عندما صرخت "أم عصام" بوجه زوجها في المسلسل الشهير باب الحارة وقالت له "فشرت" قامت الدنيا ولم تقعد درامياً ولدى الجمهور العربي، حينها كانت هذه الكلمة كفيلة بأن يرمي حكيم الحارة "أبو عصام" يمين الطلاق على "سعاد خانم" زوجته وأم أولاده الأقرب إلى قلبه، يدور الزمن دورته لتواجه المرأة السورية قضية الخيانة الزوجية حيث بات بوسعها أن تصرخ في وجه زوجها الخائن ولكن بلغة القانون.
من أروقة القضاء
لم تستسلم إحدى السيدات من هدم زوجها جدار الثقة بينهما حينما أقام علاقة مع امرأة أخرى ولم تكتف من هول الصدمة، كما لم تفضل اختيار القرار الذي لطالما سلكت دربه زوجات عرفن لوعة الخيانة بكتمان خيبة الثقة بالرجل، ودفعت بنفسها للبحث عن حقائق وأدلة لتدينه كاسرة قاعدة البيوت أسرار.
هذه المرأة تمكنت في ديسمبر (كانون الأول) الجاري من تقديم الأدلة القاطعة على جريمة بحق الأسرة، وفي سابقة من نوعها انتزعت أمراً قضائياً بمحكمة البداية الجزائية في دمشق على خلفية إقامة زوجها علاقة غير شرعية خارج إطار العلاقة الزوجية، بعد ما ثبتت للمحكمة بالأدلة خيانته، لتتحول إلى قضية رأي عام أثارت موجة من التكهنات حول حق المرأة بمحاسبة الزوج الخائن.
الحدث قلب الطاولة في المجتمع على أحكام قضائية لطالما كانت لصالح الأزواج في ملف الخيانة الزوجية، تجهلها السوريات، فيما تشي المعلومات الواردة عن قلة هذا النوع من القضايا بالمجمل وإن وجدت فتكون الدعوى مقدمة من طرف الزوج.
جرس إنذار
بالمقابل أماط الحكم القضائي الأخير اللثام عن المادة (474) من قانون العقوبات، وهي المادة التي لم تفعّل بالشكل الواسع بسبب عدم إقدام النساء على تفعيلها أو جهلهن بها حيث نصت هذه المادة: "بمعاقبة الزوج من شهر إلى سنة وفقاً لظروف الدعوى في حال ارتكب الزنى في بيت الزوجية أو اتخذ خليلة له جهاراً في أي مكان كان، أو أعلن أمام العامة بذلك فهو سبب يدفع الزوجة للادعاء على زوجها".
الحكم القضائي الأخير تحول بمثابة جرس إنذار يلاحق الرجال. ويروي أبو ضياء، يعمل ممرضاً في أحد المستشفيات، أن على الرجل المتزوج أن يحسب ألف حساب قبل أن يفكر بالخيانة.
أصحاب (العيون الزائغة) أو (النسونجي) كما يطلق عليهم باتوا اليوم تحت مرمى التندر، لا سيما أن الأدلة لإثبات واقعة الخيانة، مثل إجهار الزوج بالخيانة أو إثبات الزوجة أو الأدلة الإلكترونية ومنها الرسائل، هي من الوسائل المتاحة للإدانة. ويصارح الممرض الستيني قائلاً "لا بد من حرص الأزواج والانتباه من وقوع هواتفهم النقالة بأيدي زوجاتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العلاقة بين الزوجين
في حين يصف الفريق القانوني الخيانة الزوجية بالجرم ويحذر من خطورته وأثره في المجتمع وفي العلاقة الزوجية التي هدف المشرع لحمايتها وصيانتها بتجريمه هذا الفعل، ويستشهد المحامي إسماعيل زكريا بمقولة لنيكولو مكيافيلي: "لا يمكن أن توجد قوانين صالحة إلا حيثما وجدت أسلحة قوية".
ويجزم في مستهل حديثه لـ "اندبندنت عربية" حول دور العدالة والمساوة وعدم التفريق في العقاب والملاحقة بين الرجل والمرأة، ويضيف "سيكون القانون رادعاً للكثيرين عند التفكير بارتكاب هذه الجريمة، بخاصة إذا اتسمت السياسة العقابية في هذا المجال بالتشدد وتكون بالتالي سبباً للحؤول دون انتشار هذه الظاهرة في مجتمع لطالما كان الترابط الأسري من مقومات تماسكه".
كما طالب المحامي زكريا انطلاقاً من مبدأ المساواة في العقوبة وتحقيقاً لفكرة الردع العام والخاص ولمنع انتشار هذه الظاهرة وتفشيها في المجتمع بتعديل نصوص التجريم في هذه الجريمة، وتشديد العقوبة، وعدم التفريق بين الرجل والمرأة في العقاب، وفي الادعاء، ووقف الملاحقة القضائية، وذلك انسجاماً مع أحكام الدستور التي تنص في المادة الـ33 منه: "المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
وقد فرق القانون السوري بالنسبة لهذا الجرم بين زنا الزوج وزنا الزوجة في عدة نقاط في العقوبة "حيث تعاقب الزوجة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين بينما يعاقب الزوج الزاني بالحبس من شهر إلى سنة في العقاب على الشريك، فشريك الزوجة الزانية يعاقب بذات عقوبة الزانية فيما إذا كان متزوجاً، أما إذا لم يكن متزوجاً فالحبس من شهر إلى سنة، وهي ذات عقوبة الزوج الزاني".
تضامن نسائي
وقد تركت هذه الزوجة المكلومة بزوج خائن لـ (العشرة) الباب مورباً أمام نسوة كثر يتشابهن بالحال ذاته، وإن خرجت ظافرة بحبس زوجها لمدة شهر.
ووصفت ناشطات في شؤون حقوق المرأة هذا الحكم القضائي بالنصر المؤزر لصالح النساء وقضاياهن، لكن الناشطة الحقوقية، مريم الحاج علي تلفت النظر إلى قدرة المرأة على نيل حقها بالقانون، فلم يعد مجدياً السكوت والخنوع للظلم الاجتماعي. وأضافت: "من المهم أن تطلع النساء المتزوجات على حقوقهن التي نص عليها القانون، إذ تتساوى مع الرجل المتزوج بملاحقته قانونياً في حال الفعل المشين، المجتمعات العربية تستنكر خيانة الزوجة ولا تغفر لها وتبقى وصمة عار تلاحقها أينما حلّت، بالمقابل تعتبر فعل خيانة الزوج زلة عابرة".
وتعتقد الناشطة الحقوقية بأن "المفارقة شاسعة بين الخيانتين فعلى المرأة بحسب العادات والتقاليد احتمال خيانة زوجها لها من أجل عائلتها، لا سيما إذا كان لديها أولاد"، وترجح في الوقت نفسه ارتفاع هذا النوع من القضايا في أعقاب معرفة النساء بهذا الفوز الجديد، وتقول إنه "بعد قضية الزوج الخائن ستقدم بلا شك زوجات يملكن أدلة ثابتة على خيانة أزواجهن لهن بإقامة دعاوى في هذا الشأن".
في المقابل تتجه آراء كثيرة إلى أن المعتقدات الاجتماعية التي تسيطر على نسبة كبيرة من النساء تمنعهن من المطالبة بهذا الحق، فالموروث الشعبي الذي يعتبر الزوج أو رب الأسرة بـ "السند" يستحيل أن يكون مدعاة للملاحقة القانونية، بحسب ناشطات، بالتالي فإن الأمر يتعلق بالمرأة وقدرتها على إثبات نفسها في مجتمع ذكوري.