Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترسيم الحدود البحرية للبنان يخضع للبازار السياسي الداخلي

يرى بعضهم أن الخط رقم 29 بات ضحية المعارك الجانبية لأركان السلطة

زورق حربي تابع لقوات الأمم المتحدة مقابل منطقة الناقورة اللبنانية الحدودية الجنوبية (أ ف ب)

دخلت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية مرحلة حاسمة، أقله على المستوى اللبناني من خلال تبني الخط الذي ينتهي عنده ركن الأرض الذي يعتبر واحداً من العناصر الأساس لقيام أي دولة، إلى جانب عنصرَي الشعب والسلطة المستقلة، وما زاد الطين بلة خروج الصراع الخفي بين أركان السلطة اللبنانية إلى وسائل الإعلام، لناحية اعتماد الخط رقم 23 المقابل لحقل قانا أو الخط 29 الذي ينطلق من نتوء رأس الناقورة، واعتباره أساساً للترسيم وقاعدة للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل، بوساطة اميركية، مع عودة المطالبة بتعديل المرسوم رقم 6433.

وجاءت رسالة وزارة الخارجية إلى الأمم المتحدة لتعيد النقاش إلى الساحتين السياسيتين الداخلية والخارجية، من خلال اعتراض لبنان على الرسالة الإسرائيلية التي تعترض على دورة التراخيص اللبنانية، وتؤكد اعتراض لبنان على النشاطات في المنطقة الواقعة بين الخط 23 وحقل كاريش باعتباره حقلاً متنازعاً عليه.  

خطأ لبناني رسمي

أخطأت السلطة اللبنانية عندما حولت مفاوضات الترسيم إلى موضوع سجال شعبوي عشية الانتخابات، كما أخطأت في عام 2011 عندما أقرت المرسوم (6433) إبان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة، عندما حددت الخط 23 الواقع شمال الناقورة خطاً أولياً للحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية للبلاد، ومن ثم جاءت الاستجابة البطيئة لكتاب قيادة الجيش عام 2019 الذي أوضح علمياً الحدود اللبنانية، وطلب ضمنياً تعديل المرسوم المذكور.

أما من الناحية القانونية، وبحسب قاعدة موازاة الصيغ القانونية، فلا يمكن تعديل المرسوم بمجرد قرار وزاري أو من إدارة رسمية، وإنما يحتاج إلى مرسوم صادر عن مجلس الوزراء.
وأوضح وزير الدفاع السابق إلياس بو صعب (نائب في تكتل لبنان القوي الموالي لرئيس الجمهورية) لـ "اندبندنت عربية"، ملابسات ما جرى خلال المطالبة بتعديل المرسوم الصادر عام 2011، وأشار إلى أنه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ورده كتاب من قيادة الجيش في شأن الحدود البحرية الجنوبية للبنان، وأحال الكتاب إلى الحكومة التي كان يترأسها آنذاك سعد الحريري، لافتاً إلى أن "هذا الكتاب لم يطرح على جدول أعمال أي من الحكومات المتلاحقة التي ترأسها كل من سعد الحريري وحسان دياب ونجيب ميقاتي". وأضاف بوصعب، "في عهد حكومة حسان دياب ظهرت فكرة المرسوم الجوال تحت وطأة الضغط الذي مارسه الإعلام وحملات التخوين، ووقعه آنذاك وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار، وقد ورد المشروع إلى رئيس الجمهورية متضمناً عيوباً شكلية، إذ تضمن الكتاب الإشارة إلى أن المرسوم اتخذ بناء على قرار صادر عن الحكومة بقي مكانه فارغاً أو من دون ذكر أي رقم له أصلاً"، وفي ذلك إشارة إلى عدم اتخاذ الحكومة أي قرار فعلياً.
وطالب وزير الدفاع السابق المسؤولين اللبنانيين بأن يحسموا أمرهم، واعتماد الخط الذي يريدونه لترسيم الحدود، وبالتالي "هل الخط رقم 29 للتفاوض أم خط نهائي للحدود اللبنانية؟".
ورداً على سؤال حول الآثار السلبية لإثارة هكذا موضوع على الملأ وإضعاف الموقف اللبناني التفاوضي، أسف بوصعب لذلك الأمر، "لأنه لا يجب إظهار هذا الخلاف في الإعلام".

ورأى أن "رسالة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب إلى الأمم المتحدة تهدف إلى التعبير عن اعتراض لبنان الرسمي على الأعمال التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي، لأن هناك حقاً للبنان في المنطقة جنوب الخط (23)، أي المنطقة الفاصلة بين الخطين 23 و29، وهي منطقة متنازَع عليها".

حقوق لبنان ضاعت بين الخطوط

الخطان 23 و29 ليسا مجرد أرقام، وإنما هما قاعدة لتثبيت حقوق اللبنانيين في الثروات الطبيعية والاقتصادية وفي نهائية الكيان اللبناني، وعليه فإن المسافة الفاصلة بين المنطقتين هي 1430 كيلومتراً مربعاً، وهي تتضمن نصف حقل كاريش وجزءاً مما يسمى "حقل قانا" الذي يعول، بحسب المسوح، أن يتضمن كميات كبيرة من الغاز والنفط، والبلوك رقم 72 الإسرائيلي، ناهيك عن الثروات الطبيعية والسمكية الكبيرة.

وتوضح المتخصصة في مجال الثروات النفطية ديانا القيسي ماهية هذه الخطوط، في ما يتعلق بالخط 23 فهو "خط أولي للترسيم" أقر عام 2011 بناء على دراسات لم يقم بها خبراء اختصاصيون، وتم وضعه في الفترة السابقة لتأسيس مركز الـ "هيدروغرافيا" في الجيش اللبناني، واعتمد هذا الخط لترسيم الحدود الجنوبية البحرية في المرسوم 6433. وتلفت القيسي إلى أن "المرسوم (6433) في مادته الثالثة ذكر أن هذا الخط ليس نهائياً، وأن للبنان الحق في تعديل الحدود البحرية الجنوبية والشمالية أيضاً".
وتصف القيسي الخط 23 بـ "الخط الضعيف تقنياً وقانونياً"، لأنه يعتمد على "أثر صخرة تخليت" الذي ينطلق من عمق ثلاثة كيلومترات في البحر، "وهذا مخالف للقانون الدولي للبحار، وهو لا ينطلق من نقطة رأس الناقورة، وهذه نقطة جوهرية لا يمكن إغفالها عند أي بحث في الترسيم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في ما يتعلق بالخط 29، وهو "خط صلب" وقوس جداً من الناحيتين التقنية والقانونية، ويمكن الدفاع عنه في أي مفاوضات، فجاء نتاجاً لجهود ثلاث جهات مختلفة تتمتع بالمؤهلات العلمية والخبرة والمعرفة.

وبحسب القيسي "لم تكن هذه الجهات تعمل مع بعضها، بل أجرت أبحاثاً منفصلة إلا أنها توصلت إلى نتيجة واحدة".

وأضافت أن "المكتب البريطاني الهيدروغرافي UKHO أجرى دراسة اكتملت عام 2011 وسلمت إلى الجهات الرسمية اللبنانية، إلا أنها وضعت في الأدراج ولم تعمم لسبب ما".
كما توصل إلى الخط رقم 29، كل من الباحث في قانون البحار نجيب المسيحي، وهو عضو الفريق اللبناني المفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وأيضاً دراسة المركز الـ "هيدروغرافي" التابع للجيش اللبناني بقيادة العميد مازن بصبوص، والذي توصل إلى نتيجة تدعم حق لبنان في الخط الذي ينطلق من نتوء رأس الناقورة.
واستهجنت القيسي "التساهل في التخلي عن الثروات الكبيرة التي هي ملك للشعب اللبناني"، مؤكدة أن "إصرار إسرائيل على رفض أي تفاوض انطلاقاً من الخط 29 والتفاوض على الخط 23، والدفع نحو الشمال، وكذلك فكرة قدوم شركة أميركية تنقب على الثروات في حقل قانا وتصوير ذلك كتسوية، إذ يحصل لبنان على 55 في المئة من العائد، إنما يأتي على قاعدة مشاركة لبنان بثرواته، أي أن إسرائيل تقول، ما لنا في كاريش لنا، وما لكم في قانا لنا ولكم".

وأبدت القيسي تخوفها من "استعجال إسرائيل في استخراج الثروات الهائلة من حقل كاريش، لأنها عندئذ تفرض ملكيتها بحكم الأمر الواقع".
وشددت القيسي على اعتماد رأس الناقورة كـ "خط للترسيم"، وليس "صخرة تخليت" التي يود الجانب الإسرائيلي اعتبارها جزيرة للتأثير في الترسيم، لافتة إلى "إمكان استفادة لبنان من القانون الدولي، إذ حسمت محكمة العدل الدولية نزاع الترسيم بين الصومال وكينيا، والذي كان سببه اعتبار إحدى الصخرات نقطة للترسيم، إذ نفى ذلك ومنح الصومال الأحقية في حدودها".

ثوابت لبنان

مع تصاعد السجال على خط الترسيم البحري الجنوبي، كان لافتاً ما أوردته إحدى الصحف المحلية عن العميد الركن الطيار المتقاعد بسام ياسين، الذي شغل منصب رئيس الوفد اللبناني التفاوضي، إذ استغرب ما  نقل عن لسان رئيس الجمهورية ميشال عون لناحية أن "البعض طرح الخط 29 من دون حجج برهنته"، وأن "خطنا هو النقطة 23، وهي حدودنا البحرية"، مذكراً أن "رئيس الجمهورية كان كلف الوفد وأعطى توجيهاته مع انطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، أي الخط 29، وقد دونت هذه التوجيهات في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020. وجاء هذا التكليف بناء على قناعة تامة به، وبعد شرح مفصل لقانونية هذا الخط الذي يحفظ حقوق الشعب اللبناني من خلال محاضرات وعروض علمية أجريت في القصر الجمهوري خلال النصف الأول من عام 2020".
يشار إلى أنه لم يصدر أي رد من رئاسة الجمهورية على ما ورد عن لسان العميد ياسين، الأمر الذي فتح باب السجال واسعاً في لبنان لترتفع لغة الاتهامات والتخوين لناحية إدخال عملية التفاوض في بازار السياستين الداخلية والخارجية، وصولاً إلى اتهامات بالمقايضة بين الحقوق اللبنانية في المنطقة الاقتصادية ورفع العقوبات عن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.

وإلى حين جلاء الموقف اللبناني يبقى الخوف من بدء الجانب الإسرائيلي باستخراج الثروات واستغلالها، فيما يتواصل الصراع الداخلي اللبناني.

المزيد من الشرق الأوسط