Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصدر فرنسي: لا نهوض للبنان بلا دول الخليج ولذلك توسطنا

"لا رقابة ذاتية" على أي موضوع في الحوار مع "حزب الله" وأوروبا وضعت إطاراً للعقوبات

لطالما لجأ حكام لبنان إلى لعبة التمديد في السلطة التشريعية وفي الرئاسة الأولى (أ ف ب)

ليست المرة الأولى التي يعير الخارج أهمية قصوى للانتخابات النيابية في لبنان، لكن استحقاق هذه الدورة استقطب الاهتمام الدولي والعربي نظراً إلى عمق الأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية - المالية، التي تهدد الاستقرار في البلد الهش. وهي أزمة تتأر وتؤثر في المشهد الإقليمي من جهة، ونظراً إلى نفوذ "حزب الله" وإيران في القرار السياسي اللبناني، بالتالي موقع لبنان في المعادلة الإقليمية من جهة ثانية.

الدول التي تتابع عن كثب الأزمة اللبنانية قررت إيلاء أولوية لمسألة الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري منذ أكثر من سنتين، فلم يخلُ بيان عن مجلس الأمن أو عن الاتحاد الأوروبي، أو عن الدول الكبرى كل على حدة بشأن لبنان، من التشديد على وجوب إجراء هذه الانتخابات في موعدها، فضلاً عن تأكيد سفراء هذه الدول في بيروت، في لقاءاتهم مع كبار المسؤولين على الموقف نفسه. فهذه الدول تنبهت إلى أن انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبية عام 2019، ضد المنظومة الحاكمة التي تدير البلد منذ عقود وارتفاع مستوى نقمة الشباب والشارع على السلطة الحاكمة، مقدمة لتغييرات في التمثيل النيابي، لا بد من أن تكون فرصتها في انتخابات 2022 التي تحدد موعدها في 15 مايو (أيار) المقبل.

الخشية كانت لدى هذه الدول من أن تؤدي مقاومة الطبقة الحاكمة لاحتمالات التغيير، إلى تأجيل الانتخابات عبر التمديد للبرلمان الحالي. فلطالما لجأ حكام لبنان، ولا سيما في مرحلة الوصاية السورية خلال العقود الماضية، إلى لعبة التمديد في السلطة التشريعية وفي الرئاسة الأولى للحفاظ على الستاتيكو والحؤول دون تعديل في المشهد السياسي الذي ترفضه قوى محلية وخارجية. لهذا السبب تقترن معظم البيانات الدولية التي تؤكد على إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، بالإصرار على أهمية انتخاب رئيس الجمهورية المقبل، في الموعد الدستوري، أي خلال شهرين يسبقان انتهاء ولايته في 30 أكتوبر المقبل.

لعبت فرنسا التي زار رئيسها إيمانويل ماكرون لبنان مرتين بعد انفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 أغسطس (آب) 2020، دوراً بارزاً إلى جانب مسؤولي الأمم المتحدة، وبالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في تجييش المجتمع الدولي والدول العربية حول لبنان، وخصوصاً حول إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية. وجرى غض النظر عن إصدار البرلمان اللبناني قانون بناء لطلب الحكومة، يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية التي كان يفترض انتخابها في مايو 2022 لمدة سنة كاملة، نظراً إلى الصعوبات اللوجستية والمالية لدى السلطات اللبنانية بإجرائها في الوقت نفسه.

"عقوبات قد تستخدم وقد لا تستخدم"

ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي إن المجتمع الدولي موحد، وكذلك "مجموعة الدعم الدولية للبنان"، على وجوب إجراء هذه الانتخابات في الموعد الذي حددته السلطة اللبنانية "وهي اختبار حول قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها. موعدها لم يحدده المجتمع الدولي بل هي إجراء دستوري. وأهميتها أن الاتحاد الأوروبي وفي معرض التشديد على إجرائها وضع الصيف الماضي إطاراً لعقوبات قد تُستخدم وقد لا تُستخدم، ضد من يُفشِلون إجراءها وفي حال عدم احترام موعدها. ونحن واضحون في ذلك".

يضيف المصدر "حتى تاريخه، التحضيرات جارية مع أنها معقدة، ونرى أن لا عائق أمامها ونعتقد أنها ستجرى. تجاوبنا مع مطالب الحكومة للمساعدة على إجرائها، وقدم الاتحاد الأوروبي 7 ملايين يورو، عبر الأمم المتحدة مساهمة في التكاليف العملية واللوجستية التي تبلغ 15 مليون يورو، وتحركنا في اتجاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الداخلية والمالية ورئيس البرلمان نبيه بري، لإقرار اعتماداتها في البرلمان ثم كي يجري تحويل المبالغ إلى الداخلية والخارجية وعقدنا اجتماعات عدة لمتابعة الإجراءات. ونعتقد أن اقتراع المغتربين مسألة مهمة جداً، وحرصنا على أن يكون جزء من ميزانية التكاليف موجهاً لهذا الغرض، وتابعنا موضوع تأمين المحروقات والكهرباء يوم الاقتراع ونبهنا إلى بعض الصعوبات في المناطق... وكل الخطوات المتخذة تسمح بالقول إن أي تعطيل إذا ما حصل لن يكون تقنياً، بل سياسي... وحتى اليوم، يجب أن تحصل في موعدها".

نفي اتهام نصر الله للسفارات بطرح التأجيل

حين تناول الوسط السياسي والإعلامي في الأشهر الماضية احتمال تأجيل الانتخابات كانت أصابع الاتهام توجه إلى "حزب الله" باعتبار الأكثرية الحالية لمصلحته، إلا أن أمينه العام حسن نصر الله قال في كلمة له في 12 أبريل (نيسان) إن هناك "أكثر من همس في بعض السفارات وبعض ‏الأوساط بالحديث عن تأجيل الانتخابات النيابية ولو لأشهر عدة حتى يمكن ‏تحسين ظروف الفريق الآخر بحجة أن النتيجة المتوقعة في الاستطلاعات أنّ فريقنا السياسي سيحصل على ‏الغالبية النيابية". وسمى السفارة الأميركية من هذه السفارات.

تجنب المصدر الدبلوماسي الفرنسي الرد على اتهام نصر الله، تاركاً له "مسؤولية تصريحاته"، مشيراً إلى أن "ما تعبر عنه الدبلوماسية الفرنسية هو لسان حال المجتمع الدولي والدول الغربية، وهو ما يهم الأميركيين أيضاً، ولم يتم البحث في أي مناسبة بأي تأجيل للانتخابات المحدد موعدها دستورياً، والأمر يتعلق باللبنانيين فحسب. والإجماع الدولي على إجرائها وفي إطار مجموعة الدعم الدولية للبنان يشمل روسيا والصين".

لا أوهام والتغيير يأتي رويداً رويداً

يحاذر المصدر نفسه التورط في أي توقعات في خصوص نتائج الانتخابات، "فنحن قمنا بواجبنا حتى يقترع اللبنانيون كما يشاؤون، وليس لنا أن نحدد ما ستكون النتيجة. وإذا اعتبر بعضهم أنه لن يتغير شيء فجوابنا اذهبوا إلى صناديق الاقتراع. المسألة الأساسية هي التوجه إلى صناديق الاقتراع".  وإزاء مخاوف البعض من حصول تزوير، يلفت المصدر الفرنسي إلى أنه "إضافة إلى المساعدة المالية، هناك بعثة من الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات. لكن بالطبع لن توجد في أقلام الاقتراع كلها".

وعما يصدر من تحليلات عن إمكان تغيير الطبقة السياسية من خلال هذه الانتخابات، يلفت المصدر إلى أن فرنسا "لم تتوقع أنها ستغيرها في هذه الدورة على أهميتها، فالانتخابات في لبنان أو في أي بلد ديمقراطي آخر، لا تغيّر الطبقة السياسية في دورة واحدة، بل هي تخلق دينامية، وهناك عملية انتخابية ستجرى لرئاسة الجمهورية، والسنة المقبلة الانتخابات البلدية. التغيير يحصل رويداً رويداً. ولم نقل في أي مرة أن التغيير يحصل بالانتخابات فحسب، بل يحصل أيضاً بالإجراءات المطلوبة لتصحيح ونهوض الوضع الاقتصادي المالي. لذلك، لم نغذ أي أوهام بأن هذه الدورة ستغير طبقة سياسية عمرها 40 سنة".

المجتمع المدني نوعان

يصنف الجانب الفرنسي منظمات المجتمع المدني التي يجتمع بها بنوعين، الأول مؤلف من جمعيات غير منخرطة في السياسة لكنها دينامية وخلاقة جداً، في سعيها لإيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية و"نحن متفاجئون ومذهولون لفعاليتهم ونساندهم نحن والأميركيين والمجتمع الدولي، وهم قوة أساسية للبلد، عابرة للطوائف والأحزاب والمؤسسات الدينية". أما النوع الثاني فهي الجمعيات التي انبثقت من المجتمع المدني ومن ثورة 17 أكتوبر، وهم نشطاء سياسيون لديهم التزام سياسي. ندعمهم بمعنى أننا اجتمعنا بهم وأصغينا إليهم ويشكلون خياراً أساسياً، ورتبنا لقاءً بينهم وبين وزير الخارجية جان إيف لودريان حين زار بيروت، من زاوية أننا نؤمن بلبنان التعددي، على الرغم من الانقسام بينهم، والرسالة من وراء ذلك أن لديهم دوراً يلعبونه، ولأن اللبنانيين تواقون إلى التغيير، لكن لا نتدخل في ما يقال عن انقساماتهم. فمن ثوابتنا دعم كل ما يغني التعددية اللبنانية.

الوساطة مع دول الخليج

وعن دور فرنسا وموقفها بالنسبة إلى عودة سفيري المملكة العربية السعودية وليد البخاري والكويت عبد العال القناعي إلى بيروت؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"لم يكن ذلك موقف فرنسا فحسب بل عملها أيضاً. لعبنا دوراً وسيطاً بين لبنان ودول الخليج، وعملنا تحديداً من أجل عودة سفراء دول الخليج بعد الأزمة بين لبنان وبينها. هو واحد من مظاهر دورنا. الرئيس ماكرون زار السعودية والإمارات وناقش الوضع اللبناني، والخليجيون شركاء استراتيجيون لنا. إنها وساطة وليست ضغوطاً. تحركنا لتجنب مزيد من العقوبات، لأن وضع لبنان هش ولا يمكنه أن ينقطع عن دول الخليج وبيئته العربية والدول الخليجية". 

وتعتبر فرنسا أن لا نهوض وتصحيح للوضع الاقتصادي اللبناني من دون دول الخليج وجهودها معها في مرحلة تصاعد الأزمة بين الجانبين هو من ضمن نشاطها لإبقاء لبنان على الأجندة الدولية مع أنه ليس أولوية للمجتمع الدولي وفرنسا هي الدولة الوحيدة التي تنشط لهذا الهدف بحوارها مع اللاعبين الإقليميين، والرئيس ماكرون بذل جهداً لإدراج لبنان على لائحة الاهتمامات الدولية من ضمن منظورها جعله أولوية كواحدة من ثوابت سياستها، "لكن على لبنان أن يساعدنا أيضاً بالقيام بالإصلاحات المطلوبة من فرنسا ومن المجتمع الدولي ولذلك نلح على الانتخابات. ومن غير الممكن أن تقوم فرنسا بالعمل بالنيابة عن اللبنانيين، وهنا أهمية توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".

قلنا للسعودية: لبنان يحتاج إليك

وعما إذا كان لبنان سيحتاج إلى مؤتمر دولي بالتنسيق مع دول الخليج لمعالجة أزمته، يعتبر المصدر الدبلوماسي الفرنسي أن "دورنا الدبلوماسي هو التحدث إلى دول الخليج من أجل إعادة انخراطها في لبنان. فكيف يمكن التفكير في التنمية فيه من دون هذه الدول. دورنا هو الإقناع وقلنا للمملكة العربية السعودية مثلاً أن لا أمل من التصعيد. واستراتيجية الانخراط جيدة، ولديك دور تاريخي في البلد وأنت دولة كبيرة وفي لبنان السنة جزء كبير من الشعب ولديكم روابط صداقة عريقة مع اللبنانيين الذين يعمل قسم منهم في دول الخليج وساهموا في نموها. فرض عقوبات لن يغير الواقع فيما لبنان يحتاج إليك... ثم هم أخذوا قرار العودة. لذلك، وضعنا مع الجانب السعودي مشاريع إنسانية من أجل جميع اللبنانيين وبدعم مشترك، وسيكون العمل في شأنها. وحجم المبالغ هنا ليس مهماً". 

أما بالنسبة إلى عقد مؤتمر دولي، فالأمر يتوقف على أي نوع من المؤتمرات. "نظمنا 3 مؤتمرات خلال 18 شهراً لاقتناعنا بأنه لا إمكانية لأن يخرج لبنان من الأزمة وحده ويحتاج إلى دعم كثير من الدول". لا مشروع لمؤتمر دولي راهناً. ولا خيار غير الاتفاق مع صندوق النقد، وفرنسا سهلت ذلك. فالبلد قام بتخلف سيادي عن سداد الديون، وليس هناك من جهة ستقرض البلد. كانت هناك حاجة إلى المساعدات الإنسانية بعد انفجار المرفأ والمرحلة الحالية هي للنهوض الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد.

لا رقابة ذاتية على موضيع الحوار مع "حزب الله"

يحرص المصدر الدبلوماسي الفرنسي على التعليق على الحوار الذي تخوضه الدبلوماسية الفرنسية في لبنان مع "حزب الله"، وإذا كان يتناول دوره وسلاحه، بالقول إن "فرنسا تحاور كل الأطراف لا أكثر ولا أقل"، ويعدد أحزاب لبنان كلها، من باب تأكيد التعامل معها بالتساوي، "فنتحدث معها عندما يكون لدينا ما نقوله لها أو لديها ما تقوله لنا، لكن حين نتحدث معها ليس من عادتنا أن نفصح عما يدور في اللقاءات، ويمكن أن يكون هناك توافق أو لا، لكن الحديث يتناول كل ما يمس استقرار لبنان ودعم اللبنانيين ولا رقابة ذاتية على أي موضوع يمكن أن نثيره في تلك اللقاءات بما فيها مع "حزب الله". فالحوار مع الأحزاب واحد من أبعاد المهمة الدبلوماسية ودائماً لمصلحة استقرار لبنان لأن فرنسا موجودة على الأرض وترعى مشاريع متعددة ونتحدث بالأسلوب نفسه إلى المجموعات والطوائف والأحزاب كلها انطلاقاً من الحرص على الاستقرار والتعددية، وندلي بآرائنا حتى لو لم تكن متناسبة مع تطلعات هذه الفئات".

المزيد من تقارير