Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أهدى صندوق النقد الحكومة اللبنانية "نصرا" انتخابيا؟

يقضي الاتفاق إقراض البلد 3 مليارات دولار تستوفى على مدى 4 سنوات

رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي متوسطاً وفد صندوق النقد الدولي (أ ف ب)

بعد مسار عامين من المفاوضات والتخبط، استطاعت الحكومة اللبنانية تسجيل "انتصار" مشروط عبر توقيعها على اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، يقضي بإقراض لبنان ثلاثة مليارات دولار تستوفى على مدى أربع سنوات، وتهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد، واستعادة التعافي المالي، واستئناف فرص النمو والعمل، وإعادة الإعمار وزيادة الإنفاق الاجتماعي.

وفي نهاية الجولة الثانية من المشاورات، صدر بيانان منفصلان عن كل من الحكومة اللبنانية وفريق صندوق النقد الدولي، يعلنان توصلهما إلى اتفاق وصف بـ"المبدئي" من جانب لبنان، فيما وصفه الصندوق باتفاق "تقني" على مستوى الموظفين، الأمر الذي يحدد إطار الاتفاق بـ"إعلان النوايا" يتطلّب العبور منه إلى الاتفاق النهائي إلى مسار يمرّ إلزامياً بتنفيذ ستة شروط مسبقة، تتعلق بتوفير بيئة مناسبة للنشاط الاقتصادي عبر إنجاز الإصلاحات الهيكلية، وإعادة هيكلة القطاع، وتحسين المالية العامة لتأمين استدامة الدين مع زيادة النفقات على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية، وإصلاح القطاع العام ومؤسساته وبخاصة قطاع الكهرباء، وتوحيد سعر الصرف لإزالة التشوهات في الاقتصاد، وتعديل قانون السرية المصرفية.

التسوية المرة

وقبيل الاتفاق المبدئي، تحدثت المعلومات عن مساعٍ حثيثة قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتهدئة الصراع القضائي - المصرفي الذي شهدته الساحة اللبنانية خلال الأسابيع السابقة من خلال سلسلة القرارات القضائية التي اتخذت بحق عدد من المصارف ورؤساء مجالس إدارتها.

وتؤكد المعلومات أن ميقاتي أجرى سلسلة اتصالات بعيدة من الإعلام مع كل من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس الجمهورية ميشال عون، لتحييد الحملة القضائية والإعلامية ضد حاكم مصرف لبنان، وقد اتفق على تأجيل البت بمصير الحاكم إلى ما بعد الانتخابات النيابية، مشيرة إلى أن ميقاتي استطاع إقناع الطرف العوني القبول بتسجيل نقطة إيجابية بهذا الاتفاق، وتفيد "العهد" انتخابياً بدل تسجيلها بمرمى حاكم المركزي عبر مغامرة غير مضمونة.

نصر أجوف

ويُجمع المختصون على أن هذا الاتفاق هو خطوة مهمة وإيجابية طال انتظارها، لكن بالنسبة إلى المحلل الاقتصادي مايك عازار، فإن ما حصل، هو وضع إطار عام للتفاوض، من دون الدخول في التفاصيل، التي غالباً ما تكمن فيها الشياطين، لذلك من المهم أن تعمد الحكومة، إلى تنفيذ ما تعهدت به قبل الانتخابات النيابية المقبلة، كي لا يكون مصير الاتفاق، كمصير شروط وإصلاحات المؤتمرات الدولية، التي عُقدت لمساعدة لبنان وآخرها مؤتمر سيدر الذي تمّ انعقاده قبل الانتخابات، وبعدها تحول إلى مجرد حبر على ورق.

وقال إن الصفقة التي أشار إليها صندوق النقد تفتقر إلى التفاصيل بما في ذلك أي حلول، وسيجري الترويج لها بين الناخبين على أنها نصر بينما هي في الواقع بيان نوايا غير ملزم لا يرافقه أي شيء ملموس. وأضاف "من المؤسف أن صندوق النقد الدولي وافق على منح الحكومة نصراً أجوف قبل الانتخابات مباشرة".

الكرة التشريعية

وفي هذا السياق أشار نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، سعادة الشامي، إلى أن الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، هو خطوة إيجابية بالاتجاه الصحيح، مشيراً إلى أن الشروط المسبقة طبيعية جداً بأي اتفاق مع صندوق النقد، مؤكداً أن بعض الأمور التي طلبها الصندوق جاهزة وموجودة في مجلس النواب تنتظر الإقرار، مثل قانون الموازنة 2022 الذي هو إجراء مسبق مطلوب من قبل الصندوق.

ولفت إلى أن تعديل قانون السرية المصرفية، قد يرسل إلى مجلس النواب في القريب العاجل، تليه إعادة هيكلة قطاع البنوك. مؤكداً أن القوانين الملحة سيصار إلى تحويلها سريعاً إلى المجلس النيابي، معرباً عن أمله في أن تقر قبل الانتخابات النيابية في 15 مايو (أيار) المقبل.

تشكيك نيابي

في المقابل شكك نائب في لجنة المال والموازنة، رفض الكشف عن اسمه، إمكانية تشريع القوانين التي يطلبها البنك الدولي قبل الانتخابات، معتبراً أن القوى السياسية منخرطة في التجييش الشعبي والتحضير للانتخابات وأنها "بكل تأكيد لن تجرؤ على اتخاذ قرارات غير شعبوية تؤدي إلى تراجع في شعبيتها".

