Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقييد حركة "يونيفيل" في لبنان مرتبط باتفاق الحدود

"القبعات الزرق" تخفف حدة الأزمة الاقتصادية جنوباً والاعتداء على دورياتها في إطار تبادل الضغوط

تتشكل "يونيفيل" من جنود جاؤوا من 46 دولة يبلغ عددهم 10 آلاف بين ضابط وجندي (أ ف ب)

خلال جلسة عقدها مجلس الأمن في الرابع من فبراير (شباط) حول الوضع في لبنان، انتهت إلى إصدار بيان رئاسي تلاه رئيسه الحالي المندوب الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نبينزيا، تناول الأزمة اللبنانية بمواقف حازمة حيال معظم عناوينها الاقتصادية والسياسية واستحقاق الانتخابات، مشدداً على تطبيق القرارات الدولية.

لكن العبارة الأكثر حزماً كانت تلك المتعلقة بإبداء أعضاء المجلس الأسف لأربعة حوادث بين آخر شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 وأواخر يناير (كانون الثاني) 2022، بين "الأهالي" وقوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان (يونيفيل) والموجودة فيه منذ العام 2006 وفقاً للقرار الدولي رقم (1701). ومصطلح الأهالي يشار به إلى مناصري "حزب الله" الذين يصطدمون بدوريات "القبعات الزرق" عندما ينوي توجيه رسائل إلى القوات الدولية للحد من حركتها، أو بما يتجاوز ذلك إلى الرد على الضغوط الدولية والأميركية على الحزب في لبنان عموماً.

مجلس الأمن وضمان سلامة الجنود الدوليين

وطالب البيان الرئاسي بأن "تضمن جميع الأطراف سلامة أفراد (يونيفيل) وأمنهم واحترام حريتهم في الحركة في شكل كامل من دون عراقيل، وطالب السلطات اللبنانية بالتحقيق في جميع الاعتداءات على "يونيفيل" وأفرادها وتقديم مرتكبي تلك الحوادث إلى العدالة وفق القانون اللبناني"، فهذه القوات موجودة في منطقة عمليات تقع جنوب نهر الليطاني بعمق 45 كيلومتراً من الحدود الجنوبية، منذ صدور قرار وقف العمليات العدائية تمهيداً لوقف إطلاق النار إثر "حرب تموز" الشهيرة بين إسرائيل و"حزب الله" في حينها، ومن مهماتها مساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها حتى الحدود، وحظر وجود أسلحة غير سلاح القوات المسلحة الشرعية في لبنان، ومراقبة أي خروق للقرار الدولي بما فيه تخطي الحدود من الجانبين.

حصلت حوادث عدة خلال السنوات الـ 16 الماضية تخللتها اعتداءات على دوريات للقوات الدولية عند دخولها إلى بعض القرى، إما بحثاً عن السلاح إذا جاءتها إخبارية عن وجود مستودع ما للمقاومة، أو إذا أرادت اختبار مدى تقبل مرورها في هذه القرى من دون أن يرافقها الجيش اللبناني، إذ إن قواعد العمل المتفق والمتعارف عليها كانت قضت في السابق بأن ترافق أي دورية دولية أخرى من الجيش اللبناني لتجنب أي احتكاك مع الأهالي، على الرغم من أن التفويض المعطى لها من مجلس الأمن لا ينص على ذلك.

450 نشاطاً ودورية ودعم الجيش والحركة التجارية

وبحسب المتحدث الرسمي باسم "يونيفيل" أندريا تننتي، فإن وحداتها التي تتشكل من جنود جاؤوا من 46 دولة يبلغ عددهم 10 آلاف بين ضابط وجندي، ما عدا الموظفين المدنيين، تقوم يومياً بحوالى 450 نشاطاً ودورية على المساحة التي تشكل منطقة عملياتها، ويشمل ذلك الدوريات الأمنية والعسكرية على الطرقات وفي القرى وعلى الحدود ونقاط الخط الأزرق، وطلعات المروحيات الدولية التي تجول على طول هذا الخط، تضاف إلى ذلك الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والصحية في إطار دعم المجتمعات المحلية في القرى من قبل الوحدات المنتشرة في منطقة العمليات، والتي تقدم مساعدات في شتى المجالات المدنية، فضلاً عن تبرعات بآليات أو معدات في مجالي الطاقة والطب والزراعة للبلديات والمستوصفات،

وتشكل "يونيفيل" المشغل الثاني لموظفين وعمال ومتعاقدين لبنانيين في الجنوب بعد الدولة اللبنانية، ووجودها يسمح بتنشيط نسبي للحركة التجارية في مجالات عدة جراء صيانة المنشآت وتأمين الغذاء وإنفاق الجنود الدوليين، مما يخفف وطأة الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها لبنان، وفضلاً عن ذلك فإن القرار الدولي الأخير بالتجديد لتفويض هذه القوات من قبل مجلس الأمن في 30 أغسطس (آب) 2021 نص وللمرة الأولى على الطلب من "يونيفيل" اتخاذ "تدابير مؤقتة وخاصة لدعم القوات المسلحة اللبنانية بمواد غير فتاكة، مثل الغذاء والوقود والأدوية، والدعم اللوجستي لمدة ستة أشهر"، وذلك بهدف التخفيف من الانعكاسات الحادة للأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية التي أدت إلى تدهور قيمة رواتب العسكريين إلى أقل من 64 دولاراً بالنسبة إلى العسكري العادي، بعدما كان يوازي 800 دولار في بعض الأحيان.

خفض عدد الجيش

وفيما كان قرار وقف الحرب في العام 2006 عبر القرار (1701) أدى إلى انتشار زهاء 15 ألف جندي دولي مقابل العدد نفسه من الجيش اللبناني في الجنوب، فإن عدد "يونيفيل" انخفض إلى 10500 جندي، ومنها على صعيد الدوريات البحرية، فيما تقلص وجود الجيش اللبناني منذ اندلاع الحرب في سوريا وانتقال عمليات "داعش" و"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) والمنظمات العنيفة المتطرفة عبر الحدود الشرقية إلى لبنان، واضطرار الجيش إلى نقل جزء من قواته تدريجاً إلى الداخل لمواجهة التحركات الإرهابية، ثم انخفض هذا العدد إلى أقل من 3 آلاف جندي بسبب وطأة الأزمة الاقتصادية على الجيش، إلا أن صدامات مناصري "حزب الله" مع دوريات "يونيفيل" الأخيرة خضعت لتفسيرات عدة على خلفية إثارة إسرائيل خلال السنوات الماضية، وعند كل استحقاق تجديد لتفويضها في مجلس الأمن، مسألة عدم تشددها في مراقبة إدخال الحزب السلاح إلى منطقة عملياتها، واتهامها بالتراخي مع نشاط الحزب على الحدود، وما سربته استخباراتها من أن الحزب يخزن الصواريخ والأسلحة في القرى الحدودية، وقد واكبت الإدارة الأميركية الحملة الإسرائيلية وطرحت مرات عدة اقتراح تغيير تفويض "يونيفيل" لتكون فعالة أكثر في مواجهة "حزب الله" والحد من حركته، وهددت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد  ترمب أكثر من مرة بخفض إسهاماتها في تمويل قوات الأمم المتحدة في الجنوب وخفض عدد القوات بحجة عدم فعاليتها وأن القوات لا تقوم بمهمتها في تفتيش المنازل والأبنية في منطقة عملياتها ساعة تشاء، للتفتيش عن أسلحة لـ"حزب الله". ولم يمانع دبلوماسيون أميركيون تزويد "يونيفيل" بأسلحة ثقيلة من أجل تمكينها من مواجهة "حزب الله"، واستند الجانبان الأميركي والإسرائيلي في انتقاد دورها إلى حوادث سابقة حصلت في بعض القرى منعت فيها من دخول بعض الأبنية والمنازل، إلا أن رفض "حزب الله" والسلطة اللبنانية تغيير تفويض القوات وزيادة صلاحياتها دفع الجانبين الفرنسي والروسي إلى معارضة توجهات واشنطن، ونجحا في إقناع  إدارة ترمب بالتريث في  خفض إسهام بلاده في التمويل من أجل خفض عدد القوات الدولية، طالما لا يمكنها التشدد في الحؤول دون زيادة ترسانة الحزب العسكرية، وفي المقابل كان النص في قرار التمديد عام 2020 على ضمان حرية الحركة للقوات.

مخاوف "حزب الله" من تغيير التفويض

وتعود مخاوف الحزب وحلفائه من تغيير تفويض القوات في الجنوب بإعطائها صلاحيات أكثر إلى التوجس من أن يكون ذلك مقدماً لتعديل التفويض لاحقاً بهدف توسيع مهمة "يونيفيل" نحو الحدود الشرقية لضبط حركة الحزب بين سوريا ولبنان، وإعاقة مشاركته بالحرب في سوريا في سياق المطالبة بانسحابه منها، ولإعاقة عملية نقل الأسلحة التي تزوده بها إيران عبر تلك الحدود إلى مستودعاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، نص قرار التمديد عام 2020 على "تسهيل الوصول السريع والكامل لـ (يونيفيل) إلى المواقع التي تريد القوة التحقيق فيها"، وإذ أضيف إلى قرارات التجديد وجوب تقديم الأمانة العامة للمنظمة الدولية طلب تقدمه بتقرير كل ستة أشهر عن تنفيذ القرار(1701) فإن إصرار بيان مجلس الأمن الأخير على التحقيق في الحوادث الأربعة الأخيرة التي عرقلت دوريات القوات الدولية خلال شهر واحد يعود إلى عوامل عدة، منها أنها  تحصل من دون أن يتم تزويد قيادتها بنتائج التحقيق الذي يقوم به الجيش اللبناني حول ظروفها لتحديد المسؤولية عن عرقلة الدوريات التفتيشية، كما أن التعرض للدوريات الدولية التي مهمتها حفظ السلام يعتبر "جريمة" وفق القانون الدولي، إضافة إلى أنه خرق للقرار (1701)، ففي العام 2018 حصلت حادثة كانت الأقوى، حين اعترض "الأهالي" في بلدة مجدل زون دورية للوحدة السلوفانية أدى إلى إحراق آلية تابعة لها، من دون التوصل إلى نتائج في التحقيق الموعود من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي، والحجة اللبنانية تكون عادة أن الجيش لم يكن مرافقاً للدوريات الدولية كي يتمكن من الإحاطة بمعطيات الحادثة أثناء اعتراض الدوريات، وهي حجة يرى بعضهم أنها تعني ضمناً أنه من الأفضل أن تكون الدوريات مشتركة مع الجيش، في وقت ترى قيادة "يونيفيل" أن تفويضها لا يلزمها القيام بالدوريات في شكل مشترك، وأنها تتم في شكل منسق معه عبر إبلاغه بنية تسيير الدورية في منطقة أو بلدة معينة، فوجود الجيش وفق مناصري "حزب الله" يحول دون الدخول إلى بعض المنازل بحجة التفتيش عن أسلحة، لأن الأهالي يتحججون "بحرمة" تلك المنازل، والجيش يتفهم تلك الحجة أكثر من القوات الدولية.

"الصبر" والبراغماتية الدوليان على تمييع التحقيقات

اعتادت قيادة القوات الدولية التأخر في التحقيقات الذي يشير إليه التقرير النصف سنوي للأمين العام للأمم المتحدة عن تنفيذ القرار الدولي، وهو أمر كان فاقعاً في تغاضي الجهات الأمنية عن تزويد "القبعات الزرق" بنتائج التحقيق في اكتشاف ستة أنفاق، اعترف الأمين العام للحزب حسن نصرالله بأنه حفرها عام 2006، وتتخطى الخط الأزرق إلى الأراضي الإسرائيلية، واكتشفها الجيش الإسرائيلي في ديسمبر عام 2018 ويناير عام 2019، واعتبرتها الأمم المتحدة خرقاً للقرار الدولي، لكن قيادة القوات اعتادت "الصبر والبراغماتية" حيال الوعود اللبنانية الرسمية بالتحقيق في الحوادث وجلب من يتعرضون للدوريات إلى العدالة، وتدرك هذه القيادة أن الأمر مرتبط بالوضع السياسي، وتعتبر أن التقدم في "العملية السياسية" سيخفف الحوادث التي تعتبر متعمدة، والمقصود بهذا التقدم إنجاز ترسيم الحدود البحرية والبرية، لكن هذا لا ينفي أن الأمم المتحدة ستستمر في مطالبة لبنان بالتزام أكثر وضوحاً تجاه تنفيذ تعهداته وفقاً للقرار الدولي.

تجميد ترسيم الحدود البرية بانتظار البحرية

فقيادة "يونيفيل" معنية بترسيم الحدود البرية التي تبقت منها 12 نقطة لم تحسم بعد، وتوقف استكمالها منذ العام 2017 من دون أي تفسير من قبل السلطات اللبنانية لذلك، فيما يقتصر دورها في ما يختص بالحدود البحرية على استضافة المفاوضات غير المباشرة التي كانت جرت في مقر قيادتها، حيث اجتمع الوسيط الأميركي بالوفدين اللبناني والإسرائيلي، وعلى تسجيل محاضر الاجتماعات، لأن للمنظمة الدولية دور لاحق حين يتم تسجيل أي اتفاق على الحدود بين لبنان وإسرائيل، ومن التفسيرات لتجميد وضع علامات الحدود أن النقاط الـ 12 المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل مرتبطة بإنجاز الحدود البحرية، فالجانب اللبناني ممثلاً في رئيس البرلمان نبيه بري الذي هيأ لإطار التفاوض مع الوسيط الأميركي آيموس هكستين، أصر على تلازم الاتفاق الحدودي بحراً وبراً، حيث إن فشل الاتفاق في البحر يجعل لبنان في حل من الاتفاق براً، وهو أمر يهدف إلى الإيحاء بأن النزاع على الحدود البحرية مواز للخلاف على الحدود البرية، لأن إحدى النقاط البرية المختلف عليها هي في رأس الناقورة، والتي إذا حسمت على الخرائط يسهل حسم الخط البحري الذي ينطلق منها، كما أن استمرار النزاع على الحدود بحراً وبراً يعني التلويح بالاحتفاظ بحق الإبقاء على المقاومة على المدى الأبعد تحت شعار تحرير أراض تحتلها إسرائيل.

الاعتداءات اختبار دولي أم رسائل من "حزب الله"؟

تعددت القراءات السياسية لتوالي الحوادث الأربعة الأخيرة ضد القوات الدولية في الوسط السياسي اللبناني، فمنها ما اعتبر أن قيادة "يونيفيل" أرادت اختبار رد فعل "حزب الله" والسلطات اللبنانية حيال الإكثار من تسيير الدوريات من دون أن يرافقها الجيش تطبيقاً لقرار مجلس الأمن حول حرية حركة القوات، فحصل تصد لها من قبل الأهالي، ولدى مقربين من "حزب الله" قراءة بأن الجنرال الحالي اللواء ستيفانو دل كول الذي ينهي مهمته في الـ 25 من فبراير أراد تكريس مبدأ استقلالية حركة القوات الدولية قبل انتهاء مهمته، وربما هدف أيضاً إلى إلقاء اللوم مجدداً على الحزب بإعاقة عمل "يونيفيل"، وتسليط الضوء على ذلك في إطار الضغوط الدولية على الأخير، والدليل أن الحوادث الأربعة الأخيرة تسببت بصدور بيان حازم عن مجلس الأمن تناول الأزمة اللبنانية والاعتداءات على "يونيفيل".

وثمة قراءة ثالثة لعرقلة عمل "القبعات الزرق" وهي أن "حزب الله" أراد إفهام القائد الجديد لـ "يونيفيل" اللواء الإسباني أرولدو لازارو ساينز، وسبق أن خدم في البوسنة والهرسك، قبل تسلمه مهماته، أن لحركة قواته حدوداً وقواعد يضعها الحزب.

المزيد من تقارير