين سُئل عون عن عدم صدور مرسوم التشكيلات القضائية لرؤساء محاكم التمييز الذي يتسبب الشغور فيها بتأخر استكمال التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، لأن وزير المال يوسف الخليل (المحسوب على رئيس البرلمان نبيه بري)، يرفض توقيعه لأن فيه "خطأً أساسياً"، غضب عون، وقال: "ليس هناك خطأ أساسي، بل هناك عرقلة، ويجب أن تعلموا من يعرقل، فليتوقفوا عن الكذب عليكم". ودعا عون أهالي ضحايا انفجار المرفأ الذين يتظاهرون ضد إعاقة التحقيق في الجريمة وطلبوا لقاءه لهذا الغرض، إلى التوجه نحو "معرقلي القضاء، وتعلمون من هو المعرقل، فمن أوقف مجلس الوزراء"؟ وهو أشار بذلك أيضاً إلى "الثنائي الشيعي"، الذي قاطع الحكومة فجمد اجتماعاتها 3 أشهر.

في اعتقاد المقربين من البطريركية المارونية أن عون وفريقه يحتاجان إلى إبراز تمايزهما عن "حزب الله" في ظل حملات الكنيسة على "الدويلة" والسلاح غير الشرعي وإلحاق لبنان بمحور إيران... الموازي لشعارات يطلقها مرشحون مسيحيون أخصام لعون وباسيل، وآخرون مسلمون، لاستقطاب أصوات ناخبين. وباتت هذه الشعارات تحرج عون وباسيل الذي لجأ لتبرير التحالف مع الحزب أمام الجمهور المسيحي، بالهجوم على غريمه رئيس حزب "القوات" سمير جعجع متهماً إياه بأنه وراء إفشال الرئاسة. 

ارتداد لغة الحزب التخوينية 

إلا أن تصاعد مواقف الراعي وتوصيفه للأكثرية النيابية المطلوبة بقوله إن نوعيتها ستحدد مصير لبنان، بالتزامن مع حملات خصوم "حزب الله" على سلاحه، في حملاتهم الانتخابية من المرشحين السنة، سواء المتحالفون مع "القوات" أو المنافسون لها (مثل القيادات السنية الموالية لتيار "المستقبل")، ومن رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، باتت تقلق الحزب نفسه أيضاً، على الرغم من تصريحات الاعتداد بالنفس والثقة بتحقيق الأغلبية في منازلة 15 مايو (أيار). 

اعتمد الحزب في حملته المضادة لغة تخوين خصومه الانتخابيين باتهامهم بالسعي لتغيير الأكثرية الموالية له، وبالسعي لنزع سلاحه بفعل ارتباطهم بالسفارات وبأميركا، وبأن الأخيرة تتدخل في الانتخابات من أجل قيام أكثرية هدفها إنهاء "المقاومة"، ولجر لبنان إلى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. 

اللغة التخوينية قد تكون أسهمت في استنفار جمهور الحزب، الذي في صفوفه كما في صفوف سائر الطوائف، شرائح تتجه للانكفاء عن الاقتراع، جراء الاعتراض على ما سببته التركيبة الحاكمة التي للحزب دور مقرر فيها، من فقر وعوز وفوضى وصعوبات معيشية للجمهور الشيعي العريض مثل سائر اللبنانيين. فالحزب يرمي إلى استنهاض جمهوره المطمئن إلى أن له الأكثرية فيه، ليس من أجل إنجاح مرشحيه فحسب، بل من أجل إنجاح حلفائه المسيحيين في "التيار الحر" أيضاً، ولا سيما في المناطق التي له أصوات إما شيعية أو من طوائف أخرى يمون على قياداتها، مُرجِّحة لمصلحة "التيار". فهو يريد من استنهاض جمهوره الشيعي أن يعينه على ضمان الأكثرية في البرلمان الجديد مع حلفائه في الطوائف الأخرى، ليكون له دور رئيس في تشكيل الحكومات في السنوات الأربع المقبلة، وفي انتخابات الرئاسة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

لكن الحزب اكتشف أن خطابه التخويني ارتد سلباً عليه في الطوائف الأخرى، لأنه مادة تحريضية ضده من خصومه الذين صعّدوا هجومهم السياسي باتهامه بالتسبب بانهيار لبنان وحماية الفساد وبالعداء مع دول الخليجية وعزله عن محيطه العربي وإقحامه في حروب إقليمية في سوريا واليمن والتدخل في العراق، لمصلحة إيران. فتركيز خصوم الحزب على تسببه بالأزمات مع المحيط العربي لقي صدى واسعاً. 

