Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان "خارج اللعبة" بعد فيينا وبفعل أزمة أوكرانيا

البلد يتأرجح بين الضغط لطي صفحة السلطة الحالية عند انتخاب رئيس جديد واعتماد الحوار

الجانب الإسرائيلي مستعجل على إنجاز خط الحدود البحرية مع لبنان (رويترز)

يتعاطى بعض الوسط اللبناني بما يشبه الجزم بأن الجانبين الأميركي والإيراني سيتوصلان إلى اتفاق على إحياء الاتفاق على النووي قريباً ولو معدلاً في بعض بنوده. ويهتم العديد من السياسيين باستكشاف مدى تأثير ذلك على لبنان، من زاوية النفوذ الإيراني فيه وموقع "حزب الله" في المعادلة الإقليمية الدولية. 

يستقي هؤلاء المعطيات من البعثات الدبلوماسية في بيروت، ومن زيارات بعض الشخصيات إلى العواصم الكبرى، من دون أن يغفلوا الاستفسار عن تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية والروسية - الأميركية الغربية على الإقليم ولبنان.

أوكرانيا وفيينا تحجبان الأنظار

أول الانطباعات التي تلقاها هؤلاء من دبلوماسيين أميركيين أن البحث عن حلول لأزمة أوكرانيا المتشعبة الأبعاد، إذا لم تقع حرب كبرى، ولتجنب وقوعها، هو أن الانشغال الدولي بها سيحجب الاهتمام عن كل ما يجري في لبنان سياسياً واقتصادياً من جهة، وسينقل الاهتمام الغربي إلى كيفية رفع سيف الغاز الروسي عن أوروبا من جهة ثانية. والمساعي من أجل تجنب حرب كبرى توازيها جهود من أجل إيجاد حلول لتدفق الغاز البديل من الغاز الروسي إلى القارة العجوز، يجعل لبنان "خارج اللعبة" في الحالتين.

وهذه إشارة ضمنية إلى أنه كان يمكن أن يكون جزءاً من اللعبة لو حصل تقدم على صعيد استخراج الغاز من المكامن التي تقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة له قبل سنوات. 

وفي اعتقاد الأوساط السياسية التي تتابع المقاربات الدولية للوضع في لبنان أن أزمته ستبقى معلقة مع بعض الاهتمام بالانتخابات النيابية في مايو (أيار)، ثم الرئاسية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين، في ظل انتقال التركيز الدولي إلى اتفاق مفاوضات فيينا وما بعدها، وأزمة أوكرانيا. ويتوقع بعض هذه الأوساط أن تأتي المعادلات الخارجية في المرحلة القصيرة المدى المقبلة لمصلحة نفوذ "حزب الله" في البلد، لأنه سيستفيد من رفع العقوبات عن إيران، سواء لجهة تلقي المساعدات منها من أجل دوره في لبنان، أو لجهة وجوده في سوريا، طالما أن اتفاق فيينا سيؤجل البحث في الدور الإقليمي لإيران وبالتالي نشاط أذرعها ومنها الحزب. يختصر البعض هذه الانطباعات بالقول إن لبنان ليس على الرادار في المرحلة المقبلة، خلافاً للسنتين الماضيتين اللتين شهدتا حرصاً على تتبع شؤونه والسعي للتخفيف من حدة أزمته.

لا تغيير في الخرائط

إلا أن مصادر لبنانية رسمية معنية بعلاقات لبنان الدبلوماسية، تقدم صورة محافظة أكثر في استنتاجاتها، وفي تقييم حصيلة اتصالات حكومية ووزارية، تقوم على الآتي:

لا تغيير في خرائط المنطقة. 

أولوية الحفاظ على أمن إسرائيل.

حفظ أمن الممرات البحرية، مع ما يعنيه ذلك من ضمان أمن مرور السفن التجارية في باب المندب الذي يشكل وجود الحوثيين في الحديدة. وكذلك في مضيق هرمز حيث تتعرض البحرية الإيرانية للسفن العابرة للخليج العربي وخليج عُمان.

عدم السماح بتحول بعض الدول إلى دول فاشلة، لأن ذلك سيهدد الأمن الإقليمي أكثر ويصعد الصراعات الحالية. 

لا انفتاح دولياً على النظام السوري، إلا بشرطين: أن يلج الحل السياسي طبقاً للقرار الدولي الرقم 2254، ووضع حد للنفوذ الإيراني. 

وتؤكد هذه المصادر أن مفاوضات فيينا يتوقع أن تنتهي خلال أسابيع قليلة وربما أيام، لكن لا بحث على الطاولة في المشاكل الإقليمية المعنية بها طهران ولا في برنامجها الصاروخي، لأن هذين العنوانين مؤجلان إلى ما بعد.

