إنها أوقات مثيرة للقلق بالنسبة إلى فلاديمير بوتين. فما هي العواقب التي قد تترتب على آلته الحربية، إذ لم يعد مسموحاً لنادي تشيلسي لكرة القدم أن ينفق بعد الآن أكثر من 20 ألف جنيه استرليني (26 ألف دولار تقريباً) على السفر للمشاركة في مباريات بعيدة؟
لقد تصرفت الحكومة [أقدمت على إجراءات]. وأظهر "فريق العمل المعني بالأوليغارشيين" أنه جدي، ولديه الميمز على وسائل التواصل الاجتماعي لإثبات ذلك. وتنهمك وزارة الخارجية في نشر صور على "تويتر" للأوليغارشيين الذين فرضت عليهم عقوبات أخيراً، فتضع على كل صورة العبارة "معاقب" بالأحرف الكبيرة نفسها التي قد يستخدمها في ملصق يحمل عبارة "مطلوب" صاحب مرقص للطلاب يحمل طابع الغرب الأميركي الوحشي.
لكن من غير الواضح كم يبلغ عدد الأوليغارشيين الذين فرضت عليهم عقوبات، فقد حذف الزعم بفرض عقوبات على رئيس مجلس إدارة "روسيا بنك" دميتري ليبيديف، على الرغم من أن الخطوة فُهمت على أنها مجرد نتيجة لنشر شاب متدرب في الوزارة مصادفة الخبر في ملصق يشبه ملصقات رعاة البقر وعليه صورة دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق.
لكن ثمة شخصاً فرضت عليه عقوبات بالتأكيد هو رومان أبراموفيتش [مالك تشيلسي]، بعد أسابيع فقط من إرسال مؤسسة المحاماة التي تمثله، "هارباتل أند لويس"، رسائل تهديد إلى أي شخص تجرأ على اقتراح إمكانية فرض عقوبات على موكلهم. ونحن في انتظار الأشخاص الآخرين الذين سيعاقبون.
وهذا يعني، يا للرعب الصادم، أن تشيلسي لم يعد قادراً على شراء اللاعبين وبيعهم، وبيع نسخ من قمصان اللاعبين، بل وحتى بيع التذاكر لحضور مبارياته. ووفق وزيرة الخارجية ليز تراس، فرضت العقوبات لأن أبراموفيتش والآخرين "متواطئون" في عدوان بوتين. وقالت: "إن دم الشعب الأوكراني على أيديهم. يجب أن يُطأطئوا رؤوسهم من العار".
وهذا ما يجدر بهم أن يفعلوه بالتأكيد، لكن أثناء طأطأة هذه الرؤوس، يظل من المزعج إلى حد ما أن تستمر البلدان الأوروبية في إيداع ما يقرب من مليار يورو (مليار و91 مليون دولار تقريباً) يومياً في خزائن الكرملين، في مقابل النفط والغاز، اللذين لم تملك هذه الدول، حتى كتابة هذه السطور، أي فكرة على الإطلاق حول كيفية الاستمرار من دونهما.
يساوي مليار يورو يومياً عدداً كبيراً من لاعبي كرة القدم من طراز روميلو لوكاكو [لاعب في تشيلسي]. ومن المؤكد أنه يكفي لمعالجة أي توتر قد يشعر به بوتين حول ما إذا كان غزوه سيتمكن من الاستمرار بعد التراجع المفاجئ في عوائد مبيعات التذاكر في ملعب "ستامفورد بريدج" [لكرة القدم]، وهي عبارة عن أموال لم يكن بالتأكيد يتلقاها على أي حال.
فما هو إذا المغزى من فرض عقوبات على رومان أبراموفيتش؟ هل هو "متواطئ" في غزو بوتين؟ على الأرجح لا. النقطة الأكثر وضوحاً، على الرغم من أن هذا الكلام طموح أكثر منه أي شيء آخر، هي أن الأوليغارشيين المفضلين لدى بوتين، غير الراضين عن وضعهم الجديد كمنبوذين، وإذ أخذت منهم ألعابهم، سيتمكنون من الضغط على بوتين لحمله على العمل في شكل مختلف.
هل هذا محتمل؟ على الأرجح لا. في إعادة صياغة لقول صدر عن دبلوماسي أوروبي فضل عدم ذكر اسمه، وفق "فاينانشيال تايمز"، لو اتصل أوليغارشي بالسيد بوتين وقال: "لقد أخذوا أربعة مليارات من ملياراتي الخمسة وأريد أن أستعيدها. من فضلك غير طريقتك"، فالإجابة ستكون: "حسناً، هل ترغب في الاحتفاظ بالمليار؟".
العلاقة بين أبراموفيتش وبوتين موثقة في شكل جيد في قضية قضائية دامت أربعة أشهر عام 2011. وطالب فيها شريك أبراموفيتش التجاري الراحل الآن، بوريس بيريزوفسكي، بستة مليارات جنيه استرليني. وصودف أنني حضرت كل يوم تقريباً من أيام تلك المحاكمة، إذ غطيتها لصالح هذه الصحيفة.
لم يكن أبراموفيتش شخصية تسهل محاولة فهمها. لم يكن وجهه أقل من غامض تماماً. لا أستطيع أن أتذكر أنني رأيت أي شخص أكثر شبهاً منه بما وصفه أندي ماكناب بـ"الرجل الرمادي"، الشخص غير القابل للوصف وغير القابل لقراءة مكنوناته إلى درجة أنه يصبح غير مرئي تقريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأيام الأولى من المحاكمة، كان الأوليغارشيان ومرافقيهما يركنون أسطولهم من سيارات "مايباخ" و"بنتلي" مباشرة أمام مبنى المحكمة ولا يكترثون لغرامات الركن غير القانوني. وفي نهاية المطاف، جرى تحذيرهما بأن هذا غير مسموح، وعلى هذا كان لا بد لأبراموفيتش من أن ينتظر على نحو منتظم في الشارع لدقيقتين في انتظار وصول سيارته. وفي إحدى المناسبات، تحول المكان إلى مقصد لمصوري الباباراتزي، فسارع إلى متجر "بريتا مانجيه" المجاور، ونزل إلى الطابق السفلي، وراقبته يجلس على طاولة بجانب موظفين في القلب التجاري للندن، يأكل باغيتات التونة، وكان من الواضح أن الموظفين لم يعرفا من انضم إليهما.
كان يمشي أحياناً في دوائر [مسار دائري] حول الشرفات الزجاجية لـ"مبنى رولس" [مقر المحاكم في القلب التجاري للندن]. وفي إحدى المناسبات سألته: "هل جون تيري [كابتن تشلسي السابق] عنصري؟" (كان اسمه مطروحاً في وسائل الإعلام في ذلك الوقت). ارتفعت زاوية شفتيه إلى ما يقرب من ثمن ابتسامة وواصل مشيه. لا أظن أنه فهم السؤال حتى.
لقد أثرى بداية لأن بوريس بيريزوفسكي تواطأ مع الرئيس آنذاك، بوريس يلتسين، فاشترى أصولاً نفطية هائلة بمبلغ بخس جداً في مقابل دعم قناة بيريزوفسكي التلفزيونية يلتسين في الانتخابات الرئاسية عام 1995. وأصبحت الأصول، المشتراة بنحو 100 مليون دولار، "سيبنفت"، وهي الآن جزء من "غازبروم"، ثم أعيد بيعها في النهاية إلى الدولة الروسية بمبلغ سبعة مليارات دولار، وذهبت الأموال مباشرة إلى السيد أبراموفيتش.
وفي ذلك الوقت كان أصغر سناً كثيراً من أصحاب المليارات الذين كان يمضي وقته معهم. ويقال عنه في شكل منتظم إنه اخترق عالمهم لأنهم بينما كانوا يتزاحمون على موقع، كانوا جميعاً يحبون رومان الشاب. ولم يعتبره أي منهم منافساً له. كانت لديهم طموحات سياسية، وخطط كبرى للعمل كصانعين لزعماء الكرملين، في حين كان هو رجلاً أبسط بكثير، أتى من بلدة نفطية، وكان يعمل كنسخة مسكوبية من ديل بوي [تاجر مبتدئ في برنامج تلفزيوني بريطاني]، إذ كان يبيع البط البلاستيكي في شقته. لم يكن يريد أن يحتل العالم الضيق كما يفعل عملاق. كان يريد فقط جمع المال، وهذا ما فعله من غير ريب.
وهكذا، بات من الواضح الآن أن أحد الآمال الرئيسة للغرب يتمثل في أن يصاب أبراموفيتش وصحبه بذعر كبير من التعامل معهم فينقلبون على ممكنهم المقيم في الكرملين.
هل يعتد بمثل هذا الأمل؟ لا يوجد دليل صلب [بائن] يستند إليه، لكن الدليل الأقل صلابة لا يبشر بالخير. منذ غزو بوتين لأوكرانيا، أصدر نادي تشيلسي لكرة القدم ثلاثة تصريحات رسمية، بلغ مجموع عدد كلماتها نحو 600 كلمة.
ولم يحتوِ أي من هذه البيانات حتى على نفحة من الإدانة لأفعال بوتين. ولم يذكر أي منها تدمير مستشفى للولادة في ماريوبول. وحين صدر آخر بيان، كانت نساء في طور الولادة لا تزلن عالقات تحت الأنقاض.
بطبيعة الحال، تجعلنا هذه العقوبات نشعر جميعاً بالرضا. وهي الإجراء الصائب الواجب القيام به، لكنها لا تغير الواقع الذي نتجاهله منذ فترة أطول مما ينبغي. يحتفظ الأوليغارشيون الأثيرون على بوتين بثرواتهم لأنه يسمح لهم بذلك، وليس لأننا نسمح لهم بذلك. ونادي تشيلسي لكرة القدم هو زينة الكعكة [غيض من فيض]، لكن الخباز لا يزال في الكرملين.
© The Independent