لغة مزدوجة في التعاطي مع الحملات

في الأسابيع القليلة الماضية لجأ "حزب الله" إلى خطاب مزدوج للتخفيف من التأثير السلبي للغة التخوين، فأضاف إليها لغة معتدلة تميز بين من يهدفون إلى "إرضاء الخارج" بالهجوم على سلاح الحزب، وبين الذين يدعون إلى مناقشة "الاستراتيجية الدفاعية"، كما قال الأمين العام للحزب حسن نصر الله في خطاب له في 11 أبريل (نيسان). فهو أشار إلى أن من يريد أن يناقش مسألة "السلاح خارج إمرة الدولة وكيف نستفيد من عناصر القوة المتاحة للشعب اللبناني والدولة، هذا لا ‏يمكن أن نتهمه، يتحدث برؤية ومنطق وقابل للنقاش".

كما أن رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد حرص على القول في آخر خطاباته في جولاته في جنوب لبنان على القول إننا "لا نتمسك بالسلاح، لكننا لا نريد للعدو الإسرائيلي أن يأخذنا على حين غرة". وفي آخر تصريح له في 18 أبريل قال رعد: "نريد الاستقرار لبلدنا ونقدم الدليل تلو الدليل على أن المقاومة تصنعه". وخلافاً لخطاب التهديد الدائم لإسرائيل والإعلان عن الاستعداد للحرب معها وازدياد قوة الحزب الصاروخية، اتهم رعد الإعلام بـ"لعبة التضليل بأن لبنان سيبقى في حالة حرب وينتقل من حرب الى أخرى"، مؤكداً أن لا أحد في البلد يريد الحرب. نحن نريد السلام أكثر من الجميع وحريصون على الأمن والاستقرار لأننا نريد بلدنا أن يتحول إلى بلد منتج وقادر وفاعل وله دور مؤثر في المنطقة". وهو منطق مخالف لإعلان رعد قبل سنة عن وجوب تحويل الاقتصاد اللبناني إلى "اقتصاد مقاوم"، يتناسب مع "دور المقاومة". ولم يفُت رعد أن يذكر في التصريح نفسه، بأن "الذين يرفعون شعار لا لسلاح المقاومة في الانتخابات يريدون لنا الارتماء في أحضان إسرائيل وأميركا". فاللغة المزدوجة التي تخفف من المنحى التخويني والحربي، يأمل الحزب بأن تخفض من النقمة الشعبية في أوساط المسيحيين والطوائف الأخرى ضد تسبب سلاحه وتبعيته لإيران، بتقويض الاستقرار وبالتالي تأخير المعالجات للأزمة الاقتصادية والمالية التي يغرق فيها اللبنانيون.

يدعو بعض المراقبين إلى رصد مفاعيل الحملات السياسية الانتخابية قبل نيف وثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات، على مزاج المقترعين، بحيث تستنفر شرائح واسعة منهم ضد الحزب وحلفائه، وإذا كانت ستحدث تغييراً في الانطباع الذي غلب لفترة بأن "حزب الله" سيتمكن من ضمان الأكثرية لصالحه في الانتخابات، أم أنه سيحصل على هذه الأكثرية، لكن بشق الأنفس. 

كما أن البعض الآخر ينبه إلى وجوب تتبع المنحى التصعيدي لمواقف الراعي، قبل زهاء شهرين من زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان في يونيو (حزيران) المقبل. فمواقف البطريرك الماروني ليست بعيدة عن توجهات الفاتيكان الذي يلعب دوراً صامتاً حول الأزمة اللبنانية، ينتظر أن يتبلور خلال الأشهر المقبلة.

المزيد من تقارير