محاولات تثبيت مواقع

وفي هذا الوقت، تحاول طهران تثبيت مواقعها كي تكون في موقع قوة عندما يحين توقيت التفاوض. وفي المقابل، فإن القوى الغربية والدول العربية الرافضة التمدد الإيراني الإقليمي ستواصل، بعد فيينا، ضغوطها عليها وعلى حلفائها وأدواتها ومنها الحزب في لبنان وفي سوريا، حيث تتولى إسرائيل مواصلة قصف مواقعها ونقاط تمركزها لمنعها من ترسيخ وجودها، لا سيما في المنطقة الجنوبية المحاذية للجولان المحتل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن الانشغال الدولي الأميركي والأوروبي بأزمة أوكرانيا، وبإتمام الاتفاق في فيينا، لا يلغي أهمية تحرك واشنطن من أجل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وذلك من زاوية مبدأ ضمان أمن إسرائيل ومن أجل نزع أي ذريعة يمكن لإيران أن تستخدمها عبر "حزب الله" من أجل إبقاء مسوغ الصراع على الحدود وسيلة للتوتير العسكري نتيجة الخلاف على الحدود. وهذا ما يفسر، حسب تلك المصادر اللبنانية الرسمية، الحماسة الأميركية للتوسط من أجل رسم خط الحدود البحرية، لأن الجانب الإسرائيلي مستعجل على إنجاز هذا الخط. إلا أن هذه المصادر تلمس استعداداً لدى "حزب الله" من أجل إتاحة المجال كي تنهي السلطات اللبنانية هذه المشكلة، لاعتقادها بأنه يريد تجنب الصدام العسكري والحرب بدوره. فهو يدرك أنه لا يمكنه تحمل كلفتها نظراً إلى أن الظروف التي يجتمع فيها العالم من أجل إعادة إعمار ما تسببه من دمار فيه كما في السابق، قد ولت.

سعي دولي عربي لطي صفحة الموالاة لإيران

وتصنف المصادر إياها استمرار الضغوط على "حزب الله" في لبنان والتشديد على إجراء الانتخابات وترسيم الحدود، بأنها تأتي في سياق تحضير لبنان لمرحلة ما بعد فيينا، لعلها تنجح في خفض دور الحزب، وما تعتبره هيمنته على قراره السياسي. وتعير أهمية للمبادرة الكويتية التي تستند إلى خريطة طريق خليجية تحظى بتأييد أميركي وفرنسي، نقلها وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد المحمد ناصر الصباح آخر يناير (كانون الثاني) الماضي، تطالب بوقف أنشطة "حزب الله" ضد دول الخليج، وتطبيق القرارات الدولية... على أنها من ضمن التمهيدات الدولية لطي صفحة من الحكم اللبناني الموالي لإيران مع الانتخابات النيابية ثم الرئاسية. ولعل آخر العام الحالي، مع انتخاب الرئيس الجديد تكون حرب اليمن حطت رحالها وانتقل الوضع الإقليمي إلى معادلة جديدة.

فرنسا بين الضغط والحوار

في المقابل، يشير مطلعون على المقاربة الفرنسية لأوضاع لبنان، باعتبار إدارة الأم الحنون للشأن اللبناني منذ مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون في سبتمبر (أيلول) 2020 تشكل قضية داخلية، إلى أن وجهتي نظر تتنازعان الفريق المهتم بمتابعة تفاصيل الأزمة اللبنانية. الأولى ترى الاستمرار في سياسة الضغوط على لبنان وحتى على الحكومة كي تكون لها مواقف متميزة عن "حزب الله"، خصوصاً أن معظم الخطوات السياسية المتخذة من جانب السلطة الحاكمة مخالفة لكل ما ورد في نص المبادرة الفرنسية التي وضعها فريق ماكرون، لجهة الإصلاحات المطلوبة منها كشرط لتقديم المساعدة المالية للبنان، ولجهة النأي بالبلد عن التجاذبات والحروب الإقليمية. بالتالي، من الأفضل مواكبة الضغط الأميركي والعربي على هذه السلطة التي تراعي الحزب في جر لبنان إلى موقع إيران في الصراع الإقليمي.

أما وجهة النظر الفرنسية الثانية فترى أن سياسة الضغط لم تنجح، خصوصاً أنها تستهدف إيران في نهاية المطاف من خلال "حزب الله"، وثبت أنها ليست لمصلحة فرنسا، التي تلعب دوراً في الاتفاق على النووي في فيينا، وستكون لها مصالح لدى طهران بعد إنجاز الاتفاق، يجب ألا تضحي بها. وفي اعتقاد أصحاب وجهة النظر هذه في الإدارة الفرنسية أن اعتماد الحوار مع الحزب كممثل لحالة شعبية قد يكون أكثر فعالية. وتلتقي المعلومات حول وجود توجه من هذا النوع في باريس مع معطيات بأن الجانب الفرنسي يعمل على إنضاج فكرة الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني بين اللبنانيين، بالتنسيق مع الفاتيكان، بعد الانتخابات النيابية، لعله يؤدي إلى وضع أسس لاتفاق بين الفرقاء اللبنانيين يطلق مساراً جديداً يساعد على انتخاب رئيس توافقي للجمهورية. إلا أن توجهاً من هذا النوع لم يُحسم.

المزيد من تقارير