وأوضح أن التوافق على بعض الإجراءات يجب أن يتطلب توافقاً سياسياً إذ يستحيل تمرير قوانين بهذه الأهمية في ظل الانقسام السياسي والتراشق بالمسؤوليات، إضافة إلى التناقض الكبير في وجهات النظر بين من يريد حماية حاكم مصرف لبنان ومن يريد الانتقام منه وتحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسار معقد 

ويُنظر إلى الانتخابات التشريعية على أنها عقبة أخرى أمام تنفيذ الاتفاق، إذ ينتظر تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات وهي عملية تمتد عادة لشهور طويلة، لا سيما أنها تتزامن أيضاً مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. وأشار النائب نيقولا نحاس وهو مستشار رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، إلى أنه لم يتبق سوى أسابيع قليلة قبل الانتخابات وإلى انشغال النواب بحملاتهم الانتخابية.

وعن الإصلاحات قال "لم يكن من المفترض أن يتم ذلك في غضون أسابيع قليلة ولن يقول أي شخص جاد إنه ينبغي القيام به في هذا الإطار الزمني"، مضيفاً أن البرلمان قد يوافق على قانون وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية (الكابيتال كنترول) وقانون الموازنة قبل الانتخابات. 

وأضاف "الاتفاق هو نوع من المعايير لما يجب أن يأتي بعد الانتخابات. لذلك، بعد الانتخابات سيبدأ البرلمان في دراسة هذه الإجراءات بسرعة وبعد ذلك سنرى كيف نمضي قدماً".

نقمة مصرفية

وعلى الرغم من الترحيب المبدئي بالاتفاق وإبداء الرغبة في التعاون، أبدت مصادر في جمعية المصارف مخاوفها من بعض بنود الاتفاق، ولا سيما في ما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي قد يحمل في طياته أبعاداً ترتبط بتحميلها الجزء الأكبر من الخسائر الاقتصادية.

وسألت لماذا تنحصر الخطة بحماية صغار المودعين والتمييز بينهم وبين كبار المودعين، واعتبارهم جميعهم حصلوا على أموالهم بغير وجه حق، كما وأن البند المتعلق بتقييم أكبر 14 مصرفاً لبنانياً من قبل شركة تدقيق أجنبية قد يكون هدفها العودة إلى خطة التعافي الاقتصادية السابقة التي طرحتها حكومة حسان دياب وتقضي بإدخال خمس رخص مصارف جديدة، إذ تتخوف من الاستنسابية في التقييم.

واستغربت المصادر تركيز صندوق النقد على هيكلة القطاع المصرفي وتجاهل خطة إدارة الدولة وهيكلة مؤسساتها، علماً أن الجميع بات يعلم أن الهدر وسبب الفجوة المالية التي تقدر بـ70 مليار دولار سببها السياسات الخاطئة والموازنات غير المتوازنة.

الثاني عربياً

من جانبه أكد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، "أن ما أصاب القطاع المالي بلبنان هو قيد المعالجة في خطة التعافي، التي يجري إعدادها من قبل الحكومة اللبنانية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي"، آملاً بجمع 15 مليار دولار في شكل منح وقروض من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سواء عبر الصندوق نفسه أو ومؤسسات دولية أخرى، كاشفاً عن أن قيمة احتياطي الذهب لدى البنك بلغت 17.547 مليار دولار حتى نهاية فبراير (شباط) الماضي، محافظاً على موقعه كصاحب ثاني أكبر احتياطي من الذهب في المنطقة العربية (بعد السعودية)، بثروة تقدر بنحو 286 طناً.

وأوضح "أن إجمالي الاحتياط النقدي من العملات الأجنبية بلغ 12 ملياراً و748 مليون دولار حتى نهاية شهر فبراير"، وأن حجم محفظة الأوراق المالية المملوكة لمصرف لبنان بلغت أربعة مليارات و197 مليون دولار، وتشمل سندات اليورو، مشيراً إلى أن تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج بلغت نحو ستة مليارات و400 مليون دولار خلال عام 2021.

استقلالية المركزي

في المقابل يوضح المحلل الاقتصادي والمالي إيلي يشوعي، أن الاتفاق أشبه بمذكرة تفاهم على العناوين العريضة، ولذلك يمكن وضع ملاحظات على ما يطلبه صندوق النقد، ومنها إقرار قانون الكابيتال كونترول وخطة التعافي الاقتصادي وإقرار الموازنة وخفض العجز فيها بنسبة ثلاثة في المئة. 

وبرأيه يتضمن الاتفاق بنوداً عامة تحمي المصارف من أي دعاوى يمكن أن يرفعها المودعون ضدها لنيل حقهم، موضحاً أنه بعد إقرار القانون، سيتم تحديد سقف السحوبات والتحويلات بحسب الودائع، على ألا يتعدى سقف السحب الشهري ألف دولار، وهذا يعني أن القانون سيمنع المودعين من المطالبة بكامل حقوقهم. 

ويعتبر أن قانون الكابيتال كونترول، يهدد استقلالية البنك المركزي، حين ينص على أن هناك لجنة، ستضع التنظيمات التطبيقية لهذا القانون وليس المركزي، وهذا أمر لا يجوز لأن القانون، لا يتطلب تدخل الحكومة. 

أما فيما يتعلق بتعديل قانون السرية المصرفية، يلفت يشوعي إلى أنه لا لزوم له إذ يمكن كشف السرية المصرفية عن المرتكبين فقط، ويضيف "يمنع قانون الكابيتال كونترول في حال إقراره، فتح حسابات جديدة حتى للمستثمرين الجدد، وهذا أمر غير واضح، ولا يجب أن تكون هذه النقطة معممة على الجميع، ولا بد من استثناءات، وخصوصاً للشركات الجديدة في لبنان".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير