Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف اشتبك الفنانون على خط الحرب؟

بعض الصور والمعارض الفنية تحولت إلى أيقونة تجسد تأثير المعارك على مصير البشر و"فتاة النابالم" أشهر ما سجلته الكاميرات

لوحة مستوحاة من أجواء العنف والحروب (الصفحة الرسمية للفنان إبراهيم جوابرة على فيسبوك)

مع اشتداد أجواء الحرب على مر العصور تتأثر كافة مناحي الحياة في البلدان التي تستعر فيها المعارك ويعاني أهلها ويلات الدمار والدماء ولا يعلو صوت فوقها، ومنذ أقدم العصور استخدم الإنسان الفن كوسيلة لتسجيل الأحداث وتوثيقها، بينها أحداث الحرب، وتشهد على ذلك آثار تركتها الحضارات السابقة. ومع مطلع القرن العشرين شهدت مدارس الفنون المختلفة تطوراً كبيراً، وبدأ الفنانون في اعتماد أساليب فنية جديدة، إلا أن اندلاع  حربين عالميتين في النصف الأول من القرن المنصرم كان له بالغ الأثر في الحركة الفنية في العالم، ومن بعدها مع توالي أحداث العنف في النصف الثاني من القرن العشرين في بقاع شتى من الأرض  تبلور ما يمكن أن يتم توصيفه بـ"فنون الحرب"، بمرور السنوات توالى ظهور أعمال الفنانين في كل مناحي الفنون البصرية تحول بعضها لأيقونات ورموز عالمية يعرفها الناس في العالم كله، وتمثل أحد أوجه تأثير الحروب في حياة الناس في كل مكان.

معارض لأعمال مستوحاة من الحروب

متاحف متعددة أقيمت لتخليد ذكرى أحداث بعينها كان لها دوي عالمي، ومراكز وقاعات فنية اهتمت بإقامة معارض تعكس جانباً من الفنون التي أبدعها الفنانون استلهاماً من أجواء الحروب، ومن أشهرها المعرض الذي نظمه متحف الفنون في جامعة ويليامز عام 2006 تحت عنوان "العذاب الجميل: التصوير والتجارة بالآلام" (Beautiful Suffering: Photography and the Traffic in Pain)، وارتكز على تقديم صور رصدت المعاناة الإنسانية في أحداث مختلفة للحروب برؤية مجموعة من المصورين إلى جانب جمع الصور وتوثيقها في كتاب. إضافة إلى معرض الحرب الأهلية والفن الأميركي الذي نظمه متحف سميثونيان للفنون في واشنطن (Smithsonian American Art Museum) عام 2013، وجمع بين تقديم اللوحات التشكيلية والصور الفوتوغرافية التي رصدت هذه الفترة، وميز هذا المعرض "أن جميع الأعمال التي عرضت فيه تم تنفيذها أثناء فترة الحرب عندما لم يكن من الواضح كم من الوقت سوف تستمر وأي جانب سيفوز".

كما نظمت قاعة الفن الاتحادية في بون بألمانيا معرض رواد الفن التشكيلي خلال فترة الحرب العالمية الأولى بمناسبة مرور 100 عام على اندلاعها، حيث لوحظ أن معظم الكتب والمصادر تتناول وضع الفن حتى وقت اندلاع الحرب عام 1914، وبعدها تقفز إلى ما بعد عام 1918، مع أن الفنانين واصلوا عملهم سواء على جبهات القتال أو خلفها واستخدموا أحياناً وسائل بدائية. والمعرض الذي نظمته أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة  (Pennsylvania Academy of the Fine Arts) عام2017 بعنوان "الحرب العالمية والفن الأميركي"، وكان مخصصاً لاستكشاف طرق تفاعل الفنانين الأميركيين مع الحرب العالمية الأولى بالتزامن مع الذكرى المئوية لتدخل الولايات المتحدة الحرب، وكيف أثرت أحداثها في الفنانين؟

 

 

فنانون عرب على خط الحرب

وبالطبع كان هناك وجود للفنانين العرب في أحداث وفعاليات متعلقة بالفن المستوحى من الأحداث السياسية، أشهرها معرض الفنان السوري عبدالله العمري في بروكسيل عام 2016 بعنوان "سلسلة الضعف"، حيث حول قادة العالم إلى لاجئين في لوحات تشكيلية معبرة تعكس الواقع وتجعل القادة في مكان الشعوب التي تعاني ويلات اللجوء، ومعرض الفنان محمد حافظ الذي أقيم في أميركا ورصد فيه ملامح من عائلات اللاجئين من خلال حقائب السفر، وما تحمله من تفاصيل وحكايات تمثل جانباً كبيراً من روح العائلات وهويتهم.

  ومن العلامات العربية الجديرة بالتنويه كذلك ما جرى في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عندما نظم بعض الفنانين والمهتمون بالفن مهرجانات تعبر عن الحالة التي تمر بها البلاد، ومن هؤلاء الفنانين الصحافي كمال الملاخ، الذي نظم في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه مهرجاناً أقيم في سرادق أمام قهوة الباشا بحي عابدين لمدة 10 أيام عُلقت فيه الصور ووُضعت التماثيل ليشاهدها الزوار.

وفي السياق نفسه أقامت "جمعية خريجي الفنون الجميلة معرضاً للأعمال الفنية التي تعبر عن الكفاح الشعبي في محطة السكة الحديد ببورسعيد، المدينة التي كانت مستهدفة من العدوان ليكون أول ما يراه سكانها حال عودتهم إلى المدينة، وفي حديقة الأزبكية بوسط القاهرة أقامت جريدة المساء معرضاً فنياً عن "كفاح الشعوب" ظل يتنقل بين باقي ميادين العاصمة لفترة طويلة.

 

 

وعن دقة مصطلح فن الحرب، وكيف يحقق الفنان المعادلة الصعبة بين كونه يقدم عملاً يعتمد على قيم جمالية، ولكنه مستوحى من أحداث ومآس يغلفها الخراب والدم. يرى الناقد التشكيلي ياسر منجي الأستاذ  في كلية الفنون الجميلة في القاهرة أنه، "على المستوى الاصطلاحي لا يمكن القول بوجود ما يمكن تسميته (فنون الحرب)، ولكن يمكن استخدام هذا التعبير على سبيل المجاز البلاغي، أو على سبيل الرمز الذي قد يلجأ إليه بعض مُنظمي المعارض كعناوين لافتة موحية، وذلك لأن استلهام الفنانين للحرب، بوصفها موضوعاً أساسياً من موضوعات الفن العالمي، ظهر في أعمال تنوعت أفكارها وأساليبها، للتعبير عن زوايا مختلفة لفكرة الحرب، تبعاً لموقف كل فنان منها ووفقاً لقناعاته ووجهة نظره، وتبعاً لما عايشه بعضهم من تجارب مباشرة، اقتربوا خلالها من ويلات الحروب بدرجات متفاوتة وعلى ذلك، فالحرب ما هي إلا استلهام للمعالجة ومصدر للفنان وفقاً لرؤية ذاتية وسياق ثقافي متغير باستمرار بحسب تحولات كل عصر".

يضيف، "يمكن الإشارة إلى النقش البارز الضخم الذي يمثل معركة (قادش) التي قادها رمسيس الثاني ضد ملك الحيثيين، كما كانت للمعارك الحربية حظوة خاصة لدى فناني الحضارة الآشورية استمداداً من الطابع الحربي الخشن الذي ميزها، بل إن الإغريق دمجوا الحروب في ثنايا الأساطير التي تفسر هياج قوى الطبيعة وترمز إلى السجال بين النظام والفوضى وهو ما ظهر في أعمال فنية تمثل حرباً طاحنة بين العمالقة وآلهة الأولمب، وهي الحرب التي عُرِفَت باسم Gigantomachy, كما حفلت التصاوير والمنمنمات الإسلامية بنماذج عديدة، صاغ فيها الفنانون ما لا يُحصى من الوقائع الحربية الحقيقية والمتخيلة، ويكفي أن نتأمل منمنمات ملحمة (الشاهنامة) لنرى مركزية فكرة الصراع الحربي في الأعمال الفنية الممثلة لتلك الحقبة".

 يتابع، "في العصور الوسطى، كانت الحروب الصليبية رافداً رئيساً في إلهام فناني الشرق والغرب. كثرةً من الأعمال التي تناولت كثيراً من وقائع تلك الحروب الطاحنة التي امتدت قروناً، في الفترة نفسها تقريباً جسد موضوع الحرب محوراً دارت حوله تصورات الأدباء والفنانين، لدرجة دمجه في سياقات فنية وأدبية ذات طابع ديني أو طابع خيالي شعري، فعلى المستوى الديني تعددت المحاولات الفكرية التي تصور قوى الخير والشر في سجال مستمر، وانتشرت هذه الفكرة في أعمال فنية مستَلهَمة من نصوص الكتاب المقدس والأساطير الإغريقية، فقد طُبع في مدينة "بامبرغ" بألمانيا، على سبيل المثال، كتاب، عرف باسم "إنجيل الرجل الفقير"، ووردت فيه أعمال فنية تصور الفكرة بمصاحبة نص يشرح الحرب التي حدثت في السماء بين الملائكة والشياطين، وانتهت بهبوط الشياطين لفم الجحيم لمدة ألف سنة ثم انتشارهم في الأرض".

 

 

أعمال فنية عكست الفن المتأثر بالحروب

وعن أهم الأعمال التي شكلت أيقونات للفنون المتأثرة بالحرب يقول منجي "من أهم تلك الأيقونات استلهام فنان النهضة الألمانية الأشهر (ألبرخت دورر) فكرة الحرب في عديد من أعماله، ولعل أهمها سلسلة مطبوعاته حول "سِفر الرؤيا" Apocalypse، التي حفلت بإشارات بصرية رمزية إلى حرب الفلاحين The peasant's War التي اجتاحت عموم ألمانيا عام 1524، ويعد الفنان الإسباني الرائد (فرانثيسكو جويا) أحد أشهر الفنانين العالميين الذين استلهموا الحروب في أعماله، إذ تفرد بمجموعة كبيرة من المطبوعات الغرافيكية، التي استلهم فيها فظائع الحرب خلال الغزو الفرنسي لإسبانيا، وهي المجموعة التي عُرفت باسم "كوارث الحرب" Los desastres de la guerra، كما كانت لوحة (الثالث من مايو (أيار) عام 1888) واحدة من أهم فرائد (جويا)، وإحدى أيقونات الفن العالمي الشهيرة، واستلهم فيها مشهد إعدام ثوار الاستقلال الإسبان على يد القوات الفرنسية الغازية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 يضيف، "لا شك أن الحربين العالميتين الأولى والثانية كان لهما أثر هائل في أعمال عديد من مشاهير فناني العالم، بينهم الفنان الإنجليزي (جون سنغر سارغنت) John Singer Sargent، الذي عبر عن الحرب العالمية الأولى بأسلوب مسرحي بانورامي. أما أشهر من خلدوا فظائع الحرب في تلك الفترة، فقد كان الفنان الأشهر (بابلو بيكاسو) الذي كانت أشهر أعماله قاطبةً في هذا السياق لوحة (الغورنيكا)، التي صور فيها مأساة البلدة الإسبانية التي تحمل الاسم نفسه، وخربها قصف الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، كما عبر بيكاسو كذلك عن إدانته لمذابح كوريا في لوحته "مذبحة كوريا" عام 1951، وكان للفوتوغرافيا دور لا يُنكر في الاشتغال فنياً ووثائقياً على وقائع الحرب، فعلى المستوى الفني، هناك عمل الفنانة الفوتوغرافية (لي ميلر)، الذي التقطته لنفسها داخل حمام "أدولف هتلر"، عشية هزيمته في الحرب العالمية الثانية".

يرى الفنان الفلسطيني إبراهيم جوابرة، أحد الفنانين العرب الذين تأثرت تجربتهم الفنية بالأوضاع السياسية والمعطيات المحيطة بالمبدع في العالم العربي، بينها بالطبع النزاعات والحروب، أثر الحرب في إبداع الفنان،  "للحرب أثر كبير عبر التاريخ في الفنون، فالحروب تتزامن عادة مع التطورات الكبيرة والفوارق المهمة في الفن، فبدأ الإنسان الأول بتوثيق صراعاته مع الطبيعة ومع القبائل المجاورة وصراعه مع الحيوانات المفترسة وانتصاراته الأولى مع إقامة بعض الاحتفالات بهذه الانتصارات وكهف ماغورا في بلغاريا، من الأمثلة التي ما زالت إلى الآن، واستمرت العلاقة التوثيقية بين الفن والحرب في العصور اللاحقة".

يضيف، "كان من أهم الأعمال لوحة باولو أوشللو سان رومانو، التي وثقت هزيمة قوات فلورنسا لأعدائها، ولوحة غويا الإسباني التي جاءت على عكس اللوحات الأخرى، التي لا تعتمد على التوثيق فقط، ولكنها كانت أكثر حداثة ومعاصرة وفيها رأي الفنان الشخصي، وكانت بداية مرحلة جديدة بحيث لم يعد الفن فقط وسيلة للتوثيق، وإنما تجاوز الفنان السلطات السياسية والدينية، وكذلك من أهم الأعمال لوحة الحرب الأهلية للفرنسي مانيه، ولوحة الحرية لدي لاكروا".

 يتابع، "مع الحرب العالمية الأولى والثانية ظهرت كثير من الحركات الفنية، التي كان جزء منها احتجاجاً على الحرب والعنف والأحداث الدموية وأصبح فضاء العمل ساحة للتعبير عن الآراء الشخصية، ووسيلة للسخرية من الحرب وتغيير ما لا يمكن تغييره في الواقع، وبدأ الفنانون في استخدام الأدوات الحربية لصنع أعمال غير تقليدية تتعلق بالحرب والخراب مثل الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب، وأصبح الفن عالماً موازياً للحروب، وليس مجرد أداة لنقل الأحداث وتوثيقها، بل تحول لإحدى أدوات الاحتجاج".

 

 

الفنان أكثر إحساسا بالنفس البشرية

ويذهب الفنان اليمني حميد عقبي، وهو دائماً ما يهتم بأن تعكس أعماله تراث بلاده وهمومها، ويعمل على جعلها حاضرة في الثقافة الغربية باعتباره مقيماً في فرنسا، "الفنان دائماً ما يكون أكثر إحساساً بالهموم الإنسانية بشكل عام وقضايا الحروب من القضايا الكارثية، وربما لا ينتبه التاريخ لبعض تفاصيلها بنفس القدر فهو يهتم بالأحداث الكبيرة، ولكنه لا يذكر المعاناة الفردية للأشخاص البسطاء، فالمؤرخون يكتبون دائماً عن المنتصر بصورة أكبر، ولكنهم لا يولون الأهمية نفسها للمهزوم الذي يدفع شعبه في الغالب ثمناً أكبر من القهر، ويعايش كثيراً من المآسي لأنه في كثير من الأحيان ينتمي لدول أضعف أو أكثر فقراً، والفنان هنا يكون هو الأكثر قدرة على التعبير عن هؤلاء الناس وعن النفس البشرية عموماً من خلال كل الفنون سواء التشكيلية أو حتى الكتابة والسينما".

يضيف، "هناك عديد من الأعمال لفنانين عظماء وثقت أحداث الحرب وعكست المأساة الإنسانية التي عاشتها شعوب بعينها، مثل سلفادور دالي وبيكاسو، كما فعلت السينما الشيء نفسه من خلال أفلام مثل (هيروشيما مونامور) من إخراج الفرنسي ألان رينيه، و(الختم السابع) للمخرج السويدي إنغمار برغمان فكانا صرخة ضد الحرب، ولكن للأسف نحن نعاني من عدم وجود إنتاج يعكس قضايانا ويظهرها للعالم".

وعن رأيه في الدور المنوط بالفنانين المقيمين في الخارج القيام به "القضايا العربية لا تجد الاهتمام الكافي للتعريف بها عن طريق الفن بعكس قضايا أخرى، يتم الترويج لها بشكل كبير بكل الوسائل وتحشد لها الإمكانات، كفنان يعيش في الخارج أحاول إلقاء الضوء على مثل هذه الأشياء، بينها الخاصة بوطني، ونحاول ذلك كفنانين عرب مقيمين في الخارج والأمر يحتاج جهداً جماعياً".
 

الصورة الفوتوغرافية

التصوير الفوتوغرافي، إحدى أهم وسائل تسجيل وتوثيق أحداث الحروب، ودائماً ما يتردد أن الصورة بألف كلمة، ولكنها الآن أصبحت في بعض الحالات الأساس الذي تصاحبه الكلمات، وليس العكس.

عن أشهر صور الحروب التي تحولت لأيقونات ورموز على مر السنوات يقول باتريك باز، مصور وكالة الأنباء الفرنسية، الذي شارك في تصوير 15 حرباً على مدار عقود ثلاثة، لـ"اندبندنت عربية"، "أشهر صورة قطعاً للمصور (نيك أوت) المعروفة بـ(فتاة النابالم)، وهي لطفلة عارية تركض هرباً من غارة أميركية في فيتنام، وقد تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي أسهمت بعض الشيء في إنهاء الحرب لأنها فعلاً أزعجت الرأي العام الأميركي، عدا هذه الصورة نعرف جميعاً صوراً من الحرب العالمية الثانية مثل صورة الجيش الروسي يرفع علم بلاده فوق مبنى البرلمان الألماني عند سقوط برلين، وطبعاً صورة الجندي الذي يسقط خلال حرب إسبانيا في الثلاثينيات، وهنالك صورة المواطن الصيني المجهول الذي أوقف رتلاً من الدبابات في بكين بعد قمع احتجاجات ساحة (تيان إن من) عام 1989، وفي منطقتنا أذكر صور (أبو غريب) التي لم يلتقطها مصور صحافي، لكنها تحولت إلى أيقونات نجدها على الجدران أو في أعمال فنية".

وعن تحقيق المصور للمعادلة التي تجمع بين جمالية الصورة، وفي  الوقت ذاته تجسيد حجم الكوارث التي تسببها الحروب على الأرض يقول، "المعادلة حقاً صعبة وفي كثير من الحالات تبدو صور الحروب كصور جميلة تظهر فيها المدن التي تحترق كلوحات فنية (ملحمية)، ولكن الحقيقة أن الحرب لا جمال فيها، فهي التشريد والموت والنار والطفولة المسلوبة والانفجارات والأشلاء وكل هذا قبيح ولا يتماشى مع الجمال، وكمصورين نطرح أحياناً على بعضنا هذه الأسئلة حول مسؤوليتنا في تجميل الحرب، ونعترف أنه كلما كانت صور الحروب فيها هذه الجمالية كلما يكون أصعب على المتلقي البعيد أن يفهم تماماً ما يجري، وأن يحاول التضامن مع المتضررين والسعي لوقف هذه الحروب، فيظن من خلال الصورة أنها حالة استثنائية فيها جمالية ولا يرى مدى بشاعتها".

منذ زمن قريب، أصبحت الصورة أحياناً هي المتن ويكون النص تابعاً لها، وليس العكس، وعن هذا يقول مصور الوكالة الفرنسية، "الصورة تأتي أحياناً لدعم الموضوع أو القصة الصحافية، وأحياناً تكون هي القصة التي يدعمها نص صغير، هذا يختلف من مطبوعة إلى أخرى بحسب الثقافة البصرية للجمهور، هنالك عدد من المطبوعات تفضل توثيق النص بصور، فتجد صورة جسر عندما نتكلم عن جسر وصورة طفل عندما نتكلم عنه، بينما مطبوعات أخرى تفضل استعمال الصور بشكل أكثر تجريدية، فترى صورة تعبر عن الموضوع، وليس بالضرورة أن يكون لها صلة به".

يضيف "باز"، "من غرور المصور أن يظن أن هنالك صورة تؤثر في الجماهير وتغير مجرى الأحداث التاريخية، ولكن للأسف هذا غير صحيح، هنالك صور شهيرة جداً ونعرفها كلنا من فلسطين أو من العراق، ولكنها لم تغير أي شيء، فلا زلنا نرى الممارسات نفسها، والظلمنفسه، ولم تتوقف الحروب جراء أي من هذه الصور".

 

 

مدارس فنية جديدة متأثرة بأحداث الحروب

بين أحداث لحروب متفرقة في العالم أجمع، وفنانين تبنوا مدارس فنية متنوعة، فهل ظهرت نظيرة جديدة لها، متأثرة بأحداث الحروب، يقول ياسر منجي الأستاذ بكلية الفنون الجميلة، "من المدارس الفنية التي كان لها ارتباط وثيق بفكرة الحرب (المدرسة المستقبلية"Futurism، وهي حركة فنية إيطالية ظهرت في مستهل القرن العشرين، ثار فنانوها على التقاليد الفنية السابقة وأصدروا بيانهم التأسيسي عام 1909، مهللين فيه للحروب وتدمير جميع المتاحف، وقد تأثروا في ذلك بأفكار الفنان الشاعر (فيليبو تومازو مارينيتّي)، التي جمعت بين العنف والتمرد، وبين النظرة الفلسفية للفن والأدب والحياة".

 يضيف، "كذلك كان فنانو اتجاه "الموضوعية الجديدة" Neue Sachlichkeit  New Objectivity، وهي حركة فنية ألمانية، ازدهرت في عشرينيات القرن العشرين، وأوائل الثلاثينيات، وعكست مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى التي ميزها الاستخفاف بكل القيم، لذا فقد اتجهوا نحو تجسيد وجه الشر بغرض الهجاء الاجتماعي العنيف، ويعد الفنانون (ماكس بيكمان)، و(أوتّو ديكس)، و(جورج جروز) من أهم الفنانين الذين جسدوا فظائع الحرب في هذه الحركة، كما نجد صدى كبيراً لفكرة الحرب في أعمال فناني "الواقعية الاشتراكية" Social Realism، وبالتحديد في ارتباط الحرب بالأفكار الاشتراكية البطولية وبالعمل والنضال الثوري للعمال والفلاحين، وقد ظهر ذلك على نحو واضح في أعمال معظم فناني الاتحاد السوفياتي آنذاك، وكذلك في أعمال رواد المكسيك الثلاثة الكبار، (دييجو ريفيرا)، و(خوسيه كليمنت أوروزكو)، و(دافيد ألفارو سيكويروس)".

المزيد من منوعات