Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفاتيكان خائف من زوال لبنان وقد يبادر

العمل جارٍ بهدوء وصمت لتحقيق فكرة المؤتمر الدولي

دعا أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات بين الدول المسؤولين اللبنانيين إلى العمل من أجل بلادهم (دالاتي ونهرا)

في زيارة لافتة في مضمونها ورسائلها، وفي خضم حبس الأنفاس لنتائج الرد اللبناني على المبادرة العربية الخليجية الدولية، زار بيروت أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات بين الدول، المونسنيور ريتشارد بول غالاغير، المتابع ملفاته بدقة متناهية، على غرار دبلوماسيين سبقوه تركوا أثراً في علاقات الفاتيكان مع دول العالم، أمثال الكاردينال باتشيلي الذي انتخب لاحقاً بابا، والكاردينال كازارولي الذي تولى ملف التقارب بين النظام الشيوعي في الدول الأوروبية والكنيسة الكاثوليكية، وأسهم إلى جانب البابا يوحنا بولس الثاني في إسقاط النظام الشيوعي انطلاقاً من بولونيا.

يزور موفد الفاتيكان بيروت بطلب من البابا فرنسيس، ناقلاً قلقه ودعمه الشعب اللبناني بكامل أطيافه لما يعاني من أوضاع اقتصادية وسياسية سيئة، إضافة إلى أن الزيارة سيتخللها احتفال يشارك فيه غالاغير، تقيمه جامعة الروح القدس في الكسليك في ذكرى مرور 25 عاماً على زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان. واللافت أن زيارة الدبلوماسي الأول في الفاتيكان، كما تقول مصادر دبلوماسية، هي ليست للاطلاع على الوضع اللبناني، لأن غالاغير ودوائر الفاتيكان يعلمان بتفاصيل ما يجري أكثر من المسؤولين اللبنانيين. بالتالي، فإن وزير الخارجية حضر إلى لبنان ليرى الأمور بأم العين، تمهيداً لرفع تقرير مفصل إلى البابا فرنسيس، وفي ضوء هذا التقرير ربما يتخذ البابا مبادرة في شأن لبنان.

من قصر بعبدا

لم تكن عابرة الكلمة المكتوبة التي قرأها وزير خارجية الفاتيكان من القصر الجمهوري، الموقع المسيحي الأول في لبنان. الزائر الفاتيكاني ذكر بثلاث كلمات للبابا فرنسيس خصَّ بها لبنان في مناسبات متعددة، وهو اختار من هذه الكلمات الجمل الأقسى والمباشرة، مؤكداً أن البابا فرنسيس يقول ما يقوله للمسؤولين في لبنان، لا سيما من هم في السلطة وتحديداً المسيحيين منهم، من دون أن يلقى تجاوباً لما يقوله. فمن القصر الجمهوري، شدد غالاغير على الحفاظ على الدور المسيحي، محذراً من أن إضعاف المسيحيين سيخل بالتوازن الداخلي وبهوية لبنان. ودعا المسؤولين اللبنانيين إلى العمل من أجل بلادهم وليس من أجل مصالحهم الخاصة. وطالب بعدالة كاملة لضحايا انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) وحق الشعب اللبناني في معرفة الحقيقة كاملة لا نصفها. وغمز من قناة كل فريق لبناني مرتهن إلى الخارج ليدعو الجميع إلى وقف استخدام لبنان من أجل المصالح الخارجية.

بين الفاتيكان ولبنان علاقة عمرها 75 عاماً

يؤكد المطلعون على العلاقة التاريخية والروحية التي تربط الكرسي الرسولي ببلد الأرز أن الاهتمام البابوي بلبنان ليس جديداً، بل هو اهتمام بدأ منذ أن نشأت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، التي تدخل اليوم عامها الخامس والسبعين. ويؤكد الباحث في الشؤون الفاتيكانية، ناجي قزيلي، أن نظرة الفاتيكان إلى لبنان كانت دائماً الضمانة لمسيحيي الشرق، وأنه إذا كان مسيحيو لبنان بخير فإن مسيحيي الشرق الأوسط كافة سيكونون بخير. ويضيف قزيلي أن السبب الثاني الكامن وراء اهتمام الفاتيكان بلبنان هو أن لبنان بسبب الحضور المسيحي فيه وإلى جانبه الحضور الإسلامي هو قادر على بناء حضارة مشتركة هي نموذج ورسالة مناقضة للصراعات العرقية أو الطائفية أو الدينية التي يشهدها الشرق ودول أخرى في أنحاء العالم.

البابا لن يزور لبنان قبل الانتخابات النيابية والرئاسية

عندما سئل المونسنيورغالاغير عن إمكانية زيارة البابا لبنان، رد بأن البابا فرنسيس أبلغه أنه سيزور بلاد الأرز قريباً، ملمحاً إلى أن الخلاف يبقى على معنى كلمة قريباً. وحسب مصادر مقربة من الفاتيكان، فإن البابا لن يزور لبنان في ظل الظروف الحالية إذ لا وجود لدولة. ولن تحصل الزيارة قبل الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية. ومن المعلوم أن الحبر الأعظم لا يقوم بزيارة إلى دولة تستعد لاستحقاق انتخابي ورئاسي، كي لا تفسر زيارته بأنها لمصلحة فريق ضد آخر. ومن المؤكد أن البابا فرنسيس، حسب مصادر مقربة من الفاتيكان، مصرّ على زيارة لبنان، لكنه لن يزوره وسط المعمعة الموجودة وفي ظل هذه السلطة، حيث لا وجود لمسؤولين يتحملون مسؤولية ما يعانيه الشعب اللبناني. وتكشف مصادر دبلوماسية في هذا الإطار عن أنه عندما سأله أحد المشاركين في زيارته إلى قبرص في ديسمبر (كانون الأول)، على بعد أميال قليلة من بيروت، عما إذا كان سيزور لبنان، رد البابا فرنسيس بالقول "كيف آتي وأصافح مسؤولين لا يتحملون مسؤولية تجاه شعبهم الذي يئن".

ويذكر قزيلي أن زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى بيروت، في عام 1997، كان أعلن عنها للمرة الأولى عام 1982، بعد انتخاب رئيس الجمهورية أمين الجميل آنذاك، إلا أن الظروف لم تسمح بحصولها، وهو كرر نيته زيارة لبنان عام 1989، للاحتفال بقداس إلهي على خطوط التماس التي كانت تقسم بيروت في الحرب الأهلية، ولم تسمح الظروف بحصول الزيارة أيضاً، وأُرجئت مرة جديدة عام 1994 إلى أن تمت بعد ثلاث سنوات لإطلاق الإرشاد الرسولي الخاص بلبنان.

في نظر الفاتيكان السلطة في لبنان في غيبوبة

يتوقف المتابعون لمواقف البابا فرنسيس الخاصة بلبنان عند نقطة أساسية تميز بها خطابه أمام السلك الدبلوماسي مطلع عام 2022 وقبله خلال زيارته الراعوية إلى قبرص. في الخطابين، لم يشر البابا إلى المسؤولين السياسيين والروحيين اللبنانيين. وهو ما فسره كثيرون بأنه يشكل عدم اعتراف الكرسي الرسولي بهاتين السلطتين. وزيارات موفديه إلى لبنان ولقاءاته مع المسؤولين السياسيين، أو استقباله رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي في الفاتيكان، لا تعدو كونها زيارات بروتوكولية لا تعكس حقيقة الواقع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد عكست كلمة السفير البابوي في قصر بعبدا، خلال استقبال رئيس الجمهورية السلك الدبلوماسي في لبنان، حقيقة نظرة الكرسي الرسولي إلى السلطة السياسية في لبنان، لا سيما في ما تضمنته من عبارات مباشرة وواضحة في تحميل المسؤولين السياسيين مسؤولية معاناة شعبهم. وهي لغة غير مألوفة لدى الدبلوماسية الفاتيكانية، فرضتها ما تعتبره دوائر الفاتيكان الغيبوبة التي يعيشها مسؤولو لبنان الذين لم يتجاوبوا مع نداءات شعبهم ونداءات البابا المتكررة.

وفي هذا الإطار، تتحدث المصادر عن دبلوماسية صامتة يقوم بها الفاتيكان، الخائف والقلق على لبنان، انطلاقاً من الأوضاع الداخلية والتطورات في المنطقة. وقد تكون المرة الأولى التي يعلن فيها وزير خارجية الفاتيكان عن استعداد بلاده لاستضافة حوار بين الفرقاء السياسيين المسلمين والمسيحيين، إذا ما طلبوا جميعهم ذلك.

ورعاية كهذه، ومن دولة لا مصالح لها في لبنان، يمكن أن تشكل الضمانة لحوار حقيقي عادل لجميع أبناء الوطن من دون غلبة فريق على آخر، لا سيما الفريق الذي يحمل السلاح أو الفريق الذي يتحدث عن حجمه العددي. وتكشف المصادر عن أن الفاتيكان لا يريد أن يطغى فريق على آخر في لبنان، لا بالسلاح ولا بمنطق القوة.

الحياد والقرارات الدولية في صلب اهتمام الفاتيكان

يؤكد مطلعون على السياسة الفاتيكانية أن الفاتيكان يؤيد حياد لبنان من قبل أن يعلنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. فالفاتيكان مع طرح حياد لبنان منذ عهد البابا بيندكتوس الخامس عشر في أغسطس 1920، أي قبل إعلان دولة لبنان الكبير، عندما أحضر المطران خوري إلى الكرسي الرسولي خريطة لبنان الجديدة التي كان الفرنسيون قد وافقوا عليها، وقد منحها آنذاك البابا بيندكتوس مباركته بالتوقيع عليها. ومنذ ذلك الحين والكرسي الرسولي يصر على عدم التدخل الأجنبي في شؤون لبنان، وعلى حياده عن كل الصراعات الخارجية. إضافة إلى أن أول من طالب بالحياد وتحييد لبنان كان البطريرك عريضة عام 1941، أي قبل عامين من استقلال لبنان، وبحضور الرئيس رياض الصلح.

وتكشف المصادر عن أن الفاتيكان ليس بعيداً من فكرة المؤتمر الدولي الخاص بلبنان لتأمين ضمانة فاتيكانية وعربية ودولية. والعمل جارٍ بهدوء وصمت لتحقيق هذا الأمر، لا سيما إذا ما شعر الفاتيكان بأن الوجود المسيحي مهدد وأن نموذج لبنان في عيشه المشترك مع المسلمين سيكون في خطر.

ويعتبر الفاتيكان أن الأمم المتحدة هي ضمير العالم، بحسب ما وصفها البابا بولس السادس، وهو الذي كان أول بابا يزور الأمم المتحدة ويلقي خطاباً فيها. وحسب الفاتيكان، لا ضمانة للسلم العالمي إلا الأمم المتحدة واحترام القرارات الشرعية الدولية. ولا يمكن للفاتيكان أن يتصور للحظة أن لبنان بات خارج الشرعية الدولية عبر عدم تطبيق القرارات الدولية، لا سيما أن لبنان هو من مؤسسي الأمم المتحدة ومن واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عبر المفكر اللبناني شارل مالك.

البابا المنفتح على المرجعيات الإسلامية

مع تولي البابا فرنسيس المسؤولية البابوية برز تخوف من أن يتراجع اهتمام الفاتيكان بلبنان، لا سيما أن البابا فرنسيس يأتي من خلفية مختلفة عن البابوات الذين سبقوه في السنوات الـ75 الماضية، وهو على عكس البابوات قبله الذين أتوا بمعظمهم من أوروبا، وهو من آخر دولة تقع في العالم، الأرجنتين، كما يعرف عن نفسه.

لكن البابا فرنسيس يتابع مسيرة أسلافه، في توسعه باتجاه شركاء المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط لتأكيد عيشهم معاً بسلام وحرية. فالبابا فرنسيس كان أول بابا يزور دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو أول بابا يطأ أرض دولة خليجية لتوقيع وثيقة وصفت بالتاريخية، هي وثيقة الأخوة والإنسانية مع شيخ الأزهر، مكرساً دور الأزهر كمرجعية أساسية في قيادة الحوار الإسلامي المسيحي. وتابع البابا هذا المسار بزيارة تاريخية أخرى إلى النجف في العراق ولقائه السيستاني.

المزيد من العالم العربي