Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحافظون البريطانيون يواجهون محاولات تطويقهم على جبهتين

انقساماتهم تذكر بتلك التي دمرتهم مطلع التسعينيات... وزيادة قوة الحزبين من دون قضم متبادل بينهما تؤدي إلى زعزعة الحكومة

كان لنتائج دائرة "شروبشاير" الفرعية وقع الصدمة على حزب المحافظين (رويترز)

بشكل من الأشكال نجحت زعامة بوريس جونسون في إحياء الحزب الليبرالي الديمقراطي (ثالث أكبر الأحزاب البريطانية). لقد مرت فترة زمنية طويلة على آخر الانتصارات الانتخابية الدراماتيكية التي حققها الليبراليون الديمقراطيون كذلك الذي حققوه [هذا الأسبوع]. فبعد تجربتهم الكارثية بدخولهم السلطة عبر الائتلاف مع حزب المحافظين (في 2010)، وما تلا ذلك مثل صدمة "بريكست" والخطأ في التقدير الذي ارتكبته [زعيمة الحزب السابقة] جو سوينسون، وأدى إلى منح بوريس جونسون فرصة إجراء الانتخابات المبكرة التي سعى إليها في 2019، لم تكن الأمور بأفضل أحوالها للحزب الذي كنا نطلق عليه توصيف "الوسط الراديكالي".

فبعد تحقيق الحزب الليبرالي الديمقراطي نجاحاً انتخابياً يعتبر الأكبر له في مجلس العموم البريطاني منذ رئاسة السياسي التاريخي لويد جورج [كان رئيس وزراء بريطانيا بين عامي 1916 و1922]، تقزم تمثيل ذلك الحزب في البرلماني البريطاني وشارف على الاندثار مع حلول انتخابات 2015. ولقد تصرفت سوينسون وفق رهان غير محسوب معتبرة أنه يمكنها حصد أصوات الراغبين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى استغلال عدم شعبية [زعيم حزب العمال السابق] جيريمي كوربين والعمال. وقد ترك ذلك التصرف الحزب الليبرالي الديمقراطي في مواجهة خسارة مذلة تماماً كتلك التي واجهها حزب العمال. الآن، انظر إلى إنجازاتهم [الليبراليين الديمقراطيين]. لقد نجحوا في اقتلاع السيطرة على مقعدين يصبان في مصلحة حزب المحافظين تقليدياً هما مقعدا دائرتي "تشيشام" و"نورث شروبشاير"، والإبتسامة عادت إلى محيا الحزب في كل مكان.

ولكن، إلى ماذا تؤشر نتائج هذه الانتخابات الفرعية؟ أولاً، تشير إلى أن آراء الناخبين البريطانيين باتت أكثر تقلباً هذه الأيام، فالعادات القديمة والولاءات التقليدية قد أصبحت أكثر ضعفاً بسبب عوامل عدة اجتمعت جراء "بريكست"، إضافة بالطبع إلى قوة جونسون السابقة في الترويج الانتخابي التي استغلها في نتائج استفتاء الخروج من أوروبا عام 2016. وفي العادة، يستند الاقتراع لمصلحة هذا الحزب أو ذاك إلى ما "درجت عليه العادة" أو الولاء أو الحس السياسي، وقد ذاب ذلك. وصب ذلك كله لمصلحة جونسون وحزب المحافظين [في أوقات سابقة]. في المقابل، إن سقوط دوائر الانتخابات ضمن ما عرف بـ"الجدار الأحمر" Red Wall [دوائر تابعة تقليدياً لحزب العمال] في يد المحافظين، كانت من أوضح تجليات تلك الظاهرة وأكثرها ربحاً بالنسبة إلى المحافظين، لكن عملية إعادة رسم الحدود [بين الأحزاب]، وقد بدأت بالفعل قبل وصول جونسون إلى السلطة، لكنه سرع من وتيرتها، يمكنها العمل في الاتجاهين، وفق ما نلاحظه في هذه الأيام. إن الناخبين المؤيدين لحزب المحافظين تحديداً، الذين أحبطتهم تصرفات بوريس جونسون وحكومته، وقد خاب أمل كثيرين منهم بـ"بريكست" وعملية الخروج، كانوا أكثر استعداداً للتمرد تماماً على غرار ما فعله كثير من نواب حزب المحافظين أخيراً [احتجاجاً على سياسات جونسون وتصرفاته].

ثانياً، تظهر تلك الخسارة عودة التصويت التكتيكي المعارض لحزب المحافظين. فمنذ انتخابات 1997، لم يكن التصويت التكتيكي [بين الأحزاب] عاملاً مهماً، لكن في 2021، السنة التي عاد فيها كي يصبح عاملاً مؤثراً. في "تشيشام"، كما في [نورث شروبشاير]، جرى حشد وتجيير الأصوات المؤيدة لحزب العمال كي تصب لمصلحة الحزب الليبرالي الديمقراطي. في دائرة "أولد بيكسلي وسيدكاب"، منح من يؤيدون تقليدياً الحزب الليبرالي الديمقراطي، أصواتهم لمصلحة حزب العمال. ليست تلك العملية حاسمة دوماً في فاعليتها، لكنها قد تحدث فارقاً في بعض الدوائر غير الأساسية. ففي الدوائر الانتخابية، حيث لا يمكن لحزب العمال تحقيق الفوز، لنأخذ مثلاً الدوائر في جنوب غربي إنجلترا ومناطق الريف الإنجليزي، يمكن لناخبي الحزب مساعدة مرشحي الحزب الليبرالي الديمقراطي في استعادة مقاعدهم التي خسروها في 2015، وما بعد ذلك. والعكس ممكن أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثالثاً، يبدو أن حزب المحافظين أصبح تحت رحمة حركة التفافية من جهتين بشكل كماشة، تذكرنا بتلك التي أدت إلى دمار الحزب في تسعينيات القرن العشرين. فإذا سجل حزبا العمال والليبرالي الديمقراطي نمواً في قوتهما وثقتهما، ولا يبدو أنهما مهتمان بالقضم من قاعدة كل منهما الحزبية، يكون الحزب الحاكم البريطاني في طريقه إلى الزوال. ففوز حزب العمال بمقعد "أولد بيكسلي وسيدكاب" Old Bexley and Sidcup في الانتخابات الفرعية بعد انتقال نحو 10 في المئة من الأصوات لمصلحته، يشكل في الواقع أهم تطور في علم الإحصاء السياسي في 2021، لأنه كان من نوع التحولات الكبيرة التي يحتاج إليها حزب العمال في إيصال كير ستارمر إلى مقر رئاسة الحكومة في "10 داونينغ ستريت"، وبدا نتيجة ذلك أنه إذا توافرت الظروف المناسبة، فسيغير الناخبون مباشرة توجهاتهم ويقترعون لمصلحة حزب العمال وبأعداد كبيرة.

في الواقع، هناك هجوم من ثلاث جهات على حزب المحافظين، فإعادة تشكيل "حزب بريكست"، وأعضاؤه من "الليبرتاريين" المناوئين للهجرة والتابعين لما كان يعرف بحزب "ريفورم يو كي" [إصلاح المملكة المتحدة Reform UK]، يمكنهم أيضاً قضم بعض الأصوات التي تقترع تقليدياً لمصلحة المحافظين، وفي هذه الحالة بنسبة تصل إلى 3.7 في المئة، ويمكن أن يؤثر في مقاعد هامشية تشتد فيها المنافسة (على غرار ما حدث في انتخابات 2019 حينما منع نايجل فاراج، رئيس حزب "إصلاح المملكة المتحدة"، جونسون من تحقيق فوز ساحق).

واستطراداً، يقع العائق الحقيقي الوحيد أمام حصول حزب العمال على غالبية حكومية، في مكان بعيد جداً عن "بيكسلي"، أو "تشيشام وشروبشاير"، إذ يكمن الضعف القاتل للحزب في فرع الحزب باسكتلندا. ليس هناك ما يشير إلى أفول نجم الزعيمة نيكولا ستورجين و"الحزب القومي الاسكتلندي"، أو تراجع شعبيتهما بشكل يشبه التراجع الذي ضرب جونسون والمحافظين أخيراً.

أنا هنا لست بصدد التشكيك بإمكانية حدوث تلك التحولات وإلغاء الاحتفاء بها، ولو كلامياً، لكن هناك لائحة طويلة من نتائج الانتخابات الفرعية التي كسبها عادةً الليبراليون الديمقراطيون، ثم عادت تلك المقاعد إلى حزب المحافظين خلال الانتخابات العامة اللاحقة (ونادراً ما يكسبها حزب العمال). ومثلاً، صوتت دائرة "كرايست شيرش" في 1993 لمصلحة مرشحة عظيمة من الحزب الليبرالي الديمقراطي، هي ديانا مادوكس، بتحول في الأصوات بلغ 35 في المئة، خسرت مادوكس مقعدها بعد عدة سنوات لصالح شاب يدعى كريستوفر تشوب الذي لم يضف عبر مشاركته البرلمانية أي قيمة إلى مجلس العموم.

كخلاصة، لقد باتت زلازل الليبراليين الديمقراطيين في الانتخابات الفرعية معهودة منذ حادثة "تورينغتون" التي أشارت إلى تجدد تلك التحولات في فترة ما بعد الحرب العالمية، في سنة (حين سجلت خسارة حزب المحافظين لأحد مقاعده الأساسية في الانتخابات الفرعية ليعود المقعد إلى الحزب بعد سنة وحيدة في 1959). لقد حدثت حالات كثيرة من نوع بزوغ فجر كاذب. حتى لو افترضنا ذلك، يبقى أن نتيجة الانتخابات الفرعية الأخيرة تشير إلى حال من عدم الرضا بين الجمهور، حتى لو اعتبرت تلك النتيجة قصة فحواها السعي إلى "إيصال رسالة إلى ويستمنستر" [الحي الحكومي في لندن]. إذاً، يبقى السؤال البديهي أيضاً يدور حول قدرة جونسون على النهوض بما هو مطلوب في ترميم صورة الحزب وحظوظه قبل الانتخابات العامة المقبلة. اليوم، لا يبدو أن جونسون أمام خيارات مصيرية كبيرة تتعلق بتحقيق مشاريع تجديد وطنية واضحة على غرار ما كانه حال رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر حين خسر حزبها خسارة مدوية أمام تحالف حزب الديمقراطيين الاشتراكيين والتحالف الليبرالي SDP/Liberal Alliance. لا يبدو أن ما يجري اليوم يشبه تلك الأيام.  

© The Independent

المزيد من آراء