أعطى المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين مهلة جديدة لإنجاز ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. وكانت المفاوضات -حسب الجانب اللبناني- قد توقفت عند نقطة ترابط الترسيم البري والبحري برعاية الأمم المتحدة، التي تترأس الاجتماعات وبحضور أميركي، وعلى عمل اللجان في البر والبحر بالآلية نفسها وبالوقت نفسه، حتى يجري التوصل إلى ترسيم نهائي للحدود. علماً بأن هذه المفاوضات ليست سياسية، وإنما تهدف إلى تثبيت ترسيم الحدود البرية والبحرية.
وعلى الرغم من أنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين لبنان وإسرائيل، فإن ذلك لم يمنعهما من التفاوض غير المباشر حول الحدود البحرية. ولكن تعقد الأمر بسبب الخلاف على حدودهما البرية، نظراً إلى النزاع الذي ظهر عند النقطة الحدودية الأقرب إلى الساحل "رأس الناقورة" بالعربية و"روش هنيكرة" بالعبرية، وهي منطقة ممكن قياسها ببضعة أمتار. ولكن هذه الشروط تغيرت وبطلب من رئيس الجمهورية ميشال عون، حول طرح الخط 29 كنقطة تفاوضية، أي إحياء لبنان فكرة المطالبة بمساحة 2290 كيلومتراً مربعاً بدلاً من 860 كيلومتراً مربعاً. ولكن وحسب المعلومات الواردة في الإعلام اللبناني فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي لا يوافقان على مثل هذا الطرح، فبري هو الذي فاوض على وضع اتفاق الإطار. وكانت حكومة ميقاتي عام 2011 هي من أرسلت المرسوم رقم 6433 إلى الأمم المتحدة، الذي يلتزم المطالبة بالخط 23.
"خط متعرج"
وكان هوكشتاين استهل زيارته بإطلاع الرئيس عون على نتائج الاتصالات التي أجراها في إسرائيل في موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وقدم اقتراحات سيتم درسها انطلاقاً من إرادة الوصول إلى حلول لهذا الملف. وسوف يستمر التواصل مع الجانب الأميركي تحقيقاً لهذه الغاية.
المصادر الرسمية المواكبة أوضحت أن "في الطروحات الجديدة التي حملها هوكشتاين ما يؤشر إلى إمكانية القبول بالخط المتعرج الذي يلغي أي شراكة في الحقول الغازية بين لبنان وإسرائيل، لا سيما في حقل قانا الذي يريده لبنان كاملاً، وحقل كاريش الذي يصبح كاملاً لإسرائيل، مع وجود طروحات تبقي على إمكانية الاستثمار المشترك، بحيث تقوم شركة عملاقة بالاستثمار في الحقول المتنازع عليها ويتفق على توزيع العائدات".
وحسب مصادر مواكبة للملف، فإن هوكشتاين حمل إلى لبنان طرحاً جديداً، قد يكون أفضل من كل الطروحات السابقة، وأبلغه إلى المسؤولين اللبنانيين، كما أطلعهم على نتائج اتصالاته في تل أبيب. وتمحورت لقاءات هوكشتاين مع المسؤولين حول نقطتين، الأولى إبلاغ الجهات اللبنانية عن تمكنه من تقليص الثغرات بموضوع الترسيم أثناء محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين، ومدى استعداد الجانب اللبناني لإظهار بعض الليونة والتخلي عن التمسك بالخط 29، والثانية هل أصبح لبنان جاهزاً لاستئناف المفاوضات من حيث توقفت في مايو (أيار) الماضي. وتحدثت المصادر المواكبة للقاءات عن أن الرد اللبناني على أسئلة هوكشتاين "يتطلب توضيحاً دقيقاً، وهذا ما قد لا يمكن الوسيط الأميركي المستعجل لاستئناف المفاوضات من الحصول على إجابات محددة في هذه الزيارة، لذا فإنه اقترح ترك النقاط الخلافية إلى طاولة المفاوضات لمناقشتها بحضور المتفاوضين". وفي المعلومات أن الرئيس بري أبلغ هوكشتاين رفضه أمرين هما إعادة البحث بخط هوف والاستثمار المشترك الذي يعد نوعاً من التطبيع. هذا في وقت استبق لبنان هوكشتاين بتكريس الخط 29 بدلاً من الخط 23 مع التلويح بتعديل المرسوم 6433.
أما في ما يتعلق بتشكيل الوفد اللبناني، فيبقى الجانب اللوجستي، بعد إحالة رئيسه العميد بسام ياسين إلى التقاعد وإمكانية إعادة تكليفه برئاسة الوفد أو إسناد المهمة إلى مساعده العقيد الركن مازن بصبوص، والإبقاء على عضوية عضو هيئة قطاع البترول البحري وسام شباط والخبير النفطي نجيب مسيحي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هوكشتاين حمل "أفكاراً جديدة"
كان هوكشتاين قد وصل إلى بيروت آتياً من إسرائيل في 9 فبراير (شباط) الحالي، حاملاً "أفكاراً جديدة"، إلى المسؤولين اللبنانيين، وكشفت مصادر عن أن نتائج حاسمة قد تظهر في هذا الملف خلال مهلة أسابيع فقط ولن تتعدى الشهرين. لكن بقيت عملية التفاوض غير واضحة ولم يكشف عن الطروحات التي حملها المبعوث الأميركي إلا بالنزر اليسير. لكن حاول هوكشتاين أن يبين أن الخلاف المركزي هو ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي أن الحل يبدأ بتنازل إسرائيل عن "خط هوف"، مقابل أن يتخلى لبنان عن خط 29، الذي قيل إن رسالة الرئيس ميشال عون إلى الأمم المتحدة أخيراً، ألمحت إليه من دون أن تذكره أو تتبناه، مع جزء من حقل "قانا"، وبعيداً من حقل "كاريش" الذي تعتبره إسرائيل ملكاً خالصاً. وحول الرسالة التي وجهها لبنان قبل أكثر من أسبوع إلى الأمم المتحدة، اعتبر هوكشتاين أن مثل هذه الرسائل تأتي في إطار كل طرف لتحسين شروطه التفاوضية، وكل جهة تسعى للحصول على أكبر مساحة ممكنة، ولكن في النهاية لا بد من التنازل للوصول إلى اتفاق.
فرصة لا بد من استثمارها
وفي ختام زيارته للبنان ولقاءاته مع المسؤولين، كان للمبعوث الأميركي لقاءات إعلامية وتصريحات عبر من خلالها عن مسعاه بأنه فرصة لا بد من استثمارها، وإتمامها خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وقال إن الولايات المتحدة الأميركية تركز في هذه المرحلة على مساعدة لبنان في مجالات الطاقة، معتبراً أنه لا يمكن للبنان أن يبقى في هذه الحالة السيئة من عدم توفر الكهرباء ومصادر الطاقة، معتبراً أن واشنطن تساعد لبنان على توفير عقد اتفاقيات على استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن بناء على اتفاق مع صندوق النقد الدولي. واعتبر هوكشتاين أن هناك فرصة جدية للبنان ليخرج من أزماته، من خلال الرهان على ملف استخراج النفط، بعد حل مشكلة ترسيم الحدود. وتوجه إلى اللبنانيين بالقول إنه عليهم ترك السياسة جانباً والتفكير بالمستقبل، بالنظر إلى كل الدول المحيطة بهم التي حققت منذ عشر سنوات إلى اليوم نقلات نوعية في ملف الطاقة، بالنظر إلى تركيا وقبرص واليونان ومصر والأردن. وبالتالي، على لبنان الالتحاق بهذا المسار وعدم الاستمرار في الأزمات المتوالية. وصحيح أن الوقت تأخر، ولكن لم يفت الأوان بعد.
"لا تطبيع مع سوريا"
واعتبر هوكشتاين أنه "لا تطبيع مع النظام السوري من وراء الاتفاق مع الدولة المصرية لاستجرار الغاز إنما الهدف مساعدة لبنان وتجاوز السياسة، والموقف الأميركي واضح في رفض التطبيع مع النظام السوري، وقد تحصل سوريا على نسبة صغيرة من الغاز لقاء السماح بمرور الغاز إلى لبنان وهذا لا يعني استفادة النظام السوري مادياً". وقال "إن لبنان لديه ثلاثة منافذ حدودية: سوريا، وإسرائيل، والبحر. وبالتالي، يجب أن يكون لديه مورد لتمرير الطاقة والخيار المتاح حالياً هو سوريا". وأشار إلى أنه لا يجب أن يكون مصدر الطاقة في لبنان هو مصدراً واحداً، بل يجب تعدد مصادر الطاقة. وعن أزمة الكهرباء في لبنان والاتفاق مع مصر، قال "أعتقد أننا نحرز تقدماً جيداً في الوصول إلى ترتيب مع البنك الدولي، وتسهيل تمويل شراء الغاز. وآمل أنه في غضون أسابيع يمكننا القيام بذلك". وأشار في حديث متلفز إلى أن "العقوبات المفروضة على سوريا لا تزال قائمة ولا نؤمن بالتطبيع مع الأسد. لكن من أجل الحصول على الغاز يجب على مصر أن تمر به من مكان ما وسوريا هي الخيار الوحيد".
وتابع قائلاً "يجب أن نرى شيئاً ناجحاً وتمرير الإصلاحات الضرورية، وبعد ذلك يمكننا توسيع العمل ليشمل صفقة الكهرباء الأردنية وربما إلى زيادة كمية الغاز". وأضاف هوكشتاين "على لبنان أن ينظر إلى الموارد الطبيعية التي يتمتع بها كالرياح والطاقة الشمسية. لكن علينا أن نبدأ من مكان ما. والمجتمع الدولي يجتمع لدعم لبنان لكن لبنان بحاجة إلى دعم نفسه أيضاً".
وغادر الوسيط الأميركي إلى إسرائيل لوضع المسؤولين هناك في حصيلة اجتماعاته في بيروت. ويفترض أن يعود في غضون خمسة أسابيع كما أفادت وسائل الإعلام اللبنانية.