Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يبدو ضغط الغرب على أثرياء روسيا لإضعاف بوتين رهانا خاسرا؟

البنادق صوتها أعلى من صوت المال في الكرملين الآن والأوليغارشية رهائن داخل النظام

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

من الواضح أن استهداف الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى أموال وثروات ويخوت والطائرات الخاصة والمنازل الفاخرة لأغنياء روسيا المقربين من السلطة في موسكو، يعمد إلى الضغط على فاحشي الثراء (الأوليغارشية)، ومعاقبتهم على ولائهم المستمر للرئيس فلاديمير بوتين على أمل أن يؤدي سحب دعمهم هذا إلى إضعافه أو إقصائه عن الحكم، ولكن لماذا يبدو للمراقبين أن هذه الخطة لن تصيب هدفها؟ 

دعم الأوليغارشية نظام بوتين على مدى سنوات طويلة، لكن نظرة فاحصة على هؤلاء القلة وعلاقاتهم مع بوتين، تشير إلى أن أي جُهد يمكن أن يبذلوه لإضعاف سلطة بوتين أو إطاحته من حكم روسيا، كما يرغب كثير من الحكومات الغربية، ربما يكون تفكيراً بالتمني، بحسب ما يقول المتخصصون في دراسة هذه النخبة الروسية، لأن البنادق والمدافع، وليس المال والثروة، هي التي تتحدث بصوت أعلى في الكرملين، اليوم، وطالما احتفظ بوتين بسيطرته على "سيلوفيكي"، وهم ضباط الجيش والاستخبارات الحاليون والسابقون المقربون منه، فإن الأوليغارشية الآخرين، سيظلون رهائن النظام.

وضع الرئيس الأميركي جو بايدن وغيره من القادة الأوروبيين والغربيين أنظارهم على فاحشي الثراء في روسيا "الأوليغارشية"، وبحثوا دوماً عن طرق جديدة لمعاقبة بوتين وأولئك الذين مكنوه واستفادوا من حكمه لشن الحرب ضد أوكرانيا، وخلال خطاب حالة الاتحاد، خصّ بايدن الأثرياء الروس، ووعد بمصادرة ممتلكاتهم ويخوتهم وشققهم الفاخرة وطائراتهم الخاصة، وفي المملكة المتحدة، أضافت السلطات البريطانية اثنين من الأثرياء الروس إلى تسعة آخرين وقّعت عليهم عقوبات شخصية بسبب الغزو الروسي، فمن هم الأوليغارش وما علاقتهم ببوتين؟ وهل سيؤدي تآكل ثرواتهم إلى أي نتيجة ملموسة لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟

ما هي الأوليغارشية؟

تعرف الأوليغارشية، أو الأوليغاركية باليونانية، بأنها حكم الأقلية، وبحسب الموسوعة البريطانية، فإن مفهوم الأوليغارشية يشير إلى حكومة أقلية ذات سلطات استبدادية تمارسها مجموعة صغيرة لأغراض فاسدة أو أنانية، وحينما تتكون من مجموعة تمارس سلطاتها من خلال ثرواتها، فإنها تُعرف باسم بلوتقراطيات. 

لكن الفيلسوف اليوناني أرسطو، استخدم مصطلح الأوليغارشية لتصنيف حكم الأقلية حينما يكون هؤلاء الأشخاص ليسوا الأفضل، وإنما الأسوأ ويكون اختيارهم من دون استحقاق أو عدل، وفي العصر الحديث باتت الأوليغارشية تعبر أكثر عن تحكم القلة في مصائر الأغلبية من خلال احتكار القرار السياسي في يد فئة محدودة ثرية من المجتمع.  

 

الأوليغارشية الروسية
يشير المتخصص في الأوليغارشية الروسية، ستانيسلاف ماركوس، وهو أستاذ الأعمال الدولية بجامعة ساوث كارولينا الأميركية، إلى أن الأوليغارشية في السياق الروسي تعبر عن نخب رجال الأعمال فائقة الثراء التي تمتلك قوة سياسية متفاوتة، وظهروا على المسرح الروسي عبر موجتين، انبثقت المجموعة الأولى خلال عملية خصخصة أكبر الشركات المملوكة للدولة بعد عام 1995، والتي شابها فساد هائل بلغ ذروته في نظام "القروض مقابل الأسهم" سيئ السمعة، والذي نقل حصص ملكية 12 شركة ضخمة للموارد الطبيعية من الحكومة إلى مجموعة مختارة ومنتقاة من كبار رجال الأعمال، في مقابل قروض تهدف إلى دعم الميزانية الفيدرالية الروسية.

وعندما تخلفت الحكومة عن سداد قروضها بشكل متعمد، سمح ذلك لدائنيها الذين أصبحوا فيما بعد أوليغارشيين، بيع حصص الشركات العملاقة، مثل "يوكوس"، و"لوك أويل"، و"نورليسك نيكل"، لأنفسهم بالمزاد ضمن عملية بدت فيها إدارة الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين وكأنها تُثري مجموعة صغيرة من كبار رجال الأعمال من خلال بيع الأصول الأكثر قيمة في الاقتصاد السوفياتي السابق بخصم كبير أو بأسعار بخسة.

الاحتفاظ بالثروة وفقد السلطة

بعد وصوله إلى السلطة عام 2000، عمل الرئيس الحالي فلاديمير بوتين على تسهيل ظهور الموجة الثانية من الأوليغارشية من خلال إبرام الدولة عقوداً مع موردين من القطاع الخاص في العديد من القطاعات المختلفة، مثل البنية التحتية والدفاع والرعاية الصحية، وتحصيل عوائد ورسوم مرتفعة الأثمان على الحكومة بأسعار تزيد على أضعاف سعر السوق، ما وفر عمولات لمسؤولي الدولة المنخرطين في هذه العقود، وهكذا أثرى بوتين فئة جديدة من الأوليغارشية الذين أصبحوا يدينون له حتى الآن بثرواتهم الهائلة.

وبينما كان لدى الأوليغارشية في تسعينيات القرن الماضي تحت حكم يلتسين، اليد العليا على الكرملين، وأمكنهم حتى إملاء السياسة في بعض الأحيان، بعدما تولى العديد منهم مناصب رسمية في الحكومة، إلا أنه مع بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الرئيس بوتين هو صاحب القرار، فقد تمكن من عقد صفقة أبقت الأوليغارشيين بعيداً من السياسة، في مقابل أن يبقى الكرملين بعيداً من أعمالهم، ويترك مكاسبهم غير المشروعة في كثير من الأحيان من دون مساءلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن الاستياء الشعبي من خصخصة الشركات الحكومية في التسعينيات، دفع بوتين إلى التراجع جزئياً عن هذا المنحى خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد مارس الكرملين ضغوطاً سياسية على الأوليغارشية في الصناعات الاستراتيجية الحيوية للدولة الروسية، مثل الإعلام والموارد الطبيعية، من أجل بيع حصصهم المسيطرة على الشركات إلى الدولة، كما أصدر بوتين قوانين تمنح معاملة تفضيلية لما يسمى شركات الدولة، وضمنت هذه التحركات سيطرة الكرملين على كل من الاقتصاد والأوليغارشية.

ظلال الأوليغارشية الثلاثة

لكن اليوم، تبرز ثلاثة أنواع من الأوليغارشية القريبة من السلطة، أولهم أصدقاء بوتين المرتبطين شخصياً بالرئيس، والذين شهدت ثرواتهم صعوداً سريعاً، وجميعهم فرضت عليهم عقوبات من الولايات المتحدة والغرب، بينما تضم المجموعة الثانية قادة الأجهزة الأمنية الروسية والشرطة والجيش المعروفين باسم "سيلوفيكي"، والذين استفادوا أيضاً من شبكاتهم لتكديس ثروة شخصية هائلة، وبعضهم كانوا من أعضاء الاستخبارات السوفياتية السابقة "كي جي بي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن أكبر عدد من الأوليغارشية الروسية الآن هم من الخارج ولا صلة شخصية لهم بالرئيس بوتين أو الجيش أو جهاز الأمن الاتحادي، وبعضهم يعود لحقبة التسعينيات، فعلى الرغم من أن بوتين سحق بشكل انتقائي الأوليغارشية المزعجة سياسياً أو المتعنتة معه بعد وصوله إلى السلطة، فإنه لم يسع إلى القضاء على الأوليغارشية كطبقة بشكل منهجي كما وعد خلال حملته الانتخابية الأولى، فعلى سبيل المثال، يظهر رجال الأوليغارشية مثل فلاديمير بوتانين وأوليغ ديريباسكا، الذين راكموا ثروتهم في التسعينيات، بانتظام في قوائم أغنى الروس اليوم.

عوامل تمكين بوتين

وبصرف النظر عن نوعها، ساعدت الأوليغارشية الرئيس بوتين على البقاء في السلطة من خلال سكوتها السياسي ودعمها الاقتصادي لمبادرات الكرملين المحلية والخارجية وفقاً لبحث أجراه ستانيسلاف ماركوس والذي سلط الضوء على الحالات التي استخدم فيها الأوليغارشية ثرواتهم من خلال تقديم قروض أو تبرعات للتأثير على سياسيين في بلدان أوروبية أخرى، وهم من خلال هذه المعاملات الطوعية ذات الأهمية الجيوسياسية نجحوا في استمرار علاقة مع الكرملين تسهل تبني مواقف مؤيدة لبوتين داخل وخارج روسيا عبر استخدام وسطاء غير سياسيين ظاهرياً لإخفاء نشاطها الحقيقي.

هل يتخلون عن الرئيس؟

وبعد تطبيق العقوبات الغربية الواسعة النطاق على أموال وممتلكات الأوليغارشية، والتي من شأنها أن تقضي على ثروتهم، يظل السؤال: هل يدفعهم ذلك إلى التخلي عن بوتين أو تغيير مسار الحرب؟

تحدث بعض الأوليغارشية بالفعل ضد الحرب في أوكرانيا، مثل رئيس مجموعة ألفا ميخائيل فريدمان، وقطب المعادن أوليغ ديريباسكا، وكلاهما تعرضا لعقوبات غربية، كما دعت شركة "لوك أويل" إلى إنهاء الحرب، على الرغم من أنها لا تخضع حالياً لعقوبات مباشرة، وإن كان تجار النفط يتجنبون بالفعل منتجاتها تحسباً للتأثيرات المحتملة مستقبلاً.

وفي حين يتوقع البعض معارضة متزايدة للحرب من قبل الأوليغارشية، فإن هناك عاملين حاسمين لتأثيرهم وقدرتهم على التأثير في سلوك الرئيس بوتين، أولهما أن الأوليغارشية لا يعملون معاً بشكل جيد، حيث يتنافس هؤلاء المليارديرات في الغالب مع بعضهم البعض للفوز بعطاءات الحكومة، بينما يتمثل العامل الثاني في أهمية بقاء كل منهم بشكل فردي من منظور الكرملين الذي وعدهم بدعم الدولة للشركات الخاضعة للعقوبات، بخاصة في القطاع المصرفي، ولم يكن أسلوب عمل الأوليغارشية في الماضي كما هو في الحاضر محاولة الدفاع عن المصالح المشتركة من خلال السعي لرفع العقوبات. 

تعزيز القبضة على الاقتصاد 

غير أن ألكسندر غابوييف رئيس قسم روسيا في برنامج آسيا والمحيط الهادي بمركز كارنيغي في موسكو، يعتبر أن ما يحرك الكرملين في الواقع هو الأفكار والمصالح الصعبة لمجموعة صغيرة من المساعدين القدامى للرئيس بوتين، وكذلك أفكار ومصالح الزعيم الروسي نفسه، وأن قضية العقوبات قد تنتهي إلى حد كبير إلى تعزيز قبضة الأوليغارش على الاقتصاد الوطني، وعلى سبيل المثال أدى الحظر المفروض على الواردات الغذائية من البلدان التي فرضت عقوبات على روسيا عقب ضم روسيا للقرم، إلى نمو مذهل في الأعمال التجارية الزراعية الروسية التي يشرف عليها الابن الأكبر لوزير الزراعة، كما أدت العقوبات المالية التي تم الترويج لها كثيراً إلى دور أكبر للبنوك المملوكة للدولة، والتي تمتلئ بالمسؤولين السابقين في الاستخبارات السوفياتية السابقة. 

رهائن النظام

ويعتقد كابوييف أن العقوبات لن تفشل فقط في إلحاق الضرر بحكومة بوتين أو الأوليغارشية، بل ستؤمّن مكانة أعضائها باعتبارهم أكبر المستفيدين من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي المتعمق في روسيا، وينطبق المنطق نفسه على السياسة الداخلية، فمع انزلاق البلاد إلى حالة شبه دائمة من الحصار، ستكون الأجهزة الأمنية أهم ركائز النظام، وهذا يزيد من قبضة الرجال المتشددين على البلاد، ويُبقي الأوليغارشية تحت سيف السلطة.

المزيد من تقارير