لبنان بكل ما ومن يمثل هو في قاموس السيد حسن نصر الله إطار لصورة وحيدة: "المقاومة الإسلامية"، صورة يراد لها أن تحجب تاريخ لبنان وهويته وثقافته وانتماءه العربي وتجربته الرائدة والفريدة في العيش المشترك الإسلامي - المسيحي بالمعنى السياسي والمساواة في السلطة، لا فقط بالمعنى الاجتماعي والاقتصادي، ومقاومة يفاخر أصحابها بأنها "صنعت مكانة" لبنان كما قال نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، ويريدون بدء تاريخه من قيامها موحين إلى أنها أعادت "تأسيس" البلد الذي تأسس بشكله الحالي قبل مئة وعامين.
مشروع يتجاوز لبنان
فهي تمكنت من تحرير الأرض المحتلة من إسرائيل في الجنوب اللبناني، وهذا إنجاز مهم، غير أنها توظفه في مشروع يتجاوز لبنان، فضلاً عن أنها ليست حركة "تحرر وطني"، ولا مارست، بعدما هيمنت على مفاصل السلطة، سوى سياسة الحماية للتركيبة الفاسدة بحجة الحاجة إلى "حماية المقاومة" التي تعطي لنفسها دور "حماية لبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليس حديث الأمين العام لـ"حزب الله" نصر الله في "قناة العالم" الإيرانية سوى تكرار لهذا التصور لصورة المقاومة ودورها. فالمقاومة، وهي جزء من "جبهة المقاومة" التي أقامتها طهران في أربع بلدان عربية لتكون "خط الدفاع" الأول عن جمهورية الملالي، هي مقياس كل شيء على أرض الوطن الصغير، التحالفات تدور حولها، الانتخابات النيابية هي معركة من أجل "حماية المقاومة ومجتمع المقاومة من عدوان الدول الممولة لفئات من أجل محاربة المقاومة"، بحسب نصر الله، وهو يقول من جهة، إنه "من المهم أن يكون أصدقاء المقاومة كثراً في البرلمان لتشكيل دفاع عنها"، ومن جهة أخرى، "إن الأكثرية النيابية لا تؤدي إلى تغيير جوهري" لأن السلاح أقوى من الأكثرية، "المؤامرات" هي دائماً ضدها، والسفارات مهتمة بأن تمول خصومها وبينهم تنظيمات "المجتمع المدني".
"جندي في جيش ولاية الفقيه"
أما لبنان، فإنه يدور حول المقاومة، لا بل إن نصر الله منزعج من تسليح أميركا للجيش اللبناني ومن وجود ضباط أميركيين في مقر قيادة الجيش. ولم يكن ينقصه سوى التشكيك بوطنية المؤسسة العسكرية التي هي عماد الوطن، ولا كان خارج المألوف في مواقفه، بعدما اعترف بأنه "جندي في جيش ولاية الفقيه" وأن تسليحه وتمويله من الملالي، توصيف إيران بأنها "نموذج لدولة ذات سيادة حقيقية وحرية كاملة، في حين أن كثيرين ممن يتحدثون عن الاستقلال والسيادة هم أتباع سفارات".
ليس من السهل القفز من فوق التاريخ
أما إيران، فإنها "قوة داخلية" ولم تعد خارجية في نظره، وليس سراً أن العنوان الآخر للمعركة الانتخابية لدى خصوم "حزب الله" هو تغيير الأكثرية التي في يده حالياً، والحد من "تغوله" على السلطة والبلد. فالتيارات المختلفة معه واسعة في معظم الطوائف، وهي ترى "خطراً وجودياً" على الوطن الصغير وتعمل لمواجهته، سلاحها الأول هو الوطنية والعروبة، وسلاحها الثاني هو "التضاريس" السياسية والتاريخية والأيديولوجية التي تجعل من مشروع "حزب الله" في لبنان ضمن المشروع الإقليمي الإيراني مهمة مستحيلة، على الرغم من بعض النجاحات المؤقتة. ولا يبدل في الأمر رهان طهران وميليشياتها على السلاح كما على صفقة الاتفاق النووي مع أميركا من دون أي حديث عن الملف الصاروخي والنفوذ الإيراني والسلوك "المزعزع للاستقرار".
فمن الوهم إقامة نظام ثيوقراطي أيديولوجي يديره حزب واحد من مذهب واحد في بلد من 18 طائفة هو لبنان، والوهم الأكبر هو مد النظام الثيوقراطي الشيعي الفارسي في إيران إلى المنطقة العربية بأكثريتها السنية وأقلياتها المتعددة في كل بلد عربي، ولو حدث نوع من التمدد بقوة السلاح، فإنه لن يصمد.
وليس من السهل القفز من فوق التاريخ والحقائق الوطنية والجيوسياسية، فلا خطف الدولة اللبنانية يمكن أن يستمر، وقد بدأت معركة تحريرها، ولا العرب خرجوا من التاريخ لكي يسمحوا بخطف العالم العربي.