Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل الخليج في منأى عن شرر أوكرانيا؟

تشهد العلاقات بين دول مجلس التعاون وحليفة الغرب نمواً دفع 55 ألف سعودي نحو كييف الصيف الماضي رغم كورونا

تشهد العلاقة الأوكرانية الخليجية نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة (أ ف ب)

للوهلة الأولى تبدو الأزمة في أوكرانيا خالصة بين الغرب وروسيا من دون الناس، لكن تشابك المصالح والعلاقات الدولية تجعل ذلك أمراً عسيراً وسط عالم متعدد الأقطاب، تحاول فيه أطراف النزاع جر ما استطاعت من الحلفاء لتزيد موقفها تأثيراً وقوة.

وبالنسبة إلى الخليج الذي كان في وقت مضى جزءاً من المعسكر الغربي، محوراً وتحالفات، أصبح موقفه بعد جدل الانسحاب الأميركي المتدرج من الإقليم يلامس خطاه بحذر في أي موقف يتسم فيه الاصطفاف بين المعسكر الشرقي والغربي بحدية طاغية، كما في الأزمة الأوكرانية.

لكن ذلك لم يمنع من ظهور مواقف تشير إلى مباعث القلق في الصراع من زاوية الخليج، إذ لفتت أخيراً دولة التسويات في المجموعة، سلطنة عمان، إلى أنها مهتمة "بالتطورات المحيطة بالأزمة الأوكرانية، وتعرب عن قلقها من تداعيات التصعيد في تلك المنطقة، وتناشد الدول والمجتمع الدولي مضاعفة الجهود الدبلوماسية وفق مبادئ القانون الدولي والقيم الإنسانية لتجاوز هذه الأزمة".

وفي ظل دخول بريطانيا بعد أميركا في خضم الأزمة بعمق أكبر، إلى جانب المصالح الخليجية المباشرة مع أوكرانيا وملفات العرب المتنازع عليها دولياً في اليمن وسوريا وليبيا والاتفاق النووي الإيراني، بات اكتفاء الخليج بدور المتفرج في الأزمة أمراً مستبعداً.

هل سوريا مقابل أوكرانيا؟

ولهذا اعتقد السياسي السعودي المخضرم نزار عبيد مدني أن المساومات في أوكرانيا قد تكون تستهدف "صفقة ما"، تحضر على الأرجح في تفاصيلها ملفات عربية أيضاً في مثل سوريا.

وأعرب الدبلوماسي الذي عمل لسنوات في وزارة الخارجية ووزيراً للدولة للشؤون الخارجية سابقاً، في تغريدة له عبر حسابه على "تويتر"، عن اعتقاده بأن "ما يحدث حالياً بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة وبين أوروبا وروسيا من جهة أخرى يخبئ وراءه أمرين، الأول استبعاد قيام أي مواجهة عسكرية مباشرة بين أميركا وروسيا أو بين أوروبا وروسيا، فلا أميركا في وارد التحرك عسكرياً على النطاق العالمي، ولا أوروبا في وضع يسمح لها بمثل ذلك التحرك بخاصة في مواجهة روسيا".

أما الأمر الثاني فهو التوقع بأن هناك "صفقة ما" يتم الإعداد لها في الخفاء بين الغرب وروسيا، "ويتم بموجبها السماح بنوع من الهيمنة الروسية على أوكرانيا، قد تؤدى إلى إحلال نظام موال لموسكو في كييف، والتوقف عن محاولات ضم أوكرانيا أو غيرها من الدول الأوروبية المحاذية لروسيا إلى حلف الـ "ناتو"، وذلك في مقابل موافقة روسيا على الانسحاب من سوريا ولو بشكل تدريجي، تمهيداً للتوصل إلى حل نهائي للوضع هناك".

