Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفغانستان "فخ الإمبراطوريات" لم تختبر بعد نموذج الصين التوسعي

ترقب بكين الطامحة للنهوض مستجدات جارتها المضطربة التي أسقطت بريطانيا العظمى والسوفيات ومن بعدهما أميركا و"الناتو" في وحل الاستنزاف بعد أن حاولوا تعزيز نفوذهم من خلالها

تملك قوى عظمى عديدة على مر التاريخ تجارب حرب مكلفة في أفغانستان (أ ف ب)

بعد مشاهد الانسحاب الفوضوي في مطار كابول الذي بدأ منتصف الشهر الحالي، بدأ العالم المهووس بالمقارنات تداول صورة المروحية التي كانت تستعد للإقلاع من سايغون في 1975، في محاولة لفهم كيف سارت الأمور بهذا الشكل عن طريق اجترار التاريخ.

وإن كانت اللوحة الفوضوية متشابهة في المشهدين لكن الظروف غير الظروف، فلوحة سايغون القاتمة أتت بفعل هزيمة فرضها الاستنزاف على الأرض، والضغط السياسي في واشنطن على خلفية تسرب صور الفظائع القادمة من فيتنام وتوابيت القتلى التي تلحق بها إلى مقبرة أرلنغتون الوطنية بفيرجينيا. بالمقابل ما حصل في كابول كان نتيجة لسنوات طويلة من المفاوضات بين أميركا وحركة "طالبان"، انتهت باتفاق قضى بانسحاب آمن للقوات الغازية مقابل مكتسبات سياسية تتمثل في عودة الحركة إلى العاصمة على ما يبدو، ومعاملتها ككيان سياسي بعيداً عن وضعها كجماعة متطرفة.

هذه الطريقة التي يتم الانسحاب في ظلها كان يفترض بها أن تسهم في جعله أكثر تنظيماً وسلاسة، من دون الحاجة إلى تراجيديا المطار عندما أقلعت الطائرات رغماً عن المتشبثين بأجنحتها بعد حالة فوضوية عمت كابول.

لذلك فإن نهم المقارنات التي أصابت العالم عليها البحث عن صورة أخرى غير المروحية الأميركية في 1975، الانسحاب السوفياتي 1988 مثلاً، أو البريطاني في 1842.

فخ الإمبراطوريات

ظل احتلال أفغانستان هدفاً للإمبراطوريات ذات النزعة التوسعية على مر التاريخ، وظل الخروج منها بأقل الأضرار هدفاً أيضاً للأطراف ذاتها، كان أبرز تلك الإمبراطوريات هي بريطانيا العظمى والاتحاد السوفياتي.

كانت الإمبراطورية البريطانية في 1838 مهددة من قبل روسيا والقبائل الأفغانية في حربها للسيطرة على آسيا الوسطى، لذلك أعطت أوامرها للإدارة المركزية في الهند باجتياح أفغانستان وعزل الملك دوست محمد. وتصف المؤرخة البريطانية ديانا برستون، تلك الحرب في كتاب "الموكب الداكن... الغزو البريطاني الفاشل لأفغانستان 1838-1842".

إذ تسرد برستون حكاية الفخ الأفغاني بدءاً من "السير ألكسندر بورنيس"، حاكم الاحتلال البريطاني في كابول منذ يوم الاجتياح الأول، الذي أبرق إلى لندن يهنئها على السيطرة التامة على البلاد، قبل أن يجد نفسه ورجاله محاصرين في اليوم التالي ليقتل في تلك الأثناء وتنجو الحامية بالانسحاب في 1842.

كانت تلك هي الحرب الأولى في سلسلة حروب سميت فيما بعد "الحرب الأنغلو-أفغانية" التي اشتعلت شرارتها الثانية في 1879، والتي شهدت مقتل أعضاء بعثة لندن في أفغانستان، في حين انتهت الحرب الثالثة في 1919 بنهاية الحرب العالمية الأولى بنتائج لم تكن مكافئة لكلفة التدخل.

"الموكب الداكن"، كما سمتها الباحثة، لم تكن سوى البداية في سلسلة الحروب الكبيرة التي كانت بلاد البشتون مقبلة عليها، فالروس الذين تصارعوا مع لندن في آسيا ليجروها للوقوع في الوحل الأفغاني ظنوا أن المشكلة كانت في قدرة لندن على إدارة الحرب، ليعودوا بعد قرن من ذلك التاريخ لدخول البلاد ويقعوا في الفخ ذاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي عام 1979 اجتاح السوفيات الدولة الآسيوية في إطار التوسع الضخم للحكومة الشيوعية في موسكو، التي ضمت كثيراً من محيطها تحت جناح الاتحاد السوفياتي في حينها، لتضطر بعد عشر سنوات إلى الانسحاب من حرب استنزفتها كثيراً، وكانت سبباً في انهيار الاتحاد، ليأتي بعدها دور الأميركيين وحلف الشمال الأطلسي في 2001.

نموذج الصين لم يختبر بعد

وبالحديث عن القوى العالمية التقليدية، لا يمكن إغفال صعود نجم الصين كقوة دولية قد تكون طرفاً في نظام عالمي متعدد الأقطاب، بفعل قدرتها الاقتصادية الضخمة ومشروعها الدولي لتعزيز نفوذها، الذي يحمل اسم "الحزام والطريق".

ويعرّف مشروع "الحزام والطريق" نفسه، بحسب الحكومة الصينية، بأنه مبادرة قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر طرق برية وبحرية استثمرت فيها بكين مليارات الدولارات، لتطوير بنى تحتية في دول فقيرة ومتوسطة القدرة على طول طريق الحرير الذي ينتهي بالقارة الأوروبية.

وتحضر أفغانستان في قلب المشروع الصيني، وهي الدولة المجاورة لها، إذ تقع العاصمة كابول ومدينة ننغرهار مهد الحضارة البوذية في عصب الطريق البري الصيني، لكونها السبيل الأقصر ما بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط.

وعلاوة على موقعها الاستراتيجي، أفغانستان غنية بالموارد الطبيعية، مثل الليثيوم والنحاس اللذين يستخدمان في البنى التحتية الخاصة بالسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى الذهب وخام الحديد.

النموذج الصيني في التوسع قد يكون أقل مخاطرة من حيث الاستنزاف، مقارنة بالتجارب السابقة لأميركا وبريطانيا والسوفيات، إذ تعمد الصين على مد بنادقها الاقتصادية والاستثمارية إلى الدول التي تسعى لتعزيز نفوذها فيها من دون انخراط عسكري مباشر، كما هو الحال مع أفغانستان، ووقعتا قبل خمس سنوات اتفاقاً تتعهد فيه بكين بتمويل استثمارات في البلد الفقير بقيمة 100 مليون دولار، كما أطلقت قطار شحن مباشراً إلى بلدة حيراتان الحدودية الأفغانية.

هذا النموذج قد يكون مرحباً به من قبل سلطات "طالبان" التي تحاول احتواء الانهيار السريع للمؤسسات منذ دخولها المدينة، وإقناع المستثمرين بالاستمرار في البلاد، إلا أن تحدي الأمن والاستقرار قد يكون بحاجة إلى أكثر من التطمينات.

إذ يظل النموذج "الإمبراطوري" الصيني بعيداً عن فخ الاستنزاف الذي أوقع السابقين ما دامت الصين قادرة على البقاء بعيدة عن التدخل المباشر، وهذا ما لا تضمنه مستجدات العلاقة بين العاصمتين الآسيويتين، بخاصة بعد أن باتت الاستثمارات الصينية الضخمة التي ضختها خلال السنوات الماضية تحت تهديد موقف حكومة الأمر الواقع في كابول.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير