إنها ليست المرة الأولى التي تثور فيها الدهشة حيال ما يجري وراء البوابة السوداء المألوفة [لمقر رئيس الحكومة في 10 داونينغ ستريت]، وكذلك والقرف والاستهزاء، بمقدار متساوٍ تقريباً. ويمكن القول إن كل بلاد لا تحظى بمجرد الحكومة التي تستحقها، بل أيضاً بالفضائح التي تستحقها.
لقد خلق بوريس جونسون من أجل "بارتي غيت"، والعكس صحيح، ولهذا السبب فإن النشاطات المؤذية التي شهدها في "10 داونينغ ستريت" لم تبارح العناوين الرئيسة للأخبار على مدار وقت طويل، ليس في المملكة المتحدة وحدها، بل في الخارج أيضاً. ولهذا أيضاً، أدّت إلى إجراء تحقيق، وكذلك ستلحق مقداراً كبيراً من الضرر، مهما كانت النتائج، ليس به [بوريس جونسون] شخصياً فحسب، بل الحكومة وحزب المحافظين نفسه أيضاً.
لكن، هل سيكون من السهل للغاية إلقاء اللوم على رئيس الوزراء هذا، لا سيما أن نقاط ضعفه الشخصية المعروفة بشكل جيد، تشبه إلى حد بعيد ذلك اللهو غير المشروع الذي كان من نصيب البعض بشكل منتظم في "10 داونينغ ستريت"؟ على أية حال، أقيمت الحفلات في وزارات أخرى وجرى الاعتراف بذلك. حتى إن رئيس سلك الخدمة المدنية نفسه قد أقام حفلة في مكتبه، الأمر الذي استوجب استبعاده بعد أن كلف إجراء التحقيق [في شأن الحفلات في مقر رئاسة الوزراء]. باختصار، إلى أي حد يمكن أن يعود الأمر بمجمله إلى أسلوب خاطئ في العمل يمليه رئيس وزراء بنفسه من الأعلى، وإلى أي مدى يمكن لهذا أن يعكس علة لها جذور أعمق وأوسع نطاقاً في النظام، أي الطريقة التي تحكم بها المملكة المتحدة؟
مثلاً، تأمل أجزاء القارة الأوروبية كلها. إنها لم تشهد أي شيء شبيه على الإطلاق بـ"بارتي غيت" التي لم تحصل على الصعيد الدولي حتى في تلك الدول التي يمكن أن تعترف بأنها مولعة باللهو أكثر من غيرها. ولعل أقرب شيء إليها مثله إعلان وزير التعليم الفرنسي فرض الكمامة أثناء وجوده في جزيرة "إيبيزا" كي يقضي شهر العسل، لكن ذلك لم يشمل انتهاك أي قواعد، وجاء كحدث ثانوي ونادر تماماً.
وإلى جانب حقيقة أن الحفلات قد أجريت بالفعل، تتمثل الجوانب اللافتة الأخرى التي تتضمنها "بارتي غيت"، في أن معظم المتورطين فيها لم يدركوا، وفق ما يظهر، كيف ستبدو نشاطاتهم بالنسبة إلى الأشخاص العاديين الذين التزموا القانون بشكل كبير، وكيف يمكن لهذه النشاطات أن تقوض الرسالة المركزية للحكومة بشأن الجائحة. أو، إذا أدركوا ذلك، فإن أحداً منهم لم يكن، وفق ما يبدو، قلقاً بما فيه الكفاية كي يكشف علناً في ذلك الوقت عن خرق القواعد.
أياً جاءت العواقب طويلة المدى، التي يمكنها اعتباراً من الآن أن تتسع لتشمل سلسلة كاملة من النتائج، بدءاً من العقوبة أو النقد الخفيف إلى سقوط رئيس وزراء.
وكذلك تدل "بارتي غيت" على أن ثمة خطأ ما في الطريقة التي تحكم بها بريطانيا، هذا إن لم تكن طريقة فاسدة بالفعل. ولقد آن الأوان لمحاولة التفكير في كيفية معالجة ذلك.
وفي الواقع، يوفر كتابان حديثان، كل بطريقته المختلفة تماماً، جملة من الرؤى حول الطرق البريطانية في مزاولة الحكم، إضافة إلى لمحة، تجري غالباً من خلال الاستنتاج، عن كيفية جعل الأمور مختلفة. لقد جرت مراجعة الكتاب الأول على نطاق واسع في بادئ الأمر، حين ظهوره خلال السنة الماضية، هو رواية سوزان هيوود عن قصة صعود زوجها الراحل إلى منصب رئيس سلك الخدمة المدنية، وكيفية أدائه في أحد أكثر المناصب نفوذاً في البلاد، قبل وفاته المبكرة بالسرطان في 2018.
ويحمل ذلك الكتاب عنوان "ماذا يعتقد جيرمي؟ جيرمي هيوود وصناعة بريطانيا الحديثة". ويستند إلى محادثات المؤلفة مع زوجها في الأشهر الأخيرة من حياته، إضافة إلى أوراقه الشخصية، ومقابلات مع زملائه السابقين من وزراء وسياسيين. ويعني ذلك أن الكتاب نظرة أساسية تأتي من شخص مطلع. وباعتباره كذلك، فإنه يسلم بصحة مجموعة كاملة من الافتراضات على غرار الكفاءة العالية لدى كبار موظفي الخدمة المدنية في المملكة المتحدة واستقامتهم التي لا تشوبها شائبة، وهي افتراضات معبر عنها بشكل أكبر لأنها تكاد لا تواجه اعتراضاً على الإطلاق، سواء في رواية هيوود أو في الحياة الواقعية.
أما الكتاب الآخر، فهو مذكرات ميشال بارنييه عن الفترة التي عمل فيها ككبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن "بريكست" [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي]. وقد أطلق على تلك المذكرات عنوان "مفكرتي اليومية السرية لـ"بريكست"، إنه وهم مجيد"، ويكشف فيها الحقائق التي يجب أن تكون غير مريحة بالنسبة للمملكة المتحدة، عن كيفية عمل الدولة وأنظمتها (أو عدم عملها).
يقدم الكتاب نظرة أجنبي، حسن التصرف عموماً، حتى لو كان في حيرة من أمره ومحبطاً في بعض الأحيان. وحظيت مذكرات بارنييه باهتمام أقل ربما في المملكة المتحدة، مما كان لها أن تناله. وقد طرحت ملاحظات حول مقدار معين من عدم الترابط في السرد، وصيغة المفكرة اليومية التي تجعل قراءتها صعبة. في المقابل، إن تلك الانتقادات نفسها ربما تعكس أيضاً ميلاً بريطانياً إلى رفض آراء الأجانب حولنا، وإذا كان لي جرأة القول، فإن ذلك يحصل، خصوصاً إذا كان أولئك الأجانب فرنسيين.
لكن، الذي يظهر أيضاً بوضوح كبير لا يمكن تجاهله يتمثل في أنه على الرغم من اختلافات الكتابين في وجهات النظر، فإنهما يتفقان إلى درجة كبيرة حول ما يشكل خصوصيات طريقة الحكم البريطانية. ويتركز تباينهما حول ما إذا كانت تلك الخصوصيات أمراً جيداً أو سيئاً. وسأورد بعض الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها منهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المؤهلات/ التدريب
تتجلى إحدى الطرق التي تميز المملكة المتحدة في التأهيل الذي يتلقاه موظفو الخدمة المدنية لديها. وبالمقارنة مع أوروبا، خصوصاً فرنسا، ينظر إلى كبار موظفي الخدمة المدنية في المملكة المتحدة عموماً على أنهم مؤهلين بفضل ذكائهم وإمكاناتهم، بدلاً من الشهادات أو الخبرة المحددة. ويتوقف دخول هذا السلك على نيل درجة علمية لائقة، لا علاقة لها بالعمل عادة، من جامعة جيدة، إضافة إلى أداء مقنع في اختبارات التوظيف، وهي اختبارات يمكن القول إن لها تأثيراً يؤدي إلى تكرار القالب الموجود، بدلاً من محاولة تغيير أي شيء أو حتى مواكبة الزمن.
وقد بذلت جهود كبيرة في السنوات الأخيرة من أجل توسيع نطاق الدخول، والكف عن تفضيل الخريجين من جامعات عريقة. في المقابل، إن تعيين موظفي الخدمة المدنية في الحقيقة ليس مشروطاً بحصولهم على أي مؤهل رسمي في المهارات الإدارية، أو أي خبرة في الإدارة على مستوى القاعدة الشعبية، إذ غالباً ما ينظر إلى عملهم من خلال التأثير الفعلي الذي تحدثه السياسات التي يطبقونها.
وبقدر ما يجري تدريب موظفي الخدمة المدنية بشكل رسمي، فإن ذلك يسير عبر خليط من الدورات الداخلية، واختيار (وأن يكون الموظف قد اختير من أجل) الحصول على مؤهلات خارجية من نوع ماجستير في إدارة الأعمال. ولا يزال هناك نقص في المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا في صميم فئة كبار موظفي الخدمة المدنية ممن يظهر من وقت إلى آخر أنهم أسهموا في ارتكاب أخطاء لا لبس فيها (على غرار امتياز خط السكك الحديد الرئيس في الساحل الغربي). وقد سلط الضوء على هذا النقص أثناء المراحل المبكرة من الجائحة، حينما لم يكن هناك تقريباً أحد في الحكومة، كأن يكون وزيراً أو موظف خدمة مدنية، مؤهلاً كي يضع على المحك عمل العلماء العاملين لدى مجموعة "سايج" [المجموعة الاستشارية العلمية لحالات للطوارئ] ولجان أخرى، وفق ما شددت في وقت لاحق لجنة تابعة لمجلس العموم.
وبعيداً من الطرق الرسمية، يتلقى موظفو الخدمة المدنية عموماً التدريب أثناء قيامهم بالعمل، أو لكونهم أساساً "متدربين" لدى وزير ما خلال سنواتهم الأولى في الخدمة. ويقدم جيرمي هيوود حالة كلاسيكية تصلح للدراسة، فقد التحق بمدرسة مستقلة، وحصل على شهادة في التاريخ والاقتصاد بدرجة جيد جداً من "جامعة أكسفورد". وتمثل الفارق الوحيد بينه وبين معظم أقرانه في أنه وصل حاملاً شهادة ماجستير في الاقتصاد، إضافة إلى شهادته الأولى، والتحق بسلك الخدمة المدنية كاقتصادي بدلاً من أن يكون موظفاً غير متخصص فيوضع على مسار سريع [في التدرج الوظيفي].
في المقابل، سرعان ما استطاع هيوود تغيير المسارات وارتقاء سلم الرتب الوظيفية، بفضل شخصيته الجذابة، والصدفة التي قادته إلى أن يكون في بعض الأمكنة المهمة نوعاً ما في أوقات الأزمات، مع احتفاظه بهدوئه حينذاك (مثلاً، كان في وزارة المالية خلال خروج المملكة المتحدة الإجباري من نظام آلية سعر الصرف الأوروبية)، والقدرة على إنجاز المهام، أو في الأقل كان لدية مهارة من نوع ما في صنع صياغة تضفي على الأشياء مظهراً يوحي بأنها قد أنجزت.
وقضى فترة في "كلية الأعمال" بـ"جامعة هارفرد" (بتمويل من مال حكومي)، وأمضى 4 سنوات في المرحلة المتوسطة من حياته المهنية خارج الخدمة، في الذراع المصرفية الاستثمارية في المملكة المتحدة لمؤسسة "مورغان ستانلي"، وهي وظيفة حصل عليها فيما يبدو من خلال علاقاته وسمعته كموظف خدمة مدنية لامع، وليس بسبب حيازته نوعاً معيناً من الخبرة. وبعد ذلك عاد إلى عالم الخدمة المدنية الأكثر أماناً، ولو أنه أقل سخاءً من حيث الراتب. وقد نصب أميناً عاماً لمجلس الوزراء في ظل [رئيس الوزراء سابقاً] ديفيد كاميرون 2012، ثم صار رئيساً لسلك الخدمة المدنية في 2014.
وبالنتيجة، يختلف هذا النوع من المسار المهني عما يجري [للموظف الحكومي] في معظم دول أوروبا الغربية. فحتى في فرنسا مثلاً، حيث تتمثل الأرضية الرئيسة لدى استقطاب كبار موظفي الخدمة المدنية، في ما يسمى "المدراس الكبرى"، أي الأكاديميات النخبوية، فإنه من المتوقع منهم [موظفي الخدمة المدنية] أن يكونوا حائزين مؤهلات رسمية في الإدارة. وتتبع ذلك فترة من العمل المتواضع نسبياً في المناطق، أو العمل كعضو مبتدئ في فريق الموظفين التابع لأحد السياسيين.
غالباً ما ينظر إلى المملكة المتحدة من الخارج، بحسب ما وجدت حين عملت في الولايات المتحدة، بأنها تقارب أعمال الحكومة عبر مقدار معين من الخفة
يأتي بارنييه من خلفية كهذه، إذ تخرج من "كلية باريس العالية للأعمال"، ثم سلك الطريق السياسي بما ينسجم مع الولاءات الديغولية لعائلته. وقد تراوح عمله المهني بين منصب وزاري، ووظائف استشارية، وفترتين قضاهما كمفوض أوروبي، وكانتا نقطة انطلاق في تعيينه كبيراً لمفاوضي "بريكست" لدى الاتحاد الأوروبي.
بصرف النظر عما يمكن أن يذكر عن بارنييه، علماً بأنه جرى التقليل من شأنه أحياناً حين شغل منصب وزير أوروبا الفرنسي في أواسط تسعينيات القرن العشرين، فمن الصعب الجدال أنه لم يكن مستعداً بشكل جيد ومؤهلاً بصورة جيدة لأداء الوظائف التي نهض بها، خصوصاً في المراحل الأخيرة من حياته [الوظيفية]. في المملكة المتحدة، ينهض موظف لامع في سلك الخدمة المدنية، بشكل نموذجي، بسلسة من المسؤوليات المتغيرة كل منها أرفع من سابقتها من حيث الدرجة، من دون أن تعكس [المسؤوليات] بالضرورة الخبرة التي اكتسبها من المنصب السابق. وكذلك يجري أيضاً الفصل بين عالمي السياسة والخدمة المدنية بشكل صارم.
طرق العمل
ثمة طرق عدة في عمل الحكومة فعلياً، وليست مقطوعة الصلة بالمقاربات المختلفة للمؤهلات والمسارات المهنية في المملكة المتحدة وعدد من الدول الأخرى. وينظر من الخارج إلى المملكة المتحدة غالباً، بحسب ما وجدت حين كنت أعمل في الولايات المتحدة، أنها تقارب أعمال الحكومة بقدر معين من الخفة، وبشيء قليل من عدم الاحترام للتراتبية، علانية في الأقل. وبطبيعة الحال، تكون الأمور مختلفة في السر، إذ يمكن أن تجري متابعة تقدم العمل المهني بقسوة لا يُعلى عليها. وتستطيع سوزان هيوود أن توفر مجرد لمحة عن المدى الذي ذهب إليه جيرمي في حرصه على حماية وضعه تجاه آخرين، والعناد الذي تابع من خلاله وظيفته الرفيعة.
وفي مكان آخر، تكون الحالة المعاكسة لذلك مألوفة أكثر. ويكون الوجه الذي يطل به المرء على الناس جدياً، فيما يجري الاحتفاظ بأي خفة للجو الخاص. أما في الولايات المتحدة، وكذلك في عدد من الدول الأوروبية، فتبقى مؤسسات الدولة موضع احترام قد يبدو لكثير من البريطانيين مبالغاً فيه.
ويمكن قول شيء مشابه عن الاحترافية. قد يحاول البريطانييون التعامل مع خبراتهم بتواضع وبساطة. ومن الممكن أن يساء تقدير ذلك في الخارج، حيث يكون من المتوقع ظهور الاحترافية بشكلها وجوهرها أيضاً. في المقابل، يجب القول أيضاً إن هناك أوقاتاً لا يكون فيها مسؤولو المملكة المتحدة جيدين بما فيه الكفاية، في رأي نظرائهم الأجانب.
ومن الواضح أن بارنييه شعر بانزعاج بالغ بسبب الافتقار للاحترافية والخبرة ذات المستوى المتدني، من وجهة نظره، اللذين لمسهما لدى بعض من تعامل معهم في الجانب البريطاني. وسجل ملاحظات قاسية عن نهجهم غير الرسمي حيال الالتزام بالمواعيد، إضافة إلى عدم استعدادهم بشكل كافٍ للمهمة التي يؤدونها (والاهتمام بها). ويبدو ذلك جلياً بشكل واضح في وصف الجولة الافتتاحية لمحادثات "بريكست"، إذ جاء كل عضو في فريق الاتحاد الأوروبي مسلحاً بملفات دقيقة، بينما لم يكن لدى الفريق البريطاني على الطرف الآخر من الطاولة أي ملفات.
وعلى امتداد عملية "بريكست" كلها، وُجد شخصان شعر بارنييه حيالهما بقدر من الاحترام الحقيقي. تمثل الأول في تيريزا ماي التي درست الملفات المتصلة [ببريكست] جيداً قبل أن تأتي إلى الاجتماعات مستعدة تماماً، بيد أنها وضعت في موقع مستحيل. ويتمثل الثاني في السير أولي (أوليفر) روبنز، كبير مستشاري ماي لشؤون "بريكست" ورئيس موظفي الخدمة المدنية في وزارة "بريكست" سابقاً. ويورد بارنييه أن روبنز "يتمتع بكفاءات المسؤولين البريطانيين الكبار". ويتابع، "روبنز يفهم بشكل أفضل من الآخرين تداعيات (بريكست)، ويسعى إلى الحد من آثارها السلبية." وبالطبع، إن تلك الصفات جعلت روبنز مشتبهاً فيه برأي أنصار "بريكست".
وتجدر الإشارة أيضاً إلى حقيقة أن اهتمامات روبنز الفكرية تتركز على النظرية الاجتماعية الفرنسية، الأمر الذي ربما منحه رؤية ثاقبة عن طرق التفكير الفرنسية والأوروبية، وهي رؤية غابت للأسف عن الفريق البريطاني المفاوض. من جهة أخرى، هنالك دومينيك راب، المرفوض لكونه يفتقر إلى "الفارق الدقيق" [بمعنى ما يميزه عن غيره في موضوع ما]. ومن الواضح أنه لم يكن هناك انسجام بينهما [بارنييه وراب]. وربما كان من الأفضل للمملكة المتحدة أن تبذل جهداً أكبر في التفكير حول تعيين مفاوضين يتمتعون بفهم أعمق للجانب الآخر.
في المقابل، لم يجد بارنييه صعوبة في مجرد التعامل مع الأشخاص وحسب، بل شمل ذلك أيضاً افتقاد فريق المملكة المتحدة القدرة على التوقع، في رأي بارنييه، مع غياب واضح لنظام أو خطة، على حد واحد وسواء، إذ تشكل الأنظمة المتبعة جوهر العمل بنفسه، في عدد من دول القارة الأوروبية، بما فيها فرنسا. وقد نقلت الأنظمة إلى مستوى جديد كلياً في بروكسل، وذلك بالطبع، ما سعى بعض أنصار "بريكست" إلى الهرب منه.
وفي سياق متصل، يجد بارنييه أنه من الصعب التعامل مع غياب الإحاطات الموجزة الرسمية من قبل الجانب البريطاني، والافتقار إلى معلومات ممنهجة، والتغيير المتكرر للفريق المفاوض، فقد غير كبير المفاوضين البريطانيين ثلاث مرات في عدد مماثل تقريباً من السنوات. خلافاً لذلك، بقي بارنييه على رأس فريق الاتحاد الأوروبي على امتداد المفاوضات. وفي المناسبات النادرة التي كان من الضروري فيها إجراء تعديلات على فريقه، جرى ذلك بعناية سعياً إلى ضمان الاستمرارية فيه.
ومن المؤكد أن تأثير الاعتماد المبالغ فيه على الأنظمة قد يكون خانقاً، إلى حد أن الشكل فيه يطغى على الجوهر، فيموت الابتكار. ربما تكون المرونة والعفوية، وكذلك الأسلوب الذي يحظى غالباً بالثناء في الخارج بوصفه نهجاً بريطانياً فريداً في تأكيده على الثقة بالقدرة على حل المشاكل، كلها من الأشياء الثمينة، بيد أن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه المملكة المتحدة، بحسب روايتي بارنييه وهيوود، في ميلها إلى ترك الأمور تتدحرج، ثم تتوقع [بريطانيا] بشكل واثق أن الأمور ستجد حلاً ما بطريقة سحرية في اللحظة الأخيرة، ربما يؤدي إلى المقامرة بشكل أكبر مما قد يرغب به المفاوضون الأوروبيون (والأميركيون). ويظهر أيضاً أن البريطانيين لا يفهمون مدى عمق الشك الأوروبي حيال "ألبيون [اسم بريطانيا القديم] المخادعة"، وكيف أنه في أحيان كثيرة، تبدو أساليبنا التكتيكية في التفاوض كأنها تعمق ذلك الكليشيه.
ربما يكون بارنييه أيضاً قد فوجئ بالسرعة التي ينتقل فيها الشخصي على الجانب البريطاني، إلى سياسي وبالعكس. حين قرأت مذكراته، وجدت من المدهش أن الرسميات النسبية والانضباط قد سادا فريق بارنييه، في الوقت الذي حاز العمل والعائلة والمتعة، حدوداً واضحة. وتبين حفلات "داونينغ ستريت" (نعم، إنها تلك الحفلات مجدداً) إلى أي مدى يكون العكس هو الصحيح في المملكة المتحدة. وقد يدفع الدفء السائد في أوساط الحكومة والسياسة والإعلام حاضراً، العلاقات القوية بينهم بشكل استثنائي وغير منتج، إلى ذرى جديدة. غير أن هذا التمازج، الذي يعتبر سمة مألوفة أكثر في بلد صغير لديه نخبة صغيرة، ليس مقتصراً على عهد جونسون.
لقد أفرزت عملية "بريكست" عدداً من الأحاجي الدستورية غير أنه لم تكن هناك أدوات، على غرار وجود محكمة دستورية، كي تفصل فيها. ويبرز أيضاً في كتاب هيوود ذلك الإحساس الصارخ تماماً لدى النخبة التي تضم كبار موظفي الخدمة المدنية بقدر ما تضم نظراءهم في الحكومة، بأنها جديرة بكل ما تناله
ففي ذلك الصدد، تلمح رواية هيوود إلى المدى الذي يمكن من خلاله في المملكة المتحدة أن يجري دمج العمل باللهو، وأيضاً الدور الذي تؤديه العلاقات الشخصية في التوظيف والترقيات. ربما تكون تلك هي الطريقة التي جرت بها الأمور دائماً في القطاع الخاص، لكن هل هذا شيء جيد في القطاع العام، خصوصاً بالنسبة إلى أكثر التعيينات الخاصة بأرفع موظفي الخدمة المدنية؟
والذي يبرز أيضاً من كتاب هيوود هو الإحساس الصارخ تماماً لدى النخبة التي تضم كبار موظفي الخدمة المدنية بقدر ما تضم نظراءهم في الحكومة، بأنها جديرة بكل ما تناله. إذا كنت تتساءل كيف بقي دومينيك راب، وزير الخارجية حينذاك، يمضي إجازته فيما كانت كابول تسقط، أو كيف ظل السير فيليب بارتون، رئيس السلك الدبلوماسي في عطلته لفترة أطول [من تلك التي قضاها راب]، أو كيف بدا أن كبار المسؤولين بقوا في عطلاتهم في الوقت نفسه، حسناً، اقترح أن تقرأ "ماذا يعتقد جيرمي؟". أحسب إنه كان سيجد ذلك مقبولاً بشكل كامل، في الأقل حتى يتضح له كيف كان ذلك سيبدو بالنسبة إلى الآخرين.
تؤرخ سوزان هيوود حياةً [زوجها] اشتملت على إجازات خارجية عدة في السنة، قُضي عدد قليل منها في وجهات إكزوتيكية [تجمع الإثارة والغرابة]، جرى السفر إليها على متن رحلات طويلة، وتخللها انزعاج بالغ في المناسبات النادرة التي عطل فيها نداء الواجب تنفيذ خطط رسمت سلفاً بدقة، لكن ثمة اعتراف ضئيل في الكتاب بأن تلك لم تكن طريقة حياة بقية الشعب.
وينطبق الأمر ذاته على افتراضها الواضح بأن نمط حياتهما لم يكن استثنائياً، وأن الأمن الوظيفي، والزيادات المنتظمة في الراتب، والمعاشات التقاعدية الكافية، متوفرة كلها للجميع. وحتى حين يغامر جيرمي بدخول القطاع الخاص، أي الأعمال المصرفية، كان بإمكانه الافتراض بصورة آمنة أن بوسعه العودة إلى سلك الخدمة المدنية حينما يشاء، وإذا شاء ذلك. لا تعتبر تلك تجربة عمل في القطاع الخاص بالنسبة إلى غالبية الناس.
وبعد ذلك، هناك تأمينه الصحي الخاص، وأعرف أن الحديث عنه قد ينم عن قسوة قلب، لكونه أصيب بذلك المرض الخطير، لكنني شعرت بالاحباط لدى قراءة الجزء الذي كتبت فيه هيوود، "بعد رحلة في سيارة [إسعاف] مزودة بالضوء الأزرق وقضاء ساعات عدة في قسم الحوادث والطوارئ المزدحم في [مستشفى] سانت جورج، أتى سائق جيرمي على عجل في منتصف الليل ليعيدنا إلى مستشفانا المعتاد. وكنت أعرف أن جيرمي سيشعر هناك بمزيد من الراحة." حسناً، نعم، بيد أنني أتساءل عن آفاق تحسين هيئة "خدمة الصحة الوطنية" على الإطلاق من أجل الجميع، إذا كان أمثال جيرمي في هذا العالم يمكنهم الهرب إلى "المستشفى المعتاد" الذي يترددون عليه.
وأتساءل أيضاً عن الحكمة، من وجهة نظر البلاد، التي ينطوي عليها نهج رحيم بشكل يثير الإعجاب تبنته تيريزا ماي حيال مرض هيوود الأخير، فعمدت إلى طمأنته بأن عليه أن يفعل قدر ما يستطيع، لكن ليس أكثر من ذلك، في الوقت الذي مرض فيه بشكل خطير. آنذاك، وصلت أزمة "بريكست" البرلمانية إلى ذروتها. ولا يبدو أن وضعاً يقدم فيه أعلى موظفي الخدمة المدنية المشورة للحكومة من على فراش المرض، فيما يحل محله وقت الضرورة نائب له، مهما كان ذلك النائب مؤهلاً، يكون شبيهاً بوضع مثالي، إذ يبقى النائب نائباً، ويخيم عليه ظل رئيسه، خصوصاً في نظام يعي للغاية مسألة التراتبية في الخدمة المدنية.
الدستور
يفضي ذلك، بطريقة ما، إلى فارق آخر، لكنه أكبر، في نظام الحكم بين المملكة المتحدة وبين عدد من الدول الأخرى، هو دستورنا غير المكتوب والأشد مرونة بسبب ذلك. لقد استطاعت تيريزا ماي تبني هذا النوع من النهج الشخصي تجاه أمر شكل، من حيث الجوهر، أزمة وطنية [مفاوضات بريكست]، من دون أن تعود إلى كتاب القواعد [الحكومية]. أذكر أنني غطيت "انتخابات متعادلة" في الولايات المتحدة سنة 2000 [انتخابات الرئاسة بين جورج دبليو بوش وآل غور]، وكم أدهشني النجاح اللافت للأحكام التي أوردها دستور يعود إلى القرن الثامن عشر، في استيعاب تلك الحالة المتطرفة بعد 200 سنة. ومن دون وثيقة من ذلك النوع يمكن للمملكة المتحدة أن تبدو أحياناً كأنها "تتخبط" وتخلق سوابق بشكل مرتجل. قد يكون في المرونة ما يستحق التزكية، لكن إلى أي مدى تصل تلك المرونة في تعزيز حكم القانون؟
لقد أفرزت عملية "بريكست" عدداً من الأحاجي الدستورية غير أنه لم تكن هناك أدوات، على غرار وجود محكمة دستورية، كي تفصل فيها. وكذلك أظهر الصراع المستمر منذ وقت طويل بين البرلمان ورئيس الوزراء، أن نظام المملكة المتحدة لا يستطيع دوماً أن يعمل حينما يتعرض للضغوط. هناك أيضاً مسألة فصل السلطات. إن الوزراء في المملكة المتحدة هم أعضاء في السلطتين التشريعية والتنفيذية في آنٍ معاً، وهما هيئتان يجري إبقاء كل منهما منفصلة عن الأخرى بشكل متعمد في عدد من الدول. ومثلاً، تنقل بارنييه، بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية، غير أنه لم يكن قادراً على الانتساب إلى الاثنتين في الوقت نفسه.
وفي ملمح متصل، يرى بارنييه أن التقاطع بين الهيئتين التنفيذية والتشريعية في نظام المملكة المتحدة، شيء غير مرض بشدة، فقد يقدم رئيس الوزراء تعهداً ما، إلا أنه ربما يكون من الضروري (ليس دوماً) أن يعرض القرار أمام البرلمان، ما قد يؤدي بعد ذلك إلى مرحلة طويلة من الأخذ والرد، اللذين قد يستلزمان في نهاية المطاف، على غرار الحال مع "بريكست"، إشراك المحكمة العليا في الأمر، بالتالي إن العلاقات بين ما يعتبر في الولايات المتحدة ثلاث أذرع مستقلة للسلطة، مشوشة في المملكة المتحدة بشكل غير مفيد.
ومثلاً، لدى فرنسا أمثلة على عرقلة حكومات، حتى على سقوطها، وحكومة جوبيه بين عامي 1995 و1997 التي كان بارنييه وزيراً فيها، مثل على ذلك. وفي المقابل، حين تتعامل حكومة أو مجموعة [حكومات] على غرار الاتحاد الأوروبي مع حكومة أخرى، فإن كلمة الرئيس أو رئيس الوزراء تكون معتمدة، بالتالي تبدو فكرة أن رئيس وزراء بريطاني لم يكن في وضع يسمح له بالوفاء بتعهده، أو تعهدها، تبدو للطرف الآخر انتهاكاً أساسياً للثقة [ببريطانيا].
لقد انبرى بوريس جونسون لإنهاء ذلك، أولاً من خلال عملية طرد نفذها من دون رحمة للمحافظين المؤيدين بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ثم بتحقيق انتصار كاسح (ومفاجئ). وهكذا، غدت عملية التفاوض أكثر بساطة، أو أنها كانت ستصبح كذلك لو أن جونسون لم يتعامل مع تعهدات [تيريزا ماي التي خلفها على رأس الحكومة] اعتبرها بارنييه وفريقه التزامات رسمية بموجب المعاهدة، كأنها نصف وعود يمكن تنفيذها أو تركها. ربما ليس من شأن دستور مكتوب أن يحل كل شيء، لكن يمكنه أن يصل إلى مسافة ما على طريق إيضاح المضامين التي ينطوي عليها وضع توقيع على وثيقة ما، في أسفل نصها المكتوب.
إحساس بالمكان والتاريخ
أخيراً، قد يكون من المفيد إضافة بعض الأفكار عن إحساسنا بالمكان والتاريخ. يتمتع بارنييه بشيء لا تجده لدى بعض النخب الأوروبية أو عند عديد من أعضاء النخبة في المملكة المتحدة، يتمثل في العلاقة مع المكان الذي جاء منه كل منهم، إذ تغص مذكرات بارنييه بالإشارات إلى حبه وولائه لمنطقة "سافوا" التي تعود أصوله إليها. ويرجع إلى تلك المنطقة من أجل الراحة وتجديد نشاطه. وثمة شيء من جبال الألب يجري في عروقه.
يبدو الزوجان هيوود، مثالين رئيسين عمن يسميه المعلق الاجتماعي ديفيد غودهارت "[شخص] ينتمي إلى أي مكان"، ووصفتهما تيريزا ماي بعبارتها المشهودة "مواطنين من اللا مكان". ولا يرجع ذلك إلى مجرد الطفولة المملوءة بالتجوال التي قضتها سوزان، وكثرة ترحالهما في أنحاء العالم، إذ تبدو الصلة بين النخبة الحاكمة والشعب في المملكة المتحدة، أضعف منها في بعض الدول الأخرى.
إن نهج المملكة المتحدة المتسم بالظرفية، بشأن النص الحرفي للقانون وعلاقته بالحكومة، ونهجها غير المبالي، والمستخف أحياناً، حيال المؤسسات، قد ينظر إليه في الولايات المتحدة على أنه نوع من الهرطقة، وكذلك سيكون غير مسموح به في أجزاء عدة من القارة الأوروبية
ثمة شيء مشابه يمكن ذكره بالنسبة إلى الإحساس بالتاريخ، وهو ما تفتقر إليه نخبة المملكة المتحدة غالباً، إذ يبدو أن نقطة التوجيه الوحيدة التي تشير إليه عبارة "أيام المجد" متمثلة في الحرب العالمية الثانية. إن إحساس بارنييه بالتاريخ الحديث، أكثر قوة وعمقاً بسبب إيمانه المعلن بالديغولية. وهذا ما أدى إلى أنه أخذ، خلال زياراته الأخيرة إلى لندن، لمشاهدة الغرفة في "4 كارلتون غاردنز"، حيث أسس شارل ديغول "مكاتب متواضعة للفرنسيين الأحرار". ويكتب بارنييه أنه "بعواطف جياشة، زرنا هذه الغرف التي، للأسف، لم يجر الحفاظ عليها في وضعها الأصلي ما عدا ساعة كبيرة كانت في غرفة الاجتماعات آنذاك".
والآن، قد تسأل بشكل معقول لماذا يجب أن تهتم المملكة المتحدة كثيراً بمجرد غرفة في بيت كبير، جرى استعمالها ذات يوم من قبل جنرال أجنبي حين كان في المنفى، لكن لعل السؤال الأكثر صلة بالأمر قد يكون عن سبب عدم تقدير قيمة بيت كذلك حاز أهمية كبرى لدى أقرب جيراننا إلينا، وكم كانت المحافظة على وضعه من شأنها أن تخدم المملكة المتحدة في علاقاتها المتوترة غالباً مع فرنسا.
وفي رواية هيوود لحياة الخدمة المدنية وزمانها، يمكن تلمس علاقة عابرة، بلا داع، مع التاريخ الحديث أيضاً. إن شعلة الذاكرة الوطنية التي تحظى بالعناية المتحمسة من قبل عدد من الدول الأخرى، ليست شيئاً يأسر النخبة البريطانية بشكل كبير، قبل مناسبة "أحد الذكرى" [الأحد المخصص للاحتفاء بمساهمات الجيش البريطاني وجيوش دول الكومنولث في الحربين العالميتين وصراعات أخرى] أو بعدها. مع ذلك، يمكن الإشارة إلى أن عدم إعطاء التاريخ حق قدره قد قادنا إلى أفغانستان والعراق، وأدّى إلى فضيحة "ويندراش" [تتعلق بمهاجرين من جزر الكاريبي]، وأشياء أخرى، بالتالي يؤدي عدم إيلاء الذاكرة التاريخية في مؤسساتنا اهتماماً كافياً، إلى إيذاء عملية صنع القرار في الوقت الراهن.
وكخلاصة موجزة، إن تمضية ساعات قليلة في التفكير بما يرد لدى هيوود وبارنييه، ليس أسوأ ما يمكن أن يفعله كل من يفكر في مستقبل بريطانيا بعد بريكست، من منظور كيفية إدارة البلاد. ويجب ألا يقتصر التفكير على ما ورد لديهما، بل إن يشمل ما لم يقولاه أيضاً، وكذلك الحقائق التي كشفا عنها بشكل عابر تقريباً، عن نقاط ضعف المملكة المتحدة وقوتها.
وعلى خلفية ما يشبه طائفة الهواة المستنيرين، والهاجس بالصياغة الاحترافية الفائقة، وخدع التفاوض في اللحظات الأخيرة، قد يبرز السؤال عما إذا كانت مهارات من ذلك النوع، المشكوك فيها أحياناً، ضرورية إذا كانت الأساسات أكثر رسمية وانسجاماً، واستندت إلى قانون يأخذ شكل دستور مكتوب.
من الجيد للغاية إلقاء اللوم كله على جونسون وعيوبه الشخصية المعروفة، كسبب في الفوضى والتراجع المستمرين بشأن "بريكست"، وكذلك بالنسبة لحفلات "10 داونينغ ستريت". في المقابل، ربما أمكن النظر إلى كل منهما بدقة أكبر، واعتباره نتيجة إخفاقات نظام الحكم في المملكة المتحدة، وهي تصل إلى خلاصاتها المنطقية، كدجاج يعود إلى القن. إن نهج المملكة المتحدة المتسم بالظرفية، بشأن النص الحرفي للقانون وعلاقته بالحكومة، ونهجها غير المبالي، والمستخف أحياناً، حيال المؤسسات، قد ينظر إليه في الولايات المتحدة على أنه نوع من الهرطقة، وكذلك سيكون غير مسموح به في أجزاء عدة من القارة الأوروبية.
ومن المؤكد أن أي تغييرات في الاتجاه الأوروبي قد تؤدي إلى تقليص وزن بعض مواطن القوة البريطانية من حيث المرونة والطابع العملي. في المقابل، إن ما يرد لدى هيوود وبارنييه، بطريقتين مختلفتين، هو أن تبني نهج للحكم يكون رسمياً أكثر، ومتسقاً أكثر، وجاداً أكثر، وقانونياً أكثر، قد يخدم المملكة المتحدة بشكل أفضل من القانون الفوضوي والفاشل [الحالي]، والعلاقات الشخصية، والتجاهل، والامتثال العشوائي [للقوانين] الذي يسود اليوم.
"ماذا يعتقد جيرمي؟ جيرمي هيوود وصناعة بريطانيا الحديثة" (وليام كولينز، 25 جنيهاً استرلينياً)
"مفكرتي اليومية السرية لبريكست: وهم مجيد" (بوليتي، 25 جنيهاً استرلينياً)
© The Independent