وإذا اندرج الاحتمال الأخير ضمن مجريات الملف الأوكراني فإن الخليجيين سيكونون معنيين بالأحداث في كييف تبعاً لذلك، بوصفهم عرباً مهتمين بالمنطقة العربية، ولأنهم أيضاً منخرطون في القضية السورية وإن بشكل متفاوت، ففي الوقت الذي حافظت مسقط على علاقتها وسفارتها في دمشق طوال سنوات الحرب، فإن الإمارات هي الأخرى عادت إليها وسط حديث عن نقاش في البيت الخليجي حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومن ثم إلى دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها السعودية كبرى دول المجلس، التي تردد أنها بدأت خطوات اتصال بسوريا، على الرغم من انتقاداتها المبدئية للنظام.

ميزان التحالفات

لكن الجانب الذي قد يجعل الخليج معنياً أكثر بأجواء الصراع بين الغرب وروسيا في أوكرانيا هو تحالفاته الغربية التقليدية، التي فسر بها المحلل الروسي ألكسندر نازاروف التوجه للاستثمار في الدولة التي تقع على حدود منطقة استراتيجية فاصلة بين نفوذ الغرب وروسيا، لدرجة شُبه فيه التنازع حولها بما حدث مع ألمانيا أيام الحرب البادرة، حين انقسمت إلى شرقية وغربية طبقاً لنفوذ المعسكريْن المهيمنيْن قبل سقوط جدار برلين العام 1989.

وكان نازاروف اعتبر قرارات دول الخليج بالاستثمار في أوكرانيا أقرب إلى إعانات ودعم للحكومة الأوكرانية الموالية للولايات المتحدة الأميركية، "بضغط من واشنطن، أكثر من كونها استثمارات يتوقع أن تكون مربحة، بل من غير المرجح أن تحقق هذه الأموال أي أرباح، وإنما ستذهب هباء".

ومع أن المحلل الروسي ينطلق من موقف بلاده الرسمي والعدائي نحو أوكرانيا، إلا أن اعتقاده يفسر جانباً من قلة الاهتمام الخليجي سابقاً بالاستثمار في الدولة المهمة، على الرغم من الفرص المتوافرة فيها وفقاً لتقديرات ورقة حديثة عن مركز الخليج للأبحاث، ناقشت "العلاقات الأوكرانية السعودية: التحديات والآفاق لمزيد من التعاون"، وخلصت إلى أنه على الرغم من أن أوكرانيا تعتبر السعودية واحدة من الشركاء الرئيسين في منطقة الخليج والشرق الأوسط، إلا أن العلاقات الحالية لا تزال دون الطموح من نواح عدة".

فرص ضائعة

ولفتت إلى أن المؤشرات تظهر بوضوح أن فرص الشراكة غير مستغلة بالكامل، فعلى سبيل المثال رصدت أن إجمال التجارة في البضائع مع الرياض في 2019 بلغ نحو 920 مليون دولار، إلا أنه "بالنظر إلى القدرة على تنويع التجارة وتكثيفها يمكن أن يصل إجمال حجم التجارة في كل من السلع والخدمات إلى ملياري دولار أو أكثر".

ورأت أن تحقيق هذا الهدف يمكن من خلال زيادة حجم التجارة بشكل عام، ولكن الأهم من ذلك بحسب خلاصتها "بناء علاقات تجارية ثنائية متوازنة، بما في ذلك زيادة الصادرات السعودية إلى أوكرانيا لتشجيع هيكل أكثر توازناً للتجارة الثنائية في السلع."

واقترحت الورقة على الجانبين التركيز على زيادة تدفقات الاستثمار الثنائي، ففي وقت يشهد فيه الاستثمار الأجنبي المباشر من السعودية إلى أوكرانيا تباطؤاً إلى حد ما، لا يزال تدفق استثمار كييف إلى الرياض منخفضاً للغاية، ورجحت أن "المجالات المحتملة للاستثمار المشترك تشمل بناء البنية التحتية وإنشاء مشاريع مشتركة في مجالات الزراعة وإنتاج النقل العسكري والطاقة وما إلى ذلك، وقد تتضمن المشاريع الأخرى تنمية السياحة وفرص التعليم وتبادل التكنولوجيا وغيرها".

ومع أن العلاقات بين دول الخليج وجمهورية أوكرانيا بدأت مبكراً بعد استقلال الدولة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، إلا أنها لم تشهد التطور المتسارع إلا حديثاً بعد أن دخلت في مرحلة الشد والجذب بين روسيا والغرب، خصوصاً بعد 2017، العام الذي شهد توقيع اتفاق إطار جماعي بين مجلس التعاون ممثلاً في دوله الست وأوكرانيا، وذلك وفقاً لرواية المجلس الذي أورد في سجلاته أن "أوكرانيا تقدمت بطلب النظر في توقيع اتفاق بشأن تعزيز التعاون مع مجلس التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، ووافقت دول المجلس على التوقيع على مذكرة تفاهم في شأن آلية المشاورات بين الأمانة العامة لمجلس التعاون ووزارة الشؤون الخارجية بجمهورية أوكرانيا، وذلك من خلال مشاورات منتظمة بينهما تعقد مرة كل سنة أو أكثر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو في أي مكان يتفق عليه".

وبعد أن تم إبرام الاتفاق تمت الإشارة إلى أنه جاء منسجماً مع رغبة الطرفين في استكشاف مجالات التعاون والحوار، واقتراح الآليات المناسبة لذلك، كما تعقد اجتماعات لفرق عمل وخبراء من الجانبين لمناقشة ما يتفق عليه في إطار المواضيع ذات الاهتمام المشترك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد هذا الاتفاق شهد التبادل التجاري والتعاون بين دول المجموعة وكييف تنامياً متسارعاً على أكثر من صعيد، قاد رئيس الدولة فولوديمير زيلينسكي 2021 إلى زيارة الإمارات العربية المتحدة التي بلغت أرقام التبادل معها نحو "مليار دولار"، وسط تأكيد زيلينسكي اهتمامه بالبناء على وجود 200 شركة أوكرانية في الإمارات من أجل تعظيم النشاط الاقتصادي بين البلدين ليتجاوز "صادرات المنتجات الزراعية الصناعية ويشمل هيكل تعاون يتضمن المنتجات عالية التقنية مثل المجال الفضائي، إذ نملك خبرة عظيمة في مجال تصميم وإطلاق صواريخ وأجسام فضائية".

كي لا تغضب واشنطن ولا موسكو

في الجانب الثقافي والسياحي أيضاً، لا تعدم أوكرانيا خيوطاً تربطها بدول الخليج تدفعها إلى الانخراط في قضيتها التي تروج لها بالتوازي مع حلفائها الغربيين في واشنطن ولندن وأوروبا، ومن تلك الجوانب والقواسم قضية "تتار القرم" ذو الأغلبية المسلمة الذين وجدت كييف في سيطرة موسكو على إقليمهم مدعاة إلى اهتمام دول الخليج والفاعلين في منظمة التعاون الإسلامي، بوصفهم شعباً مسلماً ينبغي أن يدعم خياره واستقلال أرضه عن هوى الكرملين. لكن تلك الدعوة لم تحظ باهتمام له أثر، فعلى الرغم من اهتمام دولة مثل تركيا بتلك القومية لأسباب قومية وإسلامية وعرقية، إلا أن دولاً عدة يبدو أنها لا ترى جدوى من إثارة ضجر موسكو الممسكة بخيوط ملفات حيوية عدة، تجعل الوقوف في وجهها يتطلب ثمناً باهظاً، على الرغم من الضغوط الغربية على الحلفاء المنقسمين بين رعاية مصالحهم وما تريده واشنطن وتخشاه موسكو.

لهذا يرى المراقبون أن دول الخليج لا يمكنها المضي بعيداً في نصرة القضية الأوكرانية ولا تجاهلها بالكلية، نظير تشابك المصالح على تخوم حدودها الدولية شرقاً وغرباً.

لكن الخليج ليس وحيداً في هذا الموقف، فهناك على سبيل المثال تركيا التي تجمعها علاقة استراتيجية بأوكرانيا، تجد نفسها في ظرف حرج، فلا هي تقدر على التضحية بمصالحها مع روسيا ولا التفريط بعلاقتها الاستراتيجية مع واشنطن.

فنظراً إلى أزمة تركيا الاقتصادية والمالية، يرى يورك إيشيك من معهد الشرق الأوسط أن تركيا قد تتردد في الوفاء بالتزامها تجاه أوكرانيا، إذ سترد روسيا بالتأكيد باستخدام التجارة، وحجم تجارة تركيا مع روسيا يقارب ستة أضعاف ذلك.

بينما ترى قراءة سونر جاغابتاي لمعهد واشنطن للدراسات أن المخاوف من القوة العسكرية الروسية قد تؤدي إلى إبقاء أنقرة بعيداً من دائرة الضوء، وإن أقر بأن "تعاطفها مع تتار القرم يشير إلى استعدادها لتقديم المساعدة من وراء الكواليس إذا لزم الأمر".

كل ذلك يعني في بعض ما يعني أنه لا أحد من دول المنطقة، بمن في ذلك الخليج، يمكنه أن يغدو بعيداً من شرر الأزمة في أوكرانيا، وإن كان الأكثرية يتمنون ذلك.

أما الأضرار المباشرة للأزمة من حيث سلاسل الإمداد والموارد الاستراتيجية، فإن معظم المواد التي تصدرها كييف إلى أصدقائها الخليجيين تتمحور حول "المواد الزراعية"، ولا تزال التطلعات إلى الاستفادة من موقع الدولة المهم في توزيع الطاقة الخليجية من النفط والغاز على أوروبا في طور التبلور ولم تتحول بعد مشاريع.

السياحة لتنمية العلاقة

على المستوى السياحي، من شأن الأزمنة الراهنة أن تبعث رسائل قلق إلى المواطنين الخليجيين الراغبين في السفر إلى أوكرانيا، خصوصاً في موسم الصيف، إن ظلت المشاحنات قائمة على أشدها، ففي السعودية وحدها تقول السفارة الأوكرانية لـ "اندبندنت عربية" إن عدد المسافرين إليها بلغ في 2021 أكثر من 55 ألف زائر على الرغم من كورونا.

وتصف السفارة العلاقات الدبلوماسية بين بلادها ودول الخليج مثل السعودية وسلطنة عمان بأنها "تتطور بشكل نشط"، كما لفتت إلى أنه "يجري حالياً بحث عدد من الاتفاقات الدولية الثنائية المهمة وتكثيف العلاقات وعقد اجتماعات رفيعة المستوى، إذ تولي أوكرانيا اهتماماً كبيراً بتطوير العلاقات مع منطقة الخليج."

وفي هذا السياق كان رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي أصدر مرسوماً منذ 1 أغسطس (آب) 2020 يعفي مواطني دول الخليج من التأشيرة لدى رغبتهم في السفر إلى كييف، "مما سمح بزيادة كبيرة في عدد السياح ورجال الأعمال والطلاب والمستثمرين الذين يزورون هذه الدول"، بحسب السفارة التي أفادت بأنه منذ الصيف الماضي تم إطلاق الرحلات الجوية المباشرة المجدولة بين أوكرانيا والسعودية للمرة الأولى في التاريخ عبر مدن مثل الرياض وجدة والدمام.

ومع أن السفارة في الرياض رفضت الخوض في إمكان تأثر العلاقات بالأزمة الراهنة، إلا أنها توقعت في الصيف المقبل زيادة وتيرة الرحلات الجوية بين المدن في أوكرانيا والسعودية، وكذلك إنشاء رحلات جوية مباشرة مجدولة بين أوكرانيا وسلطنة عمان، مما يشير إلى أنها لا ترى إمكان تمدد آثار التصعيد الجاري في بلادها إلى الخليج.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل