لم يخُض كثير من قادة العالم في القرن الـ21 تجربة الحياة في كهف والعمل كمزارع قبل تسلّق سلم السلطة، وليس أي سلطة، بل سلطة الدولة القطبية المرشحة لمقارعة الولايات المتحدة الأميركية ومنافستها على تسنّم قمة العالم.
يعدّ نفسه شيوعياً صينياً بامتياز، ويرى أن كل ما يقوم به الشيوعيون الصينيون هو تحسين حياة الشعب الصيني وإحياء النهضة العظيمة للأمة الصينية وتعزيز السلام والتنمية للبشرية.
قبل بضعة أعوام، بالتحديد في مارس (آذار) من عام 2018، وافق البرلمان الصيني على مقترح للحزب الشيوعي يلغي تحديد فترات بقاء رئيس البلاد في السلطة، مما يفسح المجال أمام شي جينبينغ، الرئيس الحالي البقاء في السلطة مدى الحياة، لا سيما أن التقليد الصيني المتعارف عليه، كان يقضي بولايتين فقط للرئيس لا أكثر، وعليه فإن شي لن يمضي بعيداً في 2023، بل سنراه لعقود مقبلة.
هل جاء توجّه الحزب الشيوعي الصيني على هذا النحو انطلاقاً من اللحظات المصيرية التي تمر بها الصين، أي زمن صعود قطبيتها إلى عنان السماء، وإدراك الشعب الصيني قدر التحديات الخارجية الواقفة خلف سور الصين العظيم، منتظرة أن تتسيّد عليه؟
تبدو قصة رجل الصين القوي اليوم مثيرة للتأمل ورؤاه تدفع المرء إلى إعادة قراءة المشهد الصيني، داخلياً وخارجياً، لا سيما في ظل تأكيده على أن بلاده حققت هدفها المئوي في بناء "مجتمع رغيد الحياة باعتدال"، مهدداً أي قوة أجنبية تريد إخضاع بلاده بسحقها.
ضحية "الحرس الأحمر"
في 15 يونيو (حزيران) عام 1953، وُلد شي جينبينغ في بكين، كان والده قائداً في الثورة الشيوعية الصينية التي سيطرت على البلاد عام 1949.
على أن دروب الحياة لم تسِر بالأب كما كان يخطط لها، فقد جاءت الثورة الثقافية للزعيم التاريخي للصين ماو تسي تونغ لتطيح الأب، فقد كان من بين الذين تعرّضوا لحملات التطهير في الستينيات، كما تعرضت أسرته للإذلال، ويتردد أن إحدى شقيقاته انتحرت.
حين بلغ شي الثالثة من عمره، كانت المدارس في عموم أنحاء بكين أغلقت، بحيث بات من المتاح للطلبة انتقاد المدرسين وضربهم وحتى قتلهم.
في تلك الفترة، عاش شي وحيداً في بكين، من غير أهل أو أصدقاء، ومن غير مقدرة من أحد ما على حمايته من جماعة الحرس الأحمر التي انتشرت في شوارع بكين، فكان عليه مواجهة التهديد بالموت والاعتقال.
يروي لاحقاً، وحين استطابت له الحياة يقول: كنت في الـ14 من عمري عندما سألني الحرس الأحمر: هل تعرف خطورة جرائمك؟ فأجبت: يمكنكم تقدير ذلك... هل تكفي لإعدامي؟ فردّوا: يمكننا إعدامك مئات المرات. فأجبت: لا يوجد فرق بين مئات المرات ومرة واحدة.
مهما يكُن من أمر، كان من شأن شي كما الآلاف من الصينيين أن أُرسل إلى الريف للعمل في المزارع، بهدف "إعادة التثقيف"، وهناك طال به المقام لمدة سبعة أعوام، عاش فيها في أحد الكهوف، ممارساً حياة خشنة، وإن كان أشار إليها في أحد فصول سيرته الذاتية بوصفها من أهم سنوات التكوين، فقد جعلته قوياً صلباً قادراً على مواجهة أعباء الحياة، فما أشق العيش من غير كهرباء ولا مواصلات، ومن دون أدوات ميكانيكية، ومع ذلك لم تمنعه تلك العقبات من مواصلة القراءة وتثقيف نفسه يومياً، حتى ولو على ضوء مصباح كيروسين.
لم تمنعه تلك التجربة القاسية من الحلم، ففي عمر الـ22 وجد نفسه مناصراً للحزب الشيوعي الصيني وليس مناهضاً له، وتالياً تمكّن من الالتحاق بجامعة تشينغهوا العريقة في بكين، حيث درس الهندسة الكيميائية، ولم تكُن هذه الإجازة هي نهاية عهده بالتعلم، فأكمل لاحقاً دراساته ليحصل على درجة الدكتوراه في القانون.
ارتقى شي سريعاً في صفوف الحزب الصيني الشيوعي، وذلك بمجرد أن تمكّن عام 1974 من الانتساب إليه، فوصل إلى منصب مسؤول الحزب الأول في مدينة شنغهاي، ثاني أكبر مدن الصين ومركزها التجاري.
بعد ذلك، انتُخب عضواً في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب إلى أن وصل لمنصب الرئاسة عام 2012.
زمن الحلم الصيني
هل يمكن اعتبار شي جينبينغ وعن حق الرجل الذي تحقق على يديه "زمن الحلم الصيني"؟
الشاهد أنه في رؤيته عن مستقبل الصين، طرح شي فكرة هذا الحلم، تلك التي ضمّنها مشروعاً حمل عنوان "إعادة بعث الأمة الصينية"، وخلال عشرة أعوام، نجح بالفعل في إجراء عدد من الإصلاحات الاقتصادية، كما أسهم في الحد من تراجع النمو الاقتصادي، ومضى خطوات واسعة في طريق تحجيم ملكية الدولة للصناعة ومكافحة التلوث وتنفيذ مشروع النقل البري العملاق المعروف باسم "طريق الحرير".
خلال عشرة أعوام من رئاسة شي، استطاعت الصين أن تفرض حضورها السياسي بقوة، وتعلن سيطرتها على بحر الصين الجنوبي على الرغم من المعارضة الدولية عامة، والأميركية خصوصاً، بل مضت في طريق إقامة مجموعة من الجزر الصناعية هناك.
وفي عقد شي، استطاعت الصين تحقيق نهضة اقتصادية سريعة جداً، الأمر الذي وفر لها تراكمات وفوائض مالية تصل إلى مليارات الدولارات، فتحت لها مسالك إلى العالم الخارجي عبر الاستثمار السريع المعتمد على الأموال الساخنة، الأمر الذي اختصم كثيراً جداً من النفوذ الأميركي والأوروبي.
نمت القومية الصينية مع شي جينبينغ بشكل متسارع جداً، ودعمتها وسائل الإعلام الصينية في هذا الإطار بقوة، وكان التركيز على شخصه عميقاً وواسعاً، الأمر الذي حدا بالبعض لأن يتهمونه بأنه يسعى إلى تأليه نفسه، أو تكريس ذاته زعيماً تاريخياً مثل ماو تسي تونغ أو ربما أهم منه.
ولعل الإجراءات التي سعى شي في طريقها، تجعله أكثر الزعماء الصينيين المعاصرين بعد ماو سطوة، فشملت مرحلة محاربة الفساد التي قادها في الداخل والتي أطلق عليها اسم "النمور والذباب" أكثر من مليون شخص من كبار وصغار مسؤولي الحزب، كما ترافق ذلك بفرض مزيد من القيود والرقابة على الحريات الشخصية، مثل الرقابة على الإنترنت واعتقال المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وعلى الرغم من ذلك، فإن شي يتمتع بشعبية كبيرة بين صفوف الصينيين البسطاء.
الحزب والحرية
قطع شي في سنواته العشر الآمال التي راودت البعض في تغيير سياسي داخلي صيني، بمعنى فتح المجال للأفكار الليبرالية، أو إتاحة الفرصة لأفكار الحريات الغربية أن تخترق جدران الصين العظيمة.
كاد شعاره غير المعلن أن يكون: "لا صين جديدة من غير حزب شيوعي".
استطاع أن يعزز موقعه ويبسط سيطرته على الحزب الشيوعي وأصبحت أفكاره جزءًا من دستور البلاد، وهو ما لم يحظَ به سوى ماو تسي تونغ ودينغ شياو بينغ، بالتالي فإن معارضته باتت بمثابة الوقوف ضد الحزب الشيوعي الحاكم.
والثابت أنه في ظل حكمه، أسكت الحزب الذي يضم 92 مليون عضو الأصوات المعارضة في داخله، ومن أجل تجنّب وصول مثيري شغب محتملين، شدد الحزب الشيوعي الصيني معايير الانضمام، على غرار شركة خاصة، ذلك أنه إذا كان الحزب يضم في السابق أعضاء من خلفية جيدة (عائلات عمالية أو مزارعون)، بات الآن أكثر نخبوية ويفضّل الخريجين الشباب ذوي الأخلاق الحسنة. ويستمر النظر في الترشيحات عموماً سنتين.
يبحث الحزب الشيوعي الصيني بشكل خاص عن شبان لم يعرفوا سوى سنوات الازدهار الاقتصادي للصين منذ نهاية السبعينيات، وليس أخطاء الحقبة الماوية (1949 ـ 1976)، التي نُسبت إليها مسؤولية سقوط عشرات ملايين القتلى.
تكاد أفكار شي جينبينغ أن تتحوّل إلى دستور معاصر للصينيين في الأزمنة الحاضرة. وعلى هذا الأساس، يتابع أعضاء الحزب الشيوعي دورات دراسة لـ"فكر شي جينبينغ" في أماكن عملهم، بما يشمل الشركات الخاصة الكبيرة أو تلك العاملة برأسمال أجنبي.
غير أن هذا الامتثال في عيون بعض المفكرين الصينيين، لا يعزز الإبداع المطلوب في السباق الأيديولوجي والتكنولوجي مع الغرب.
في هذا الصدد، يرى البعض أنها مشكلة محتملة، ذلك أنه إذا ضم الحزب الممتثلين لأفكار شي فقط، فهناك مخاطر بالضعف التدريجي لجهة منافحة وملاقحة الأفكار الخلاقة.
على هذا الأساس، يمكن القول إن الحزب الشيوعي الصيني في زمنه، يؤسس "ديمقراطية مركزية"، أكثر ملاءمة لدولة لم تختبر أبداً الليبرالية الغربية.
والخلاصة في هذه الجزئية هي أنه لا علاقة للديمقراطية الصينية بديمقراطية الدول الأخرى، فالصين دولة كبيرة معرّضة للكوارث الطبيعية، الأمر الذي يستدعي سلطة مركزية قوية.
الرئيس الحاضر
ماذا عن الأفكار التي تشاغب عقل شي؟ في واقع الحال، يمكننا الاقتراب إلى البعض منها عبر متابعة خطاباته وتصريحاته في مناسبات مختلفة.
على سبيل المثال، قال أمام حشد غفير في ساحة تيان أنمين في قلب العاصمة بكين نهار الخميس 30 يونيو (حزيران) 2021: "لقد ولّى إلى غير رجعة الزمن الذي يمكن فيه أن يُداس الشعب الصيني وأن يعاني وأن يُضطهد".
يومها، غاص الرئيس الصيني في خطابه في أعماق التاريخ، مذكّراً مواطنيه بما شهدته بلادهم من حروب أفيون واستعمار غربي وغزو ياباني، ليشيد من ثم بما حققه الحزب الشيوعي الصيني لهم من تحسين في مستويات الحياة واستعادة الفخر الوطني.
يعتقد شي أن إحياء النهضة العظيمة للأمة الصينية يتطلب كلاً من التصميم الاستراتيجي والعمل الدؤوب، وأخذ زمام المبادرة كونه رجل أفعال. وعام 2019 وحده، شارك في أكثر من 500 فعالية هامة. وشمل جدول أعماله عطلات نهاية الأسبوع على مدار 30 أسبوعاً تقريباً خلال ذلك العام، كما قام بمراجعة كل مسودة لخطط الإصلاح.
أثبت أنه رجل دولة من طراز رفيع، وأكد لشعبه أنه حاضر على الدوام لاستنقاذ الصينيين في أي وقت وعلى أي رقعة على سطح الكرة الأرضية.
ففي مطلع عام 2015، عندما انزلقت اليمن إلى الفوضى، وجّه شي سلاح البحرية الصينية لإجلاء مئات المواطنين الصينيين العالقين هناك.
وعندما أطلقت الولايات المتحدة حرباً تجارية ضد بلاده، صاغ استراتيجية مفادها بأن الصين لا ترغب بحرب تجارية لكنها لا تخشاها وستخوض غمارها إذا لزم الأمر.
وذكر أيضاً أن تعزيز الحوار والتعاون هو الخيار الصحيح للبلدين، مضيفاً أن "المحيط الهادئ الشاسع لديه مساحة كافية تتّسع للصين والولايات المتحدة كبلدين كبيرين".
وعام 2019، عندما تعرّضت هونغ كونغ لاضطرابات اجتماعية، وجّه شي ببذل جهود لحماية مبدأ "دولة واحدة ونظامين"، كما سحق محاولات إثارة الثورات الملونة.
وعشية السنة الجديدة بحسب التقويم الصيني عام 2020، ومع هيمنة وباء "كوفيد- 19" على أجواء الاحتفالات، لم ينَم شي في تلك الليلة. وفي اليوم التالي، عقد اجتماعاً لقيادة الحزب لبحث سبل استجابة البلاد، وقبل الاجتماع اتخذ قراراً بتشديد القيود على حركة الناس وقنوات الخروج في ووهان وهوبي. وأثبت الوقت كيف أن هذا النهج الحازم كان هو الخيار السليم الوحيد.
التزامات واتهامات
هل لـشي جينبينغ رؤية ما على المستوى الكوسمولوجي، بمعنى رؤية دولية في زمن العولمة؟
أكثر من مرة وفي أكثر من خطاب وتصريح، اقترح شي أن يعمل المجتمع الدولي على تعزيز الشراكة والأمن والنمو والتبادلات بين الحضارات وبناء نظام إيكولوجي سليم، مستشهداً بالمثل القائل: "ينبغي أن تكون المصالح التي يجب مراعاتها هي مصالح الجميع".
وصف بيير بيكورات، الخبير في شؤون الصين بجامعة باريس الثامنة، رؤية شي بأنها أحد أجمل المفاهيم الفلسفية في تاريخ البشرية.
وبموجب هذا المفهوم، اقترح شي نهجاً جديداً لعلاقات دولية تقوم على تعاون متبادل المنفعة ومبدأ تحقيق النمو المشترك، من خلال المناقشة والتعاون في الحكومة العالمية.
يدرك القارئ المحقق والمدقق لأفكار شي، رفضه الشامل والكامل لفكرة هيمنة دولة واحدة على أفكار العالم، أو بلورتها لنظام واحد يسود الجميع، ولهذا يقول: "إن فكرة خلق نظام دولي يناسب العالم كله فكرة غير سديدة، فيما المطلوب هو التشاور لخلق إطار عام يصلح لمتابعة شؤون الجميع، ومن غير الانتقاص من خصوصيات كل دولة".
والمعروف كذلك أنه في العام ذاته الذي دعا فيه العالم للمرة الأولى إلى بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، اقترح أيضاً مبادرة "الحزام والطريق". وبحلول شهر أغسطس (آب) من العام الماضي 2021، وقّعت 172 دولة ومنظمة دولية أكثر من 200 وثيقة تعاون مع الصين في هذا الإطار.
ووفقاً لتقرير أصدره البنك الدولي، يمكن لمشاريع مبادرة "الحزام والطريق"، المساعدة في انتشال 7.6 مليون شخص من براثن الفقر، و32 مليون شخص من الفقر المعتدل على مستوى العالم.
غير أن مكانة شي الدولية تعرّضت في العامين الأخيرين لهزة كبيرة، إذ اعتبرت الدوائر الأممية أن الصين دولة لا تتمتع بقدر واضح وكافٍ من الشفافية الدولية، وكان ذلك هو السبب الرئيس لتفشي فيروس "كوفيد-19" حول العالم.
خسرت رئاسته فرصة أوروبية بامتياز، ذلك أنه قبل انتشار الجائحة، كاد عدد من الدول الأوروبية، في المقدمة منها إيطاليا، أن يعمل على تفعيل نسق غير مسبوق من التعاون، الأمر الذي أخاف بقية دول الاتحاد الأوروبي من أن تكرر دول أخرى هذه العلاقة العضوية.
كانت الصين ولا تزال تراهن على مقدراتها الاقتصادية وقدراتها المالية في الاستثمار والتعاون، غير أن مداراة بكين للفيروس القاتل، جعل الأوروبيين يعيدون النظر في علاقاتهم مع حكومة شي.
أما على الجانب الأميركي، فتابع العالم الصراع الدامي الذي دار في سنوات إدارة الرئيس ترمب مع الصين، لا سيما بعد أن أطلق مسمّى "الفيروس الصيني" على "كوفيد -19".
عطفاً على ذلك، فإن سهام كثيرة باتت توجّه إلى الصين في العقد الأخير، وفي فترة حكم شي جينبينغ تحديداً، من جراء دورها الهدام – بحسب الغرب - في تحويل الكرة الأرضية إلى مكان غير لائق بالحياة المعاصرة نتيجة التغيرات الإيكولوجية.
القصة باختصار تدور حول تفضيل بكين استخدام الفحم، وعدم التزامها المقررات الدولية الساعية لتخفيض درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار درجة ونصف.
ولعل ما جعل حكومة شي غير مرغوبة بالمطلق في هذا السياق، أنها في اليوم الثالث من أعمال قمة غلاسكو الأخيرة في اسكتلندا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رفعت من نسبة استخدامها للكربون بنسبة الربع، وكأنها لا تعير انتباهاً للهدف الأممي الأكبر والأهم، وربما دفعها في هذا المسلك أزمة الطاقة التي تعرّضت لها، والقصور في الكهرباء وبقية أشكال الطاقة التي عانت منها، الأمر الذي ترك انطباعاً سيئاً على معدلات النمو الصينية وعلى مستويات الإنتاج الخاصة بها في العام الماضي بنحو خاص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بين العقيدة والبراغماتية
ولعله لا يمكن للباحث، أي باحث، أن يتناول شأن الرئيس الصيني، من غير أن يتعرض لقضية "صيننة" الدين في الصين المعاصرة... ما الذي يعنيه هذا المصطلح أول الأمر؟
قبل الجواب، نشير إلى أن شي لا يؤمن بأي عقيدة دينية، وربما هذا ما يدفعه إلى موقفه من مسألة الدين في داخل بلاده التاريخية، التي يعني اسمها "الملكوت الأوسط أو المركزي".
في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وخلال مؤتمر حكومي حول القضايا الدينية، صرّح بأنه يجب على الصين أن تسلك مسار "صيننة الدين"، وأن تسعى أيضاً إلى "تعاضد المؤمنين ورجال الدين حول الحزب والحكومة".
يعني مصطلح "الصيننة" ضرورة فرض الطابع الصيني الديني في البلاد وأهمية تركيز الأنشطة الدينية حول الحزب الشيوعي، وأن النشاط الديني يجب أن يتم في إطار القانون، ولا يجوز له التدخل في الشؤون التعليمية والقضائية والإدارية والحياة العامة.
ولعله من المؤكد أن الصين تشن حرباً على الأديان، وهذا ما ذكرته مجلة "بيزنس إنسايدر" في تقرير لها نُشر بتاريخ الثالث من ديسمبر (كانون الأول) من عام 2018، وفيه توضيح لقيام السلطات الحكومية الصينية بسجن المسلمين وحرق الأناجيل، ومهاجمة حتى أتباع المذاهب البوذية والطاوية، اللتين تملكان جذوراً تاريخية عميقة في شرق آسيا، ما يعني أن الأمر ليس موجهاً إلى أصحاب الأديان الإبراهيمية التوحيدية فحسب.
والمعروف كذلك أن الصين تتعرّض في عهد شي جينبينغ بنوع خاص للإدانة من جانب كثير من دول العالم والمنظمات الحقوقية، من جراء اضطهادها للمسلمين الإيغور في منطقة شينغيانغ، مع تكثيف المراقبة وأعمال التنصت والتجسس على الكاثوليك الصينيين المتحدين مع الفاتيكان والخارجين عن سياق الكاثوليكية الوطنية الصينية.
يبقى كل ما تقدم مرحلة في حياة شي، في حين تبقى قادمات الأيام حاسمة في حياة الرجل، وفي المشهد الدولي بنوع عام، ذلك أن الجميع ينظر إليه، بل وينتظر منه، ردود فعل على التدخل الروسي في أوكرانيا، وهل هو مناصر لبوتين مرة وإلى الأبد بهدف مكايدة بايدن والولايات المتحدة، أو أن البراغماتية الشيوعية الصينية تعتبر التحالف مع موسكو خطوة تكتيكية وليست استراتيجية في طريق القطبية المقبلة، وهو تساؤل لا يمكن الجواب عنه في الحال.