Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا قتلت "ثورة ماو" الثقافية صاحب الرواية الأشهر في الصين الحديثة

تهمة لو شي أنه جعل بطل "فتى الراكشاو" يناضل في سبيل خلاصه الفردي

عربة الريكشا التقليدية في الصين (موقع التاريخ الصيني)

ذات يوم من شهر أغسطس (آب) عام 1966 اتصل "مجهولون" بزوجة الكاتب الصيني لاو شي الذي كان إلى جانب زميله الروائي با جين أشهر كتاب الصين، ليخبروها أنه تم العثور للتو على جثة زوجها قرب بحيرة السلام، وقالوا لها بشكل أكثر تحديداً إنهم يعتقدون أن لاو شي قد مات انتحاراً، إذ إن الذين عثروا عليه وجدوه وقد غمس رأسه كلها في الماء بينما كانت ثيابه لاتزال جافة. في تلك الأثناء كانت الفوضى تعم الصين ولا سيما مدينة بكين التي وقعت الحادثة فيها، وكانت السلطات من القوة بحيث تمكنت من أن تأمر بالتخلص من الموضوع بسرعة من دون إمعان في التحقيقات، ومن دون تشريح للجثة، وهذا ما جعل الزوجة وكثيرين من أصدقاء لاو شي يؤكدون لاحقاً أن الرجل لا يمكن أن يكون قد مات انتحاراً بل قتل.

مهما يكن، لئن كان لاو شي قد لقي ذلك المصير الظالم والغامض، فإن الصين الجديدة أعادت إليه اعتباره بعد ذلك بدزينة من الأعوام، أي في 1978، حين أقيم احتفال رسمي بذلك في مقبرة بابواشان.

البؤس ممنوع ولو في الماضي

ولعل اللافت في الأمر أن لاو شي دفع حياته ثمناً لرواية كان قد كتبها قبل "انتحاره" بأكثر من 30 سنة، وفضح فيها الظلم السائد في المجتمع نفسه الذي قامت ثورة ماو تسي تونغ أصلا منقلبة عليه للأسباب نفسها.

لقد كان لاو شي واحداً إذا من المبدعين الذين مهدوا بإبداعاتهم لمجيء الثورة وانتصارها، مما يشكل تناقضاً ثورياً قد يصعب فهمه على من لم يقرأ الرواية وهي طبعاً تلك المعروفة بعناوين عدة، لعل أشهرها "فتى الراكشاو"، و"الراكشاو" هي تلك العربة التي تستخدم لنقل الأفراد والبضائع في بكين وغيرها ويعتبر سائقوها الذين يستخدمون أيديهم وأقدامهم لجرها في أسفل السلم الاجتماعي، ونعرف أن لاو شي قد سلك في هذه الرواية درب كثير من الكتاب الروس الذين كان الكاتب والناقد ليو خون قد أدخل أدبهم إلى صين بدايات القرن الـ 20، وكانوا ذا حظوة لدى يساريي هذا البلد كما لدى الحزب الشيوعي الصيني.

بيد أن ذنب لاو شي كمُن، كما سيتضح لاحقاً، في قدر التشاؤم الذي ختم به روايته هو الذي جعل بطله، فتى الراكشو تحديداً، يتبع سبيل العمل الفردي غير مؤمن لا بالنضال الجماعي ولا بالعمل السياسي وسيلة للخلاص، ومن المؤكد أن السلطات التي كان انتصارها عام 1949 دافعاً للاو شي للعودة إلى الديار بعد إقامة في الغرب، لم يكن من شأنها استساغة الحلول التي اقترحها في الرواية.

اعتذارات لم تنته

طبعاً لم يكن لاو شي غافلاً عن هذا، لكنه إذ لم يعد في مقدوره إحداث تبديل مرغوب من السلطات ومنه في أحداث رواية كانت قد انتشرت بأعداد كبيرة من النسخ وبترجمات عدة، اعتذر منها مرات كثيرة منبهاً دائماً إلى أن أحداثها تدور قبل عقود من "الثورة المظفرة" التي كما قال "غيرت جذرياً تلك الأوضاع البائسة التي كانت سائدة" في الماضي الذي "أضحى اليوم بعيداً"، غير أن كل ذلك لم يكن من شأنه أن يرضي "مناضلي الثورة الثقافية" الذين أرادوا أواسط ستينيات القرن الـ 20 تصفية حساباتهم مع الماضي، ومن هنا إذا كان كونفشيوس نفسه قد لقي كل ذلك العنت على أيديهم، هل كان من شأن "ثورتهم الماوية" أن توفر كاتباً كان يصر دائماً على أية حال وعلى الرغم من كتابته البؤسوية على أنه ليس مناضلاً يسارياً؟ من هنا كان منطقياً في صين الثورة الثقافية أن يدفع ذلك الكاتب حياته ثمن رواية تتحدث عن الحياة البائسة واليائسة ليتيم ريفي لم ير بداً من أن ينتقل صبياً إلى بكين، وكله أمل بأن يعمل هناك بكل جدية ونشاط لتحقيق ثروة تقيه العوز، لكنه يصطدم بالبؤس الذي اكتشفه في العاصمة أشد وطأة منه في الريف، حتى وإن اختار أشق عمل وغاص فيه ليلاً ونهاراً وقاوم كل مغريات العيش ليجمع قروشاً تمكنه أولاً من اقتناء تلك العربة التي سيعمل عليها، ومن ثم يقع تحت سيطرة فتاة تكبره بـ 10 سنين لمجرد أن أباها صاحب مصنع للعربات، ويضطر إلى الزواج منها إذ توهمه أنها حامل منه لتموت لاحقاً، إذ تحمل بالفعل مشكلة البؤس الذي سيظل دائماً من نصيب الفتى على الرغم من قوته وعزيمته.

نهاية غير مجيدة

بعد موتها سيلتقي خيانتزي، وهو اسم الفتى، حباً حقيقياً في شخص جارة له هي تلك التي سيتزوجها، لكنها سرعان ما ترحل بدورها تاركة بطلنا نهباً لمزيد من البؤس غير واجد الصحبة الحقيقية إلا في عربته التي باتت الآن متهالكة كحياته، وإلا في بكين "القاسية الحلوة الظالمة البديعة القبيحة" كما توصف لنا، وإلا أخيراً في إدمان ينتهي أمره عليه، وهو لم يعد ليجد أي أمل من تلك الآمال التي كانت قد هيمنت عليه منذ الصفحات الأولى لحكايته القاسية التي يرويها لنا، لاو شي في تلك الصفحات المكثفة التي أبدعت في وصف صين ما قبل الثورة وصفاً أزعج صين ما بعد الثورة، فكانت تلك المكالمة التي ستعلم زوجة الكاتب بأن زوجها قد انتحر!

بين المنفى والعودة للوطن

حين رحل لاو شي عن هذا العالم كان في الـ 67 من عمره، وكان طوال عقود من الجهود الكتابية والترحال تمكن من أن يجعل لنفسه مكانة مهمة بين كبار الكتاب الصينيين، بل كان أضحى الأكثر شهرة بينهم في الخارج، ولا سيما في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، حيث كان معظم كتبه يترجم فور الصدور في الصينية، وقد ولد لاو شي في 1899 ابناً لأسرة متواضعة من أصل منشوري، وكان أبوه ضابطاً في الحرس الإمبراطوري، سرعان ما قتل خلال المعارك التي قامت بين القوات الأجنبية و"البوكرز"، مما اضطر الأم للعمل خادمة حتى تمكن ابنها لاو شي (وكان اسمه الأصلي شو كنغتشوان) من تلقي ما يريد من العلم، وهو بالفعل أنهى دراسته الابتدائية ثم الثانوية فالثانوية العليا، وأضحى مدرساً ثم خبيراً تربوياً، وبدأت تظهر لديه الميول الأدبية باكراً، لا سيما حين أقام في إنجلترا لخمسة أعوام (1924 - 1929) اكتشف خلالها أعمال ديكنز وتأثر بها، فكتب هناك أولى أعماله وهي رواية بعنوان "فلسفة لاوجانغ" نشرها أولاً في مجلة شهرية على شكل مسلسل قبل أن تنشر ككتاب في بكين.

وفي لندن كذلك كتب رواياته التالية "جاء جيوو" (1926) ثم "السيدان ما أباً وابنا" (1928) وتدور أحداثها في لندن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استقرار مؤقت

في 1930 عاد لاو شي إلى الصين حيث عين أستاذاً في الجامعة وتزوج في العام التالي لينجب أربعة اطفال، ويصبح كاتباً معروفاً تصدر أعماله بانتظام، ومن أبرز تلك الأعمال رواية "طلاقات" التي أصدرها في 1933، وفي 1936 نشر لاو شي تلك التي ستصبح أشهر رواياته، "فتى الراكشو" التي نالت من النجاح ما دفعه إلى تكريس وقته كله للكتابة. لكن اندفاعته تلك سرعان ما قطعها الغزو الياباني للصين عام 1937 وهو غزو دفعه للهرب إلى مقاطعة ووهان الآمنة حيث بقي سنوات أخرى بعيداً من أسرته، لكنه تمكن في تلك السنوات من الكتابة أكثر وأكثر، وتعرف على ماو تسي تونغ وبدأ يشغل مناصب رسمية في الثورة. وفي العام 1946 توجه إلى الولايات المتحدة حيث بقي عامين كتب خلالهما الأجزاء الأولى من روايته الأساسية "أربعة أجيال تحت سطح واحد"، وحين عاد إلى الصين بعد ذلك كان قد أضحى كاتباً رسمياً معتبراً، وبدأ يشغل مناصب عليا في الإدارة الثقافية، كما بدأ يكتب مسرحيات كانت سرعان ما تمثل وتنجح، وفي العام 1954 انتخب نائباً عن مدينة بكين، لكن النقد سرعان ما وجه بعد عامين لمسرحيته "تشانغان" من قبل اليمنيين الذين بادلهم هجوماً بهجوم، في وقت راح يكتب فيه رواية يحكي فيها سيرته الذاتية، وهي الرواية التي كانت لم تكتمل بعد، حين لقي مصيره على أيدي حرس الثورة الثقافية الأحمر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة