Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عنترة بن شداد المصري ينادي بالحرية وحب عبلة مسرحيا

فرقة "فرسان الشرق" تستدعي التراث وتحييه رقصاً وموسيقى وأداءً

عبلة واقفة وعنتر ملقى أرضاً في المسرحية المصرية (الخدمة الإعلامية)

بعيداً من المخيّلة الشعبية التي أضفت أبعاداً أسطورية على سيرة عنترة بن شداد، فإن الثابت تاريخياً أنه واحد من أشهر فرسان العرب وكبار شعرائهم قبل الإسلام، وأحد شعراء المعلقات مع امرئ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة اليشكري، وهناك من يضيف آخرين.

وبحسب المصادر، ولد عنترة في إقليم نجد بالجزيرة العربية في الربع الأول من القرن السادس الميلادي. وبالاستناد إلى أخباره، واشتراكه في حرب داحس والغبراء، فقد حدد ميلاده في سنة 525م، وتواترت الأخبار المتعلقة بمعاصرته لكل من عمرو بن معد يكرب والحطيئة، وكلاهما أدرك الإسلام.

انتهت حياة عنترة بعد أن بلغ من العمر تسعين عاماً، تقريباً، وكانت حياته منحصرة بين سنتي 525 و615م، وذكر الزركلي في "الأعلام" أن وفاته كانت في عام 600م، وهو ما يوازي العام الثاني والعشرين قبل الهجرة.

هذا الشاعر الفارس كان موضوعاً لعديد من الكتابات القصصية والنقدية والروايات الشعبية، وأنتجت السينما المصرية عنه فيلماً عام 1961، قصة محمد فريد أبو حديد، سيناريو عبد العزيز سلام، وبطولة فريد شوقي، وكوكا، وفردوس محمد، ونور الدمرداش، وسعيد أبو بكر، وعبد العليم خطاب، ومن إخراج نيازي مصطفى. كما قدم المخرج السوري رامي حنا مسلسلاً تلفزيونياً عنه عام 2007، من بطولة فيصل عميري، وقاسم ملحو، وكندة حنا، وناديا عودة.

صيغة مختلفة

أما المسرح المصري فلم يقدم عنه سوى عمل واحد لم يعرض في مصر، وقدمه المخرج جمال ياقوت ضمن عروض "مهرجان المسرح الصحراوي"، الذي نظمته دائرة الثقافة في الشارقة قبل سنوات.

هذه المرة يتناول المسرح المصري سيرة عنترة في صيغة مختلفة تماماً، وربما غير متوقعة، ويقدمها في شكل راقص من خلال فرقة "فرسان الشرق" التابعة لدار الأوبرا المصرية، وهي فرقة تأسست عام 2009 بهدف استلهام التراث المصري والعربي وإعادة صياغته فنياً من خلال تصميمات ولوحات حركية مبتكرة، تحمل صبغة درامية شعبية وتاريخية.

العرض قدمته الفرقة على مسرح الجمهورية في وسط القاهرة، والتصميم والإخراج بتوقيع كريمة بدير، التي سبق لها تقديم عروض عدة عن شخصيات مصرية من خلال الرقص المسرحي، منها "ريا وسكينة"، و"إيزيس"، و"شجرة الدر"، و"بهية"، وسواها.

النص هنا، دراما وأشعار، من تأليف محمد الزناتي، أقرب إلى السيناريو منه إلى النص الدرامي المعتاد. فالكلمات تتوارى كثيراً أمام التابلوهات الراقصة التي تجسد سيرة عنترة على طريقتها، لكن الكلمات، في الوقت نفسه، تمثل رابطاً لا غنى عنه في محاولة صنع قوام للعرض، وإيجاد مفاتيح يمكن للمشاهد من خلالها التواصل مع ما يجري أمامه، فضلاً عن استخدام خيال الظل (تصميم عبد الحميد حسن) في بعض المشاهد، وإن أحدث نوعاً من التشتيت أو التشويش، على الرغم من جودته الفنية ومناسبته للسيرة الشعبية، فإن توظيفه بالتوازي مع المشاهد الراقصة أحدث ذلك التشويش، وصرف الأنظار لبعض الوقت عن الدراما الحركية.

فكرة الحرية

رسالة العرض الأساسية تتعلق بفكرة الحرية، الحرية التي ظل عنترة يبحث عنها طالباً اعتراف أبيه ببنوّته. صحيح أن العرض تناول قصة حب عنترة لعبلة، وسعيه إلى الزواج منها، وتعرضه لإغراءات سمية زوجة أبيه، وذهابه إلى أرض الملك النعمان طلباً لمهر عبلة، الذي يقال إنه بلغ ألف ناقة حمراء، إلا أن الرسالة التي ركز عليها العرض انحازت إلى طلب الحرية. وكأن صناع العرض يؤكدون أن استدعاء التراث هنا ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما الهدف هو أن يتماسّ هذا التراث مع ما نعيشه هنا والآن، وأن أعلى قيمة يبحث عنها الإنسان في أي زمان وأي مكان هي الحرية.

في أقصى يمين مقدمة المسرح ثمّة راوٍ يجلس إلى مكتبه بملابس عصرية (أسامة فوزي) يقرأ في سيرة عنترة مردداً بعض أشعاره، وبعض كلمات أو أشعار كاتب النص، وهو ما يحيل إلى الأذهان فكرة الراوي الشعبي الذي يقدم السيرة، لكننا هنا أمام راوٍ معاصر يناسب السياق الذي يعمل به، وقد أدّاه برصانة راوٍ حديث لا يستعير شخصية الراوي الشعبي وطرق أدائه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ديكور العرض وملابسه (تصميم أنيس إسماعيل) عبارة عن مجموعة خيام يتم تشكيلها بواسطة الأقمشة، ثم يجري رفعها لتخرج لنا الشخصيات التاريخية. وفي المشهد الختامي، وبعد تجميد الشخصيات، يتم إنزالها، وكأننا بصدد "صندوق الدنيا" الذي أخرجنا منه الشخصيات، وبعد أن أدت مهامها أغلقنا عليها الصندوق. وهي فكرة ذكية تتماسّ مع طبيعة العرض الشعبية، وقد غلب اللون الأصفر على معظم المشاهد (صمم الإضاءة رضا إبراهيم)، باعتبار أننا بصدد بيئة صحراوية، وإن تنوعت الإضاءة بين الأزرق والأحمر في مشاهد الحب والإغراء والمعارك، مستجيبة لطبيعة كل مشهد.

وباستثناء ملابس الراوي العصرية، جاءت الملابس لتحاكي، أو تتخيل، طبيعة الفترة التاريخية التي تدور فيها الأحداث، مع الأخذ في الاعتبار مرونتها التي لا تعوق حركة الراقصين، وكذلك تصميماتها وألوانها التي تضفي نوعاً من البهجة على صورة العرض.

قوام أساسي

أما الراقصون، الذين كانوا القوام الأساسي للعرض، فقد شكلوا بأجسادهم لوحات فنية مبهرة نظراً إلى رشاقتهم، وبراعة التصميم، فضلاً عن وعيهم برسالة العرض. وبدوا أنهم مؤمنون بالقضية التي يتناولها العرض، مما أدى إلى التعبير عن الأفكار التي يحتشد بها، في شكل يلمسه المشاهد ويستسيغه، أي إنهم استطاعوا، بالرقص، إنتاج معنى من ناحية، ومن ناحية أخرى إنتاج تشكيلات جمالية أقامت صورة العرض على نحو مبهج، وعبر موسيقى (أعدها أحمد الناصر) كانت عوناً لهم في التعبير، بطلاقة، عما يدور بداخلهم. لعب دور"عنترة" أحمد عاطف، و"عبلة" فاطمة الشبراوي، و"سمية زوجة شداد" دنيا محمد، و"زبيبة أم عنترة" نوران محمد، و"شداد" رضا رنجو، فضلاً عن عشرات آخرين في المجموعات الراقصة. وامتلكت المخرجة القدرة على إحداث ذلك التناغم بين الراقصين وإدارتهم بوعي، فكل منهم يعرف وظيفته وخطوط حركته ومساحتها من دون حدوث أي اضطرابات أو فجوات، وكأنهم تدربوا على طريقة الأداء فترة طويلة. وكذلك استطاعت الربط بطريقة سلسة بين الكلمة المنطوقة وما يمكن اعتباره التشكيلات الجمالية المنطوقة عبر أجساد الراقصين.

في "سيرة عنترة"، التي تم تقديمها في مشهدية راقصة لأول مرة، دار الحوار بين الشعر والموسيقى والتشكيل الذي تمثل في الديكور والإضاءة والأزياء وأجساد الراقصين التي رسخت العديد من اللوحات، ونطقت بالكثير من الأسئلة عن معنى الحرية وضرورتها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة